إلى الأخوة الكرد الذين سيصوتون بنعم لصيغة الدستور المقترح محبتي.
إن السير في طريق الحرية والديمقراطية واستقلال الارادة هو الطريق
الذي يحقق أحلامكم كما أحلامنا، واختلافنا الوحيد ربما هو إصراركم على
النأي عنا فيما نصر نحن على العيش معا متحدين متضامنين من أجل الرفاه
والتقدم والازدهارلأجيالنا الحالية والقادمة. وإذا اخترتم الانفصال عنا
فليس لنا الحق في فرض محبتنا عليكم أو وقف كراهيتكم لنا.
الديباجة التي افتتحتم فيها مشروع الدستورلم تعكس الحقائق التاريخية
بحياد، مما رسم للأجيال الجديدة التي ولدت بعد ثورة 1958 صورة مشوهة
وزائفة عن تلك الفترة التاريخية. لقد بدا وكأنكم وحدكم من عانى من
العسف والقهر والتمييز والمقابر الجماعية، وكأنكم وحدكم من خاض النضال
الوطني من أجل العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية والحياة الكريمة
لكل مكونات شعبنا عربا وأكرادا وقوميات أخرى. ربما أكثركم وجلكم شبابا
لم تكونوا على وعي حينها لحداثة أعماركم، فلا تتذكرون الشعار الشعبي
الذي رفعته ورددته في احتجاجاتها ومظاهراتها جماهير شعبنا منذ
الخمسينيات " على صخرة الأخوة العربية – الكردية لتتحطم المؤامرات
الرجعية / الاستعمارية "، وبعده، الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي
لكوردستان ".
لقد ضحى الكثير من العراقيين من غير الكورد بحياتهم من أجل هذا
الشعار فلم لم تذكروا ولو كلمة ثناء واحدة بحقهم؟
إن دستوركم قد استعرض مواقف الحكومات العراقية المعادية لتطلعات
الشعب الكردي ولم يثني ولو بعبارة واحدة على دستور عام 1958 الذي نص
لأول مرة في تاريخ العراق على الشراكة التاريخية في الوطن العراقي بين
العرب والأكراد، أليس ذلك الاعتراف من حكومة ثورة تموز مكسبا وطنيا
للكورد واعترافا بتضحياتهم ؟
دعونا نعيد قراءة الديباجة ونتوقف عند " إن سياسة القمع تصاعدت سنة
بعد أخرى على مدى أكثر من ثمانية عقود لم توقفها أو تحد منها ما سطر في
دساتير العراق المتعاقبة من نصوص وأحكام أُقتبست من الإعلانات
والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتي تتغنى بالعدل والمساواة
والشراكة والحرية وتكافؤ الفرص بدءًا من دستور سنة 1925ومروراً بدساتير
1958، 1964، 1968، 1970 وانتهاءًا بمشروع دستور 1990 بل أن الحكومات
المتعاقبة تعدت كل الخطوط الحمراء ولم تتوقف عند حد تجاهل حقوقنا
القومية بل تعدتها إلى مرحلة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير
العرقي ".
لقد وضعت لجنة إعداد الدستور حكومة ثورة 1958 على قدم المساواة مع
حكومة المقابر والابادة الجماعية والتطهير العرقي. أي منصف حتى لو كان
شوفينيا كورديا لابد ويرفض هذا الخلط غير المعقول والمجحف، فكيف حدث
هذا بوجود قائدي الحزبين الكورديين السيدين جلال الطلباني ومسعود
البرزاني؟
لقد بادرت حكومة ذلك الدستور الذي لم يشر إليه بكلمة عرفان، قامت
بدعوة قائد الشعب الكردي الراحل مصطفى البرزاني وأتباعه من مهجرهم
ورحبت بهم أفضل ترحيب، وتحول الترحيب الجماهيري إلى عيد وطني لكل
جماهير الشعب. إن موقف حكومة الثورة ورد الفعل الجماهيري دلل على مدى
تعلق الشعب العراقي بقادة وشعب كوردستان، ونكران ذلك أو تجاهله من قبل
الأشقاء الذين أعدوا الدستور وصاغوا ديباجته لا يعبر عن جهل أو مجرد
سهو بسيط. إنه قفز على حقائق تاريخية لا أحد قادر على تجاهلها دون أن
يكون مدفوعا بنوايا سيئة هي نفس النوايا التي دفعت بالفاشية القومية
العربية التي تنكرت لحقوق الكورد وأزهقت أرواح عشرات الآلاف من أبناء
كوردستان الأبرياء.لقد سردتم بإسهاب ملاحمكم النضالية التي اعتمدت حمل
السلاح ومحاربة الحكومات العراقية وكأن الاحتكام للسلاح هو الطريق
الوحيد لنيل الحقوق، فكان من نتيجتة ضحايا كان يمكن ان يكونوا ما
يزالوا على قيد الحياة يشاركوكم افراحكم بما أنتم فيه.
