المرجع الشيرازي: الصبر والحلُم حسنة في الدنيا وفي ميزان الأعمال، والدرجة العالية من الإيمان هي أن يكون المؤمن خائفاً راجياً رحمة الله تعالى

 

- المرجع الشيرازي.. الإيمان درجات والجنة درجات، والدرجة العالية من الإيمان هي أن يكون المؤمن خائفاً راجياً.

- الصبر والحلُم حسنة في الدنيا وحسنة في ميزان الأعمال، فإذا صبر الإنسان لله تعالى تجاه أذى جاره أو زوجته أو شركائه أو أرحامه... فإنّ الله تعالى يكفيه في الدنيا ويعظّم أجره في الآخرة.

- من طبيعة المرء أنه يعيش في المجتمع سواء بين أهله وعائلته أو بين الجيران أو مع شركائه وزملائه وقد يحدث اختلاف في الرأي فيجدر بالمرء أن يحاول بأن لا يجرّه الاختلاف إلى الغضب.

 

شبكة النبأ: قام جمع من الشباب أبناء الجالية المسلمة في أوروبا وأمريكا وكندا بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، يوم الأحد الموافق للتاسع عشر من شهر رجب الأصبّ 1430 للهجرة، فأوصاهم سماحته بقوله:

إن العظمة لا تولد مع العظماء، فكل إنسان يأتي إلى الدنيا وتولد معه صفاته الإنسانية وشكله وحجمه الإنساني المعهود. فالعظماء كأبي ذر وسلمان وعمار والشيخ المفيد والشيخ الطوسي والشيخ الصدوق وعلي بن مهزيار رضوان الله تعالى عليهم لم يبلغا المراتب العالية اعتباطاً، ولم يولدوا عظماء بل هم الذين صنعوا العظمة لأنفسهم، أي إن العظماء بجهودهم وبمساعيهم يصنعون العظمة لأنفسهم. وكل فرد منكم أنتم أيها الشباب يستطيع أن يكون عظيماً في يوم ما إن التزم واهتم بالأمور الثلاثة التالية:

الأول: الإخلاص لله تعالى ولأهل البيت صلوات الله عليهم. أي فكّروا في عمل ما تنالون به رضا الله سبحانه ورضا أهل البيت الأطهار باعتبارهم الطريق الوحيد الموصل إلى الله عزّ وجلّ. فكل واحد منكم إذا عمل عملاً ما ليكن همّه رضا الله فقط، ولا يهتم إن رضي الناس عنه أو لم يرضوا، وليحاول أن يتحلّى بمداراة الناس.

الثاني: النشاط الدائم، وبذل الجهود في الاستفادة من العمر والوقت أقصى ما يمكن، والاستفادة من كل الفرص حتى الصغيرة منها.

الثالث: الزهد في الدنيا. وليس معناه أن لا يأكل الإنسان ولا يشرب ولا يتزوّج، بل معناه أن لا يقفل قلبه على أمور الدنيا وملذّاتها وزخرفها ومادياتها. فقد قال مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «الزُّهدُ كُلُّهُ بَينَ كَلِمَتَينِ مِنَ القرآنِ قَالَ اللَّهُ سُبحَانَهُ (لِكَيلا تَأسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) وَمَن لَم يَأْسَ عَلَى المَاضِي ولَم يَْرَحْ بِالآتِي فَقَد أَخَذَ الزُّهدَ بِطَرَفَيْهِ».

من يصبر على الأذى يكفيه الله في الدنيا ويعظّم أجره في الآخرة

وزار المرجع الشيرازي دام ظله جمع من زوّار العتبات المقدسة من السعودية، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، يوم الأحد الموافق للسادس والعشرين من شهر رجب الأصبّ 1430 للهجرة، فأفاض سماحته عليهم بتوجيهاته القيّمة وقال:

ذكرت الروايات الشريفة أنه: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: إن فلاناً جاري يؤذيني. فقال: اصبر على أذاه وكفّ أذاك عنه. فما لبث يسيراً أن جاء فقال له: يا نبي الله إن جاري ذاك مات. فقال صلى الله عليه وآله: كفى بالدهر واعظاً وبالموت مفرّقاً، إنك لو رأيته في قبره لبكيت عليه طول عمرك .

