المصالحة في العراق والتقاطعات السياسية

تصدّع التحالف الرباعي وتشكيل محاور جديدة ومحاذير من التفرّد بالسلطة

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: فيما كشفَ القيادي في حزب الدعوة الاسلامية علي الاديب، أن حزبه ما زال متمسكا بالتحالف الرباعي الذي يضمّه الى جانب الحزبين الكرديين الرئيسيين، أعربَ عن اعتقاده بأن لقاء رئيس الوزراء نوري المالكي برئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني في مدينة السليمانية، سيسهم في تقريب وجهات النظر بين بغداد واربيل، وتفعيل دور التحالف لإنجاح العملية السياسية بالعراق.

وقد اتفق المشاركون في الاجتماع الثلاثي الذي عقد، الأحد، بمنتجع دوكان بمحافظة السليمانية، بين رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني على وضع جداول وآليات لمناقشة الخلافات واستئناف المحادثات ببغداد بين حكومة كردستان والحكومة الاتحادية.

وقال رئيس الجمهورية جلال الطالباني في مؤتمر صحفي مشترك مع المالكي والبارزاني حول زيارة المالكي إلى كردستان “إن زيارة رئيس الوزراء إلى الإقليم ستمنح مزيداً من التشويق للأطراف المختلفة للعمل معا على تنفيذ الاتفاقيات الموجودة، وهي خطوة كبيرة ومقدسة في موضوع العلاقات بين الإقليم وبغداد وأيضا بين أحزابنا الثلاثة”.

من جانبه، قال رئيس الوزراء نوري المالكي إن  “التحديات التي تواجه العملية السياسية هي مدعاة للمزيد من الانفتاح واللقاءات الأخوية ومد يد جميع المكونات بعضها للبعض الآخر”، معربا عن تفاؤله بهذا اللقاء وقال “اتفقنا على أن يستمر على مستوى القيادات والمكاتب السياسية واللجان الفنية”.

وحول نتائج الاجتماع قال المالكي إنهم “اتفقوا على يبدأ فريق ابتداء من هذه الليلة بوضع جداول وآليات حول كيفية بحث المواضيع والخلافات الموجودة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية”، مضيفاً ” كما تم الاتفاق على أن يقوم وفد من حكومة الإقليم ونتمنى أن يترأسه رئيس الحكومة إلى بغداد لاستئناف المباحثات”.

وأعتبر المالكي “وجود الخلافات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان طبيعيا” مشيراً إلى “وجودها حتى بين أعضاء الحكومة والمحافظات، وقال إن “الاختلاف في وجهات النظر موجود ليس مع حكومة الإقليم وإنما في داخل الحكومة ومع المحافظات وبين المحافظات، وأنا اعتبرها طبيعية لأننا بصدد بناء دولة على أنقاض دكتاتورية ونظام مركزي حديدي”.

وتابع “لذلك عندما تقع بعض الخلافات يجب أن لا نتشاءم ونعتبر إن الخلافات ستؤدي إلى إسقاط العملية الديمقراطية والانجازات التي حققناها، نحن نتفق في المساحات الأكبر وإذا كانت هناك مشكلات فهي في التفاصيل والمساحات الأصغر، والتي اتفقنا على حلها اليوم”.

وحول المادة 140 من الدستور قال المالكي “بالنسبة للمادة 140 هي مادة دستورية وهناك لجنة تتابع تنفيذها ونجحت اللجنة في عملية التطبيع وبقيت عملية الإحصاء والتعداد، والعمل مستمر فيها، وهناك مشروع حل مقدم من الأمم المتحدة يقوم الأخوة في حكومة الإقليم  والحكومة الاتحادية بمناقشتها”.

وأضاف “طالما هي مادة ضمن الدستور فهي ضمن مبدأ التزام السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بالتعامل معها وتذليل الصعوبات في طريقها”، مبيناً “الهدف النهائي هو إيجاد حل يحفظ تماسك مكونات الشعب العراقي ووحداته الإدارية ومحافظاته في إطار الدولة العراقية”.

ورداً على سؤال بشأن تأييده لتنفيذ المادة 140 من الدستور من عدمه، حتى لو أدى تنفيذها إلى انضمام كركوك إلى إقليم كردستان، رد المالكي “كردستان جزء من العراق وليس من دولة أخرى، أنا مع كل فقرة وردت بالدستور سواء أيدها أو اعترضها عند وضع الدستور، لأن الدستور الحالي هو الذي صوّتَ عليه الشعب العراقي ونحن في السلطة التنفيذية أمام مسؤولية الالتزام بالدستور”.

