شبكة النبأ: ظهر الفساد في عالم
الاقتصاد، وأخذ أشكالاً متعددة وأساليب متنوعة من التزييف والاختلاس
والسرقة والمتاجرة بالمخدرات والرقيق الأبيض والمتاجرة بالبغاء
والرشاوى، فكثرت الأرصدة المشبوهة في دنيا المال والمحرمة؛ منها ما
يسمى الأموال القذرة، والأموال المحرمة وهكذا. بحيث يصعب إدخالها إلى
البنوك ووضعها في حسابات سرية وبأسماء نظيفة.
ويعتبر غسيل الأموال هو نشاط إجرامي لاحق لنشاط جمع مال بطرق غير
مشروعة، وخوفا من المسائلة عن مصدر الأموال كان لزاما إضفاء مشروعية
على هذا المال حتى يسهل التعامل معه من دون إضفاء الشكوك والأدلة
القانونية على الأعمال الجرمية السابقة.
تعريف غسيل الأموال
غسيل الأموال هي إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير
المشروعة في مجالات وقنوات استثمار شرعية لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه
الأموال ولتبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع ومن أمثلة هذه
الأعمال غير المشروعة (الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات - الرقيق -
الدعارة - الأسلحة) ومن أبرز الآثار المترتبة على هذه الظاهرة اقتصادياً
واجتماعياً وسياسياً ما يلي:
- استقطاعات من الدخل القومي ونزيف للاقتصاد الوطني لصالح
الاقتصاديات الخارجية.
- زيادة السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في إنتاج السلع
والخدمات.
- التهرب من سداد الضرائب المباشرة ومن ثم معاناة خزانة الدولة من
نقص الإيرادات العامة عن مجمل النفقات العامة.
- شراء ذمم رجال الشرطة والقضاء والسياسيين مما يؤدي إلى ضعف كيان
الدولة واستشراء خطر جماعات الإجرام المنظم. هو بإختصار البحث عن اجابة
كاذبة للسؤال المعروف (من أين لك هذا؟)
- اصطلاحان جديدان في عالم الاقتصاد، ولهما مدلولان متقاربان،
يختلفان في منطوقهما، ويلتقيان في مفهومهما.
إن غسيل الأموال يقع تحت ظل شيوع المخدرات، وانتشارها، والتهافت على
تناولها جعل منها سوقاً رائجة، تدر أرباحاً خيالية، وهي وإن كانت تعتمد
على مغامرات تقوم بها مافيات متخصصة إلاّ أنها أخيراً تستقر في أسواق
معينة لتباع بالقطاعي (المفرق) ليسهل تناولها يومياً من قبل المدمنين
عليها.
فأصبح لها أسواق خاصة موصوفة للزبائن فقط. فيجري بيعها يومياً قطعاً
متفرقة، وهذا يستلزم أن تتناولها الأيدي البائعة والمشترية قطعاً صغيرة
مستخرجة من أغلفتها، وعندئذٍ يكون لها روائح معينة تلصق بأيدي بائعيها
كما تلتصق هذه الروائح تلقائياً بالأموال المدفوعة ثمناً لها، وما إن
يأتي آخر النهار إلا وهناك كميات كبيرة من الورق النقدي، وكلها لها
روائح معروفة، فلا يستطيع أصحابها إرسالها إلى البنوك وهي على هذا
الحال، فيقومون بعملية غسيل لها وتنظيفها من هذه الروائح حتى لا ينكشف
سرها.
أما عملية الغسيل هذه فتكون بوسائل معروفة لديهم لا تؤثر على هذه
الأوراق النقدية. فإما أن يكون الغسيل بعملية تبخير، أو ببعض المواد
المزيلة لروائحها ولا تؤثر عليها. وعندئذٍ وفي أواخر الدوام يدفعونها
إلى حساباتهم في البنوك دون أية شبهة تطالهم. فهو في حقيقته غسيل بمعنى
الكلمة، ولكن بوسائل معينة مخصصة لهذا الغرض، هذا هو واقع غسيل الأموال
من حيث دلالة منطوق الكلمة.
