عمالة الأطفال في العراق: امتهان لحقوق الطفولة وسط اجواء الفقر والارهاب

 مشكلة وحلول مقترحة فهل مِن استجابة؟

تقریر: المحامي حیدر جاسب- ناطق الخزعلي

 

شبكة النبأ: تشكل ظاهرة عمالة الأطفال مشكلة حقيقية يعاني منها المجتمع العراقي عامة ومجتمع محافظة ميسان جنوب البلد خاصة، وهذه المشكلة تقف عائقا أمام التنمية الاقتصادية فضلا عن الآثار الاجتماعية والنفسية التي تخلفها والتي تلحق بالأطفال نتيجة حرمانهم في عيش طفولة سعيدة أسوة بأقرانهم أطفال العالم.

وصورة هذه الظاهرة في العراق لها ابعادها الخاصة ولها اسبابها ومسبباتها الكثيرة لاسيما ان عقودا من الزمن عاشها اطفال العراق تحت وطأة القهر والاستبداد والتشرد بسبب الحروب المتلاحقة كانت سببا مباشرا في نزوح الآلاف منهم نحو العمالةز

وكذلك أعداد الأرامل والترمّل المستمر في المجتمع دلیل على عمق ھذه المأساة وحجمھا حیث أشارت إحصائیات بھذا الصدد الى وجود ثلاثة ملایین أرملة في العراق مما یؤشر الأعداد الكبیرة للأطفال الذین یعانون من الحرمان والعیش الكریم.

وأظهرَ مسح أُجري عام ٢٠٠٤ ان نحو ملیون و ٣٠٠ ألف طفل تتراوح أعمارھم بین ٨ و ١٦ عاماً یعملون، وهذا یمثل ٦٫١ في المائة من السكان. وكشف التقریر إضافة الى ذلك ساعات العمل الطویلة التي یعمل فيها الأطفال حیث یعمل ٢٧ في المائة منھم أكثر من ثماني ساعات یومیا.

وقد تم لقاء الطفل (أ ) عمره ( ١٣ ) الذي اخبرنا بأنه مضطر للعمل لإعالة عائلة النازحة من مناطق التوتر (بغداد) حیث لاتملك عائلته مصدر للرزق وھو المعیل الوحید لها ویعمل في مطعم لمدة ١٢ ساعة یومیا.

وقال الطفل (اسعد) عمره ( ١١ ) بأنه تركَ المدرسة بسبب العمل لإعالة عائلته المكونة من (٦) أفراد وھو المعیل الوحید بسبب موت والده بسبب التفجیرات الإرھابیة.

عمالة الأطفال والتشریعات المحلیة

یوجد في العراق كم ھائل من التشریعات والقوانین التي تحرّم تشغیل الأطفال وتعاقِب من يشغّلهم الا أن فاعليتها كانت ضعیفة ولم تحقق الحد الأدنى من مستلزمات تطویق الظاھرة وإیجاد الحلول المناسبة لھا بدلیل عدم وجود أیة إحصائیات دقیقة بهذا المجال ولم تتخذ أیة عقوبات رادعة لمستغلي الأطفال سواء في الشارع او البیت او أي مجال اخر.

ولم یتم وضع أي مشروع عملي یعتمد على آلیات قانونیة لمعالجة ھذه الظاھرة مما أسهمَ أیضا في شیوع الحالة واستھتار أصحاب العمل وتشويه هذا العالم الجمیل حیث انتهكت محرماته وقدسيته وجماليته ولم تحرك صور الیتامى والمرضى والمعاقین وجامعي النفایات والعاملین في بیع الحاجات بالشوارع نوازع الخیر لاتخاذ إجراءات حاسمة بهذا الصدد ولم تتعد بعض الممارسات الخجولة التي لم ترتق الى مستوى خطورة ھذه الظاھرة لأنها ببساطة افتقرت الى العقوبات الرادعة والخطوات الإجرائیة المتشددة.

عمالة الأطفال والتشریعات الدولیة

منذ عام ١٩٢٤ توالت التشریعات المتعلقة بعمالة الأطفال حیث صدر أول إعلان لحقوق الطفل في جنیف یحظر تشغیل الأطفال دون السن القانوني تلتها خطوات أخرى كان من أبرزھا الاتفاقیة الخاصة بحقوق الطفل الذي أصدرتھ الجمعیة العامة للأمم المتحدة في ١٩٨٩ الذي استند على إعلان عام ١٩٢٤ والذي دعا الدول إلى احترام الطفولة وعدم المساس بحقوقهم وتهيأة أجواء مناسبة لكي ینعموا بحیاة سعیدة.