وكان حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه المالكي، عقد في آب أغسطس 2007 اتفاقا سمّي حينها بـ(التحالف الرباعي)، ضم الى جانبه كل من المجلس الاعلى الاسلامي الذي يتزعمه السيد عبد العزيز الحكيم، والحزبان الكرديان الرئيسيان، الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الطالباني، ويهدف التحالف بحسب ما اعلن حينها، الى انجاح العملية السياسية في العراق.

وذكر الاديب ان لقاء المالكي بالبارزاني “جاء بدعوة رتبها رئيس الجمهورية جلال الطالباني الذي سيستضيفهما معا في مدينة السليمانية، وقد يتم بحث الملفات العالقة بين الحكومة المركزية واقليم كردستان وايجاد الحلول المناسبة لها، وفقا للاسس الدستورية التي يلتزم بها الطرفين”.

التوافق تأمل أن تفضي زيارة المالكي إلى حلول للخلافات

من جهته أعرب رئيس الكتلة النيابية لجبهة التوافق العراقية ظافر العاني عن أمله بأن تسفر زيارة رئيس الوزراء نوري المالكي، إلى إقليم كردستان عن حلول للخلافات بين حكومتي الإقليم والمركز.

وأوضح العاني في بيان نشر على الموقع الالكتروني لجبهة التوافق انه “يأمل بان لا تكون زيارة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى إقليم كردستان، تعبر عن دعاية انتخابية فقط وان تسفر هذه الزيارة عن حلول للخلافات بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية”.

وأضاف العاني أن “المشاكل بين الإقليم والمركز ينبغي أن تحل ابتداء من الدستور عن طريق إحداث تغيير جدي على الدستور تتفق عليه جميع الأطراف”. بحسب اصوات العراق.

وتابع أن “حل الخلافات في مثل هذه الأجواء الانتخابية تثير الريبة والقلق من إن تكون هناك صفقات سياسية تعقد خلف الكواليس”.

وفيما يخص مشكلة كركوك أوضح العاني بحسب البيان أن “الخيار الذي يجب اعتماده في كركوك هو الدوائر المتعددة لكي يشعر الجميع بالرضا في ظل عدم توفر إحصائيات سكانية معتمدة وفي ظل التغيير الديموغرافي بعد عام 2003 الذي تعرض له أهالي كركوك بصورة قصريه”.

(كيف سينتهى هذا) طريق العراق غير المؤكد نحو المصالحة الوطنية 

وكتب الباحثان أحمد علي الباحث المشارِك في معهد واشنطن، ومايكل آيزنشتات زميل أقدم ومدير برنامج الدراسات الأمنية والعسكرية في المعهد، مقالاً مطولاً عن المصالحة الوطنية والاستقرار في مرحلة ما بعد الصراع في العراق جاء فيه: إن العملية التي يمكن من خلالها شفاء المجتمعات التي مزقتها الحروب لا يتم فهمها بصورة صحيحة. ومع ذلك، تشير التجربة بأن المجتمعات التي تَعْهد [بتطبيق] عملية مصالحة منهجية لترسيخ اتفاقات السلام المحلية تتمتع بفرصة أفضل لتجنب [حدوث] المزيد من الصراعات الأهلية بالمقارنة بتلك التي لا تقوم بعملية [التطبيق].

لقد كان التفكير الأمريكي والعراقي قبل عام 2003، حول المصالحة قد ركز إلى حد كبير على تركة نظام صدام حسين. واليوم، وبعد ست سنوات من [قيام] تمرد و[نشوب صراعات طائفية]، يجب أن تتعامل المصالحة أيضاً [ليس فقط] مع تركة العنف بين الجماعات الطائفية والعرقية، [ولكن أيضاً] بين المتمردين السابقين والحكومة العراقية.

يتطلب نجاح جهود المصالحة، كتلك التي حدثت في الأرجنتين وشيلي والسلفادور، وهندوراس، وموزمبيق، وجنوب أفريقيا، وأوروغواي، [وجود] قيادة تتسم بالشجاعة والبصيرة، وغالباً ما تنطوي على العناصر التالية:

• قول الحقيقة، والذي يسمح للضحايا بتبادل المعلومات عن الصدمات التي واجهتهم، ولمرتكبي الجرائم بالإقرار بالذنب

• إعادة تحديد الهويات الاجتماعية عن طريق "وصف" كل من الضحايا ومرتكبي الجرائم كمواطنين