وعقّب سماحته: إن الصبر والحلم حسنة في الدنيا وحسنة في ميزان الأعمال. فإذا صبر الإنسان لله تعالى تجاه أذى جاره، أو زوجته، أو شركائه، أو أرحامه، أو أصدقائه، أو زملائه، أو رفقاء السفر والدراسة والعمل وغيرهم فإنّ الله تعالى يكفيه في الدنيا، ويعظّم أجره في الآخرة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» ، وهكذا تؤجر الزوجة إذا صبرت تجاه أذى زوجها والجيران والأرحام وغيرهم. أما إذا لم يصبر الإنسان تجاه من يؤذيه فسيواجه أمرين:

الأول: إن لم يعتدي على من آذاه ـ علماً انه يجوز للإنسان ذلك في بعض الصور لقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» ـ ولم يتجاوز الحدّ الشرعي فلا أجر له ولا يعدّ من الصابرين ولا يؤجر أجرهم، وربما لا يكفيه الله فيدوم ويستمر الأذى عليه ويكون قد صرف حياته في دفع البلاء والأذى عن نفسه.

الثاني: إذا تعدّى عن الحدود الشرعية فسيكون آثماً.

إذن يجدر بالإنسان أن يعزم ويصمم على الصبر مع كل من يعيش معه.

وخاطب دام ظله الحاضرين مؤكّداً: أنتم في سفرة عبادة وطاعة، والأيام التي نعيشها الآن هي أيام المناسبات الدينية والأجواء المعنوية فهي خير فرصة بأن تعزموا على الصبر لله تعالى، واسألوا الإمام المعصوم مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه وأخته كريمة أهل البيت مولاتنا فاطمة المعصومة عليها السلام، أن يدعوا لكم في ذلك حتى تفوزوا بسعادة أكثر في الدنيا، وتحظوا بدرجات أرفع في الآخرة.

على المؤمنين أن لا يغترّوا بالطاعات ولا ييأسوا من رحمة الله

وقال المرجع الشيرازي دام ظله في توجيهاته القيّمة التي ألقاها بجمع من زوّار العتبات المقدسة من السعودية، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة يوم السبت الموافق للثامن عشر من شهر رجب الأصبّ 1430 للهجرة:

إن الإيمان درجات والجنة درجات، كما صرّحت بذلك الروايات الشريفة. والدرجة العالية من الإيمان هي أن يكون المؤمن خائفاً راجياً، أي على المؤمن أن يخاف الله سبحانه كلما عمل من الطاعات والعبادات والخيرات وما يوجب عظيم المنزلة عند الله تعالى، أي لا يغترّ بما عمل، وعليه أيضاً أن لا ييأس من رحمة الله كلما عمل من الآثام والمعاصي والموبقات. فالمؤمن لا يغترّ بالطاعة ولا ييأس عند المعصية.

يقول مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: «لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو»(1) .

وأوضح سماحته: إذا صار المؤمن أمام معصية ما فليحاول بكل تأكيد وإصرار أن لا يعصي الله خوفاً من أن الله قد لا يغفر له هذه المعصية بالذات، أي لا يعصي الله اعتماداً على رحمته، وإن كان خائفاً مما ارتكبه من المعاصي فلا يفكر بسبب هذا الخوف بأن الله لا يغفر له.

جاء في الروايات عن ابن بكير أنه قال: كان علي بن الحسين سلام الله عليه في الطواف، فنظر في ناحية المسجد إلى جماعة فقال: ما هذه الجماعة؟ فقالوا: هذا محمد بن شهاب الزهري اختلط عقله فليس يتكلّم، فأخرجه أهله لعله إذا رأى الناس أن يتكلم. فلما قضى سلام الله عليه طوافه خرج حتى دنا منه، فلما رآه محمد بن شهاب عرفه فقال له علي بن الحسين: ما لك؟ قال: وليت ولاية فأصبت دماً فدخلني ما ترى. فقال له علي بن الحسين سلام الله عليه: لأنا عليك من يأسك من رحمة الله أشدّ خوفاً منّي عليك مما أتيت.

