الحرية.. طريق الانسان نحو الرقي والتطور الدائم

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: ما كان للانسان أن يصل الى ما وصل إليه من تطور واختراعات ومكتشافات متواصلة لو لا تمتعه بالحرية التي تدعمه وتحرك فيه ملكة الابداع الدائم، ولقد بيّن الاسلام أهمية هذا الركن في حياة الانسان، إذ ليس هناك أقوى من الحرية على حث الانسان لمواصلة طريق الحياة الطويل عبر البحث الدائم عن الجديد الذي يقود الى جديد آخر وهكذا هو ديدن الحياة التي ترفض القولبة والسكون الى النمط الأوحد.

وهكذا نجد ان الحرية في الرأي والتعبير والاكتشاف والعمل وما الى ذلك كانت عنصرا جوهريا في تحقيق المآرب الجيدة للانسانية جمعاء، وبعكس ذلك نلاحظ ان تكميم الافواه ووضع العراقيل واستخدام اساليب الترهيب والترغيب لكسر ارادة الحرية الانسانية سيقود الى نتائج عكسية تماما، حيث تكبو الامة في حضيض الفردية والشمولية والرأي الأوحد في حين ان الانسان كائن لا يستطيع التطور في اجواء كهذه، بمعنى ان اجواء الحرية هي وحدها القادرة على تحريك وتثوير ملكات الابداع في داخل الانسان، ومن ثم نقله من حالة الحياد والصمت والانعزال الى حالة الانتاج المبدع والمتجدد، ولهذا أكد الاسلام على أهمية هذا الركن في حياة الانسان، ويحدد الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله في كتابه (إذا قام الاسلام في العراق) رؤية اسلامية واضحة وبليغة لحرية الانسان فيقول:

(الحرية أصل يعطي للإنسان الحق في أن يختار أي شيء أو يقول أي كلام أو يفعل أي فعل أو.. حسب إرادته كما تقر ر ذلك في العقل والشرع).

وبهذا فإن الانسان حر في قوله وسلوكه وفكره ومعتقده وعمله إلاّ اذا كان هنالك ضررا في هذه الانشطة على الآخرين، وهو ما لا يرضاه الاسلام، ولا ترضاه السجية الانسانية السليمة، فالأصل في فطرة الانسان هو عدم الاضرار بمصالح الآخرين، وهذا ما يستند اليه الاسلام في رؤيته وتعاليمه فينا يخص الانشطة الانسانية كافة، وبهذا المعنى فإن الحرية الفاعلة المنتجة هي تلك التي تُمنح للانسان رأيا وقولا وسلوكا لا يتضارب مع السائد من الاعراف والتقاليد والنمط الاجتماعي المستمد من رؤية الاسلام وتعاليمه، وهي في مجملها تصب في صالح الانسان وخيره، وفي هذا الصدد يقول الامامو الشيرازي في كتابه هذا:

(وبالجملة كل إنسان حر في كل شيء ما عدا المحرمات وهي قليلة جداً).

 بيد ان المشكلة التي غالبا ما تظهر في هذا المجال هي حالة التضارب بين نظام الحكم وبين حرية الافراد، بمعنى ان نظام الحكم الذي يمثل السلطة لا سيما في البلدان ذات الانظمة السياسية الفردية لايرغب في تفعيل هذه الرؤية الاسلامية الى حرية الفرد، بل غالبا ما تقوم مثل هذه الانظمة على القمع والكبت والتكميم وضرب حرية الانسان فردا او جماعات معارضة، والسبب هو حب الاحتفاظ بالسلطة على حساب حرية الآخرين، وفي هذا المجال يقول الامام الشيرازي رحمه الله:

(إن ما نراه في بلادنا من فوضى واضطرابات هو نتيجة لتحكم الاستبداد والدكتاتورية فإن الاستبداد مستنقع مملوء بالأوبئة الفاسدة التي تنشر الأمراض بالمجتمع: كالطغيان والظلم والفقر والقمع والسجن والتشرد والحروب وغير ذلك).

وهكذا يظهر التضاد الحاد بين أهمية حرية الانسان في بناء الحياة وبين مصالح الانظمة السلطوية التي تفعل المستحيل من اجل ان تبقى على رأس السلطة او الحكم في هذا البلد او ذاك، ولنا دلائل كثيرة في هذا المجال، حيث الانظمة العربية تنحو في غالبيتها هذا النحو السياسي الشاذ وكذلك بعض الدول التي تُنسب نفسها (رسميا) الى الدين الاسلامي، ولنا في ما حدث في العراق عبر عقود متتالية من الانظمة الفردية خير دليل على ان وسائل القمع والتكميم لن تنفع احدا لا حاكما ولا محكوما، لأن الحرية ببساطة هي صمام الامان لنجاح الامة او الشعب وتقدمه وتطوره.

فحرية الرأي والتعبير وما شابه لا تعني الفوضى ولا تعني إشاعة حس المؤامرة والتخوين وما شابه، بل هي عامل يصب في صالح الجميع في حالة توافره على شرط عدم الاضرار بالآخرين او التجاوز على حرياتهم، كما ان من حق الحكومة ان تُنشئ جهازا امنيا يوفر الامن الداخلي والخارجي للامة او الشعب، شريطة ان لا يتحول هذا الجهاز الى حار للنظام المستبد وحمايته من السقوط كما حدث ويحدث في حكومات رحلت واخرى تقارب على الرحيل بسبب عدائها الحاد للحرية، وفي هذا المجال يقول الامام الشيرازي:

(ومن أركان الحكم في هذا العصر هو وجود جهاز أمني لمواجهة شبكات الأمن المعادية والمضادة التي تحاول اختراق الحكومة وإسقاطها أو تحريفها عن مسارها الإسلامي والإنساني. والجهاز الأمني يجب أن يكون في قبال العدو الخارجي المترصد لضرب الدولة المنتخبة من قبل الجماهير لا أن يستغل لضرب الشعب حيث يستغل المستبدون من الحكام جهاز الأمن لضرب الأمة وخنق الكفاءات والتمجيد بالزعيم الأوحد).

إذن لا ضير في أن يكون للحكومة جهاز أمن جيد ومتمكن، لكن الضير يكمن في تحوله الى جهاز قمعي يحد من حرية الشعب او الامة سواء لناسها البسطاء ام علمائها ومثقفيها وغيرهم، ففي هذه الجالة سيتحول هذا الجهاز من مهمته الامنية المطلوبة، الى مهام أخرى تتمثل في تكميم الافواه ومحاصرة الاقلام الشريفة وحصر الآراء كلها في اتجاه واحد يصب في صالح السلطة فقط، وهذا هو الطريق الأقصر لسقوطها كما تدل على ذلك تجارب التأريخ.

إذن فالحرية هي طريق البناء المتجدد للحياة وفق اشتراطات واضحة تتمثل بعدم التجاوز على حريات الآخرين أو آرائهم وما عدا ذلك، فإن الاسلام منح الفرد حريته التي تقوده الى الابداع في شتى مجالات الحياة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/آب/2009 - 25/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م