للاسف الشديد فان انقرة غيرت موقفها
الداعم والمؤيد للعملية السياسية الجديدة في العراق، بتحريض من المملكة
العربية السعودية التي تكن كل الحقد والعداوة للعراق الجديد.
بالرغم من ان بغداد قدمت يد الصداقة وحسن الجوار والتعاون لانقرة،
ان من خلال الملف الامني الذي يعاني منه الاتراك، او من خلال الملف
الاقتصادي الذي استفادت منه انقرة عندما فضل العراقيون الشركات التركية
للاستثمار في العراق وفي مشاريع اعادة البناء والتنمية، وعندما فتحت
الاسواق العراقية ابوابها امام البضائع التركية، الا ان انقرة لم
تتعامل مع بغداد بالمثل، وانما ردت الاحسان بالاساءة، عندما سعت الى
توظيف ملف انساني بحت هو ملف المياه لممارسة الضغط على بغداد
لابتزازها، ما ساهم في ازدياد حالة التصحر من جانب وقلة مناسيب المياه
في نهري دجلة والفرات والذي تسبب بشحة المياه حتى الصالحة للشرب، ما
سبب بموت الاحياء من حيوان ونبات، كما سبب في تدمير اراضي زراعية
واسعة، ادى الى قلة المحصول وارتفاع نسبة البطالة.
لقد استفادت الرياض من النظرة الايجابية للعراقيين تجاه تركيا
باعتبارها جارة غير عدوانية ولا تحمل في سياساتها اية اجندات طائفية
تجاههم، لتحرضها على العراق، بالترغيب عادة، لتتحول الى حاضنة جديدة
للارهابيين وايتام النظام الشمولي البائد، من خلال رعايتها للاجتماعات
الاستخباراتية التي عقدت مؤخرا بين عناصر ارهابية واجهزة استخبارات
اجنبية.
كما ان تركيا اليوم ضالعة في تقديم الدعم اللوجستي للارهابيين خاصة
في الموصل الحدباء، والتي شهدت يوم امس واحدة من اسوء العمليات
الارهابية الطائفية التي استهدفت شريحة الشبك المسالمين الطيبين.
ان على الحكومة العراقية ان تتحمل مسؤوليتها كاملة لحماية العراق
وشعبه من مثل هذه الاجندات التركية الخطيرة، من خلال توظيف كل عناصر
الضغط على انقرة، خاصة ما يتعلق بالملف الاقتصادي، فتحرم تركيا من
الاستثمار في العراق، وهي التي تحتاج الى مثل هذه السوق البكر بدرجة
كبيرة، لو حرمت منها فسيتضرر الاقتصاد التركي بدرجة كبيرة.
ان ما يثير الاستغراب حقا، هو، لماذا تتعامل الحكومة العراقية بهذا
الشكل الضغيف مع من يسعى لايذاء العراق والعراقيين؟ وكلنا نعرف بان
العراق اقدر على رد الصاع صاعين لمثل هذه المساعي العدوانية؟.
لماذا ترضى الحكومة العراقية ان تتحول الى شرطي لحماية حدود تركيا
من هجمات الارهابيين من عناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني التركي،
فيما تحتظن انقرة جماعات العنف والارهاب على اراضيها، في محاولة منها
لتسويقهم هنا وهناك؟.
ولماذا تقبل الحكومة العراقية ان تنشط الشركات التركية وان تنساب
البضاعة التركية الى العراق، فيما تصر انقرة على توظيف ملف الماء للضغط
على بغداد ومحاولة اركاع العراقيين لصالح اجندات سيئة تضر ببلدهم؟.
واين هي، اذن، نتائج الزيارات المكوكية التي يقوم بها مسؤولون
عراقيون (كبار) الى انقرة، يصفونها في كل مرة بالتاريخية، فيبشرون
العراقيين بنتجائجها الايجابية؟ ام انها، كذلك، زيارات دعائية
وانتخابية، الهدف منها توظيف ملف المياه الحساس جدا لصالح اجندات حزبية
وطائفية؟.
ادعو الدولة العراقية، بكل مؤسساتها، الى ان تتعامل مع الملفات
المتعلقة بالجارة تركيا بكل حزم، فالعراق في خطر والحياة في العراق على
كف عفريت، لا يمكن التمادي بمثل هذه الملفات الحياتية.
ان تقرير الاتحاد الاوربي الاخير الذي اتهم السعودية بالاسم بالتورط
في العمليات الارهابية الاخيرة التي شهدتها عدة مناطق من العراق خاصة
الموصل وكركوك، في مسعى منها لاجتثاث الشيعة من هذه المحافظات، على حد
وصف التقرير الدولي الذي صدر امس الاول، انه دليل اضافي ذو مصداقية
عالية، يدعم ما يقوله العراقيون دائما من تورط المملكة العربية
السعودية في جل الاعمال الارهابية، وفي عمليات القتل والتدمير التي
يشهدها العراق، واضاف:
ان السعودية هي من اكثر دول العالم خطرا على العراق الجديد، فهي
تبذل كل ما بوسعها لتدمير العملية السياسية، وباجندات طائفية حاقدة، لا
ترغب في ان ترى نظاما ديمقراطيا حقيقيا يتاسس في العراق، لانها، وكما
هو معروف، من اسوأ الانظمة الشمولية الوراثية في العالم، وهي تخاف من
ادوات الديمقراطية الى حد الهستيريا، ولذلك لا ترغب ابدا بل تخشى ان
يتاسس نظام ديمقراطي على حدودها، لان ذلك سيكون سببا مباشرا في تحريض
شعب الجزيرة العربية الذي سحق حقوقه وكرامته وصادر حريته وارادته
النظام العشائري المتخلف الحاكم في ارض الحرمين، على الثورة لقلب نظام
الحكم والسعي من اجل اقامة نظام سياسي حضاري عصري يعتمد راي المواطن
وصوته وارادته في تداول السلطة.
* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن |