فهم إدارة أوباما وأزمة مراكز الدراسات العربية

علاء بيومي

صمت مراكز الدراسات العربية بخصوص إدارة أوباما أمر محير ومحبط إلى حد كبير، فحتى اليوم وبعد مضي أكثر من سبعة أشهر على تولي الرئيس الأميركي باراك أوباما الحكم لم يصدر عن العالم العربي دراسة واحدة تأتي بجديد بخصوص إدارة أوباما على الرغم من الاهتمام الصحفي اليومي بالإدارة الأميركية الجديدة وما يحدث فيها.

اهتمام إعلامي وغياب الدراسات

فلو فتحت أي جريدة لوجدت عدة أخبار عن سياسات أوباما تجاه العراق أو أفغانستان أو فلسطين أو إيران أو غيرها من القضايا الهامة التي تشغل الدول العربية، ولو جدت أيضا بعض مقالات الرأي التي تحاول شرح ما يحدث داخل الإدارة الأميركية الجديدة والتي تبدو عازمة على تغيير سياسة أميركا تجاه الشرق الأوسط بشكل كبير.

ومع ذلك لو تصفحت الجرائد العربية ذاتها لعجزت عن العثور على خبر واحد عن دراسة عربية تنظر نظرة عميقة داخل واشنطن وتساعدك على فهم ما يحدث أو ربما النظر إليه نظرة مختلفة.

المثال التالي قد يسهل الفكرة على القارئ: افتح أي جريدة عربية في الفترة الأخيرة وستجد مقال أو أكثر عن علاقة أوباما بلوبي إسرائيل ومساعي أوباما للضغط على اللوبي والعكس، ولتجد تساؤلات حول قدرة الطرفين على هزيمة الأخر، وحول مصير السياسة الخارجية الأميركية كلها المتوقف على المعركة بين أوباما واللوبيات.

وفي الحقيقة لو دققت في تلك المقالات لوجدت أنها عبارة عن تحليلات بعضها جيد ولكنها لا تأتي بأي جديد، فهي تتابع السياسة الأميركية عن بعد، ولا تأتي بمعلومات جديدة أكثر من تلك التي نقلتها وسائل الإعلام العربية من قبل أو نقلتها بعض الجرائد الأميركية الكبرى - وذلك لو كان كاتب المقالات من متابعي الجرائد الأميركية.

ولو كنت لا تعرف لانبهرت ببعض الأسماء الأجنبية أو التحليلات المركبة التي يستخدمها كاتب المقال، ولكنك في الحقيقة لا تقرأ شيء جديد وفي الحقيقة كاتب المقال نفسه يطرح تساؤلات أكثر مما يقدم من إجابات.

ولو كنت متابع للأحداث لتركتك المقالة بأسئلة أكثر من الأسئلة التي تدعي الإجابة عنها، فالعالم العربي حتى هذه اللحظة لم يدرس بالتفصيل مستشاري أوباما وعلاقتهم بلوبي إسرائيل ووجود اللوبي في المؤسسات الهامة كالكونجرس ومجلس الأمن القومي والبيت البيض ووزارة الخارجية، ولا ردة فعل اللوبي تجاه أوباما.

وهذا لا يعني أن العالم العربي لا يكتب عن تلك القضايا، فهناك مقالات جيدة تجدها في الصحف العربية الكبرى، ولكنها تظل مقالات صحفية يجتهد كتابها الكبار في معرفة ما يحدث معتمدين على خبرتهم الطويلة بالمجال، ولكنك تظل أمام مقالات صحفية لا تأتي بجديد.

وكيف يمكن لصحفي أن يأتي بجديد فهو مضطر لمتابعة عدد كبير جدا من القضايا، وهو أيضا بعيدا عن الأحداث حتى لو كان في واشنطن نفسها ما لم يتبع منهج بحثي معين يسمح له بأن يعرف الجديد ويأتي بجديد.

كيف نأتي بجديد

أقصد هنا أنه كان من المفترض أن يكون هناك باحثين عرب متفرغين لدراسة إدارة أوباما ومواقفها تجاه العالم العربي من خلال أسلوب يعتمد على المعايشة والملاحظة المباشرة من خلال العمل بمراكز الأبحاث الليبرالية لفترة وإجراء المقابلات المباشرة واللقاء مع مسئولي الإدارة أنفسهم ومسئولي لوبي إسرائيل والمراقبين للقضية بواشنطن نفسها.