هذا في بدايات استعمال هذا الاصطلاح (غسيل الأموال) أي إزالة
الروائح القذرة عن هذه الأموال حتى لا يتعرف على مصدرها ويشتبه في أنها
ناتجة عن مصادر المخدرات ونحوها. ثم تطور (غسيل الأموال) ليصبح مدلوله
يعني استعمال وسائل مالية وحيل خادعة لإضفاء الشرعية والقانونية على
هذه الأموال المكتسبة من مصادر قذرة غير مشروعة. وهكذا أصبح (غسيل
الأموال) بمعنى (تبييض الأموال) وصار الاصطلاحان بمعنى واحد.
تبييض الأموال
أما تبييض الأموال: إن كلمة غسيل الأموال وكلمة تبييض الأموال
يلتقيان في دلالة مفهومهما. وهذا يعني استخدام حيل ووسائل وأساليب
للتصرف في أموال مكتسبة بطرق غير مشروعة، وغير قانونية، لإضفاء الشرعية
والقانونية عليها. وهذا يشمل الأموال المكتسبة من الرشوة والاختلاسات
والغش التجاري وتزوير النقود، ومكافآت أنشطة الجاسوسية. هذه الظاهرة
الخبيثة هي ولا شك إحدى ثمار العولمة الاقتصادية التي يروج لها الغرب.
فاصطلاح غسيل الأموال، وتبييض الأموال اصطلاح عصري وهو بديل
للاقتصاد الخفي أو الاقتصاديات السوداء أو اقتصاديات الظل. وهو كسب
الأموال من مصادر غير مشروعة، وأحياناً يتم خلط هذه الأموال الحرام
بأموال أخرى حلال، واستثمارها في أنشطة مباحة شرعاً وقانوناً لإخفاء
مصدرها الحرام والخروج من المساءلة القانونية، بعد تضليل الجهات
الأمنية والرقابية.
فمن الأساليب التي يجري على أساسها غسيل هذه الأموال غير المشروعة
التي يتم تحصيلها من عمليات السرقة وتسهيل الدعارة والرشوة وتهريب
المخدرات وتهريب البشر والمتاجرة بالأطفال، ونوادي القمار أن يقوم
أصحاب الأموال غير المشروعة هذه بإيداعها في بنوك أو تحويلها بين
البنوك لدمجها مع الأموال المشروعة، وإخفاء مصادرها الأصلية. وقد يتم
تحويل هذه الأموال من البنوك الداخلية إلى بنوك عالمية لها فروع كثيرة
في العالم. ثم تقوم البنوك الخارجية نفسها بعملية تحويل أخرى للأموال
عبر فروعها المختلفة، وبعد ذلك يقوم أصحابها بسحب أموالهم من البنوك
لشراء الأراضي، أو المساهمة في شركات عابرة القارات.
والدول التي ينتشر فيها الفساد بكثرة تكوّن بؤراً يكثر فيها غسيل
الأموال وتتقدمها روسيا. وأشهر قضية غسيل أموال كان بطلها زوج ابنة
الرئيس الروسي يلتسن.
حيث أشارت التقارير الاقتصادية إلى أنه قام بسرقة حوالي عشرة
مليارات دولار من القروض الدولية الممنوحة لروسيا، وقام بغسلها في بنك
أوف نيويورك الأميركي. وكشفت التحقيقات أن البنك الأميركي قام بتحويل
هذه الأموال المسروقة إلى عشرات البنوك في العالم ومن بينها بنوك في
روسيا.
تصاعد ظاهرة غسيل الأموال
الإحصاءات والتقارير الاقتصادية تؤكد أن ظاهرة غسيل الأموال تتصاعد
بشكل مخيف خاصة في ظل العولمة الاقتصادية وشيوع التجارة الإلكترونية ـ
الغسيل الإلكتروني يتم في دقائق أو ثوانٍ معدودة من أجل الإسراع في
إخفاء هذه العمليات الإجرامية ـ
وقد قدر خبراء الاقتصاد المبالغ المالية التي يتم غسلها سنوياً
بترليون دولار، وهو ما يعادل 15% من إجمالي قيمة التجارة العالمية.