• [تحقيق] عدالة جزئية، عن طريق تعويض الضحايا، ومعاقبة بعض الجناة على أقل تقدير

• [إحياء] مناسبات عامة [معدة خصيصاً] للتشجيع على التسامح و [فتح] بدايات جديدة

ومع ذلك، فإن أكثر هذه الجوانب مفقودة من عملية المصالحة في العراق التي يشوبها الخلل، والتي تضم مجموعة متنوعة من الأنشطة التي تشمل مجموعة واسعة من الأطراف الفاعلة – حكومات العراق والولايات المتحدة، و"المنظمات الدولية" و"المنظمات غير الحكومية"، والدول المجاورة. وكثيراً ما تكون هذه الأنشطة مبنية على أساس افتراضات مختلفة حول طبيعة المصالحة والوسيلة لتحقيق ذلك.

ويفيد الباحثان بأن الولايات المتحدة دأبت منذ عام 2003، على تعزيز المصالحة في العراق من خلال الأنشطة التالية:

• العمل على دمج العرب السنة في "قوات الأمن العراقية" والعملية السياسية

• "إصلاح ذات البين" فيما يتعلق بمقتل المدنيين العراقيين عن غير قصد من خلال تقديم الاعتذار والتعويض

• إشراك عناصر "التوفيق" من بين المتمردين العرب السنة المستعدين للإنضمام إلى العملية السياسية

• إصلاح العلاقات بين الطوائف المقصية [والمبعدة الواحدة عن الأخرى] (السنة والشيعة، العرب والأكراد) عن طريق تنظيم اجتماعات لمعالجة المشاكل المشتركة

• الضغط على الحكومة العراقية لإصدار تشريعات لدمج المتمردين السابقين والطوائف المحرومة في العملية السياسية

• توثيق المطالبات والمنازعات المتعلقة بالممتلكات

لقد أدى الاتجاه [الذي تم اتباعه] برؤية العراق - بصورة حصرية تقريباً - من خلال منظور العرقية الطائفية، إلى تقويض جهود المصالحة الأمريكية فى وقت مبكر وساهم عن غير قصد إلى حدوث الاستقطاب في المجتمع العراقي. كما أدى إفتقار التنسيق بين الوكالات، وعدم كفاية الموارد، ورفض إجراء محادثات مع المتمردين إلى أعاقة هذه الجهود.

لقد اتبعت الولايات المتحدة نهجاً جديداً في الأشهر التي سبقت "عملية زيادة القوات الأمريكية" عام 2007، عندما اختار الجيش الأمريكي العمل مع المتمردين السابقين من مختلف مجموعات "الصحوة" المعروفة باسم "أبناء العراق"، لمحاربة "تنظيم «القاعدة» في العراق". وقد حققت هذه الجهود التي تم اتخاذها من الأسفل إلى الأعلى، والتي ركزت أساساً على المصالحة بين القوات الأمريكية والمجتمعات العراقية المحلية والجماعات المتمردة، نجاحاً كبيراً. بيد، لم تشهد الجهود الواسعة النطاق التي بذلت خلال "عملية زيادة القوات الأمريكية"، من أجل التوفيق بين الطوائف العراقية المقصية [والمبعدة الواحدة عن الأخرى]، وكذلك بين المتمردين السابقين والحكومة العراقية، سوى درجات متفاوتة من النجاح.

لقد رأى الكثير من العراقيين بأن محاولات المصالحة التي اتبعتها ‘الحكومة العراقية ما بعد صدام‘ في وقت مبكر والتي انعكست بالعقاب والتعويض، بأنها ليس أكثر من مجرد عدالة المنتصر. لقد تم تنفيذ العقاب من قبل [هيئة] اجتثاث البعث ومحاكمة شخصيات النظام السابق. كما تم الحصول على تعويضات من خلال إنشاء المؤسسات الحكومية لرعاية العراقيين الذين شوهوا، وسجنوا، أو قتلوا على يد النظام السابق.

في حزيران/يونيو 2006، وبعد وقت قصير من توليه منصب رئيس الوزراء، أعلن نوري المالكي خطة للمصالحة الوطنية تتكون من أربع وعشرين نقطة وتشمل أحكام العفو، و [عقد] مؤتمرات، وإعادة النظر في إجراءات اجتثاث البعث وتعويضات للضحايا، ومعاقبة الإرهابيين ومجرمي [النزاعات الطائفية]، وإنشاء "اللجنة العليا للحوار والمصالحة الوطنية" برئاسة أكرم الحكيم، وزير الدولة لشؤون الحوار الوطني وأحد المقربين من المالكي. وهذه اللجنة هي منظمة تحاول إشراك العشائر العراقية والمنظمات المدنية والأحزاب السياسية والزعماء الدينيين [في عملية المصالحة الوطنية]. ويشرف الحكيم، على الأقل من الناحية النظرية، على جميع الهيئات الحكومية المشاركة في عملية المصالحة، والتي لها [أولولية منخفضة]، حيث تفتقر اللجنة إلى الموظفين الفنيين، وتبقى غير ممولة (كان البرلمان قد ألغى مبلغ 65 مليون دولار تم تخصيصه من قبل مجلس الوزراء).