وأوصت الوثیقة بضرورة العنایة بالأطفال وأمھاتھم وان یشملوا بفوائد الضمان الاجتماعي والصحي وان یحصلوا على كمیات كافیة من الغذاء وتهيئة المأوى وتحسین أجواء اللهو واللعب وأرفع مستویات الخدمات الطبیة.

الإصابات الشائعة جراء تشغیل الأطفال

١. إصابة الأطفال بأنواع من الأمراض الجلدیة بسبب التنقل في الأماكن ملوثة (أكوام النفایات).

٢. تعرض الكثیر من الأطفال لضربات شمس جراء عملھم لفترات طویلة خارج البیت وخاصة ممن یعملون في المیدان الزراعي.

3. غالبیة الأطفال یعانون من الضعف الشدید والجفاف بسبب سوء التغذیة والسیر لمسافات طویلة.

٤. إصابة معظم الأطفال بأمراض نفسیة.

5. شیوع الاعتداءات الجنسیة والانحرافات والاضطرابات لدى الأطفال.

٦. استعدادھم أكثر من غیرھم لارتكاب جرائم بحق المجتمع بسبب الشعور بالدونیة وعدم المساواة.

7. أمراض اجتماعیة یتعرضون ألیھا منھا تخلفھم عن الزواج وعدم استعدادھم لبناء آسرة، انحرافات أخرى كثیرة. 

المقترحات والتوصیات لحمایة أطفال العراق

١. أیجاد قاعدة معلومات إحصائیة دقیقة توضح أعداد الأطفال الذین یعملون خارج السن القانوني واھم البؤر الجاذبة والمناطق التي تتواجد فیھا أعداد كبیرة في ضوء الكثافة السكانیة.

٢. دراسة شاملة لأسباب ترك الأطفال للدراسة وانخراطھم في العمل وما ھي العوامل المحفزة لذلك وتبویب تلك الأسباب حسب الأولویات وعوامل الجذب القویة.

٣. تأسیس أطار قانوني من خلال تشریع القوانین للقضاء على عمل الأطفال وأجراء التعدیلات على القوانین العقابیة لتدرج فيها تدابیر قانونیة أشد تتفق مع تصدیق العراق للاتفاقیات والقوانین الدولیة رقم ١٣٨ و ١٨٢ اللتین دخلتا حیز التنفیذ وان یترجم ھذا التعدیل لكي یوفر أسس لإجراء الشكوى والتحقیقات ویوفر التعویض القانوني للضحایا ویفرض العقوبات على المنتهكین للقانون.

٤. دراسة شاملة لأسباب ترك الأطفال للدراسة وانخراطھم في العمل وما ھي العوامل المحفزة لذلك وتبویب تلك الأسباب حسب الأولویات وعوامل الجذب القویة.

٥. اعتماد برامج إعلامیة شاملة توضح خطورة تشغیل الأطفال واستغلالھم والإمراض والإصابات التي یتعرضون اليها والتنبيه لخطورة ھذا الوضع.

٦. وضع برامج زمنیة لاستئصال أسوأ أنواع عمل الأطفال وتوضیح ما تعكسھ التنمیة الاقتصادیة الاجتماعیة والتأھیل والعمل على مساعدة أولیاء أمور الأطفال مادیا وعدم السماح لعودة آخرین إلى سوق العمل.. من خلال الحد من ظاھرة الفقر.

٧. توفیر الخدمات الأساسیة للأطفال وأسرھم واعتبار ذلك من واجبات الدولة وتخصیص میزانیات مناسبة للضمان الاجتماعي والصحي وتحفیز الإعانات الاجتماعیة ورعایة الأمھات العاملات.

٨. تفعیل نظام الحمایة الاجتماعیة لأسر الأطفال وتامین الموارد الكافیة لإعالتھم ومنعھم من التسرب وممارسة العمل خارج البیت ووضع خطط لإشاعة المشاریع التنمویة الخاصة لرفع مستویات الأسر عدیمة الدخل.

9. رعایة الأطفال الفقراء في المدارس من خلال تفعیل مشاریع التغذیة والإعانات والتأھیل ورعایة أمرھم ببرامج تنمویة.

١٠. تبني برامج توعیة شاملة تشارك فیھا أطراف عدیدة منھا الأعلام وكل المنظمات الإنسانیة تؤشر المخاطر التي تواجه الأطفال في حالة زجهم مبكرا في العمل وتنبيه كل الأطراف بضرورة المساھمة بصیغة أو بأخرى للحد من ھذه الممارسات التي تسيء لعالم الطفولة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/تموز/2009 - 4/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م