ويقول خبراء اقتصاديون: إن البنوك السويسرية بها ما يتراوح بين
ترليون وترليوني دولار من الأموال التي جاءت من مصادر محرمة.
وذكر تقرير الأمم المتحدة مؤخراً أن سويسرا تحتل مرتبة متقدمة في
الدول التي تستقبل الأموال المغسولة، والتي تصل إلى (750) مليون دولار
سنوياً. وتتقاسم بقية الكمية كل من لوكسمبورغ وإمارة موناكو والنمسا
وجمهورية التشيك وأخيراً (إسرائيل).
كما يشير صندوق النقد الدولي إلى أن (تايلاند) تتصدر قائمة من 68
دولة يتم فيها الغسيل الإلكتروني على نطاق واسع. إن ظاهرة تنامي
الاستثمار الأجنبي المباشر، وحرية حركة الأموال بين كافة الدول
المتقدمة والنامية، وظاهرة التوسع في المضاربات المالية من خلال
البورصات، ليجعل عملية غسيل الأموال تنمو وتتكاثر، ويجعل الكثير من
البنوك تتسابق لتأخذ من هذه الظاهرة القذرة ما أمكن بالمراوغات
والمخادعات، والالتفاف على القوانين أو أية إجراءات إدارية، وغالباً ما
تتستر هذه العمليات وراء أسماء كبيرة لشركات أو مستثمرين. وكثيراً ما
تتم مثل هذه العمليات في إندونيسيا وماليزيا وغيرهما من البلدان
الإسلامية.
إن مصطلح غسيل الأموال الذي ظهر على الساحة الاقتصادية الآن، وتفاقم
بعد الحرب الباردة يعني القيام بتصرفات مالية مشروعة لمال اكتسب بطرق
غير مشروعة، عن طريق استخدامه ولمرات عديدة، وفي جهات مختلفة، وبأساليب
عدة وفي وقت قصير، عن طريق إيداعه كا قلنا سابقاً في بنوك خارجية،
وإدخاله بطريقة مشروعة إلى البلاد، أو تدويره في شراء العقارات ثم
رهنها والاقتراض بضمانها، أو تداوله في البورصات المحلية والعالمية، أو
إنشاء شركات وهمية، وإثبات مروره باسمها. وذلك كله من أجل محاولة إخفاء
المصدر غير المشروع للأموال، وتضليل أجهزة الأمن والرقابة للإفلات من
العقوبات. وهكذا: فإن مصادر الأموال القذرة والمحرمة كثيرة منها:
المخدرات زراعةً وصناعةً وبيعاً، الدعارة، وتجارة الرقيق، والتهرب من
الرسوم والضرائب، والرشوة، والعمولات الخفية، والتربح من الوظيفة، ومن
استغلال المناصب ومن التجسس والسرقات، والاختلاس والابتزاز، ومن الغش
التجاري، والاتجار بالسلع الفاسدة والمحرمة، ومن التزوير في النقود
والمستندات والوثائق والماركات والعلامات التجارية، ومن المقامرات في
أسواق البضاعة والمال العالمية ومن المعاملات الوهمية.
وقد أظهرت المناقشات أن حجم تجارة غسيل الأموال يتراوح حالياً وفقاً
لإحصائيات صندوق النقد الدولي ما بين (950) مليار دولار و(1.5) ترليون
دولار.
كما كشفت التقارير أن حجم الدخل المتحقق من تجارة المخدرات في
العالم يصل إلى نحو (688) مليار دولار أميركي وأن (150) مليار دولار من
هذه العمليات تحدث في الولايات المتحدة الأميركية و(5) مليارات في
بريطانيا و(33) مليار في دول أوروبا و (500) مليار في بقية دول العالم.
