شبكة النبأ: بدأ ما يقارب من ثلث سكان
محافظة ذي قار القاطنين في الأهوار بالهجرة من مناطقهم أو الاستعداد
لها، وسطَ تلكؤ الحلول الحكومية لمشكلة الجفاف التي تعاني منها الأهوار
ما يهدد طبيعة المنطقة وتركيبتها السكانية.
حيث أن عدد سكان أهوار المحافظة يفوق 400 ألف نسمة بحسب نتائج إحصاء
1997، وهم موزعين على مناطق جنوب الناصرية وشرقها وشمالها.
وقال رئيس ناحية الحمار شمال شرق الناصرية (30 ألف نسمة)علي عقلة إن
الجفاف “أدى لهجرة عشرات العوائل من الناحية فضلا عن بدء الكثير من
عوائل المنطقة بحزم أغراضها استعدادا للالتحاق بالمهاجرين من جراء شحة
الماء وفقدانهم مصدر رزقهم المتمثل بالأسماك وما تنتجه حيواناتهم التي
بدأت بالموت لأن الماء يعني الحياة لأهلنا”، متوقعا أن “تشهد المنطقة
هجرات جماعية كبيرة تغير من طبيعتها وتركيبتها السكانية”.
وأضاف عقلة “اجتمعنا بالمسؤولين عن الموارد المائية وتحججوا أن
الأمر ليس بيدهم لأنهم احالوه إلى وزارة البيئة لدراسة إمكانية إمداد
الأهوار بمياة المصب العام وما نزال ننتظرون الحل”، مشيرا إلى أن
الوضع إذا ما استمر بهذا الاتجاة “ستصبح لدينا مناطق وأحياء كاملة بدون
سكان وعندها ينتفي دورنا كدوائر للدولة”، بحسب تعبيره. بحسب اصوات
العراق.
من جانبه حذر ممثل منظمة طبيعة العراق جاسم الأسدي من “وجود كارثة
غير معلنة لأن عقلية تجفيف الأهوار ما تزال مسيطرة على العديد من
مسؤولي الدولة لدوافع غريبة”، مبينا أن “التعامل مع تجفيف الأهوار
كتاريخ أمر خطير يدمر منطقة واسعة من المحافظة”.
وأفاد الأسدي لوكالة أصوات العراق أن أعضاء اللجنة الوزارية التي
تتولى دراسة موضوع إرجاع مياة المصب العام لتغذية الأهوار “يتعاملون
بعدم اهتمام وروتينية شديدة ولم يقدم أيا منهم دراسة جدية بشأن الأمر”،
وتابع “فوجئنا أننا الوحيدين المهتمين بالأمر”.
وأردف أن نسبة الجفاف “وصلت أكثر من 90% من مساحة الأهوار البالغة
8500 كيلو متر مربع”، واستطرد “حتى المناطق العميقة من الأهوار التي
كانت تعد محميات طبيعية تضم الآف الأنواع من الطيور خلال فصل الصيف
بدأت بالجفاف”.
وذكر أن منظمة طبيعة العراق “قدمت أربعة مقترحات لمجلس الوزراء منذ
مدة لإيجاد معالجات وقتية للجفاف بفتح المصب العام على هور غلوين أو
الكيلو متر 140 من المصب العام أو العمل على ايجاد سد بعلو مترين نهاية
الجبايش وعلى الكيلو متر 712 من المصب لرفع مستوى المياة بالأهور
ودخولها لهور الحمار والأهوار الوسطى والعمل على تسليك الماء بهور
الحمار المغذي للأهوار الوسطى عن طريق منافذ الفهود”، وزاد كما أن فتح
منافذ نهر العز الذي تسده محافظة ميسان “سيرفع مستوى المياة بالأهوار
ويحيي مناطق كبيرة منها”.
وكان المئات من أهالي الأهوار شاركوا صباح الثلاثاء (21/7/2009)
بتظاهرة انطلقت بالناصرية للمطالبة بايجاد حلول وقتية لمشكلة جفاف
الأهوار الذي أصبح يهدد حياة القاطنين فيها مما يجبرهم على هجران
أراضيهم خلال مدة قريبة.
