الهند وباكستان: خارطة الطريق للسلام تفقد معالمها

أمريكا تدعو الهند لمساندة باكستان ضد المتشددين

 

شبكة النبأ: ربما استأنفت الهند وباكستان المحادثات بينهما من جديد ولكن حتى هذه اللحظة لا توجد رؤية واضحة لما قد تقود إليه تلك المحادثات.

ونتيجة لذلك يرى كثير من المحللين ان خارطة الطريق التي اتفق عليها سرا قبل عامين ولم يكشف عنها إلا العام الجاري هي على الارجح النموذج الامثل للتوصل لاتفاق سلام.

وقال بروس ريدل الذي قاد مراجعة الاستراتيجية الامريكية في افغانستان وباكستان بناء على طلب الرئيس الامريكي باراك اوباما "انه اتفاق جيد لباكستان وللهند ولسكان كشمير."

وضع الخارطة مستشارو الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ وينطوي الاتفاق على محاولة طموحة للتوصل لاطار عمل لاقرار السلام في منطقة كشمير المقسمة بين البلدين منذ الاستقلال.

ولا ينص الاتفاق على أي تبادل للاراضي ولكنه يقلل من اهمية الحدود من خلال تشجيع حركة الناس والتجارة عبر خط المراقبة الذي يقسم كشمير الى شطرين. وفي الوقت ذاته تتشكل آلية مشتركة تسمح للبلدين بالاشراف على شؤون كشمير.

وقال مصدر مطلع على الاتفاق ان المؤشرات لا تنم انه كان سيلقى نجاحا فعلى سبيل المثال لم يتم الاتفاق قط على الطبيعة المحددة لتلك اللالية المشتركة. بحسب رويترز.

غير ان عملية التفاوض في حد ذاتها كانت "ماصة للصدمات" بين دولتين تمتلكان قدرات نووية وخاضتا ثلاث حروب وشهدتا توترات كان احدثها عقب هجمات مومباي العام الماضي.

وقال ريدل الذي يعمل حاليا في معهد بروكينجز بواشنطن ان الدبلوماسيين الغربيين يودون ان يعود البلدان للنقطة التي وصلا اليها عام 2007 . غير أن الامر قد يكون صعبا.

فالحكومة المدنية في باكستان تجد صعوبة في تبني اتفاق تفاوض بشأنه مشرف بعدما ارغمت الجنرال السابق على التخلي عن منصبه العام الماضي.

وقال الصحفي والمحلل ستيف كول وهو أول من كتب عن الاتفاق بالتفصيل "من الناحية السياسية يصعب جدا قبوله كانجاز لمشرف."

وفي الهند لا يوجد دعم شعبي يذكر لتحركات السلام مع إسلام أباد عقب هجوم مسلحين باكستانيين على مومباي على مدار ثلاثة ايام.

وقال برافين سوامي من صحيفة (ذا هيندو) "ثمة تشدد في الموقف. باستثناء مانموهان سينغ لم يتبق حمائم في الحكومة" وان اضاف ان العودة لمباديء عام 2007 سيكون امرا عظيما من وجهة النظر الهندية.

كما تشك الهند في أن يساند الجيش الباكستاني القوي اي اتفاق تبرمه نيودلهي مع حكومة اسلام اباد المدنية مما يضيف نوعا من التعقيد لم يكن قائما مع مشرف. ومن ثم انخرطت الدولتان في الوقت الراهن في معارك تكتيكية تركز على الشكل أكثر من المضمون.

ورغم اتفاق البلدين في اجتماع عقد في مصر الاسبوع الماضي على اجراء المزيد من المحادثات فقد رفضت الهند دعوة باكستان ان يكون ذلك في اطار ما يعرف باسم "الحوار المركب" أي عملية السلام الرسمية التي أوقفتها نيودلهي عقب هجمات مومباي. ورغم حديثهما العلني عن التعاون لمكافحة الارهاب فانهما تواجهان وضعا مستحيلا تقريبا.

فالهند تريد تحركا ضد عسكر طيبة الجماعة المتشددة التي تتخذ من اقليم البنجاب الباكستاني مقرا لها والتي تحملها نيودلهي مسؤولية هجمات مومباي.

ولكن في واقع الامر لا يعتقد سوى عدد قليل من الناس ان باكستان ستقدم على نزع سلاح كل مسلحي عسكر طيبة الذين يقدر عددهم بالالاف في وقت يقاتل فيه جيشها طالبان الباكستانية في المناطق القبلية المتاخمة لافغانستان.

وقال أحد المراقبين "يدرك الرئيس (الباكستاني اصف علي) زرداري والحكومة والجيش حدود قدراتهم على التعامل مع كل هذا في وقت واحد."

وبدون اتفاق سلام من المستبعد ان تنزع باكستان سلاح جماعة متشددة رعتها في فترة سابقة لمحاربة الحكم الهندي في كشمير اذ لا يزال ممكنا استغلال كوادرها المسلحة كخط دفاع أول في حالة تعرض البلاد لغزو هندي. وفي أحسن الاحوال ستتخذ إسلام أباد اجراء محدودا تحت ضغط.

