لم تعد مياه الخليج ولا الخليج ولا منطقة الخليج كما كانت سابقا،
نتيجة الاعتداءات المتواصلة.. ، منذ بداية الطفرة النفطية وإقامة
المشاريع المصاحبة لعملية صناعة الطاقة «النفط والغاز» وتشييد المعامل
والمدن الصناعية العملاقة التي تطل على شواطئ الخليج، وإقامة المنصات
للتنقيب والحفر في وسط بحر الخليج، ومد الأنابيب داخل المياه الخليجية،
وتحول الخليج إلى ممر دولي لناقلات النفط العملاقة التي تسرب أطنانا من
النفط إلى المياه،, إغراق العديد من الآليات والخزانات الملوثة بعد
استخدامها في وسط البحر، بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة على الخليج
بالردم والدفن العشوائي بإقامة جزر صناعية، وإقامة مدن سكنية على
السواحل والقضاء على غابات شجر القرم الذي يعتبر أهم مصدر غذائي طبيعي
للحياة البحرية النادرة في عالم اليوم.
فمن خلال التجاوزات الخطيرة على البيئة البحرية لم تعد مياه الخليج
صافية ولا الأسماك والحياة البحرية متوافرة كما كانت، ولم تعد منطقة
الخليج منطقة طبيعية نظيفة خالية من التلوث؛ بل تحولت إلى مصدر خطير
جدا على الصحة العامة لكل كائن حي من الإنسان والحيوان والنبات في البر
والبحر، نتيجة التلوث البيئي الذي تتعرض إليه المنطقة لغاية اليوم، ولا
ننسى دور الحروب التي وقعت خلال العقود الثلاثة الماضية إذ تم استخدام
مواد سامة وخطيرة على البيئة، أدت إلى ظهور أمراض جديدة مستعصية في
المنطقة بشكل كثيف، واختفاء أنواع عديدة من الأسماك وظاهرة نفوق
الأسماك، في ظل صمت الجهات المسؤولة وغياب وعدم فعالية المؤسسات
المدنية التي تحافظ على البيئة وصحة الإنسان في هذه المنطقة.
قبل أكثر من ستة أعوام تقريبا قمت باعداد أكثر من تحقيق صحفي حول
خطر التلوث في الخليج - نشرت في إحدى الصحف المحلية -، تم من خلالها
التنبيه لخطر التلوث في الخليج على الصحة العامة، ورصد مصادره،
والنتائج السلبية والتداعيات، والتطرق إلى ما نشرته الدراسات على وجود
علاقة بين الكثير من الأمراض التي يتعرض لها الإنسان وظاهرة التلوث
البيئي، وآثار حرب الخليج الأولى، وحرب الخليج الثانية تحرير الكويت،
بالإضافة إلى آثار استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب أو المستنفد
Depleted Uranium في حرب الخليج الثانية عام 1991، وفي الحرب الثالثة
2003 م من قبل القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية؟.
دول الخليج ذات مساحات كبيرة بالمقارنة مع عدد السكان، إلا ان هناك
إصرارا من قبل المتنفذين في هذه الدول على اقامة مشاريع بالقرب من
البحر والترويج والتشجيع إعلاميا للسكان بان السكن والاستثمار بالقرب
من البحر هو الأفضل.. لتحقيق اكبر عائد مالي، ولو كان على حساب الحياة
البحرية،.. بدون رعاية واهتمام للتوازن البيئي الطبيعي في المنطقة!!.
آخر أعمال الاعتداء وهو ليس الأخير، ما يقع حاليا على ساحل جزيرة
تاروت وساحل صفوى في المنطقة الشرقية بالسعودية، من اعتداء على الحياة
البيئية والبحرية بالردم للسواحل التي ما تزال بكرا محافظة على
طبيعتها، وتعتبر من أغنى المناطق في الخليج والعالم بالحياة البحرية
الفطرية الطبيعية وخاصة لشجر القرم الذي يعتبر الحضانة الأساسية
والحياة المتكاملة لتكاثر ونمو الكثير من الكائنات البحرية التي تعيش
بالقرب من الشاطئ ومنها الربيان والأسماك، ولو تم القضاء على هذه
السواحل المتبقية في المنطقة سيتم على القضاء على آخر موقع طبيعي لشجر
القرم، وبالتالي القضاء على الملايين من الحياة البحرية ومنها الأسماك
والروبيان، وحرمان العديد من الصيادين من مهنة الصيد.
نحن جميعا أبناء الخليج مسؤولون عما يحدث من اعتداء على البيئة
وعمليات التلوث للمياه، والقضاء على الحياة البحرية وانتشار الأمراض
بسبب خلل التوازن البيئي، وعلينا أن نتصدى بجميع الوسائل لفضح عمليات
الاعتداء بالكلمة والصورة، ومخاطبة المسؤولين والجهات الخاصة في الدولة
وفي العالم.
شكرا لكل من تصدى لعملية الردم الأخير في المنطقة من اعتداء على
اكبر غابة طبيعية لشجر القرم، الذين طالبوا بتطبيق قوانين الدولة التي
تمنع من الردم والدفن. ونحن مع تطبيق القوانين التي تحافظ على البيئة.
أين الإعلام في الدول الخليجية بجميع وسائله المرئية والمقروءة
والمسموعة من تغطية عمليات الاعتداء على الغابات الساحلية لمياه
الخليج؟ وظاهرة التلوث في منطقة الخليج وانتشار الأمراض، وتوعية
المجتمع بالثقافة البيئية؛ وأين دور الوزارات والهيئات لحماية البيئة
والصحة العامة؟ ... إنهم نيام لا تزعجوهم!! |