وأضاف سماحته: لا شكّ أن أداء الصلاة المفروضة هي من علامات الإيمان، كما أن أداء الصوم المفروض والزكاة الواجبة والخمس الواجب وغيرها من الواجبات هي أيضاً من علامات الإيمان، ولكن الدرجة الرفيعة من الإيمان هي أن لا ييأس المؤمن من رحمة الله تعالى في جميع الأحوال، وأن يكون خائفاً دوماً من أن الله تعالى قد لا يغفر له.

وأكّد دام ظله: إن شهر رجب وشهر شعبان وشهر رمضان هي أشهر فضيلة، فليحاول كل واحد منّا أن يقوّي في نفسه حالة الخوف والرجاء بالتلقين والتصميم والعزم. فإذا صدرت منه معصية ـ لا سمح الله ـ فليستغفر الله ولا يتكل على رحمة الله تعالى.

اجتناب الغضب أمان من الذنوب والموبقات

وفي توجيهاته القيّمة التي ألقاها بجمع من المؤمنات والمؤمنين القادمين من مدينة صفوى السعودية، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، يوم الأربعاء الموافق للثاني والعشرين من شهر رجب الأصبّ 1430 للهجرة، قال المرجع الشيرازي دام ظله:

جاء في الحديث الشريف عن مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه أنه قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئاً وَاحِداً فَإِنِّي رَجُلٌ أُسَافِرُ فَأَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ. قَالَ: لا تَغْضَبْ. فَاسْتَيْسَرَهَا الأعْرَابِيُّ فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئاً وَاحِداً فَإِنِّي أُسَافِرُ وَأَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله: لا تَغْضَبْ. فَاسْتَيْسَرَهَا الأعْرَابِيُّ فَرَجَعَ فَأَعَادَ السُّؤَالَ فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: لا أَسْأَلُ عَنْ شَيْ‏ءٍ بَعْدَ هَذَا، إِنِّي وَجَدْتُهُ قَدْ نَصَحَنِي وَحَذَّرَنِي لِئَلاّ أَفْتَرِيَ حِينَ أَغْضَبُ وَلِئَلا أَقْتُلَ حِينَ أَغْضَبُ.

وعقّب سماحته قائلاً: من طبيعة المرء أنه يعيش في المجتمع، سواء بين أهله وعائلته، أو بين الجيران، أو مع شركائه وزملائه في الشركة أو السوق أو المعمل، وقد يحدث اختلاف في الرأي أو في الفكر، بينه وبين من يعيش معهم، فيجدر بالمرء أن يحاول أقصى ما يمكن بأن لا يجرّه الاختلاف إلى الغضب.

وأضاف سماحته: إذا لم يعزم الإنسان على ترك الغضب فربما يؤتى إليه بصحيفة أعماله يوم القيامة وفيها ألوف المرّات من حالات الغضب وما ترتّب عليها ـ والعياذ بالله ـ من الآثام والموبقات والمعاصي وقطع الرحم وعقوق الوالدين، وهضم حقوق الآخرين، والكذب والغيبة والنميمة، وإيذاء المؤمنين، وإيذاء عامة الناس. وأما إذا عزم على ترك الغضب فإن صحيفة أعماله سينعدم أو يقلّ فيها موارد الغضب وما يترتب على الغضب من الأمور السيئة.