تشكل "لجنة متابعة وتنفيذ المصالحة الوطنية" الذراع التنفيذية الرئيسية للحكومة العراقية لتحقيق المصالحة، وكانت قد أنشئت في حزيران/يونيو 2007، ويرأسها حالياً محمد سلمان السعدي، الذي هو أيضاً من المقربين لرئيس الوزراء نوري المالكي. وفي الوقت الذي تخضع رسمياً لإشراف "اللجنة العليا للحوار والمصالحة الوطنية"، فإنها في الواقع تقدم تقاريرها مباشرة إلى رئيس الوزراء وتتمتع بدرجة عالية من الاستقلال الذاتي. وتقوم بصورة أساسية بمعالجة المواضيع المتعلقة بفحص وتدقيق [خلفية] أفراد النظام السابق، والشؤون القبلية (بما في ذلك "الصحوة" و "مجالس الدعم القبلية")، والمشردين داخلياً، وحرية الحصول على الخدمات الأساسية (التي استخدمت في الماضي لمعاقبة أولئك الذين اعتبروا أعداء متصورين، بحيث تم حرمانهم منها)، والقضايا المتعلقة بخلق فرص عمل.

وفي أيلول/سبتمبر 2007، أنشأ البرلمان العراقي "لجنة المصالحة الوطنية" - لغرض معين بالذات - برئاسة النائب السني المستقل وثاب شاكر، وتم اختيار أعضائها الأثني عشر أو نحو ذلك من جميع الأحزاب الرئيسية تقريباً. ومع ذلك، لا تشكل "لجنة المصالحة الوطنية" لاعباً رئيسياً. وتشمل أنشطتها الأساسية العمل على إطلاق سراح المعتقلين، الذين أغلبهم من السنة كما تعمل في بعض الأحيان كمحاور مع الجامعة العربية.

وفي كانون الثاني/يناير 2008، أقر البرلمان العراقي "قانون المساءلة والعدالة" ليحل محل ‘نظام اجتثاث البعث‘ الذي تم إنشاؤه في عام 2003 من قبل "سلطة التحالف المؤقتة". وعلى الرغم من أن بعضاً من بنوده تتضمن [إدخال] تحسينات -- معايير أقل صرامة لاجتثاث البعث، ومعاشات تقاعدية أكثر سخاءاً للموظفين المفصولين، وفقدان الحقوق المستعادة في حالة إثبات اللوم بالقيام بأعمال إجرامية، وآلية مستقلة للتمييز – إلا أن البعض الآخر لا يشمل تحسينات كهذه، كـ [وجود] استثناءات للمعايير الجديدة لاجتثاث البعث، والفصل بالجملة من الخدمة الحكومية للموظفين السابقين في الأجهزة الأمنية من زمن حزب البعث. وفضلاً عن ذلك، لم يتم بعد تعيين اللجنة المناطة بتنفيذ القانون.

وبالإضافة إلى هذه الجهود الحكومية من الأعلى إلى الأسفل، هناك عدد من المبادرات التي نشأت من قبل المجتمع المدني وتنطلق من الأسفل إلى الأعلى، بشكل تجمعات جماهيرية وقبلية.

لقد تعرقلت أنشطة المصالحة التي اتخذتها الحكومة العراقية بسبب وصمة التسييس وعدم وجود أعمال متابعة. وقد اعتُبرت الرغبة في الانتقام بدلاً من المصالحة، [القوة] المحركة في وقت مبكر التي اتخذت في نطاق الجهود التي بذلت لاجتثاث البعث ومحاكمة شخصيات النظام السابق، مما أدى إلى المزيد من الاستقطاب بين المجتمع العراقي. ويستخدم المالكي "لجنة متابعة وتنفيذ المصالحة الوطنية" لزيادة توفير الرعاية لمؤيديه مثل "مجالس الدعم القبلية"، وممارسة النفوذ على أعدائه السابقين، في حين بدى أن أعضاء البرلمان كانوا رائدين في إنشاء "لجنة المصالحة الوطنية" لضمان معالجة الحكومة لأجندتهم المتعلقة بالمصالحة.

