الشيعة.. أجندة جديدة في عهد عبد الله

نوال موسى اليوسف

جاء تقرير منظمة (هيومان رايتس )- الذي نشر الخميس الماضي بخصوص وجود توترات طائفية بالسعودية مؤكد للواقع الشيعي إذ أنه لم يجانب الحقيقية،وذلك لأن ثمة أطراف سنية بما فيها المحسوبين على السلطة الحاكمة لا يزالون يوصمون الشيعة بالكفر،وترديد مقولتهم الدائمة بل واتهاماتهم القديمة الجديدة بالعمالة الشيعية لإيران ودول الغرب ومنهم الشيخ الكلباني الذي لم تعاقبه السلطة على تكفيره لهم على منبر المسلمين في العالم كافة في بيت الله الحرام،وعبر إحدى الوسائل الإعلامية السعودية الموجودة في بلد عربي وهذا مثال واحد فحسب على التكفير والتكفيريين التابعين للسلطة!!.

وكأن الشيعة السعوديين لا يفقهون من الأمر شيئا!! ومحتاجين إلى من ينبههم لحقوقهم المغيبة التي يدركها كل الشيعة في مختلف مناطق المملكة صغيرهم وكبيرهم رجالهم ونساؤهم، فتيانهم وفتياتهم.

هذه الحقوق المغيبة للشيعة سواء الإثني عشرية،أو الزيدية أو الإسماعيلية كانت مغيبة منذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود،ولا يزال الكثير منها مغيب حتى اليوم،وتغييب هذه الحقوق قائم على فكرة العداء الوهابي السني للمنتمين إلى المذهب الشيعي منذ الأزل ودليل ذلك أن آل سعود قاموا في بديات الدولة السعودية الأولى بغزو كربلاء وحرق الحضرة الحسينية كما تذكر ذلك أحدى الموسوعات السياسة الدولية،وكان قائد ذلك الجيش هو أمير من آل سعود برفقة النصير الديني المتشدد محمد بن عبد الوهاب صاحب فكرة تكفير الشيعة - من أجل ألا تقوم قائمة للمذهب الشيعي في ذلك الزمان،وامتد هذا العداء السياسي والديني من آل سعود والوهابية حتى يومنا هذا،وهذا العداء استشرى بفعل القيادة السياسية في الدولة السعودية منذ نشأتها وحتى اليوم،وبفعل سطوة رجال الدين الوهابيين الذين آزروا السلطة في تسييس الغالبية السنية في السعودية، ونشر حالة الكراهية والعداء لشركائهم من الشيعة في الوطن،وذلك بإعلان تكفير السلطة الحاكمة والسلطة الدينية لهم علنا عبر كل الوسائل والوسائط الإعلامية وعبر منابر المساجد وعبر بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف،وعبر مناهج التعليم ومدرسي ومدرسات الدين في مدارس التعليم العالم،والجامعي حيث ينشط الدعاة من المدرسين والمدرسات في بث الفرقة بين المتعلمين، وعلى الرغم من إعلان مكة الدعائي الذي ذُكرت فيه لأول مرة إشارة للمذهب الشيعي وتم خلاله الاعتراف به ضمن خمسة مذاهب أخرى في المملكة والعالم العربي والإسلامي ألا أن ذلك لم يخرج عن صيغة الإعلان الو جاهي للسلطة الحاكمة بأنها سلطة تؤمن بالتعددية وحوار الأديان والمذاهب لتخرج للغرب بثوب الحمل الوديع.

وكنت يومها كواحدة منتمية للمذهب الشيعي من مواطنات هذا البلد قد وجهت برقية،شكر ومطالبة للملك عبد الله أشرت فيها إلى حاجة المملكة لتوعية العامة ورجال الدين بهذا الشأن حيث أن السعودية التي عاشت أجيالها وسلطتها الحاكمة والدينية تعلن لغالبية الشعب من حاملي المذهب السني بمختلف مذاهبه على مدى خمسين عاما تكفير الشيعة تحتاج إلى سنوات جديدة وطويلة ومتدرجة من التوعية الشعبية فيما يتعلق بهذه المسالة،وبقبول المذهب الشيعي واقعا مفعلا في دولتنا،إلا أن هذا الأمر لم يتحقق لا بالنسبة للسلطة الحاكمة ولا بالنسبة للسلطة الدينية ولا على مستوى الشعب حيث لم تقم السلطة بالحديث عن الشيعة،أو موضوع الاعتراف بالمذهب الشيعي عبر وسائل إعلامها،أو تسمح بذلك من خلال وسائل الإعلام المحسوبة على السلطة وبقي الوضع على ما هو عليه اعتراف لم يتعدى قاعة المؤتمر الذي عقد في مكة !!

وفي رأيي لا تستطيع الحكومة السعودية أن تتخلى عن دعم الوهابية التي تكفر الشيعة وتعتبرهم عملاء للدولة الصفوية الإيرانية وأمريكا والغرب وذلك لأن تاريخها ارتكز على وجود التحالف المشترك الذي تم في العام 1744 فيما بين ما يطلق عليه بالمصلح الديني "محمد بن عبد الوهاب"،وبين "محمد بن سعود "،حاكم المملكة آن ذاك،والذي قاما على تقاسم السلطة بين المؤسسة الدينية،وبين الحاكم السياسي للدولة السعودية فهما شريكان في صناعة القرار السياسي.