وخاطب دام ظله الضيوف مؤكّداً: أنتنّ أيتها المؤمنات، وأنتم أيها المؤمنون في سفرة طاعة وعبادة وفضيلة ألا وهي زيارة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، فاستفيدوا من أجواء الزيارة ومن هذا التوفيق الإلهي وهو جوار كريمة أهل البيت سيدتنا فاطمة المعصومة عليها السلام، وخصوصاً في هذه الأشهر الفضيلة رجب وشعبان وشهر رمضان التي يضاعف فيها ثواب الفضيلة، بأن تلتزموا بوصية مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله بالعزم على ترك الغضب. فيجدر بكم جميعاً، رجالاً ونساء، وكباراً وشباباً، أن تصمموا على اجتناب الغضب، في أي مكان كنتم، في الجامعة أو في الحوزة، وفي السوق أو الإدارة، وفي المسجد أو الحسينية، حتى توفّقوا لترك الغضب تماماً. وإذا صدر منكم الغضب مرة، فاستغفروا الله تعالى واعزموا مرة أخرى على عدم الغضب، وهكذا استمروا على هذا المنوال كلما صدر منكم الغضب، حتى يسهل عليكم بالنتيجة ترك الغضب.

المرجع الشيرازي يبيّن مساوئ قطع الرحم في إرشاداته القيّمة

وقام بزيارة المرجع الشيرازي دام ظله جمع من الزوّار العراقيين والسعوديين في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة يوم الأربعاء الموافق للتاسع والعشرين من شهر رجب الأصبّ 1430 للهجرة، واستمعوا إلى إرشاداته القيّمة التي جاء فيها:

جاء في الروايات الشريفة عن ابن البطائني عن أبيه عن شعيب العقرقوفي أنه قال: ... إني لفي طوافي إذ أقبل إليّ رجل طويل من أجسم ما يكون من الرجال فقال لي: أريد أن أسألك عن صاحبك. فقلت: عن أي صاحب؟ قال: عن فلان بن فلان. قلت: ما اسمك؟ قال: يعقوب. قلت: ومن أين أنت؟ قال: رجل من أهل المغرب. قلت: فمن أين أنت عرفتني؟ قال: أتاني آت في منامي الق شعيباً فسله عن جميع ما تحتاج إليه فسألت عنك فدللت عليك. فقلت: اجلس في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي وآتيك إن شاء الله تعالى. فطفت ثم أتيته فكلّمت رجلاً عاقلاً ثم طلب إليّ أن أدخله على أبي الحسن [الإمام الكاظم] صلوات الله عليه فأخذت بيده فاستأذنت على أبي الحسن سلام الله عليه فأذن لي، فلما رآه أبو الحسن سلام الله عليه قال له: يا يعقوب قدمت أمس ووقع بينك وبين أخيك شرّ في موضع كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضاً، وليس هذا ديني ولا دين آبائي ولا نأمر بهذا أحداً من الناس، فاتق الله وحده لا شريك له، فإنكما ستفترقان بموت، أما إن أخاك سيموت في سفره قبل أن يصل إلى أهله وستندم أنت على ما كان منك وذلك أنكما تقاطعتما فبتر الله أعماركما. فقال له الرجل: فأنا جعلت فداك متى أجلي؟ فقال: أما إن أجلك قد حضر حتى وصَلْتَ عمّتك بما وصلتها به في منزل كذا وكذا فزيد في أجلك عشرون. قال: فأخبرني الرجل ولقيته حاجّاً أن أخاه لم يصل إلى أهله حتى دفنه في الطريق.

وعقّب سماحته بقوله: إن لصلة الرحم ولقطع الرحم أثر كبير في الدنيا والآخرة. والقصّة التي ذكرتها الرواية الشريفة هي واحدة من القصص التي وردت بالنسبة لصلة الرحم وآثارها الإيجابية، ولقطع الرحم وآثاره السلبية. فالذي قطع رحمه مع أخيه تعجّل أجله ومات، والآخر الذي وصل عمّته زيد في عمره عشرين سنة. فيجدر بالمؤمنات والمؤمنين أن يعزموا على صلة الرحم وترك القطيعة مهما كلّف الأمر.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/آب/2009 - 9/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م