|
شبكة النبأ: عندما صدرت رواية (ألف
وتسعمائة وأربعة وثمانون) في عام 1949 لجورج أورويل، قال عنها ناقد
معاصر فور صدورها (انها كتاب عظيم..ولكني اسأل الله أن يجنبني قراءة
مثلها في مستقبل أيامي).
اعتقد إنها من أحفاد (الأمير) و(المؤامرة)؛ الكتاب والنظرية، لقد:
1- أدانها الشيوعيون.
2- أبغضها اليسار الأوربي، وهو مازال أسيرا لأحلام الأممية فيما بين
الحربين.
3- هلل وصفق لها معسكر آخر في اليسار، لأنها لا تحد من تحول الحكم
الى السلطة المطلقة في يد اليساريين، لكن في يد الليبراليين وحدهم.
4- رأى فيها البعض الآخر هجوما على النموذج الاشتراكي البريطاني،
وتحذيرا من وقوعه تحت ظل النمط الاقتصادي الروسي، وتسلط حزب العمال
البريطاني.
5- البعض ممن لهم وزنهم في الحياة الأدبية والسياسية، حذروا بألا
تؤخذ الرواية مجرد أداة إعلامية لأنها عمل فني هادف وجاد.
عندما يقع المواطنون فريسة لمشاعر الخوف المستديم من خطر محدق بهم
يسهل ممارسة الكبت والمصادرة، بذلك تكتمل مقومات مجتمعات رواية 1984،
مجتمع (شرطة الفكر)، (التصنت والترصد)، ( الجواسيس الهواة) الذين
بالمستطاع تجنيدهم حتى ضد أسرهم وهم اشد خطرا، فتكا، تفانيا.مجتمع
ينتهي به الماضي بالأمس، ولا يولد فيه الغد. حفلات مناسبات الحكام؛
ينفس المواطنون عن المكبوت ضد عدو غامض.مجتمع ( يوريشيا) لا خوف فيه من
الإخلال بالقانون لأنه لا يوجد فيه قانون يمكن الإخلال به. لا يوجد فيه
(أصدقاء) وإنما(رفاق). (الأخ الأكبر) في صورته الضخمة التي تمتلئ بها
الشوارع.
الغريب في هذا المجتمع كل شيء على نقيضه تماما؟!(وزارة الحقيقة):هي
وزارة الكذب.(وزارة الوفرة): هي وزارة التجارة والتوزيع غير العادل
للمواد الغذائية.(رابطة أعداء الجنس للناشئات) رئيستها العشيقة السرية
لونستون سميث، ومن قبله للعديد من أعضاء الحزب.
(الأخ الأكبر) هو الخصم الأكبر لحرية المواطنين وأمنهم.شخصياتها
نماذج، أنماط، كائنات ليس لها ظل، لا أبعاد، لا تتطور، لا تنمو..إنما
يدور سلوكها في فلك رتيب.
يقع ونستون سميث بطل القصة في علاقة غرامية سطحية مع جوليا أحدى
الموظفات في (مديرية الأساطير) (بوزارة الحقيقة) التي يعمل فيها مزورا
للحقائق والمعلومات..يعقد ونستون صداقة سطحية مع صاحب مكتبة كهل، اسمه
كارنجتون، عن طريقه يستطيع اللقاء بجوليا في غرفة مهجورة مملوءة
بالانتيكات تعود للكهل، يتخذ منها العاشقان عشا لغرامهما، لكنهما
يتوجسان ان تطبق عليهما الشرطة السرية.
يلتقي ونستون بشخص آخر غامض اوبراين يستدرج العاشقان مدعيا انه في
صف المعارضة يعيرهما سرا (الكتاب) الذي يحمل أفكار، مبادئ جولد شتاين
المناهض للحكم الاستبدادي.يجد في (الكتاب) كل أفكاره التي يؤمن بها.