إلى ذلك قال ناظم مجمد دويج أحد الذين شاركوا في التظاهرة إن المياه
في الأهوار “هي شريان حياة الساكنين بها”، مبينا أن “استمرار السكوت عن
تجفيفها يجبر الناس على هجر أراضيهم ومصادر رزقهم”.
وذكر دويج أن التظاهرة “طالبت بايجاد الحلول الوقتية السريعة التي
تمكن من بقي من أهالي الأهوار الاستمرار خلال المدة المتبقية من الصيف
على أمل أن يكون الشتاء المقبل أرحم بهم”، مضيفا أن هنالك “مقترحات
عديدة تتضمن معالجات مناسبة لكن أحدا لا يستمع إلينا”، بحسب تعبيره.
لكن الجهات الحكومية ترى أن قضية فتح مياة مبزل المصب العام الذي
تتميز بارتفاع نسبة ملوحتها أمر يجب التعامل معه بدقة خشية زيادة
الملوحة بالاهوار وقتلها للبيئة الاحيائية فيها.
وبهذا الشأن قال مدير بيئة ذي قار راجي نعيمة منشد إن هنالك لجنة
مؤلفة من لجنة إنعاش الأهوار والموارد المائية ولجنة الأهوار بمجلس
المحافظة “تدرس عملية فتح مياة المصب العام إلى الأهوار”، وتابع “أخذنا
لحد الآن 15 نموذجا منها ستة نماذج للتربة”.
مستدركا لكن العملية “تحتاج إلى متابعة دقيقة لأن احتمالية زيادة
الملوحة بالأهوار تنطوي على تبعات خطيرة”، مبينا أن النتائج الأولية
“مشجعة لاستمرار عمل لجنتنا ونأمل الخروج بقرار خلال الاسبوعين
المقبلين”.
أما رئيس لجنة إنعاش الأهوار بمجلس المحافظة حسن وريوش فقال لوكالة
(أصوات العراق) إن الجهود “متواصلة منذ مدة المجلس السابق لإعادة جريان
المصب العام في الأهوار”، موضحا أن عملنا يتمثل بـ”إجراء دراسة تفصيلية
بشأن الأمر والآن هنالك لجنة من مجلس الوزراء بمشاركة عدة وزارات تعمل
على الموضوع بأمل التوصل لقرار في نهاية شهر تموز يوليو الجاري”.
وأضاف وريوش أما الحل الآخر فيتمثل بـ”فتح نهر العز المرتبط بنهر
دجلة الذي بدأت عليه أعمال ناظم البتيرة بكلفة 16 مليار دينار”، منوها
إلى أن فتح النهر على الأهوار “سيلغي هذا المشروع المكلف ولدينا مشكلة
مع محافظة ميسان التي تقطع عنا المياة منذ عهد النظام السابق بحجة
الزراعة ولحد الآن لم نستطع التفاهم معهم بشأن واجبهم بإحياء الهور”.
على صعيد متصل تشهد منطقة الجبايش التي يقطنها 100 ألف نسمة، أوضاعا
أسوء إذ لم تتمكن المضخات بالمنطقة من تجهيز مجمعات مياه الشرب بما
تحتاجه لمواصلة عملها.. وبذا الشأن قال
رئيس المجلس البلدي فيها احمد سلمان إن مجمعات الماء الخمسة الواقعة
على أطراف القضاء “متوقفة تماما منذ شهر لانخفاض مستوى ماء النهر”،
موضحا أن أربعة مجمعات أخرى واقعة على نهر الساجية “تعمل بنحو متقطع
لانخفاض مناسيب المياه الواصلة إليها”.
وحذر من أن توقف هذه المجمعات عن العمل قد “يحرم أكثر من 90% من
سكان القضاء من الماء”، شارحا أن وضعية الماء “أصبحت تحت الصفر ونسعى
لجلب حفارة على أمل أن نجد مياه لتجهيز هذه المحطات”.
وقال سلمان إن هنالك “هجرة جماعية بالمنطقة واقترحنا إقامة سدود على
حدود الجبايش بقدراتنا الذاتية”، مستدركا إلا أننا “نحتاج إلى الأموال
والوقود (الكاز) والأيدي العاملة ولم يقدمها لنا أي من المسؤولين لأننا
نشهد صباحا ضخ كمية من المياة لكنها تتسرب خلال العصر ولا يتم المحافظة
عليها”.