ومنذ أن قام المالكي بشرح الخطوط العريضة لجدول أعماله الطموح في عام 2006، كانت الإنجازات متواضعة. فعلى الرغم من إعادة ضباط الجيش المفصولين إلى الخدمة، ودفع المعاشات التقاعدية لأفراد من قوات الأمن من النظام السابق، وتعزيز جهود المصالحة المحلية بصورة جيدة، لا تزال هناك بعض المشاكل. فمعظم [البنود] في "قانون المساءلة والعدالة" لم تنفذ بعد، ولم يتم إقرار التعديلات الرئيسية المقترحة على الدستور، وليس واضحاً فيما إذا كانت الحكومة ستجد وظائف مستقرة للثمانين في المائة من أفراد الميليشيات السابقين من "أبناء العراق" الذين لم يتم دمجهم في "قوات الأمن العراقية".

وأخيراً، فقد جرى النظر بصورة أساسية، في الخلافات بين بغداد و "حكومة إقليم كردستان"، من خلال تأجيل اتخاذ قرارات صعبة بشأن المسائل الرئيسية، مثل وضع كركوك، والحكم في محافظة نينوى، والنفط، والعلاقات بين "البشمركة"/"قوات الأمن العراقية"، ودستور "حكومة إقليم كردستان".

دور المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية والجيران

ويشير الباحثان الى دور المنظمات المختلفة ودول الجوار في مسالة المصالحة بالقول: لقد قام العديد من "المنظمات غير الحكومية" الأجنبية، بدعم عملية المصالحة من خلال تدريب وسطاء حول حل النزاعات ورعاية ورش عمل ومؤتمرات لتشجيع الحوار بين العراقيين، وحل النزاعات المحلية، وتشكيل رؤية مشتركة لمستقبل البلاد.

وقد عززت "بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق" ("يونامي") عملية المصالحة من خلال دعم الانتخابات، والعمل على حل مسألة كركوك، والمساعدة في إصدار وثيقة "العهد الدولي مع العراق". كما قامت جامعة الدول العربية ("الجامعة") برعاية "مؤتمر المصالحة الوطنية" في القاهرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2005، وأوفدت بعثة دائمة إلى بغداد في نيسان/أبريل 2006. ومع ذلك، فقد كانت فعالية "الجامعة" محدودة بسبب عدم إمكانيتها توظيف عدد كافي [من العاملين] بصورة مستمرة في مكتبها في بغداد، والتوترات بين إعضائها الذين هم إلى حد كبير من الدول العربية السنية في الوقت الذي تتكون غالبية الحكومة العراقية من العرب الشيعة. وأخيراً، استضافت الحكومة الأردنية عدداً من المؤتمرات لتعزيز الحوار والمصالحة بين العراقيين.

وفي حين من الصعب تقييم التأثير الإجمالي لهذه الأنشطة المتنوعة، أسفرت بعض الجهود التي بُذلت لبناء السلام والتي رعتها "منظمات غير حكومية" عن فوائد محلية هامة.

ويؤكد الباحثان بأن هناك عدد من العوامل التي من المرجح أن تعقّد الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الوطنية في العراق:

"المصالح الخاصة". لعل التحدي الأكبر هو أن الأحزاب السياسية الرئيسية قد نجحت في استغلال المظالم العرقية الطائفية كوسيلة لحشد الدعم. فلهذه الأحزاب مصلحة في إدامة الوضع السياسي الراهن، حيث ستخسر الكثير إذا ما نشأ أسلوب سياسة "ما بعد الطائفية" في العراق نتيجة نجاح عملية المصالحة.

"استمرار أعمال العنف". على الرغم من حدوث انخفاض كبير في مستويات أعمال العنف المستمرة، إلا أنها تمنع من تضميد الجراح القديمة، وتفتح جروحاً جديدة، وتؤدي إلى احتمال تجدد [الصراعات الطائفية]. ويضفي هذا الواقع فورية إلى واحدة من النتائج الرئيسية لمَعلمة مهمة صدرت في دراسة من قبل "البنك الدولي" حول النزاع المدني وهي: أن ما يقرب من نصف جميع البلدان التي خرجت من حرب أهلية، بدأت تعاني ثانية من ارتداد [أعمال العنف] في غضون خمس سنوات.

"توافق في الآراء بعيد المنال". لا تزال هناك خلافات جوهرية بين العراقيين حول عدد من القضايا الرئيسية، مثل اجتثاث البعث، وقانون النفط، وكركوك. إن تجزؤ المشهد السياسي العراقي (أكثر من أربعمائة حزب وكيان شاركت في الانتخابات الاقليمية الاخيرة) يعقّد الجهود الرامية إلى تحديد هوية الأفراد القادرين على التحدث عن جمهور واسع من المؤيدين والأنصار، والتفاوض بالنيابة عنهم.