يتعرف ونستون على رجل ذكي سايم، خبير (النيو سبيك) اللغة الجديدة.من
نقاشه مع سايم يدرك مدى الدور السياسي المدمر للغة عندما تصبح أداة في
يد حكم متسلط.يختفي سايم فجأة على يد شرطة الفكر.لقد حولته الى (حالة
غازية) لكون الحزب الحاكم لا يحتمل الأذكياء المتحمسين لرسالتهم
الإنسانية.
من الشخصيات التي يتعرف عليها ونستون العامل بارسونس، زوجته
وطفليه.يدرك قابلية وقوع الطبقات الدنيا أسيرة في قبضة النظام عن
طواعية وتصديقها لجميع أكاذيب(الأخ الأكبر) وتقديسها.بتنشئة أبنائهم
كعيون على خصوم النظام حتى على أسرهم.
في النهاية يقع ونستون وصديقته جوليا في يد (شرطة الفكر). يصعق
ونستون وصديقته عندما يدركان ان كارنجتون كان رجل شرطة شابا متنكرا في
صورة الكهل قادهما الى هذا المصير البائس. تقوم الشرطة بتعذيبهما،
المثير ان على راس فريق التعذيب اوبراين الرجل الذي يعلق عليه ونستون
الآمال في الخلاص. تحت جحيم التعذيب ونستون يعترف (بجريمة الفكر)، لكن
المذهل يوقع أيضا بصديقته جوليا!
يتم تحويل ونستون تماما الى الخط الذي نشز عنه فكريا لأربعين
عاما.يرفع ونستون عينيه الدامعتين ليرى (الأخ الأكبر) يتطلع إليه، بعطف
وحنان. يلوم ونستون نفسه لسوء فهمه الذي حرمه من المحبة الأبوية طوال
نشوزه عن الحزب!
انتهى الصراع، انتصر ونستون على نفسه؛ لقد أحب الأخ الأكبر. هكذا
نهاية البطل، لا يموت، إنما يعيش ضحية من القمع والاستبداد افلت بمعجزة
ببقية من عقله في مجتمع لم يعد فيه مكان للعقل.
مات الكاتب بعد صدور الرواية بوقت قصير عام 1950، الجيل الذي عاصر
ولادتها هو نفس الجيل الذي شهد حلول العام الذي تنبأ كاتبها بوقوع
تنبؤاته فيه 1984 الذي يحمل عنوان الرواية! اما لماذا اختار هذا العام
بالذات ميقاتا لأحداث روايته؟
افترض الروائي عام 1984 سيتم تقسيم العالم بين ثلاثة معسكرات او كتل
سياسية، جغرافية. لقد سقطت هذه بدورها فريسة إيديولوجيات متضاربة
الأهواء، في حرب من نوع استنزاف غريب، خالية من النصر او الهزيمة، هدنة
او صلح. يفرضها حكام على المواطنين ليظلوا في رعب واستسلام؛ ليسهل فرض
سلطتهم كما يشاؤون.لقد أدرك الحكام ان حالة الخطر الدائم هي اقرب
الحلول السياسية لأزمة الحكم مع بقائهم في قمة السلطة، لذلك قرروا
الوقوف بجانب الخطر ضد حرية و أمن المواطنين.
رفض الكاتب الاستعمار بكل صوره وأشكاله. هل من الممكن أن نرى فيها
مجتمعنا وفردنا كما يراه الآخر قابل القسمة على ثلاثة؟ العراق من أقطار
العالم الثالث، رغبة الأول والثاني ان يكون كعكة، شكله المثلث يساعد
على ذلك.خاض ثلاثة حروب كارثية.قسم الى ثلاثة أقاليم شمال، وسط، جنوب.
شيعي، سني، كردي. نموذج وزارة الوفرة وزارة التجارة!. تتنازع عليه
المعسكرات الروسية، الأوربية، الشرقية. يتجاذبه الأمريكان، هل تبقى
أمريكا؟. التحليل النفسي للرقم 3 في الرواية معناه تولّد جديدا، المثل
العراقي يقول (الجِدر يتركّب على تلث حجارات). وهكذا... |
