الانتخابات البرلمانية المقبلة وتاثير الأجندات الخارجية

علي حسين عبيد/ شبكة النبأ

 

شبكة النبأ: بدأ العد التنازلي يتسارع نحو الموعد المحدد لاجراء الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة، وفي غضون ذلك يتابع المراقبون ما يجري على الارض استعدادا لخوض هذه الانتخابات ومحاولة التحكم بنتائجها، وثمة من يرى أن هنالك صراعات واضحة بين الكتل السياسية الكبيرة وبين الاحزاب التي لا تنضوي تحت خيمة هذه الكتل من اجل تحقيق نتائج مهمة في هذه الانتخابات، واذا كان هذا الامر مشروعا للجميع وفق الضوابط الديمقراطية المتعارف والمتفق عليها، فإن هذه المشروعية يمكن أن تنطبق على الاحزاب والكتل السياسية العراقية التي ستخوض هذه الانتخابات فوق الارض العراقية وبواسطة الناخب والمرشح العراقي تحديدا.

ولكن تشير بعض الوقائع الى وجود مؤشرات تدل على وجود محاولات اقليمية خارجية حثيثة تروم التحكم بنتائج هذه الانتخابات، فعلى سبيل المثال ذكر احد الساسة العراقيين بأن هناك جهات خارجية (لم يسمها بالاسم) تحاول أن تتحكم بنتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة عبر بعض الجهات السياسية وبعض الاحزاب والشخصيات التي ترتبط بها بصورة او اخرى، ولعلنا نتفق على ان العراق كان على مدى السنوات الماضية عقب التغيرات السياسية بعد عام 2003 ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الدولية والاقليمية، ولا يُخفى على المواطن العراقي او أي من المتتبعين، ما جرى بين أمريكا و(اعدائها) فوق الارض العراقية وعلى حساب الشعب العراقي، ويبدو أن هذه الحسابات لم تصل الى نتائجها النهائية بعد!!!.

بل يذهب بعض المراقبين الى أن رسم نتائج الانتخابات المقبلة والتحكم بها سيكون أمرا حاسما بالنسبة للمتصارعين سواء على المستوى الدولي او الاقليمي، وبمعنى اكثر وضوحا، أن النتائج التي تحققت في السنوات الماضية لم يٌكتب لها الثبات كونها حصلت في ظل ارباك سياسي كبير وفوضى في عموم مجالات الحياة العراقية ولعل الارهاب والانفلات الامني كان لهما الدور الاكبر في صنع الفوضى السياسية التي ادت بدورها الى عدم ثبات المؤسسات الفاعلة في توجيه السياسة العراقية خاصة في المجال الخارجي، ولذلك وبعد تراجع اعمال العنف وانكماش الارهاب الى حد كبير، يرى عدد من المراقبين بأن الانتخابات البرلمانية المقبلة هي خطوة التأسيس الاهم لدولة المؤسسات كونها ستجري في ظل اوضاع تختلف كثيرا عن الاوضاع التي جرت فيها التجارب الانتخابية الماضية.

من هنا تكتسب الانتخابات المقبلة اهميتها على المستوى الاقليمي أولاً، حيث يرى المراقبون ان ثمة اطرافا عديدة أخذت تفعّل تدخلاتها وتعد العدة للتحكم بالنتائج المفبلة، وهناك بعض المراقبين يرى ويصرّح بصريح العبارة بأن الصراع بدا واضحا بين السعودية ومن يقف الى جانبها من جهة وبين ايران من جهة اخرى وقد اندفع هذان الطرفان بقوة لرسم نتائج الانتخابات وبالتالي تأسيس طبيعة وميول السياسية العراقية المقبلة، وقد اشار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى شيء من هذا القبيل وإن لم يذكر هذه الاطراف تحديدا.

وإذا كان المتتبع لا يغفل مثل هذه الحسابات او مثل هذه التوقعات، فإنه يرى في الوقت نفسه توجهات وطنية تحاول ان تضع بصمتها في المشهد السياسي العراقي بقوة، ولعلها تواجه كثيرا من الصعوبات في هذا الاتجاه غير انها ينبغي ان تدرس ظاهرة الصراع الاقليمي فوق الارض العراقية بصورة علمية وموضوعية قائمة على رصد الوقائع وتحليلها ووضع الكوابح والحلول اللازمة لها، بمعنى ان رصد مثل هذه التدخلات في الشأن العراقي هو من واجب الساسة الوطنيين، كتلا ام أحزابا ام شخصيات دينية وعشائرية واجتماعية وغيرها ناهيك عن ادوار الآخرين الساندة كرجال الدين والمصلحين والمثقفين كافة، فبعد اكثر من ست سنوات على المتغيرات السياسية في العراق وتراجع الفوضى وسيادة الامن بدرجة جيدة، بدت الصورة اكثر وضوحا لجميع الاطراف، لاسيما العراقيين كونهم المعنيين اكثر من غيرهم باحتضان تجربتهم الجديدة ودعمها وتحصينها من الزلل، وبهذا ينبغي أن يفرز السياسيون بين التداخلات الاقليمية والدولية والشؤون الداخلية وأن يتم تأشير كل ما من شأنه الاضرار بالتجربة الديمقراطية التي تحاول ان تبني نظاما قائما على الحرية بمعناها الاشمل والمنضبط في آن واحد.

وبهذا المعنى فإننا سنتفق على ان هناك توجهات خارجية فعلية للتدخل في الانتخابات  المقبلة، وأن الصراع بين هذه الاطراف سيتم فوق الارض العراقية وان ثمة ادوات لهذه الاطراف في داخل العراق ينبغي رصدها وكشفها على الملأ كي يتم تحجيمها وإضعاف دورها السلبي، على ان هذا الامر لا يعني إطلاقا ان ينعزل العراق وينكفئ على نفسه بحجة درء خطر التدخلات الاجنبية في شؤونه الداخلية، بل ينبغي أن يكون ثمة رصد وفرز لهذه الاجندات الخارجية، ومن ثم  التعامل الرصين مع جميع الدول الاقليمية وغيرها ولكن ينبغي أن يتم ذلك عبر ترسيخ دولة المؤسسات التي يسعى الى تحقيقها العراقيون بمختلف توجهاتهم كما هو متوقع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/آب/2009 - 11/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م