وبشأن الثروة الحيوانية في الأهوار قال مدير المسشتفى الوحيد
بالمنطقة د.وسام الأسدي إن هنالك “هلاكات كبيرة بالحيوانات المنتجة
التي تشكل مصدر رزق مهم لسكان المنطقة”، مضيفا “كما بدأت تصيب هذه
الثروة العديد من الأمراض الوبائية مما أثر كثيرا على إنتاجية
الحيوانات القليلة المتبقية بالمنطقة وحرم المربين الاستفادة منها”.
وفي منطقة الطار وسط الأهوار (46 كم شرق الناصرية) كانت بوادر
الهجرة تتزايد.. لكن مدير الناحية باسل قاسم قال “ليس لدينا هجرة بمعنى
الكلمة حتى الآن لكننا مهددين بحدوثها في أي وقت وبصورة كبيرة لأن
مربينا بدأوا بالاحتضار وعملية تجهيز مياة الشرب لأهالي الناحية تحتاج
إلى مخاطبات رسمية منا ومن ناحية الكرمة وناحية العكيكة المجاورتان
للمحافظة لإطلاق كمية من الماء إلى محطات التصفية”، لافتا إلى أن
الهجرة “قادمة حتما إذا استمر الأمر على ما هو عليه واتوقع أن تشمل
أكثر من 3000 عائلة من منطقتنا التي تضم 17 ألف نسمة”.
يذكر أن عدد سكان أهوار المحافظة يفوق 400 ألف نسمة بحسب نتائج
إحصاء 1997، وهم موزعين على مناطق جنوب الناصرية وشرقها وشمالها.
وكانت الأهوار موطنا للسومريون، الذين يعدون أول من سكنها وكانوا
يطلقون على أنفسهم اسم (كي ـ ان ـ جي ki-en- ji) ومعناه أجمّة القصب..
وأن القصب والنخيل كانا يغطيان المنطقة قبل السومرين بالآف السنين..
وهناك العديد من البحوث التي تشير إلى أن الأهوار موجودة منذ نهاية
العصر الجليدي الأخير قبل 20 ألف عام..
ويعود أول ذكر للأهوار إلى ما قبل ستة الآف سنة كونها أرض الطوفان..
وأن الطوفان موغل في القدم كما اثبته الأقدمون في ألواحهم وكان يشمل
الأرض كلها، كما جاء في ملحمة جلجامش والكتب السماوية.. وتعتبر أهوار
جنوب العراق من أوسع مناطق الأهوار وأقدم مأوى طبيعي في العالم ولها
دور بيئي كبير في إيواء الطيور المستوطنة والمهاجرة والمحافظة على
أنواعها.. وتقدر مساحتها مع ما يتخللها من مدن وأراض زراعية أو صحراوية
بحدود خمسة عشر إلى عشرين ألف كيلو متر..
وكان عدد سكانها 500 ألف نسمة لكنها تقلصت إلى حوالي عشر حجمها
السابق في عهد رئيس النظام السابق صدام حسين بعد أن جرى تحويل مجاري
الأنهار عنها أقيمت السدود لتقسيمها ما تسبب بهجرة معظم سكانها.. وفي
عام 2001 قام برنامج الأمم المتحدة للبيئة بتنبيه المجتمع الدولي بشأن
تدمير الأهوار عندما قام بنشر صور الأقمار الاصطناعية التي توضح فقدان
90% من مساحة منطقة الأهوار.
وأشار الخبراء حينها إلى أن الأهوار قد تختفي نهائياً من العراق في
غضون 3 – 5 سنوات ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة بهذا الشأن.. لتتزايد
نسبة الغمر لتصل إلى 20% من المساحة الأصلية في نهاية 2003، ورافق ذلك
إستعادة حوالي 30% من النظام الطبيعي بينما قدرت وكالة الفضاء
الاميركية (ناسا) أن المساحة التي كانت مغمورة بالمياه التي تقدر بنسبة
7% تزايدت الآن إلى 30% - 40%.. وقد كان آخر فيضانين شهدتهما منطقة
الأهوار حدثا عامي 1954 و1969 من القرن الماضي.وتقع مدينة الناصرية
مركز محافظة ذي قار على بعد 380 كم جنوبي بغداد. |