القرية الكونية والتحديات التي تواجه الشباب

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لم يكن يخطر في بال الانسان ان عالمه الشاسع والمترامي الاطراف سوف يتكثّف في يوم ما ويُصبح قرية كونية تتميز بالاتصال والصراع عبر العديد من الوسائل الاتصالية التي أخذت بالتنوع والتجدد والتطور المتواصل، فحصرت هذا العالم الذي ينطوي على مليارات البشر في مساحة واحدة يمكن التواصل فيها بين الجميع على مدار الساعة.

فالتلفاز المحلي الذي كان ينقل ما يجري في المحافظة أو البلد ، أصبح (فضائية) تصلك بأقطار الدنيا وقارّاتها السبع ، وتوصل العالم كلّه إلى بيتك في دقائق بل ثوان معدودات وجهاز الهاتف الذي كان ينقل لك ذبذبات الصوت  صار ينقل لك الصوت والصورة معاً .. بل صار يتنقّل معك حيثما ذهبت وأينما حلقت وأبحرت وحللت .

والبرقيات التي كنت تبعثها سابقاً في كلمات مضغوطة صار بإمكانك إرسالها عبر (الفاكس) لتصل الطرف الآخر ـ مهما كان بعيداً ـ في لحظات .

ثمّ جاء الاختراع البارع (الانترنيت) هذه الشبكة العنكبوتية التي تمدّ أذرعها ـ عرضاً ـ إلى أقصى اليمين وأقصى اليسار وـ طولاً ـ إلى أقصى الشمال وأقصى الجنوب، وإذا بها تجمع سبل الاتصال كلّها في واحدة، فهي الإذاعة وهي التلفاز وهي المكتبة وهي الصحيفة وهي النادي وهي الندوة وهي المقهى .. وهي .. وهي ..

هل صدّقت الآن أن إدارة هذه القرية الكونية، ليس بالمشكلة أو المعضلة التي كان يتصورها آباؤنا وأجدادنا .

بيد أن هذا الانجاز المذهل الذي حققه الانسان لا يخلو من المخاطر والتحديات في جانبها السلبي، لا سيما ما يواجه الشباب في الجانبين الفكري والمادي، ومع اننا نتفق على ان كل اختراع او اكتشاف جديد ينطوي على جانبين او نسبتين متفاوتتين وموزعتين على الجانبين السلبي والايجابي، لكننا ينبغي أن نسهم في تحصين الشباب من مخاطر تحول العالم الى قرية صغيرة عبر وسائل وسبل عديدة أهمها الوعظ والتصحيح والمتابعة عبر الاقناع سواء من لدن المصلحين او المفكرين او المحيط العائلي (الأب/ الأم)، وقد تبدو بعض هذه المخاطر خفية واحيانا ظاهرة لكنها إجمالا تحتاج الى المراقبة والمتابعة والوعظ والتوجيه من خلال الاقناع، ولعل الجانب الاشكالي في الصدد يتمثل في السلوك الذرائعي للشباب، حيث يوصف العصر بأنه عصر السرعة وهذا امر لا يختلف عليه اثنان، لكن هذه السمة اصبحت ذريعة الشباب في القفز على الوقائع وما يترتب عليها من أهمية التأني والتدقيق في انجاز المهم بمختلف انواعها.

وإلى جانب ما أفرزه واقع السرعة وسعة الاتصال وتنوع قنواته في نشر العلوم والمعارف في الميادين المختلفة، فإنّه كشف أيضاً عن أنّ الكثير من النظريات والآراء والاختراعات العلمية السابقة، بل حتى على صعيد النظريات التعليمية والاجتماعية أحياناً، هي عرضة للتبدل والتغيير في سياق الزمن المتصاعد، فلقد اندثرت نظريات أو تراجعت فاسحة المجال لنظريات أكثر تطوراً ونضجاً، ويتجلى ذلك في مجال الصحة والأجهزة التقنية الكهربائية والالكترونية .

غير أنّ المثير للانتباه هو أنّ مصطلح (عصر السرعة) قد أسيء فهمه واستغلاله، فإذا رأيت تلميذاً ينهي مطالعة كتاب مدرسي أو أي كتاب آخر في ظرف دقائق، وتعجب لذلك فإنّه يردّ على تعجبك بأنّه في عصر السرعة، وإذا قاد شاب سيارته بسرعة فائقة يتجاوز فيها الحدود المسموحة، قال : إنّنا في عصر السرعة ..

بمعنى ان فهم الشباب لعصر السرعة أصبح فهما خاطئا، فهو لا يعني أبدا أن تحرق مراحل التطور التدريجي ولا يعني أن تنجز الاعمال بسرعة فائقة، لأن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية، بمعنى ان الشاب الذي ينجز عملا يتطلب شهرا بيوم واحد، هذا يعني ان هناك خللا في جانب دقة الانجاز، ولهذا فلا يعني عصر السرعة وجوب سرعة الانجاز، نعم دائما ما يكون الانسان بحاجة الى استغلال الزمن ولكن ينبغي ان يتم ذلك وفق ضوابط محددة اهمها ان لا تؤثر سرعة الانجاز على مواصفات المنجز.

 من هنا ينبغي أن يكون هنالك تركيزا على توعية الشباب في هذا الجانب وان يعي الشاب بأن عصر السرعة لا يعني الركون الى الاسلوب التبريري الذي غالبا ما يشكل تراجع لنتائج العمل المبذول في هذا الجانب او ذاك، ولغرض تقديم الفهم والتعامل الافضل للشباب مع واقع القرية الكونية الجديدة وما يحدث فيها من انشطة متنوعة ومتسارعة يمكن ان نضع بعض الخطوات الاجرائية في هذا الصدد من شأنها دعم الشباب وتوعيتهم بطبيعة العصر:

1- أن تقوم الجهات ذات العلاقة بانشاء المعاهد والمنظمات التي تأخذ على عاتقها الجانب التوعوي للشباب والتقليل من حالات التأثير الوافدة من الثقافات الاخرى لا سيما الضار منها في الجانب الشكلي البعيد عن الجوهر.

2- أن تأخذ منظمات المجتمع المدني دورها في الجمانب أيضا.

3- أن يكون للمؤسسات الدينية دور واضح في الوعظ والتوجيه القائم على الافهام والاقناع اولا.

4- ان يتم توضيح الجانب السلبي لوسائل الاتصال المعاصرة واهمية تحاشيها والافادة من البدائل الايجابية الكبيرة التي تقدمها وسائل الاتصال التي حوّلت العالم الى قرية واحدة.

5- أن تعمل الجهات المعنية الحكومية والاهلية على توفير فرص تعليمية وعملية مناسبة للشباب كي تمكنهم من التعامل العصري مع وسائل العصر بما يحقق لهم تقدما في العمل مقرونا بالتحصين ضد الجانب السلبي المذكور سلفا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/آب/2009 - 21/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م