ولا يزال الشيعة السعوديون الذين يتركزون في المنطقة الشرقية ذات الموارد النفطية،وغير النفطية والتي تشير الإحصاءات أن مجموعهم يتراوح ما بين 30% إلى 35% من نسبة السكان يعانون منذ دمج المنطقة الشرقية في الدولة السعودية من مظاهر التهميش والتمييز والقمع الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، التي تتمثل في عدم السماح لهم بممارسة طقوسهم الدينية بحرية تامة، ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية،ومنعهم من إنشاء وسائل إعلام خاصة بهم وغيرها،هذه المظالم التي لحقت بهم في المملكة باعتبارهم أقلية دينية،منعتهم من الحصول على نصاب مناسب في التنمية في المناطق التي يعيشون فيها، كما حرمتهم من الانضمام إلى المؤسسات السيادية في الدولة كالجيش والخارجية،وغيرها وفرضت عليهم التعلم بمناهج الدين الوهابي التي تختلف مع معتقداتهم،بل وتقوم على تكفيرهم ووصفهم بالرافضة،حيث يعدهم الوهابيون بكل صراحة ووضوح جماعة لا تنتمي إلى صفوف المؤمنين والمسلمين.

واعتقد أن السلطة الحاكمة في السعودية والسلطة الدينية شريكها الرئيس في الحكم وصناعة القرار السياسي،تعلمان علم اليقين أن الواقع الشيعي بجميع تحركاته لا تحمل أي توجهات طائفية، أو فئوية،أو تقسيميه،بل كانوا ولا يزالون منخرطين بقوة في النشاط السياسي والمطالب العامة إلى جانب غيرهم من الناشطين السنة من بقية مناطق المملكة،من منطلقات وطنية وقومية.

لكن الأوضاع الأخيرة التي حدثت في البقيع ضد نساء الشيعة بالقرب من المسجد النبوي أثارت حفيظة الشيعة،وانقسم الشيعة إلى فئتين،فئة بقيادة الصفار المعارض السعودي السابق وجماعته الذين اقتنعوا بالفتات في نطاق مشاركتهم الاجتماعية والدينية،وفئة بقيادة العلامة الشيخ نمر النمر وتؤيده الغالبية الساحقة من الشيعة التي ترغب في الحصول على حقوقها كاملة من منطلق (لا واجبات بلا حقوق)،والذي هدد الحكومة السعودية مؤخرا بالانفصال في حال استمرت الحكومة في منعها وتغييبها لحقوق الأقلية الشيعية،الأمر الذي معه أوجد حالة التوتر بين الشيعة والحكومة حيث شهد هذا الشهر أحداث ملاحقة الشيخ النمر والتضييق على الشيعة،وإغلاق مساجد لهم في محافظتي الخبر والإحساء،وكذلك في الدمام،وسجن بعض الأحداث،والشباب على خلفية مناصرتهم للشيخ النمر في مطالباته المشروعة للشيعة وتنمية مناطقهم.

ولا يزال الشيخ النمر مطارد من قبل السلطات الأمنية،ولا تزال بلدة العوامية الشيعية مقر سكن الشيخ ومناصريه محاصرة بقوات الأمن الخاصة.

وفي رأيي أن الشيعة في السعودية ينقسمون في تحركاتهم وفقا لأمرين فهم على الرغم من كونهم مطالبون بواجبات بلا حقوق من قبل السلطة،أو بحقوق وهمية وبسيطة ودعائية فهم يعملون على تحقيق هاذين الأمرين:

الأمر الأول التعبير عن مطالبهم ومظالم طائفتهم لدى السلطة الحاكمة بعقلانية وهذه لم تسفر عن نتائج حتى اليوم الا بالنزر القليل جدا من الحقوق.

والأمر الثاني- السعي لتأكيد ولائهم لوطنهم السعودية ورفضهم الانخراط في أي تحالف مع أي قوة خارجية –تسعى إلى تغيير النظام الموروث إلى نظام ديمقراطي – في محاولة يائسة لتبديد قلق النظام السعودي الجلي – بشأن استقلال الشيعة الوضع في العراق،ومملكة البحرين ذات الأكثرية الشيعية،حيث يؤكد الشيعة السعوديين باستمرار تأكيدهم وتصميهم على الانتماء الشيعي للدولة السعودية،وأن هدفهم النهائي من كل هذه التحركات حتى التهديد الأخير بالانفصال هو الاندماج مع الدولة السعودية والمجتمع السعودي بكامله.

إلا أن الحكومة السعودية في نظري وفي ظل التوترات الحاصلة في الدولة،وتعدد المعارضين السعوديين ما بين سنة وشيعة في الداخل والخارج،إضافة إلى وجود فئة الإرهابيين،والإصلاحيين وجدت نفسها في أزمة متعددة الأطراف جعلتها لا تميز بين المطالب بالإصلاح في ظل حكمها،وبين الراغب في إنهاؤها ووجود البديل الذي يحل محل السلطة والنظام السياسي الحاكم فيها،وهي الآن تقف في مفترق طرق عليها أن تختار منه الاتجاه الذي يبقيها على كراسي السلطة،والا وجدت نفسها خارج اهتمامات الشعب كله،خصوصا مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية وغياب الطبقة الوسطى،وزيادة معدلات الجريمة والبطالة،والفقر،والفساد الإداري وغياب الأمن الاجتماعي الداخلي في الدولة،في الوقت الذي تساهم فيه الحكومة بدعم السلطة الدينية المتشددة لبسط هيمنتها على كافة الحريات ومساعدتها في هدر موارد الدولة من المال العام على الدول الأخرى،بدلا من تحقيق الرفاهية للشعب السعودي،وتحقيق التنمية المتوازنة في مختلف مناطق الوطن.

* إعلامية وكاتبة وباحثة سعودية مستقلة

www.saudiyatnet.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/أيلول/2009 - 23/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م