دعا الإئتلاف العراقي الموحد مؤخرا وعلى ضوء استعداده للانتخابات
القادمة بعض التوجيهات والنصائح من المخلصين، وها أنذا أضع بين أيدي
أخوتنا التصورات والتجارب التاريخية التي كان لها أثر مباشر في تغيير
واقع العرب في الأندلس، من الممكن أن نستفيد من أخطاء كانت سبباً في
حصول نتائج كارثية على مرتكبيها.
من لم يدرك التاريخ يضيع الحاضر ومن ضيع الحاضر فقد المستقبل، من
هذا المنطلق أبدأ نصيحتي للأخوة في الائتلاف العراقي الموحد. فلو
تتبعنا حركة التاريخ والصراع الإنساني يتضح لنا أن هناك خطين، خط
السماء وخط الأرض، فخط السماء ركز على المثلث الجغرافي (الكوفة – القدس
ـ مكة) حيث مر به آلاف الأنبياء وهم في صراع مع خط الأرض، وكلما انتهت
أمة بعد انحرافها وقتلها للأنبياء استبدل الله غيرهم الى أن وصلت إلى
أمة العرب ورسالتها ورسولها محمد (ص).
ولما كانت أمتنا هي آخر الأمم فلم تُستبدل بعد انحرافها وقتلها لأهل
بيت النبوة على مدى العصور، ولكن الله (سلب منها الحكمة) جزاءا لفعلهم
وعوضا عن استبدالهم التي هي من سنن الله. ولو تتبعنا مسيرة أمة العرب
على طول التاريخ بعد انحرافها عن الرسالة إلى يومنا هذا من دون الوقوف
عند هذا القول (سلب الحكمة) تأخذنا تساؤلات واستفهامات كثيرة للمواقف
التاريخية المتتابعة في الانحطاط أمام الأمم الأخرى في أقوال استفهامية..
لماذا يكون ذلك ؟.. وليس من المعقول.. وكيف هكذا؟.. وفي عصرنا الحاضر
نرجعه للتأثير الخارجي وغيره...، لكن المتفهم لحركة الأمم والتاريخ يجد
أن (سلب الحكمة) هو علة ما حصل من انحسار وضعف واختلاف منذ قيام الدولة
الأموية ودولة الأندلس وحتى الدولة العثمانية وما بعد قيام دولة
اسرائيل وحروبها مع العرب، إلى وقت تحكم حزب البعث بالعراق واستخفاف
صدام بأمة العرب وصولاً إلى تأسيس (مجلس الحكم في العراق سنة 2003)
وتشكيل الوزارات ومن ثم تشكيل (الائتلاف العراقي الموحد سنة 2005)، فقد
سُلبت الحكمة من الجميع ومن رجالات الائتلاف العراقي الموحد، لأن من
أوليات الحكمة هو تشخيص الهدف والعدو والمصلحة، وبمراقبتي الدقيقة
لتحرك الائتلاف منذ تأسيسه والاختلافات التي طغت عليه وهمشت رجالات
الدولة الحقيقيين من أصحاب التاريخ والخبرة والكفاءة بسبب طغيان
الأنانية وحب الذات ونزعة التفرد في السلطة، وجدته حقا أنه فاقد للقدرة
على تشخيص هذا المثلث (الهدف – والعدو- والمصلحة)، فلم يشخص الهدف
الأول ولا العدو الأول وضاعت المصلحة لانها تدور مدار الهدف.
وما أريد أن أقدمه للأخوة في الائتلاف من نصح هو: أن يقرأوا التاريخ
جيدا حتى يضمنوا الحاضر ولا يفقدوا المستقبل، ويشخصوا العدو القريب
والهدف الأول الذي هو الحفاظ على أتباع مذهب أهل البيت في العراق كضمان
للحفاظ على العراق، من الذبح الذي استمر 1400 سنة منذ قيام الدولة
الأموية وحتى سقوط نظام الديكتاتورية الصدامية في 9 نيسان 2003،
ويتعضوا مما حصل في الأندلس عندما تفتت دول الطوائف باختلافها بعد أن
ضيع أهلها الهدف الأول ولم يشخصوا العدو، ففقدوا الرؤية عندما تحالفوا
مع الأعداء ضد المسلمين الأشقاء.
ومن خلال ما نراقبه هذه الأيام من تحالفات واختلافات بين الكتل
السياسية قبيل الانتخابات القادمة، فإننا نرى تشابها في تحالفات هذه
الكتل بتحالفات حكام الطوائف في الأندلس مع النصارى ضد إخوانهم
المسلمين في سنة 1400م، لأنهم ضيعوا الهدف الحقيقي وهو الحفاظ على
الإسلام ونشره في أوربا، فيما تميز أعداؤهم بوضوح الهدف والعدو
والمصلحة، فكانت الغلبة لمن شخص الهدف وعمل باتجاهة، فأخرجوا المسلمين
جميعا من الأندلس إلى بلاد المغرب بعد حكم 800 عام. ولذلك فإننا نرى من
الخطأ أن بعض الأحزاب السياسية قد اسرعت أو في طريقها إلى التحالف مع
بعض الأعداء وترك المخلصين الأشقاء، مع غفلتها في تشخيص المثلث المذكور
أمام عدو ذكي متمرس له تجربة في التعامل معنا طيلة الأربعة عشر قرنا
الماضية.
إن فهمنا الدقيق لأعدائنا بأنهم يمتلكون وضوحا كبيرا في الأهداف
والأعداء ولديهم المقومات والخطط لأنجازها ولو طال الزمن لهو أمر في
غاية الأهمية بالنسبة لنا، لكي ندرك كيفية التعامل معهم استنادا إلى ما
ندركه جيدا عنهم، فإذا لم يمتلك الائتلاف وضوحا في الرؤية وتشخيصا
سليما للهدف والعدو، فإن مآله حتما مآل دول الطوائف في الأندلس، كما أن
الأهداف الحزبية الضيقة كأهداف دول الطوائف الضيقة وقتئذ، سوف لن تجدي
في تحقيق مصلحة الوطن والمذهب وأهله على المدى القريب أو البعيد.
ولعل من أوضح معالم ما ذهبنا إليه هو أن أعداؤنا وبعد خروج
الأمريكيين راحوا يشحذون هممهم ليضمنوا بقاء عجلة القتل فينا تدور
باستمرار، يشجعهم على ذلك تهالك مسؤولينا على الإقدام على خطوات
لإرضائهم وغض الطرف عما يقترفونه ضنا منهم أن ذلك سوف يشفع لهم في
إقناع القاتلين على وقف جرائمهم قبل أن يحققوا أهدافهم المرسومة في
الاستحواذ على السلطة من جديد ولو بأشكال أخرى، كما استحوذ أعداء دول
الطوائف على الأندلس في عام 1492 م. فننصح إخواننا أن يعيدوا النظر
بسياستهم مع الأعداء، وأن يتعاملوا معهم بهذا الوضوح والتشخيص، والله
من وراء القصد.
* مؤسسة التوعية الاجتماعية
houeidi@hotmail.co.uk |