"إنكار العدالة". لا يزال الكثير من المسؤولين عن أسوأ أعمال العنف التي وقعت في السنوات الأخيرة -- من بينهم قادة جماعات التمرد المناهضة للحكومة، وفرق الموت -- يشاركون في الحياة العامة كأعضاء في مجالس المحافظات، أو "قوات الأمن العراقية"، أو البرلمان، ولا يظهرون الندم على أفعالهم.

"تعقد الديموغرافية". بما أن مختلف فئات السكان ما زالت متداخلة فيما بينها في جميع أنحاء البلاد على الرغم من سنوات من التطهير العرقي والطائفي، فإن [وقوع] حوادث في مكان واحد قد يكون له عواقب على نطاق واسع في أماكن أخرى.

"صراعات متعددة الطبقات". شملت [النزاعات الطائفية] في العراق صراعات داخل المجتمعات المحلية، وفيما بينها: "المقاومة الوطنية" ضد "تنظيم «القاعدة» في العراق"، مجالس "الصحوة" ضد الإسلاميين، وجيش المهدي ضد وحدات من "قوات الأمن العراقية" المتوافقة مع "المجلس الأعلى الإسلامي في العراق". ولهذا السبب، هناك حاجة إلى قيام مصالحة بين هذه التنظيمات وخارجها. وقد ركزت معظم جهود المصالحة حتى الآن، على تَرَكة النزاعات بين التنظيمات، وإن كانت هناك حاجة في النهاية إلى معالجة كلتا التركيتن.

"الثقافة السياسية العراقية". في حين وفر الإسلام وثقافة القبائل العربية، المبررات والآليات المعيارية اللازمة لتحقيق المصالحة على المستوى المحلي، إلا أن الرغبة في الإنتقام، واتباع النهج الصفري في السياسة، والتطرف الديني أعاقت جميعها عمليات المصالحة على المستوى الوطني.

وفي شأن سياسات عام الانتخابات في آذار/مارس 2009، يقول الباحثان: عندما أعربت الحكومة عن استعدادها للتصالح مع بعض البعثيين، تم تشكيل عدد من منظمات المجتمع المدني (يبدو أن لجميعها صلات مع "المجلس الأعلى الإسلامي في العراق") لإحباط هذه الجهود. وسيكون من الصعب على الحكومة تجاهل هذه المنظمات خلال فترة التحضير للانتخابات والتي من المقرر أن تجرى في كانون الثاني/يناير 2010، لئلا يبدو بأنها "تتساهل" [في سياستها] تجاه البعثيين وتخسر تأييد جماهير أنصارها الرئيسيين.

"التدخل الخارجي". لقد دعمت سوريا، ودول الخليج العربية وإيران جماعات مثل "تنظيم «القاعدة» في العراق" و "جيش المهدي"، وبذلك ساهمت بشكل كبير في [الصراعات الطائفية] في العراق في الفترة 2006-2007، وفي أعمال العنف المستمرة. إن منع تسليح وتدريب وتمويل هؤلاء المفسدين أمر أساسي لحفظ السلام في العراق ودفع عملية المصالحة قدماً.

وبسبب هذه الأسباب مجتمعة، من المحتمل أن يتعايش العراقيين بصورة غير سهلة في المستقبل المنظور. وإذا ما حدثت مصالحة وطنية على الإطلاق، فقد تستغرق سنوات.

إن منع تجدد اندلاع أعمال العنف الرئيسية هو شرط أساسي لنجاح المصالحة في العراق. وبناءاً على ذلك، ينبغي أن تكون أهم أولويات الولايات المتحدة في العامين القادمين، الضغط على الحكومة العراقية لإيجاد فرص عمل مستقرة -- حتى لو كان ذلك "خلق أعمال" – لأفراد "أبناء العراق" وضباط الجيش السابقين الذين شاركوا في التمرد، ومنع وقوع اشتباكات بين "قوات الأمن العراقية" وقوات "حكومة إقليم كردستان" في المناطق المتنازع عليها.

ويختتم الباحثان مقالهما بالقول: إن هذا يتطلب من الولايات المتحدة الأمريكية، أولاً، إنفاق رأس مال سياسي كبير لاقناع الحكومة العراقية على اتخاذ خطوات تجدها كريهة للغاية، وثانياً، الاستمرار بعدم تشجيع "حكومة إقليم كردستان" على اتخاذ إجراءات، يمكن أن تعتبر استفزازية من جانب عراقيين آخرين. وللسبب نفسه، سيتعين على الولايات المتحدة تحمل جهود نوري المالكي للمصالحة مع أعضاء حركة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بما في ذلك "مجموعة خاصة" من المسلحين الملطخة أيديهم بدماء أمريكية.

