زيارة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الى محافظة السليمانية
لاجراء سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع الزعماء الكرد، دليل آخر على
ان عراقا جديدا قيد الانشاء والتاسيس، فمتى كان الحاكم في بغداد يزور
مدينة من المدن العراقية ليستمع الى مواطن يعرض عليه مشكلته؟ لقد كانت
الدبابة تسبق الحاكم الى المدينة التي ينوي زيارتها، وكانت الطائرات
المقاتلة تسبق موكبه، والسلاح السري والعلني يصل اليها قبل ان يصلها
زبانيته المدججين بالسلاح الفتاك.
على مدى نيف وثلاثين عاما اختار النظام البائد لغة السلاح لحل
مشاكله مع الشعب، خاصة مع شعبنا في كردستان، فلم يكن الطاغية الذليل
صدام حسين ليزور مدينة من المدن، الا ويحمل في جعبته السلاح لقتل الناس
وتدمير مدنهم، كما حصل في حلبجة وكربلاء والدجيل والسليمانية وغيرها
الكثير من مدن العراق الحبيب.
لقد كان السلاح الكيمياوي، في اغلب الاحيان، هو رد النظام على
مطاليب شعبية معقولة لابناء هذه المدينة او تلك، كما كانت سياسة الارض
المحروقة والتطهير العرقي هي اللغة المفضلة عند الطاغية، فبهذه
السياسات احرق مدن ودمر قرى وغير، بتشديد الياء وفتحها، واقعا بشريا قي
الكثير من مناطق العراق، والتي لازال العراقيون يعانون منها كمخلفات
قذرة تركها لهم نظام الطاغية الذليل، الذي ظل يتعنتر على شعبه وهو
نعامة امام (اعدائه) المفترضين.
املنا ان تنتج اجتماعات السليمانية حلولا حقيقية وواقعية لكل
المشاكل العالقة بين بغداد واربيل، من اجل اعادة ثقة الشعب بزعمائه،
والعمل سوية من اجل الصالح العام وتحقيق اهداف الشعب العراقي، في العيش
بحرية وكرامة ومساواة بعيدا عن سياسات الاقصاء والتهميش والالغاء
والتمييز العنصري والطائفي، فالعراق لكل العراقيين بغض النظر عن
انتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية والمناطقية، وان خارطة الطريق
التي تقدم بها المالكي للزعماء الكرد يمكن ان تكون هي الحل شريطة:
اولا: ان يتمتع الجميع بنوايا صادقة.
ثانيا: ان تظل المصالح العليا فوق كل المصالح الاخرى.
ثالثا: ان يتسلح الجميع بالارادة القوية اللازمة لتنفيذ ما يتم
الاتفاق عليه من دون عرقلة او تردد او اصغاء الى النفس الامارة بالسوء
او الى وساوس الشيطان.
رابعا: عدم استعجال الحلول، من دون ان يعني ذلك تجميد مصالح الناس
وتركهم يتضورون من آلام الخلافات، بل يجب ان تسير الحياة جنبا الى جنب
المساعي الرامية الى تنفيذ بنود الحلول المتفق عليها.
وانا على يقين من ان كل الشعب العراقي سيقف بقوة خلف اي اتفاق ينبثق
عن هذه الزيارة، اذا ما لمسوا فيه حلولا منطقية، بعيدا عن التشنج
والتازيم، تنسجم وروح الدستور والمواطنة ووحدة العراق ارضا وشعبا.
خامسا: ان يستمر الحوار المباشر بين المعنيين، للحيلولة دون دخول
التفسيرات والتاويلات والقيل والقال على خط الحوار، ما يفسده ويعقده
وربما يقضي عليه.
لقد استبدل العراقيون، حكومة وشعبا، حوار السلاح بسلاح الحوار، فهو
الامضى وهو الاكثر فاعلية، فبعد تجربتهم مع السلاح طوال عقود متمادية
من الزمن، اكتشفوا انه لا يحل مشكلة، ولا يجد حلا لمعضلة.
قد يطفئ السلاح نارا ظاهرة، الا انه لا يقضي عليها البتة، اذ تظل
تحت الرماد، لتشتعل مرة اخرى في اقرب فرصة، اما الحوار فهو الذي يطفئ
نار العداوة والحقد والبغضاء في النفوس، وهي عادة اصل كل المشاكل بين
بني البشر، ويعيد الصفاء والمحبة بين ابناء الشعب الواحد.
ولذلك وصف القران الكريم مهمة الشيطان بين الناس بقوله {انما يريد
الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء} فكان ان حدد الحل بقوله عز
وجل {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك
وبينه عداوة كانه ولي حميم}.
لقد استخدم الطاغية صدام كل انواع السلاح الفتاك والمحرم دوليا ضد
شعبنا الكردي، كما انه غيب في السجون الالاف من ابنائه، خاصة من عشيرة
البارزاني، والغى قرى بكاملها عن الوجود في حملات الانفال سيئة الصيت،
ولكن...
اين هو الطاغية اليوم؟ واين هو كاك مسعود بارزاني، ومام جلال
طالباني، وكل شعبنا الكردي؟.
نتمنى ان لا ينسى الضحية تلك التجربة المرة مع الاستبداد
والديكتاتورية، ومع سياسات العنف والارهاب والقتل التي وظفها الطاغية
لـ (تثبيت) حكمه وسلطته، من اجل ان لا نسمع احدهم يهدد هذا ويتوعد ذاك،
وكلهم اليوم يركبون سفينة واحدة، اذا خرقها جاهل اغرق الجميع، وصدق
الله تعالى عندما قال في محكم كتابه الكريم {لقد كان في قصصهم عبرة
لاولي الالباب} فهل من معتبر؟.
دعونا من لغة الحرب والتهديد، وليسمع العراقيون منكم لغة الحوار
والتفاهم والاخوة الحقيقية.
* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن
[email protected] |