سلوك مختلف وطرق ملتوية
وتسلك الجماعات والأفراد ضمن النشاط الأجرامي سلوكاً مختلفاً
وملتوياً من أجل محاولة أضفاء صفات غير حقيقية على النتائج المالية وما
حصلت عليه تلك الجماعات والأفراد من أموال حصلت عليها بطرق غير مشروعة
نتيجة تلك الأعمال، و كما تعمل على إضفاء غطاء شرعي وخلط تلك النواتج
المالية للتخلص من الملاحقة الجنائية والأفلات من القوانين التي تطال
تلك المكاسب المالية والأموال والأرصدة التي نتجت من أرباح غير مشروعة
ومن عمليات أجرامية تقع تحت طائلة القوانين الوطنية والقانون الدولي.
ولهذا لجأت تلك الجماعات الى التخطيط لأرتكاب عمليات أجرامية أخرى
تتلخص في غسيل الأموال المتحصلة من تلك العمليات غير المشروعة، محاولة
منها وضع تلك الأموال ضمن الهدف والقصد الذي تريده الجماعات والأفراد
دون ان تكون الملاحقة الجنائية قد وضعت يدها على تلك الاموال بعد
غسيلها، ودون أن تكون للقوانين الأقتصادية سلطة قانونية عليها، ودون
رقابة قانونية أو أقتصادية .
وسلكت مجموعات الجريمة المنظمة ومجموعات الأرهاب الدولي وتجار
المخدرات ومرتكبو السرقات الدولية الكبرى ومجموعات الأتجار بالرقيق
الأبيض والمبالغ الطائلة المتحصلة من الرشاوى والأختلاسات والتهريب ذلك
السلوك الخطير الذي تسعى من خلاله تلك المجموعات لتخليص الأموال من
الملاحقة القانونية وتوظيف تلك الاموال في اغراض ومقاصد قد تكون منها
غير المشروعة أو التي تعمل تحت غطاء مشروع، مثل النهج الذي خطته
المنظمات الأرهابية في تأسيس تنظيمات لجمع التبرعات الأنسانية من
المواطنين ومن ثم محاولة غسل تلك الاموال وتوظيفها من أجل نشر الأرهاب
وديمومة العمليات الأجرامية في العديد من مناطق العالم.
وأنتبه المجتمع الدولي الى ظاهرة غسيل الأموال ووجد الحاجة ماسة
لمواجهتها والتصدي لها بطرق قانونية وملاحقة مروجيها ومرتكبيها وأفشال
هذا السلوك والنمط الاجرامي وعرقلة نقل الأموال مع ما تلحقه تلك
الملاحقات والمتابعات من ضرر في الاقتصاد والأستثمار في العديد من
بلدان العالم، أضافة الى تحجيم دور أنتقال النقد الأجنبي الى الدول
التي تلاحق عمليات غسيل الاموال، ولذلك سعى المجتمع الدولي الى تأسيس
وحدات متخصصة بملاحقة هذه الاموال ومكافحة طرق غسيلها، بالأضافة الى سن
التشريعات القانونية وعقد الأتفاقيات الدولية كوسيلة من وسائل عديدة
للحد من هذه الظاهرة، بالأضافة الى التكاتف والتعاون الدولي في هذا
المجال وخصوصاً بعد أنتشار الأنترنيت وسهولة ويسر الأتصالات وتعدد طرق
التهريب الحديث ضمن هذا المجال. والمتمعن في عبارة غسيل الأموال يدرك
أنها تعني تنظيف المال مما لحقه من عمليات أجرامية وأفعال غير قانونية،
او هو تبييض الأموال مما لحقها من تلطيخ من أجل التعامل بها بشكل طبيعي
بعيداً عن الطريقة التي تحصلت بها، او هي كما يعرفها أستاذ القانون
البرفسور محمود شريف بسيوني كونها عملية يتم بواسطتها أخفاء وجود أو
مصدر الدخل غير القانوني ثم محاولة أظهاره ليبدو شرعياً. ويعرف الغسيل
في المعاجم اللغوية بأنه غَسَلَ الشيء يَغْسِلُه غَسْلاً وغُسْلاً،
وقيل: الغَسْلُ المصدر من غَسَلْت، والغُسْل، بالضم، الاسم من الاغتسال،
يقال: غُسْل وغُسُل؛ يقول: يسيل عليه ما على الشجرة من الماء ومرة من
المطر.
