ينبغي على القائد ان يعيش حياة الفقراء ليعرِف معاناتهم

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: غالبا ما يصبح ينظر الطفل الى أبيه بعين الاكبار والاعجاب ولذلك يعتبره النموذج الامثل في كل شيء فيتعلم منه الصحيح اذا كان سلوكه وفكره صحيحا والعكس يحدث أيضا بحسب سيرة النموذج الذي هو الأب، غير أن النماذج التي يحتذى بها لا تنحصر بالآباء فقط، فهنالك الكثير من النماذج الأخرى ومنها القائد الذي ينظر إليه الناس على انه مثلهم الأعلى فيتعلمون منه الصحيح والخطأ في آن واحد، وفي هذا المجال يقول سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتابه الثمين الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام):

إن (القائد تكون أعمالُهُ درساً للشعب، ومنهاجاً للأجيال، ولذلك كان القائد متحملاً لما يمارسه الشعب نتيجة تعلمه منه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. والحياة الشخصية للقائد أدق مدرسة للأجيال المتمسّكة بذلك القائد، ولهذا كان من سياسة أمير المؤمنين عليه السلام بناء حياته الشخصية على الإيمان والزهد).

لذلك فإن السلوك الذي تتجسد من خلاله شخصية القائد سيكون ذا تأثير كبير على عموم الناس لاسيما الفقراء والبسطاء منهم، ولعل الامر البالغ الاهمية في هذا الموضوع يتعلق بمدى شعور القائد بحالة الناس وطريقة عيشهم وشعوره بهم ومعرفته لحاجاتهم ونواقصهم المادية والمعنوية، وهنا ينبغي على الانسان أن يعيش الحالة الصعبة بنفسه لكي يعرف معاناة الناس بسببها، بمعنى أن الانسان الذي لم يعش حالة الحرمان والجوع سابقا لن يكون قادرا على تقدير معاناة الفقراء لانه لم يعش الحالة أصلا.

من هنا جاءت فريضة الصوم لكي يكون الشعور بحرمان الآخرين وجوعهم احد اهم اهداف هذه الفريضة، وهكذا يتوجب على القائد أن يعيش حالات الضنك التي يعيشها الناس لكي يقدر معاناتهم بالصورة الدقيقة، كما ان حالة الاستئثار بالمنافع والمناصب والاموال وما شابه ذلك ينبغي أن تكون بعيدة عن توجهات القائد، إذ عليه أن يكون مثالا للزهد والترفع والسمو، فلا يجوز أن يتضور الناس جوعا وهو شبعان ولايجوز ان يتمتع بالكهرباء الدائمة كما يحدث الآن والناس يعانون لهيب الحر والعطش بسبب ساعات الانقطاع الطويلة للكهرباء ولا يجوز ان يعيش هو وذويه وحاشيته في القصور والفلل والاطيان في حين يسكن الفقراء في الصرائف او يعانون من بدلات الايجارات الباهضة، وقد ورد في كتاب المرجع الشيرازي بهذا الخصوص ما يلي:

(نقل العلامة المجلسي رحمه الله في (بحار الأنوار) عن (الكافي) رواية عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال : ولقد ولي علي عليه السلام خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعة، ولا أورث بيضاء، ولا حمراء- (1).

ما وضع آجرة على آجرة: يعني، ما بنى بيتاً من آجر مطبوخ.

ولا لبنة على لبنة: يعني، ما بنى بيتاً من اللبن غير المطبوخة.

ولا أقطع قطيعة: يعني، لم يخص أرضاً وقطعة بنفسه.

ولا أورث بيضاء ولا حمراء: يعني، ما ترك إرثاً لورثته، لا فضّة ولا ذهبا).

إذن فالنموذج الذي ينبغي أن ينظر إليه قادتنا هو الامام علي بن ابي طالب (ع) من حيث الزهد والترفع والسمو والعدالة والمساواة في ادارة شؤون الرعية، ولذلك فإن اهمية أن يعيش القائد ظروف الشعب تبدو بالغة التأثير كونه سيضع الحلول الناجعة للمشكلات التي يعاني منها عامة الناس لانه هو وذويه عاشها ويعاني منها، وبخلاف ذلك لايُسمح لهذا القائد بالتبجح بالمثل وبانتسابه الى الاسلام وهو بعيد عن تطبيق تعاليمه السمحاء ولا يسير على خطى العظماء من المسلمين كالامام علي بن ابي طالب واهل بيت الرسول صلوات الله عليهم أجمعين.

كما أن القائد ينبغي أن يتصف بالزهد لأنه ممثل الشعب وقائدهم في ذات الوقت، فمن غير الصحيح أن يرتدي الحرير وافضل الملابس في وقت يعاني شعبه من العوز والحرمان، وقد وردت أمثلة كثيرة في كتاب السياسة من واقع الاسلام  لسماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع، فقال عن بعض سيرة الامام علي (ع):

(أربع سنوات أو أكثر قضاها أمير المؤمنين عليه السلام بين الكوفة والبصرة، وهو الرئيس الأعلى للبلاد الإسلامية الواسعة الأطراف.

خلال هذه المدة الطويلة لم يشتر من مال المسلمين ثياباً لنفسه، ولم يأخذ من أموال البصرة والكوفة شيئاً لذلك.

بل ظل على ثياب المدينة كل هذه المدّة الطويلة، إلا إذا اشترى من عطائه الخاصّ كأضعف مستضعف من مسلم آخر في طول البلاد الإسلامية وعرضها.

فاقرأ النصوص التالية:

نقل (المناقب)، عن الأصبغ بن نباتة قال: توجّه علي عليه السلام إلى أهل البصرة وقال:

«يا أهل البصرة ما تنقمون مني، إنّ هذا لمن غزل أهلي ــ وأشار إلى قميصه »-2-).

إن هذه الامثلة تؤكد بأن على القائد اذا كان يُنسب نفسه للاسلام أن يتحلى بخصال سيرة العظماء من قبله وكيف تعاملوا مع رعيتهم وكيف كانوا النموذج الامثل لهم في طرائق العيش والمأكل والملبس والنهج الانساني القويم الذي جعل منهم سادة الدنيا والآخرة في آن واحد.

.............................................................................

هامش:

1- (3) بحار الأنوار: ج16 ص278 ب9 ح116.

2- (8) المناقب: ج2 ص98.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 2/آب/2009 - 10/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م