الغواصة النووية الهندية تضر بالسلام الاقليمي

وقالت وزارة الخارجية الباكستانية ان اطلاق الهند أولى غواصاتها ذات القدرات النووية القادرة على حمل صواريخ ذاتية الدفع "يضر بالسلام والاستقرار الاقليمي" وتعهدت بالعمل على حماية أمنها.

وأطلقت الهند غواصتها النووية في اطار خطة تكلفتها 2.9 مليار دولار لبناء خمس غواصات. وستجري الغواصة "أريهانت" تجارب بحرية قبل أن تبدأ العمل رسميا عام 2015 . وهي تكمل بذلك ثلاثيا نوويا للهند يضم مقاتلات وصواريخ والان الغواصة القادرة على حمل رؤوس نووية. بحسب رويترز.

ويقول مسؤولون عسكريون باكستانيون ان اسلام اباد لديها أيضا طائرات وصواريخ يمكنها حمل أسلحة نووية. وقال مكتب وزارة الخارجية الباكستانية في بيان صدر في وقت متأخر يوم الاثنين "تعتقد باكستان ان الابقاء على التوازن الاستراتيجي أمر حيوي للسلام والامن في جنوب اسيا."

وأضاف "دون الانخراط في سباق تسلح مع الهند ستتخذ باكستان كل الاجراءات اللازمة لضمان أمنها والابقاء على التوازن الاستراتيجي في جنوب اسيا."

باكستان مصممة على تقديم مدبري هجمات مومباي للعدالة

من جهته قال رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني إن باكستان مصممة على تقديم مدبري الهجوم على مدينة مومباي الهندية الى العدالة وتنتظر مزيدا من المعلومات من الهند.

وقتل متشددون باكستانيون 166 شخصا في هجوم على فندقين كبيرين ومحطة للسكك الحديدية ومقهى ومركز يهودي في مومباي خلال الفترة من 26 الى 29 نوفمبر تشرين الثاني.

وقال جيلاني في مؤتمر صحفي عقب عودته من مصر حيث اجتمع هناك مع رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ على هامش قمة حركة عدم الانحياز "أرسلنا ملفا وطلبنا المزيد من المعلومات."واضاف "عندما نحصل على مزيد من المعلومات سيتم بالتأكيد تقديمهم الى العدالة."بحسب رويترز.

واتفق الزعيمان الهندي والباكستاني في مصر على ضرورة اجتماع المسؤولين لمناقشة القضايا لكن سينغ قال انه لن يتم استئناف عملية السلام رسميا قبل أن تتخذ باكستان اجراءات ضد الافراد والجماعات المسؤولة عن هجمات مومباي.لكن جيلاني قال انه يشعر باطمئنان لوجود قناعة مشتركة بأن الحوار هو السبيل الوحيد للمضي قدما.

الولايات المتحدة تدعو الهند لمساندة باكستان ضد المتشددين

من جهة ثانية حثّتْ وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون الهند على الانضمام الى جهود واشنطن في دعم باكستان في حربها على الارهاب لكن نيودلهي طالبت بنتائج قبل أن تبدأ محادثات رسمية مع خصمها اللدود.

ووصلت كلينتون الى مومباي في ساعة متأخرة يوم الجمعة في مستهل زيارة مدتها خمسة أيام تهدف الى تعزيز العلاقات وتبديد أي شكوك بشأن التزام الرئيس الامريكي باراك أوباما تجاه دور الهند كقوة عالمية صاعدة.

ورغم تشعب جدول أعمال الزيارة الذي يشمل ابرام اتفاق لضمان عدم تسرب تكنولوجيا الاسلحة الامريكية الى بلدان ثالثة من المتوقع أن تدعو كلينتون الى تحسين العلاقات الهندية الباكستانية التي توترت بشدة من جراء هجمات مومباي التي وقعت العام الماضي.

كان رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ ونظيره الباكستاني يوسف رضا جيلاني اتفقا يوم الخميس على محاربة الارهاب معا لكن سينغ أصر على أن تعاقب باكستان المسؤولين عن هجمات مومباي اذا كانت تريد محادثات رسمية.

وكتبت كلينتون في مقال نشرته صحيفة تايمز أوف انديا يوم الجمعة تقول ان كلا من الهند والولايات المتحدة "تعرض لهجمات ارهابية مؤلمة."

وقالت "يسعى كل منا الى عالم أكثر أمنا لمواطنيه. ينبغي أن نكثف من تعاوننا في مجال الدفاع وفرض القانون تحقيقا لتلك الغاية. وينبغي أن نشجع باكستان في وقت يواجه هذا البلد تحدي التطرف العنيف."

وقال سينغ ان الاتفاق مع جيلاني لا يزعزع موقف الهند بأنه يجب على باكستان منع الجماعات المتشددة من استخدام أراضيها لشن هجمات على التراب الهندي كشرط مسبق لاستئناف محادثات السلام التي تعرف باسم الحوار الشامل.