والغُسْل: تمام غَسل الجسد كله. ويمكن أن نتصور أن عمليات غسيل
الأموال تجد لها الأرضية والجذر في تجارة المخدرات وفي عمليات تمويل
الأرهاب الدولي وفي العمليات غير المشروعة والتي تكون مصادرها المالية
ناتجة عن عدم مشروعيتها بشكل فاعل وخطير.
وتبذل المجموعة الدولية جهوداً ملحوظة في سبيل محاربة المخدرات بكل
أشكالها وزراعتها وترويجها وأستخدامها وتهريبها، بالنظر لما يتركه هذا
الوباء من أثر سلبي حاد في تهديم بنية المجتمعات ونخر نظامها أجتماعياً
وأقتصادياً وما يمكن أن تنتج عنه هذه التجارة من تخريب أجتماعي
وأقتصادي داخل المجتمع، ولذلك لم تتوقف الجهود في سبيل محاربة أنتشار
المخدرات أو التصدي لعمليات التهريب ومواجهة مجموعات الأرهاب والعصابات
التي تنظم هذه الأفعال وطرق السيطرة على مصادر التمويل، وأنما تعدت الى
متابعة الأموال غير المشروعة التي تحاول عصابات الأتجار بالمخدرات أو
زراعتها أو ترويجها أن تقوم بغسيلها بأستخدام قنوات مالية معروفة أو
أبتداع طرق وأساليب تمكنها من أيصال تلك الأموال الى مصارف وبنوك تؤمن
الحماية القانونية والمالية لوجودها وأستغلالها.
مواجهات دولية
ومع أشتداد عمليات غسيل الأموال وتوسعها، ومع ما تجد من غطاء وتمويه
لها من بعض الدول والمؤسسات، الا أن تلك الأنشطة المحرمة دولياً وجدت
لها المواجهة الدولية والوطنية بالأضافة الى المتابعة والملاحقة من
خلال المؤتمرات والندوات والأصدارات التي تبحث في قضية غسيل الأموال،
ولعل قضية تهريب الأموال لمساندة الأرهاب دولياً هي ما يقلق المجتمع
الدولي في الفترة الأخيرة، أذ يعمد المساندون والمتعاطفيون للعمليات
الأرهابية الى سلوك مخططات ونمط من الطرائق والتغطية وأساليب غاية في
التستر والتبرقع بشعارات وأهداف أنسانية.
ولعل شراء المخشلات الذهبية بالأموال المراد غسيلها من أسواق دول
وتحويلها الى سبائك ذهبية ونقلها الى مناطق أخرى لتسليمها الى
التنظيمات الأرهابية أحدى هذه الطرق، بالأضافة الى جمع المال وبالعملة
الصعبة في الدول التي يقيم بها المهاجرون أو المتعاطفون دينياً مع تلك
الجهات وتسويقها تحت أغطية مساعدات أنسانية أو مشاريع دينية أو خيرية
أو معونات مالية من أشهر وأكثر تلك الأساليب ممارسة بالنظر للغطاء
الأنساني الذي تضفيه هذه الأساليب التي تلقى التعاطف والقبول من
المتدينيين و الأشخاص المستعدين لمساعدة الاخرين، ومع أن العديد من
الدول شخصت هذه التنظيمات وعرفت بمقاصدها الحقيقية في مساندة العمليات
الأرهابية مادياً من قبل المتطرفين والسلفيين والمنغلقين دينياً وفكرياً،
الا أنه لم تزل حتى اليوم العديد من هذه التنظيمات مستمرة في ممارسة
نفس الأساليب والطرق في أيصال الأموال بعد غسيلها الى هذه التنظيمات
والمجموعات الأجرامية والأرهابية ومساندتها.
