المواجهة مع الداخل .. أولاً

محمد طالب الأديب

يبدو أن السيد رئيس الوزراء المالكي بات أكثر قناعة من ذي قبل بالإشارات التي تقترب من التصريح بأسماء دول إقليمية أو جهات وأحزاب خارجية تمارس أو تدعم أو تبرر الإرهاب والتخريب وإشاعة الفوضى في العراق، وإذا كان السيد المالكي لم يقتنع بعد بقرار المواجهة المباشرة فعليه وشعب العراق أن يتحملوا أياماً صعبة جديدة ربما يتلطخ بعضها بدماء أبرياء، وهو أمر لا يبدو سهلاً بعد كل تلك التضحيات الجسيمة التي لحقت بالعراقيين وجميع مفاصل حياتهم ولحقت بالعراق كدولة ومؤسسات, كما أنه ليس من الممكن الاقتناع بأن مَنْ مارس قتل العراقيين في الشوارع بوحشية، وسعى الى تعويق العملية السياسية وإفسادها وعرقلة نموها الطبيعي، وتعطيل عملية  البناء والإعمار يأتي يوم ويتحول الى صديق يمكن الوثوق به..

التاريخ والواقع يقول غير ذلك، وإن التجربة تؤكد أن الذي يمنع تدخل إرادات خارجية عدوانية هو القوة: قوة الفعل السياسي وحكمته، وقوة العمل الأمني ومتانته.. أو إن الذي يدفع عدواً الى أن يكون صديقاً مصلحته الوطنية بالطريقة التي يراها هو، وغالبـاً.. ليس ما يدفع المبغض الى أن يكون ودوداً قيم أخلاقية أو ضوابط إنسانية.

خلال زيارته محافظة الأنبار، قال السيد المالكي أن التحدي الأكبر هو مواجهة مشاريع التدخل الخارجي التي بدأت تدخل علينا من كل صوب، ولكننا لا نسمح بأن يكون العراق ساحة للصراعات والأجندات الإقليمية، ولن نسمح لأحد بالتدخل في شؤوننا.. وما علينا في الأيام المقبلة إلا مواجهة المشاريع والأجندات الخارجية، متسائلاً: هل يقبلون أن نتدخل في شؤونهم؟!... حديث السيد المالكي هنا هو تأكيد جديد على أن دول لها ملفات ساخنة مع المجتمع الدولي أو التي تستحوذ عليها عقد طائفية وطموحات لا تتناسب مع حجمها مقارنة بالعراق ومكانته الإقليمية والدولية أو دول تتخوف من تنامي عراق حر وديمقراطي ينعم شعبه بخيرات بلده أو دول تتخوف من عراق بقوة اقتصادية كبيرة أو التي تتذمر من عراق سياحي يستقطب أكثر من خمسين مليون سائح سنوياً أو دول تنزعج من علاقات استراتيجية للعراق مع أميركا والعالم المتقدم.. تلك الدول لاتملك زمام نفسها لتتوقف عن تصرفاتها غير الأخلاقية باتجاه العراق الجديد.. الأمر الذي يدفع الى ضرورة اعتماد سياسة المواجهة المباشرة مع واقع تلك الدول الشريرة من خلال كشف هذه الدول للعراقيين، وتفعيل العمل الدبلوماسي والقضائي ليمارس المجتمع الدولي دوره، فإن وقت النصيحة والرجاء والتحذير لتلك الدول قد نفد بعد أن طال أمده وانقضت مبرراته، وما ينبغي أن يرافق المواجهة المباشرة لـ (دول مستهترة)، العمل على تنظيف الصف العراقي الداخلي من خلال ملاحقة جهات (سياسية ودينية وإعلامية) كانت – وما زالت – أدوات تنفيذ وتمرير أجندات خارجية حذر منها السيد المالكي في محافظة الأنبار المنتصرة التي واجهت نفسها أولاً قبل الدخول في مواجهة دامية وبطولية مع المقاتلين الأجانب أذهلت تنظيمات القاعدة ودول تدعمها ومجتمعات عربية ومسلمة مؤيدة لها..

المواجهة الحكيمة والاندفاع الشجاع هو الحل، فلقد أشارت مؤسسات سياسية وعسكرية الى أن قرار السيد المالكي في مكافحة الخارجين على القانون في البصرة عام 2008 كان (قراراً متهوراً).. والواقع يقول: القرار لم يكن تهوراً.. إنما كان قراراً أكثر شجاعة وقد أتى بنتائج مهمة لا زالت حلاوتها على واقع البصرة بل العراق جميعاً.

وفي جانب آخر له أثره الكبير في عرقلة عملية البناء السياسي والإعمار الخدماتي والترفيهي أشار السيد المالكي الى إن جذر الفساد هو الطائفية، وإن الفساد السياسي هو عملية محاكاة واستجابة لإرادات إقليمية...

ولأن الفساد الإداري والمالي والسياسي الوجه الآخر لعملة الإرهاب في العراق فإن على حكومة السيد المالكي الاندفاع الاستثنائي باتجاه تقديم الخدمات وتحسين حياة الناس وجعل هذه الأمور من الأولويات التي لا تتأثر بـ مشاريع التدخل الخارجي التي تدخل أو ستدخل علينا من كل صوب كي لا يقع الجميع بفـخ لا صوت يعلو على صوت المعركة السيء الصيت حيث إن قوى الإرهاب والخارجين على القانون قد تلقت ضربات قوية، في الوقت الذي أخذت دول معادية للعراق تعاني من استحقاقات داخلية سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية وحتى إنسانية فضلاً عن أنها تعاني من افتضاح أخلاقي بسبب تدخلاتها ودافع تلك التدخلات وأهدافها في العراق.

إن المواجهة الحقيقية لـمشاريع التدخل الخارجي التي تدخل علينا من كل صوب تكون أولاً من الداخل من خلال:

تجفيف مستنقعات سياسية ودينية تمثل ذراعاً لتدخلات متواصلة تهدد أمن العراق واستقراره وجهود إعماره، وتحسين ظروف الناس الحياتية والمعيشية والاقتصادية وبالتأكيد الأمنيـة، وإن ما أشار إليه السيد المالكي من أهمية إصلاح منظومة القيم والمبادئ التي اختلت عندما اتجه الناس الى أجندات طائفية وخارجية يجب أن يرافقه تحفيز ثقافة داعمة للحياة.. وتفتيت مناهج تفكير ومعتقدات وطبائع وعادات خانقة للحيـاة.

Aladeeb.m@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/تموز/2009 - 7/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م