واشنطن بوست: تحرُّكات المالكي المنفردة تزيد من اعدائه

من جهة ثانية رأت صحيفة واشنطن بوست The Washington Post في تقرير مطول لها، أن رئيس الوزراء العراقي يفاجئ أعدائه وأصدقائه على الدوام بخطواته المنفردة وأنه ينتهج سياسة عدوانية تجاه الجميع ومن بينهم الأمريكيين ما يخلق له اعداء كثر ويخالف المصالح الأمريكية.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي وضعته تحت عنوان “المالكي يجعل اعداءه واصدقاءه يرجمون بالغيب”، إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي “أظهر مرة أخرى براعة في مفاجاة كل من اعدائه وحلفائه بالغارة التي شنت على معسكر منشقين إيرانيين كانوا يحظون بالحماية الأمريكية”، مشيرة إلى أن ذلك يأتي في “محاولة منه للبروز كمنتصر في الانتخابات البرلمانية الحاسمة التي ستعقد في كانون الثاني يناير المقبل”.

وذكرت الصحيفة، في الماضي “أمر المالكي بشن هجمات في البصرة على ميليشيات على الضد من نصيحة الجيش الأمريكي وأنه حول الموعد النهائي لانسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية في 30 من حزيران يونيو الماضي إلى احتفال منسق باستقلال العراق وحاول بصرامة إخفاء حجب الوجود الأمريكي المتبقي خشية أن يرى العراقيون الانسحاب تمثيلية”.

وتابعت الصحيفة قولها إن حكومة المالكي كانت “تنظر على مدى شهور بتحرك ضد المنفيين الإيرانيين من أفراد مجموعة تسمى مجاهدين خلق، متعهدة للحكومة الأمريكية بأنها ستعامل ما يزيد عن ثلاثة آلاف ساكن في المعسكر باسلوب إنساني ولا ترغم أي منهم على العودة إلى إيران”، مستدركة “لكن غارة الثلاثاء فأجات مسؤولين عسكريين أمريكيين وديبلوماسيين بل وحتى ضباط عراقيين أما إيران التي كانت تدعو إلى تحرك ضد هذه الجماعة فقد امتدحت العملية”.

وفي محاولة من الصحيفة لبعث رسالة إلى المالكي قالت إن هذه التحركات بمجملها “تبين وجود رغبة قوية لدى المالكي لفعل ما كان غير مفكر به لحظة توليه منصبه قبل ثلاث سنوات بهدف خلق صورة عن نفسه كقائد مستقل في بلد ما يزال على أرضه 130 ألف عسكري أمريكي”.

وتنقل الصحيفة عن سليم عبد الله، الذي تصفه بالنائب السني والعضو في كتلة برلمانية عارضت المالكي في السابق، قوله إن المالكي “يريد تحويل نفسه إلى رمز وطني ويرغب باستخدام السلطة والقوة للترويج لشخصه منفردا”، مضيفا بحسب الصحيفة أنه عازم على “تحطيم أي شيء من شأنه أن يقف بطريق انتخابه رئيسا للوزراء مرة ثانية”.

ورأت الصحيفة أن المالكي “يواجه جملة من التحديات قبيل الانتخابات في كانون الثاني يناير المقبل”، مبينة أن القليل يتوقعون منه أن “يواصل تمتعه بنقطة التقاء ملفتة للحظ والقدر ساعدت بتحويله من خيار توافقي كرئيس للوزراء إلى محور بدأت السياسة العراقية تدور حوله اليوم”.

لكن العنف “لا يزال سمة المشهد العراقي”، كما تذكر الصحيفة، وتضيف “الأمر الذي يهدد ما يعده المالكي أكبر انجازاته إلا وهو إعادة مظاهر الهدوء إلى بغداد ومدن أخرى خربتها الحرب”.

وقالت الواشنطن بوست، منذ الربيع “راح المالكي يتقرب إلى زعماء سنة من بينهم صالح المطلك الذي يستند إلى البعثيين السابقين في جمهوره وأحمد أبو ريشة الذي ربما هو أقوى زعيم عشائري في الانبار”، موضحة أن أبو ريشة “أعلن عن نيته التحالف مع المالكي ووصفه أنه إذا اعتبرك صديقا له فسيحافظ عليك كصديق”.