طرق التصدي
أن التصدي لهذه العمليات يتم أولاً بتشخيص حقيقة الغرض الذي قامت
عليه هذه التنظيمات والجمعيات أساساً، ومن ثم أخضاعها للتدقيقات
المالية، بالأضافة الى أتخاذ التدابير التي تجعل أعمال هذه الشركات
والجمعيات والمؤسسات خاضعة للنظم الوطنية ورقابتها القانونية دون أن
يخل الأمر بالأسس الديمقراطية وحقوق الأنسان التي تلتزم بها تلك الدول،
حيث أن حماية المجتمع من خطر تلك الأعمال ومن نتائج تلك الأفعال يوجب
القيام بمثل تلك الأجراءات.
وضمن هذه المواجهة سيكون للمؤسسات المالية الدور الكبير في عمليات
الكشف وأفتضاح المقاصد غير القانونية لتلك الأفعال، وقد تشكل عقبة أزاء
ذلك بعض القوانين الوطنية التي تحمي سرية التعامل المالي والمكاسب
الأقتصادية، او تلك التي ترمي الى تنشيط العمليات الأقتصادية وورود
رؤوس الأموال، أو عدم امكانية التعاون مع منظمات دولية أو اجنبية في
كشف الوثائق والسجلات، او العمل وفق سرية البنوك كما في الأتحاد
السويسري.
أن مصالح الأنسانية أزاء مواجهة أفعال غير مشروعة توجب على جميع
الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، او الأعضاء في التجمعات والمجموعات
السياسية والأقتصادية أن تسهل عملية تطبيق مقررات المؤتمرات والمعاهدات
الدولية بصدد محاربة تلك العمليات وكشف غسيل الأموال الناتج عنها
وتجميد تلك الأرصدة ريثما يبت بشأنها القرار القضائي الدولي بالنظر
لكون المصلحة الأنسانية وشروط حماية المجتمعات المنصوص عليها في
الأعلان العالمي لحقوق الأنسان وماتلته من بروتوكولات ومعاهدات دولية
لمنع أنتشار الجريمة والمعاهدات الثنائية والدولية الخاصة بغسيل
الأموال، وإيجاد الوسائل الجادة والمبتكرة التي تسهل عمليات الكشف
والتجميد والتصدي لمثل تلك الظواهر.
ومثل هذا الأمر يدعو المجتمع الدولي للأتفاق على تضمين القوانين
الوطنية نصوصاً في قوانينها الجنائية تساهم في التصدي والتكاتف
والتعاون الأنساني لهذه الظاهرة، وبالتالي فأن على الدول أن تجعل تلك
النصوص ضمن الاختصاص الشامل الذي تتضمنه نصوصها العقابية وأعتباره من
الجرائم الجنائية التي تتعدى الجريمة الأقتصادية المدنية، مما يوجب أن
يتم تفعيل مشروعية الأبلاغ عن الصفقات المشبوهـة وحرية التدقيقات
القضائية في هذا المجال، بالأضافة الى تعريض المؤسسات المالية التي
تحجم عن التعاون والأخبار الى العقوبات المالية أو الغلق حسب خطورة
ونوع الفعل. وفي سبيل تفعيل تلك المهمة يتعين على الدول توسيع نطاق
التفاهم من خلال الاتفاقيات والمؤتمرات القانونية الخاصة بتلك الظاهرة،
والأشراف على تلك المؤتمرات والأتفاقيات من قبل الأمم المتحدة، وأضفاء
نوع من الالزام الدولي في كشف الأساليب والتعاون الدولي ورصد تلك
الحالات ومتابعتها والتنسيق مع مكاتب متخصصة في هذا المجال، بالأضافة
الى تكليف المتخصصين في إصدار الدراسات والبحوث التي تفصل عمليات غسيل
الأموال وأساليبه ووضع الأقتراحات والأفكار التي تتصدى لهذه العمليات
بأساليب تتناسب مع خطورتها ومع تطورات العصر الحديث وماتوفره
التكنلوجيا، والأستجابة الى مطالب الدول الأعضاء من خلال تبادل
المعلومات والخبرات.