وإذا ما انتقلنا إلى مواد الدستور فسنجد الكثير من النصوص التي كتبت
تحت تأثير المشاعر القبلية والقومية المتخلفة مرفوضة أخلاقيا وحضاريا.
فالمادة الأولى تنص على ما يلي: " إقليم كوردستان إقليم اتحادي ضمن
دولة العراق الاتحادية نظامه السياسي جمهوري برلماني ديمقراطي يعتمد
التعددية السياسية وتداول السلطة سلمياً ومبدأ الفصل بين السلطات ".
يمكن للقارئ أن يمر على النص دون أن يثير أي تساؤل. فالنص واضح باعتبار
الإقليم جمهورية برلمانية ديمقراطية...إلى أخره. فهل هذا ما يعنيه
العراق الاتحادي أم إتحادا لجمهوريات مستقلة؟
أما المادة الثانية فهي الأخرى تخلق التباسا يصعب تفسيره، حيث تنص
على "تتكون كوردستان العراق من محافظة دهوك بحدودها الإدارية الحالية
ومحافظات كركوك والسليمانية وأربيل وأقضية عقرة والشيخان وسنجار وتلعفر
وتلكيف وقرقوش ونواحي زمار وبعشيقة وأسكي كلك من محافظة نينوى وقضائي
خانقين ومندلي من محافظة ديالى وقضاء بدرة وناحية جصان من محافظة واسط
بحدودها الإدارية قبل عام 1968".
هذه المادة تتناقض مع المادة التي تليها وهي المادة 140 مستبقة ما
يمكن أن تخرج به اللجان المشكلة بناء عليها. والكل يعرف أن تلك اللجان
تعمل بجد ومثابرة للوصول إلى حلول لمعضلات شديدة التعقيد، يعتمد عليها
بقاء إقليم كوردستان ضمن دولة العراق الاتحادية أو خروجه منها وإعلان
دولته المستقلة، كما يهدد ويتوعد السيد مسعود برزاني في لقاءاته مع
الصحافة والقنوات العراقية والأجنبية. فهل لهذا الاستباق ما يبرره غير
النية المسبقة لوضع العراق على كف عفريت ؟
أما المادة الثالثة فقد تجاهلت تماما السلطة الاتحادية وأي حلول
يمكن أن تبادر بها لحل معضلات قد تنشأ خلال تطور الأحداث السياسية في
عموم البلاد التي ربما تقتضي النظر في إنشاء إقليم ذي حكم ذاتي لأقلية
قومية أو دينية. فهي تحسم هذا الأمر بصرف النظر عن رأي المحكمة
الدستورية أو مجلس النواب العراقي أو الحكومة الاتحادية. فنصها يقول "
لا يجوز تأسيس أقليم جديد داخل حدود أقليم كوردستان – العراق " مع
العلم إن حدود الاقليم لم يحسم تحديدها بعد؛؛
في المادة الرابعة - أولا ينص على " لدستور اقليم كوردستان وقوانينه
السيادة والسمو على كافة القوانين الصادرة من الحكومة العراقية خارج
الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية المنصوص عليها في المادة 110 من
الدستور الاتحادي. و في نفس المادة ثانيا جاء " في حالة تنازع قوانين
اقليم كوردستان مع اية قوانين أخرى تكون محاكم كوردستان ملزمة بتطبيق
دستور كوردستان وقوانينها ما لم يتم إلغاء القانون او تعديله من قبل
البرلمان أو ابطاله من قبل المحكمة الدستورية ( المقصود بها المحكمة
الدستورية لاقليم كوردستان وليست المحكمة الدستو رية الاتحادية لذا
اقتضى التنويه ). ونفس الفحوى أكدته المادة الخامسة الذي جاء فيها "
لبرلمان كوردستان رفض اي قانون لجمهورية العراق الاتحادية في اقليم
كوردستان خارج الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية المنصوص عليها في
المادة (110) من الدستور الاتحادي ان اقتضت مصلحة شعب كوردستان ذلك.