ونقلت الصحيفة عن المالكي قوله لمراسلها “نحن مصممون على عدم العودة إلى الطائفية لأنها أصل مشكلاتنا”، لكنها ذكرت أن نقادا “يتهمون المالكي بالتودد إلى سياسيين سنة ليمارس ضغطا على زملائه الشيعة في مفاوضات لإعادة بناء التحالف الشيعي الذي دخل في انتخابات العام 2005 وفي هذا الوقت يملك المالكي اليد الطولى في هذه الكتلة وقد سعى إلى تعهدات من شأنها أن توفر له دعم الائتلاف ليجدد انتخابه رئيسا للوزراء”.

وذكرت الصحيفة أن السياسيون الشيعة “طالبوا بشفافية أكبر في حكومة تهيمن عليها دائرة من المستشارين من حزب الدعوة الذي ينتمي إليه المالكي ويريدون أن يكون لهم قولهم في تعيينات رئاسة الوزراء والحق بمراجعة سياساته وكبح محاولاته للسيطرة على الجيش”.

ويؤكد آخرون بحسب الصحيفة أن المالكي قد “كسب بسهولة أعداء كثيرين يحولون دون انتخابه رئيسا للوزراء ثانية على الرغم من بلاءه البلاء الحسن في الانتخابات”. وتوضح أن زعماء سنة “انتقدوا غارة المالكي على معسكر المنشقين الإيرانيين مشيرين إلى أنه كان ينفذ أوامر إيران في حين أعرب بعض المسؤولين الأكراد عن عدم دعمهم إعادة اختياره وكذلك فعل الصدريون وحزب سني بارز لكن في الأجواء الحالية يصعب تبيان أين تنتهي المساومات وتبدأ المبادئ”، كما قالت الصحيفة.

ونقلت الواشنطن بوست عن جلال الدين الصغير، الذي تصفه بالنائب عن حزب شيعي منافس للمالكي قوله إن المالكي “يحتاج إلى القوى الأخرى لتدعمه ولن يكون سهلا الفوز بها”، مضيفا أن سياسته “لم تكن مبنية أبدا على الحصول على حلفاء”.

ورأت الصحيفة أن المالكي على ما يبدو “يلعب لعبة هجومية مع الأمريكيين أيضا”، شارحة “فلا أحد تفوته حقيقة أن الغارة على معسكر المنشقين الإيرانيين بدأت مع وصول وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس إلى العراق أما لضغف تخطيط من جانب المالكي أو استخفافا برد الفعل الأمريكي”.

وعدت أن الغارة هي “الأكثر إثارة في قائمة متزايدة من التحركات التي تشير إلى أن لدى المالكي إرادة متزايدة للتصرف ضد المصالح الأمريكية”، بحسب تعبيرها.

وتابعت الواشنطن بوست “فقبل ساعات من دخول الاتفاقية الأمنية حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني يناير الماضي طالب المالكي أن يخلي الديبلوماسيون الأمريكيون قبل منتصف الليل بناية كانوا يستخدمونها كسفارة منذ بدء الحرب”، وأردفت “واربكهم  عندما حدد القادة العراقيون بشدة حركة القوات الأمريكية وسلطتها في بغداد ومدن أخرى بعد الانسحاب في 30 من حزيران يونيو الماضي كما أصدر أوامره بايقاف تزويد القوات الأمريكية نقاط التفتيش في المنطقة الخضراء بجنود منها”.

وذكرت الصحيفة أن ما من أحد “يشك في أن الأمريكيين لا يزالون يتمتعون بالنفوذ الهائل في العراق إذ في مكالمة هاتفية تمكن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن من المساعدة في تأجيل تصويت على دستور كردي وجده بعض المسؤولين العرب مثيرا للغضب”، واستدركت “لكن حتى مع وجود إشارات عن انقسامات في السياسة الأمريكية يعزوها النقاد إلى قصور في التوجيه فلا يزال على الأقل في العراق احساس بأن الأمريكيين يريدون رؤية المالكي يعزز السيطرة باعتبارها السبيل الملائم لتأمين الاستقرار فيما تنسحب غالبية القوات القتالية الأمريكية من العراق بحلول آب أغسطس 2010″.

وتختتم الواشنطن بوست تقريرها بكلام عن سياسي عراقي وصفته بأنه منتقد للمالكي مفاده “اعتقد أنهم يرجعون المفاتيح وهذا شيء مؤسف لأنه يعني أننا نخلق رجلا قويا آخر في العراق وهذا أمر سيء للعراق”.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/آب/2009 - 12/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م