كماأن التعاون الفعلي مع الشرطة الدولية يساهم فعلاً في منع وقمع
العمليات الأرهابية وماينتج عنها من أموال يراد غسيلها وتهريبها
للأستمرار بهذه العمليات، واللجوء الى مؤتمرات أقليمية لتقييم أعمال
اللجان وماقام به أعضاء المؤتمرات والأتفاقيات الدولية من عمل وتطوير
تلك المؤتمرات من خلال القرارات والأساليب الحديثة التي يتم تقديمها
سنوياً. على أن لايغيب عن البال من أن تلك العمليات الخاصة بغسيل
الأموال متعددة الأفعال كانت تتم على قدم وساق دون أن تجد موانع او
عوائق ولهذا فأنها طورت نفسها وأتخذت لها قواعد وأرضية وأساليب متمكنة
من غسيل الأموال وتهريبها وأخفائها، وأذا كان المجتمع الأنساني قد
أنتبه الى تلك الافعال مع تزايد النشاط الأرهابي الذي يؤذي حياة الناس
ويعرض أمنهم ومستقبلهم للخطر، فأن أموالا طائلة وكبيرة كان يتم غسيلها
وتمريرها قبل أن تستفحل الظاهرة الأرهابية دولياً.
أن التصدي لظاهرة غسيل الأموال الناتج عن العمليات غير المشروعة
لايشكل عملاً سياسياً فقط، انما يكون أيضاً عملاً أقتصادياً بأعتبار أن
تلك الأموال من النتائج الأجرامية لأفعال غير مشروعة، وبالتالي فأن عدم
المشروعية ينسحب اليها، مع ان الفعل السياسي فاعل وواضح في هذا المجال
لما له من تأثير في قوة نفاذ تلك القوانين والأجراءات التي تشرعها
الدول في مجال ملاحقة وحجز الأموال المراد غسيلها. وتتعرض الأموال
العراقية المهربة الى خارج العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري الى
عمليات غسيل مما يتطلب متابعة تلك الأموال وملاحقة مرتكبي عمليات
الغسيل.
أن حتمية التعاون الدولي من خلال ألاتفاقيات الدولية وشمول نظم
العدالة الجنائية نصوصا قادرة على ردع الأنشطة والأعمال التي تدخل في
حيز غسيل الأموال، وتفعيل تلك الالية من خلال الندوات والدورات
والمكافحة المنظمة والتعاون الدولي المنسجم لأيقاف أنتشار هذه الوسائل
التي تهدد الأمن القومي والنظام العالمي.
ونجد أن في الأستجابة التي لقيتها عمليات التصدي لغسيل الأموال من
جمهورية مصر والامارات العربية المتحدة والجمهورية اللبنانية والسورية
وسلطنة عمان دليل اكيد على التفاعل الجدي لهذه الدول مع عمليات التصدي
القانوني لمكافحة غسل الاموال حيث تم اخضاع ليس فقط المؤسسات المالية
والبنوك العاملة انما شمل جميع الجهات التي تتعامل بالعملة وتحويل
الاموال والمؤسسات التوفيرية وانشطة التامين والتمويل العقاري، وبهذا
الأمر فأن الدائرة ينبغي أن تتسع لتشمل المنطقة بما فيها العراق الجديد
أنسجاماً مع المجتمع الدولي والتزاماً بالنصوص القانونية والمعاهدات
الدولية.
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
وكالات + موسوعة ويكيبيديا + جريدة الاتحاد
الكردستاني
..................................................................
- مركز
يقدم الخدمات الوثائقي والمعلوماتي للاشتراك والاتصال
www.annabaa.org
arch_docu@yahoo.com |