في هذه الظروف يمكنك أن تأتي بجديد وأن تنشر معلومات تفصيلة وتكتب أفكار غير موجود في الصحف الأميركية نفسها، وبالطبع هذا ليس أسلوبا جديدا أو مبتدعا فهو أسلوب يتبعه مراسلي صحف أجنبية عديدة يتفرغون لبعض الوقت لكتابة كتب عن الإدارات الأميركية تحدث ضجة أحيانا كثيرة، وأتذكر هنا كتاب "ثورة اليمين"، الذي كتبه مراسلان لصحيفة ذا إيكونوميست البريطانية في خلال عهد إدارة بوش وكان مرجعا هاما عن اليمين الأميركي، هناك أيضا كتابات الصحفي الأميركي الكبير بوب ودورد والذي يعتمد أسلوب المقابلات والعلاقات المباشرة، وبالطبع لن تكون مهمة أي صحفي أو باحث عربي في واشنطن سهلة كمهمة ودورد، ولكن لو اتبع الصحفي العربي المنهج الصحيح وتوفرت له الإمكانات المناسبة لتمكن من الإتيان بجديد.

ولكن يبدو الأمر للأسف مستبعدا لأسباب غير منطقية، ويبدو أن العالم العربي مصر على تكرار أخطائه، ونقصد هنا عدم تتبع ما يحدث بواشنطن بشكل حقيقي وجذري، وأتذكر هنا أنه في بداية عهد بوش قابله الكثير من العرب بالتفاؤل وشبهوه بأبيه (بوش الأب)، ولكنهم تفاجئوا بعد 11-9 ببوش أخر، وبدأ العالم يبحث عن السبب ووجدوه في المحافظين الجدد، وبدأ سيل من التساؤلات عن المحافظين الجدد ينهمر من شتى أنحاء العالم على واشنطن، فالكل يريد أن يعرف شيئا عن المحافظين الجدد، وعن مواقفهم تجاه العالم بشكل عام وتجاه الشرق الأوسط بشكل خاص.

وأكثر ما أدهشني في هذه التساؤلات هو أنها تنم عن شعور بالمفاجأة والدهشة، وظللت أسئل نفسي لسنوات لماذا لم يتابع العالم العربي مساعدي بوش من البداية؟ ولماذا انتظروا أن يحدث مكروه حتى يهتموا بدراسة مساعدي بوش.

الأمر نفسه قد ينطبق على إدارة أوباما، فحتى الآن لم تظهر دراسة عربية واحد تتناول مساعدي أوباما بالتفصيل، أو تنظر في علاقتهم بلوبي إسرائيل، أو تنظر في رؤيتهم إلى المستقبل وماذا سوف يكون عليه موقفهم لو تعرضت أميركا لأزمة كبرى، أو لو تخلصت أمريكا تدريجيا من أعباء الحروب وأزمة الاقتصاد، فهل ستتغير سياسات أوباما في ذلك الحين.

عموما صمت العالم العربي "بحثيا" تجاه إدارة أوباما لا يبدو أنه ظاهرة عابرة، فالمتابع للواقع البحثي والصحفي في العالم العربي لابد وأن يشعر بأن مراكز الدراسات العربية تمر بمرحلة صعبة وربما "أزمة" فهي تبدو غائبة عن الأحدث، تلهث ورائها ولا تقودها، فالدراسات نادرة، وإن صدرت فهي صعب الحصول عليها أو قديمة أو تاريخية أو لا تحتوي على مواقف سياسة واضحة.

ومن خلال متابعتي اليومية للصحف العربية لا أتذكر أخر مرة – أو مرة - قرأت فيها عن دراسة أو بحث عربي حديث الظهور أتي بشيء جديد أو تعامل مع ظاهرة سياسية فور وقوعها أو تحول القائمين عليه إلى سياسيين يقودون الحدث كما يحدث في بلدان كأميركا.

مراكز الأبحاث الأميركية نموذجا

ما يعمق المفارقة عندي هو متابعتي اليومية لما يصدر عن مراكز الأبحاث الأميركية من دراسات تهم العالم العربي بشكل مباشر، فلا يمر أسبوع دون ظهور دراسة أميركية هامة عن قضية تهم العالم العربي، مثل علاقة النفط بالأمن القومي الأميركي والقيود المفروضة على حجم القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، وأزمة القرن الأفريقي وموقف أميركا منها، وعلاقة أميركا بالدول العربية المختلفة.

وأكاد أزعم أني احتفظ منذ بداية العام بعشرات الدراسات الأميركية التي تهم الدول العربية والصادرة عن مراكز أبحاث أميركية مرموقة والتي لم يتم حتى ذكرها في وسائل الإعلام العربية.

متابعة تلك الدراسات واجب، وقراءتها والاستفادة منها أو الرد عليها واجب، والبناء عليها واجب أيضا.

كما أن تلك الدراسات والمراكز تطرح نموذجا هاما جدا لمراكز الأبحاث العربية، فلو زرت الموقع الإلكتروني لأي مركز أبحاث أميركي ناجح لتمكنت خلال دقائق من معرفة الباحثين العاملين فيه وتوجهاتهم السياسية وميولهم الأيدلوجية وأحدث منتجاتهم الفكرية (من مقالات وبحوث وكتب ومقابلات إعلامية) ولتمكنت كذلك من الحصول على غالبية منتجات المركز البحثية في دقائق ومجانا.