أن من يراجع المادتين أعلاه لابد ويخرج بنتيجة مفادها أن لا صلاحيات
للحكومة الاتحادية البته، فمنطوق المادتين يمنح للاقليم صلاحيات هي
منطقيا من صلاحيات المركز، وبذلك تتحول الدولة الاتحادية ومؤسساتها إلى
إقليم مانحة الإقليم سلطات الدولة الاتحادية، وهذا إشكال كبيرحقا. كان
على الأخوة في لجنة الصياغة تفادي هذا التداخل في الصلاحيات لو سلمت
النوايا وتسامت عن الرغبة في قهر الآخر ومحاولة تهميشه بكل ما أمكن من
وسائل، وهو أمر كان ينبغي عدم التورط فيه، لأنه غير مقبول شعبيا
وسياسيا محليا ودوليا. هناك مثل عربي شعبي يفيد كثيرا لجنة إعداد
الدستور حيث يقول: " إذا سلمت من الأسد فلا تطمع بصيده ". لقد أخفقت
اللجنة بذلك تماما، وكان يمكن تلافي هذا الاخفاق لو فتحت قنوات التشاور
مع الجهات المسئولة في الحكومة الاتحادية لضمان الانسجام بين دستور
العراق ودستور إقليم كوردستان. وإذا كان الخطأ قد وقع فإن التراجع
والاعتراف بالخطأ فضيلة وبالتأكيد تضمن بذلك مصلحة العراقيين بكردهم
وباقي مكوناتهم.
وهناك إشكال آخر مثير للخيبة ورد في المادة التاسعه جاء فيه ما يجعل
من السلطة الاتحادية مصطلحا لا معنى له. حيث تنص المادة تسعة على ضرورة
أن تقوم الحكومة الا تحادية بالتالي:
أولاً: استطلاع رأي الاقليم قبل عقد اية اتفاقية بين الحكومة
الاتحادية وأية دولة أو جهة أجنبية من شأنها المساس بظروف أو أوضاع أو
حقوق أقلي! م كوردستان القائمة حالياً أو مستقبلاً، ويزيد على ذلك في
ثانيا من نفس المادة:
ثانياً: للأقليم وفي الحدود التي يختص بسن القوانين ضمنها والتي
تخرج عن الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية الحق بعقد إتفاقيات مع
حكومات اقاليم الدول الاجنبية.
ثالثاً: للاقليم وفي الحدود االتي يختص بسن القوانين ضمنها والتي
تخرج عن الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية الحق بعقد إتفاقيات مع
الدول الاجنبية بموافقة الحكومة الاتحادية والتي ليس لها حجب موافقتها
دونما مبررات قانونية مقنعة. وهنا أيضا جرى تجاوز السلطة الاتحادية مع
سبق الإصرار، فمن جهة يجيز الاقليم لسلطته عقد الاتفاقيات مع الدول
الأجنبية من دون التشاور أو أخذ موافقة الحكومة الا تحادية، فيما يطلب
من الأخيرة عدم عقد الاتفاقيات مع تلك الدول دون التشاور معه. وفي نفس
المادة ثالثا – يصرح بأن ليس للحكومة الاتحادية منع الاقليم من عقد !
الاتفاقيات دونما مبررات قانونية مقنعة.
وفي المادة العاشرة من مشروع الدستور ثانيا- تفرض على حكومة الدولة
الاتحادية " مشاركة الاقليم في المناصب والوظائف الاتحادية بشكل متكافئ
ومتناسب "، لكنه ينص في ثالثا- " إناطة الدرجات الوظيفية للدوائر
الاتحادية في أقليم كوردستان بمواطنيه. ما يعني أنه لا يحق للحكومة
الاتحادية تعيين أو تنسيب مواطنين من غير الكورد لاشغال وظائف في
كوردستان، بينما يمنح الحق للاقليم بتقاسم الوظائف الاتحادية خارجه.
