إن ما يحدث حاليا في العديد من بلدان المنطقة من سوء التخطيط وزيادة
عدد الفقراء والعاطلين عن العمل، وانتشار مظاهر الفساد والجرائم
المروعة الغريبة، والاستغلال والابتزاز، والتشدد والتشنج الديني
والطائفي المستعر هو بمنزلة كارثة قادمة تهدد الوطن والمواطنين،حيث إن
مظاهر التشدد الطائفي في مجتمعاتنا أصبحت واضحة للعيان ويمكن قياس مدى
سخونتها وأصدائها من خلال المواقع الالكترونية وما يصدر من الفتاوى
والخطابات والتصريحات المثيرة مما يدل على وجود أزمة وطنية.
وأكبر دليل على وجود أزمة ما يقع أمام نظر الجميع بشكل عملي من منع
فئة من المواطنين من ممارسة حق التعبد حسب مذهبهم ومعتقدهم عبر منعهم
من الصلاة جماعة وبالخصوص في مناطقهم، وإغلاق دور العبادة الخاصة بهم
بعد عقود من الزمن من وجودها في العلن، ومحاصرة المساجد بقوات أمنية،
وملاحقة القائمين على المساجد والأئمة، والزج بهم في السجون، وسجن بعض
الشيوخ والشباب لأسباب تتعلق باحياء شعائر دينية في العديد من المدن،
وهذا يشكل تعديا خطيرا على حقوق الإنسان وعلى حرية الممارسة التعبدية،
وعلى الحقوق الوطنية، التي تضمن احترام التعددية المذهبية في الوطن،
وتحافظ على اللحمة الوطنية، كما انها تثير الكراهية والنعرات الطائفية
وتخلق جوا من التشدد بين أبناء الوطن الواحد وتهدد الوطن والمواطنين،
وهذه الأعمال تأتي بعد أحداث سابقة كانت لها تداعيات لا تزال تتفاعل؛
وإفرازات تعبر عن مدى حالة التشنج وتغلغل الطائفية البغيضة السلبية بين
أفراد المجتمع، وتحفظ بعض الفئات من المواطنين على الطريقة التي تم
التعامل معها!
ليس من الصحيح تهميش وتغييب قضية مواطنين - ممنوعين من الصلاة
جماعة، ومن إقامة المساجد، وسجن مواطنين لأسباب دينية - عن الوسائل
الإعلامية، وعن الاهتمام الوطني من قبل المسؤولين والنشطاء وكأنه لا
توجد مشكلة وأزمة تتعلق بالمواطنين داخل وطنهم الغالي، فهولاء
الممنوعون من بناء المساجد وإقامة الصلاة جماعة وإقامة شعائرهم الدينية
والملاحقون..، هم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، لم يرتكبوا جرما بحق
الوطن أو أي إساءة لأي إنسان، جرمهم هو إقامة الصلاة جماعة واحياء
شعائرهم، وهذا حق ديني ووطني وإنساني، ..ان هؤلاء هم أبناء الدولة التي
تحكمها قوانين وأنظمة، وينبغي النظر إلى قضيتهم ومعالجتها حسب القوانين
العادلة لا بمزاج فئات معينة تسيء لسمعة الوطن.
يكفي تهميشا وتغييبا وعدم مبالاة بمعاناة المواطنين من أي طائفة أو
تيار، وقد حان الوقت لحل ومعالجة الأزمات المسكوت عنها التي تشهد
تفاقما مع مرور الزمن، وذلك من جذورها والعمل على عدم تكرارها، ولابد
من إغلاق هذا الباب الذي هو من أبواب الشياطين والفتن، فالحقيقة هي ان
أزمة المساجد مظهر بسيط من مظاهر ما يعانيه بعض أبناء الوطن من شعور
بالاضطهاد والحرمان لحقوقهم واحترام معتقدهم، والحل بسيط جدا يتم عبر
تطبيق المواطنة الحقيقية بالعدالة والمساواة والثقة بين المواطنين
وإعطائهم حقوقهم، والسماح لأي مواطن بممارسة حريته العبادية والفكرية
وببناء دور العبادة حسب قوانين وأنظمة إدارة المساجد الرسمية بعيدا عن
النزعات المذهبية والخلافية، فهذه المساجد لله وليس لطائفة أو جماعة.
إن من حق أي مواطن أن يشعر بالأمن والأمان والاطمئنان، وان يحصل على
حقوقه الوطنية، وان يمارس حقه التعبدي والفكري بحرية تامة في وطنه،
ولهذا لابد من العمل على معالجة أي مشكلة داخل الوطن قبل أن تتأزم
وتنفجر حيث إن استمرار الحالة خطر على الوطن وعلى اللحمة الوطنية،
ومدعاة لإثارة الكراهية والعصبية والطائفية بين أبناء الوطن الواحد،
ومن المستحيل أن يستمر الحال، أو أن يتنازل أي مواطن في وطنه عن معتقده
وعن حق إقامة الصلاة جماعة، ولهذا لابد من مبادرة وطنية مخلصة للحل،
وان يستشعر كل فرد في الوطن بتلك الأزمة ومدى خطورتها، وان يعمل للحل
لا أن يقف موقف المتفرج، كي لا تستغل الأزمة من قبل الأعداء. |