الأبحاث التي تحصل عليها من تلك المراكز ليست مجرد مجموعة من الملاحظات أو الأفكار المفيدة، ولكنها كتابات بحثية عملية على أعلى مستوى تتضمن توصيات سياسية حديثة وواضحة تفيد صانع القرار والمتابع كذلك.

مراكز الأبحاث الأميركية تفعل ذلك لأن مهمتها واضحة وهو تحويل وجهة الرأي العام وصانع القرار في اتجاه معين وفي بيئة سياسية تنافسية لا تعرف الاستسهال أو العموميات، فلو لم تدافع عن قضيتك بكل وضوح وجدية سوف تخسر المعركة السياسية لصالح أفكار أخرى أكثر وضوحا وآنية.

هذا لا يعني أن مراكز الأبحاث الأميركية منزهة عن النقد، فالإيدلوجيا تطغى أحيانا، والمال والسياسة يوجهان الفكر، والجهل وعدم المعرفة يظهر أيضا، والتحيزات تظهر كثيرا، وفي النهاية مراكز الأبحاث الأميركية تكتب لمصلحة أميركا قبل أي شيء.

أزمة مراكز الأبحاث العربية

النقد السابق لا يجب أن يعزينا، فنحن نتحمل نقد أكبر، فللأسف توفر تلك المراكز الأجنبية معلومات عن الدول العربية لا توفرها مراكز الأبحاث العربية ذاتها.

وللأسف عندما يقع حدث ما كبير يحتاج إلى تفسير وتبحث حولك عمن يعطيك وجهة النظر العربية فلا تجده وتبحث على الانترنت عن مواقع مراكز الأبحاث العربية فلا تجد شيئا وإذا وجدته فهو في الغالب قديم جدا وبدون النص الكامل، فتضطر إلى العودة إلى المصدر الأميركي وأنت تعلم أنه خال من وجهة النظر العربية.

البعض قد يقول أن المقارنة ظالمة، فميزانية مراكز أبحاث أميركي واحد كبير قد تفوق ميزانية عدد كبير من مراكز الأبحاث العربية مجتمعة، كما أن الباحثين العرب لم يكلوا أو يملوا ولا يفتقرون إلى القدرات العملية والفكرية.

وأنا أتفق معهم فالأزمة لا يجب أن تلقى أبدا على عاتق الباحثين العرب وإن كان بعضهم يتحمل بعض المسئولية، فالأسف ترى أن البعض لا يفرق بين الفكر والبحث العلمي، والبعض لا يفرق بين الكتابة الصحفية والكتابة العلمية، والبعض مستغرق في التاريخ والماضي والفكر بشكل مقلق، وبالطبع الكتابة في التاريخ والفكر والماضي ليست عيبا ولكن مجالها ليس مراكز الدراسات السياسية.

أخيرا نعتقد أن جزءا كبيرا من المشكلة يعود لطبيعة الممارسة السياسية في الدول العربية، فالدول العربية لا تفتقر إلى الموارد، والمشكلة تكمن في الديمقراطية، فهي إما غائبة أو وليدة تفتقر للمؤسسات وتفتقر للشفافية والجدية التي تقوم على البحث العلمي.

فلكي تكتب دراسة سياسية ما يجب أن تعرف بوضوح سياسة الدولة التي تكتب عنها، وأن تعرف القائمين عن تلك السياسة وسبل تغييرها ومن سيستفيد من دراستك ومن يمولها وسوف يروجها عند نشرها، وفي النهاية يجب أن تشعر بالأمان وبأن دراستك هذه هي جزء من تنافس طبيعي على مصلحة الدولة وسياساتها تضمنه وتشجعه الديمقراطية.

المحير هنا هو أن العالم العربي لا يفتقر إلى المؤسسات الصحفية والتي تنفق موارد كبيرة في متابعة الأحداث وتوجيه الرأي العام وصناع القرار في اتجاه معين في فهم تلك الأحداث، ولكن يبدو لسبب غير مفهوم أن الدول العربية تفضل التعامل مع السياسة كأخبار وأحداث سريعة متفرقة ولا تهتم بدراسة تلك الأحدث بقدر اهتمامها برصدها فور وقوعها، وكأن البحث العلمي هو الاستثناء الذي يشذ عن القاعدة، ولا يهتم به أحد أو يرعاه.

أم أن الأمر مرتبط بمدى التطور الديمقراطي!؟ ففي مرحلة أولية ينشط الإعلام، وفي مرحلة أخرى يدرك المجتمع أنه في حاجة إلى بناء الإعلام والسياسة معا على دراسات علمية أكثر عمقا.

لو كان التحليل الأخير صحيحا فربما نشهد في السنوات المقبلة - إذا استمر الانفتاح السياسي في الدول العربية - ثورة في مراكز الدراسات العربية كما شهدنا ثورة وسائل الإعلام العربية،،، والله أعلم

www.alaabayoumi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/آب/2009 - 19/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م