وهذا النص يجعل من الاقليم كيانا خارجا عن الدولة الاتحادية تارة
ومتسلط عليها تارة أخرى. وهنا يبرز الخلاف مرة أخرى في تعريف الاقليم
وموقعه في الكيان الاتحادي وحدود صلاحياته التي ليست فقط متداخلة بل
لها قوة سيادية لا حد لها على السلطة الاتحادية. وهذا الشكل من
العلاقات غير المتناسبة وغير المتكافئة غير موجودة في أي شكل من أشكال
الحكم الاتحادي.
الإشكال الآخر تثيره المادة ثالث عشر والتي جاء فيها " لاقليم
كوردستان قوات بيشمركة دفاعية لحراسة الاقليم ". مغزى هذه المادة واضح،
فهي تحتفظ بجيش دفاعي لحماية الاقليم، من العدوان الخارجي، ولم تطلق
على البشمركة تسمية شرطة للتدليل على أنها بالفعل جيش الاقليم بلا
منازع، ولم تشر لا من قريب أو بعيد إلى الجيش الاتحادي وماهية علاقته
بقواتها الدفاعية. وتعني المادة أيضا دون أن تذكر ذلك، أن لهذه القوى
الحق في معدات عسكرية دفاعية، دون التحدث عن حجم تلك المعدات ونوعها،
ومصادر تمولها، ومن يشرف على تدريباتها، وما هي جنسيات المدربين
واختصاصاتهم، وهل لقيادة الجيش العراقي الاتحادي علم بعمليات تدريبها
ومناوراتها وتنقلاتها ونظام الترقية والتقاعد والانظباط العسكرية؟ لا
يوضح مشروع الدستور ذلك، وتركه لغزا وربما اعتبره شأنا خاصا بالاقليم
يتمتع بالحصانة والسرية، وهو أمر لم يحصل مثيلا له في الدول الاتحادية
مطلقا، فمن أين أستقت قيادة الاقليم هذا النمط من القوات الدفاعية التي
لا سلطة للحكومة الاتحادية عليها، فبالتأكيد ليس من الأثنين والعشرين
دولة عربية أو الولايات المتحدة أو سويسرا أو المانيا الأتحادية.
لقد ذكرت لجنة الاعداد أنها استعانت بثلاثة وثلاثين دستورا بضمنها
دستور جنوب افريقيا واستراليا والولايات المتحدة الامريكية والمانيا
والهند وماليزيا وبوسنيا وايطاليا وصقليا وسويسرا وبلجيكا وكندا
والمكسيك, إضافة الى دساتير اثنين وعشرين دولة عربية إضافة الى دساتير
العراق منذ تأسيسه, بما فيه قانون إدارة الدولة والدستور الاتحادي
الحالي. ليت لجنة الاعداد قد ذكرت من أين استقت حق الاقليم في الاحتفاظ
بجيش خاص يتمتع بالاستقلال التام عن قواعد ونظام واشراف وزارة الدفاع
الاتحادية. أو حق تقاسم ال! مناصب السيادية في الحكومة الاتحادية،
بينما تنفي هذا الحق للسلطة الاتح ادية في أن يكون لها مواقع سيادية أو
حتى هامشية في سلطة الاقليم.
إن لجنة إعداد مشروع دستور إقليم كوردستان قد تكون أساءت فهم النظام
الاتحادي بسبب استعانتها بدساتير اثنين وعشرين دولة عربية لا تمت
للنظام الاتحادي الديمقراطي بصلة لا من قر يب أو من بعيد. فهي
ديكتاتوريات غاشمة وإن ادعت بالديمقراطية، وهي أما جمهوريات وراثية أو
ملكيات قبلية مطلقة، لا يشعر مواطنوها بالفخر بانتمائهم لها. أو ربما
أرادت أن تسجل سبقا تشريعيا في القانون الدستوري فصاغت نصوصا واستنبطت
أحكاما، وابتكرت حقوقا لصالحها، فيما حرمت الاخرين منها، وهذا ليس سبقا
تشريعيا فقد استخدمته النازية والفاشية عندما هيمنت في ألمانيا
وإيطاليا واليابان في أربعينيات القرن الماضي وحاولت فرضه على بقية دول
أوربا، لكنها اندحرت ولم يتبقى منها غير ذكراها المقرفة.
أود في الختام أن أذكر لجنة صياغة دستور كوردستان بحكمة من التراث
الثري للهنود الحمر، التي تقول: " لا تكن كالديك الذي يعتقد بأن الشمس
ما أشرقت إلا لتسمع صياحه " |