احتجاج نواب المعارضة الهندية على سياسة بلادهم تجاه باكستان

من جهة اخرى نظّمَ نواب المعارضة الهندية احتجاجا صاخبا وانسحبوا من البرلمان ووصفوا جهود الحكومة لتحسين العلاقات مع باكستان بأنها خيانة لمصالح الوطن.

ويتعرض رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ لانتقادات بعد توقيعه على بيان مشترك مع نظيره الباكستاني يوسف رضا جيلاني اتفقا فيه على الفصل بين قضية الارهاب وعملية سلام اوسع نطاقا كانت الهند اوقفتها بعد هجمات مومباي في نوفمبر تشرين الثاني. بحسب رويترز.

كما وجهت انتقادات الى سينغ لموافقته على ان يضم البيان المشترك اشارة الى اقليم بلوخستان الباكستاني حيث تتهم باكستان الهند باشعال اعمال تمرد فيه وهو ما تنفيه نيودلهي.

وقال وزير الخارجية الهندي اس.ام. كريشنا للبرلمان يوم الخميس ان الهند ليس لديها ما تخفيه بشأن بلوخستان ولهذا وافق رئيسا وزراء البلدين على الاشارة الى الاقليم في البيان.

وقال زعيم حزب بهاراتيا جاناتا لال كريشنا ادفاني "هذا مفهوم غريب ان نقول ليس لدينا ما نخفيه." وأضاف انه كان ينبغي على سينغ الاعتراض على تضمين الاشارة الى بلوخستان في البيان.وأضاف ادفاني قبل ان يتزعم انسحاب نواب المعارضة "والاكثر من ذلك انه حتى اذا كان يجب ان يتضمن البيان اشارة الى الاقليم فكان يجب ان يقول ان الهند ليس لديها دخل فيما يحدث في بلوخستان."

التقارب بين الهند وباكستان يمنح دفعة للحملة في افغانستان

وربما حصلت الحملة التي تقودها الولايات المتحدة في افغانستان على دفعة جديدة كانت في أمس الحاجة اليها من الجدل البرلماني الذي يدور على بعد مئات الكيلومترات الى الشرق في نيودلهي.

وأبلغ رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ الذي يتعرض لانتقادات من خصومه السياسيين بشأن خطوات السلام مع باكستان البرلمان انه يعتزم مواصلة الحوار "خطوة بخطوة" مع اسلام اباد.

وبينما من السابق لآوانه الحديث عن انفراجة حقيقة في العلاقات أبرز موقف سينغ كيف تغير المناخ الاقليمي منذ الهجوم الذي وقع في نوفمبر تشرين الثاني الماضي على مدينة مومباي الهندية ونفذه متشددون مقرهم باكستان مما عطل عملية السلام الهشة.ومثل ذلك دلالات رئيسية بالنسة لافغانستان.

ولطالما اعتبرت باكستان مترددة في الانقلاب بالكامل ضد طالبان الافغانية اذ تعتقد انها قد تحتاج اليها في مواجهة تنامي النفوذ الهندي في افغانستان.

كما انها لن تضطر لسحب معظم قواتها بعيدا عن الحدود الهندية لمقاتلة طالبان على أراضيها اذ تخشى الانتقام في حالة أي هجمات جديدة على غرار مومباي.

ونقل دبلوماسيون عن قائد الجيش الباكستاني أشفق كياني قوله لمن مارسوا ضغوطا من أجل تحريك القوات من الشرق الى الغرب "ننظر الى القدرات لا النوايا."

واتفقت الهند وباكستان على اجتماع وزيري خارجية البلدين كلما دعت الضرورة في مسعى لتحسين العلاقات.

في الوقات ذاته رفض سينغ استئناف عملية السلام الرسمية حتى تتخذ اسلام اباد خطوات ضد جماعة عسكر طيبة المتشددة المتهمة بتدبير هجمات مومباي.

لكنه تعرض لانتقادات بسبب وضع مسودة بيان مشترك صدر هذا الشهر مع رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني الذي يدفع البعض بانه قدم الكثير من التنازلات.

وقال سينغ للبرلمان "اذا لم نتحدث مباشرة الى باكستان فانه سيتعين علينا ان نعتمد على طرف ثالث ليفعل ذلك ... مالم نكن نرغب في خوض حرب مع باكستان فانه لا سبيل غير الحوار والتواصل ... خطوة خطوة ... باعتبارهما أفضل السبل للمضي قدما."

وقالت صحيفة هيندو ان تصريحاته يمكن اعتبارها فعليا "تغييرا في اللعبة" في النهج الذي تتبعه الهند حيال باكستان. وأضافت "خلق مساحة للحكومة كي تكون مرنة في نهجها تجاه باكستان ومنحها فرصة لتقييم مسار التواصل والى أي مدى ستلتزم باكستان بتعهداتها بالتحرك ضد الارهاب."

وبدورها أبرزت صحيفة الفجر الباكستانية تقديم خمسة من عناصر عسكر طيبة للمحاكمة فيما يتعلق بهجمات مومباي وهو قرار غير مسبوق في بلد يمانع في الحديث صراحة عن المتشددين الذين يتخذونها مقرا لهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/آب/2009 - 14/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م