
شبكة النبأ: من الركائز التي استندت
إليها دعوة السياسين والمحللين العراقيين الى ضرورة توقيع العراق على
الاتفاقية الامنية بين جمهورية العراق والولايات الامريكية المتحدة هي
قضية إخراج العراق من البند السابع الذي وضع هذا البلد أرضا وشعبا
وثروات تحت وصاية ورقابة الامم المتحدة منذ العام 1990.
بمعنى أن توق العراقيين للتحرر من البند المذكور كان سببا من اسباب
اندفاع الحكومة العراقية بهذا الاتجاه، غير أن النتائج التي تمخضت عن
ذلك لا تزال تثبت خطأ هذه الركيزة وعدم إسهامها في إطلاق يد العراق من
عقوبات فرضتها سياسات إندثرت هي وصنّاع قراراتها منذ سنوات مضت.
ولعل الزيارة التي قام بها السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي
مؤخرا الى واشنطن صحبة وفد كبير، تنم عن شعور بالغبن وعدم الايفاء
بالوعود التي قطعها الساسة الامريكيون بشأن إخراج العراق من البند
السابع، وقد ذكرت الانباء بأن السيد المالكي إستطاع أن يحصل على وعد من
الرئيس اوباما بالوقوف الى جانب العراق بخصوص إخراجه من الأسلاك
الشائكة لهذا البند، غير أن الوعود شيء وما حدث أو يحدث او سيحدث على
الارض شيء آخر.
كما أن التداخل الحاصل بين هذه القضية وقضايا أخرى هامة تمت
مناقشتها في زيارة المالكي لواشنطن، يجعل من الصعب فرزها ومعالجتها على
حدة، فالاطراف التي لاترغب بخروج العراق من البند السابع هي بلدان
حليفة لواشنطن أيضا وهنا تكمن حساسية التعامل الامريكي مع هذا الملف،
كما ان التوجه الامريكي للتفاوض مع أجنحة عراقية تنعتها أمركا نفسها بـ
(أطراف المقاومة) يضع مؤشرا واضحا لمحاولات ضغط على طرف دون غيره،
بمعنى أن وسائل الضغط الامريكي لا تنحصر بعدم مساعدة العراق على الخروج
من البند السابع بل هنالك وسائل أخرى ضاغطة من بينها التفاوض السري
والعلني أحيانا مع (اطراف المقاومة) من أجل خلق نوع من الموازنة للنفوذ
الاقليمي الذي يتغلغل بطريقة أو أخرى لصناعة القرار السياسي في العراق.
ولذلك فإن التداخل الحاصل بين ما يريده العراق ممثلا بحكومة المالكي
وبين ما مطلوب منه يمثل عقبة قد يصعب حلها، فأمريكا التي تريد أن توازن
بين صناعة القرار السياسي في العراق من خلال التفاوض المباشر مع (أطراف
المعارضة) لا تزال تتخبط بين التقرب من هذه الاطراف وبين العودة الى
محاصرتها وضربها، وقد انعكس هذا الأمر بدوره على الحكومة العراقية التي
تتأرجح بين الدعوة للمصالحة وتطويرها وترسيخها وبين رفض التصالح مع (
البعثيين) وفقا للدستور العراقي الذي منع مثل هذا التعامل بصورة صريحة،
في هذا الوقت يتفاوض بعض الساسة الامريكيين مع أجنحة (بعثية) كانت
أمريكا نفسها قد جيَّشت الجيوش وأسقطتها وظلت تطاردها الى حين، ولذلك
فإن التفاوض مجددا مع هذه الاجنحة يجعل من الصعب التكهن بطبيعة السياسة
الامريكية وماذا تريد بالضبط.
من هنا ستبدو مسألة المساعدة في إخراج العراق من البند السابع أمرا
خاضعا للمساومات أيضا، فأمريكا التي لا تتردد في التفاوض مع أطراف كانت
قد ضربتها بنفسها، من اجل خلق توازن يحد من التدخل الاقليمي (الايراني)
بالعراق كما تقول، لن تكون جادة بإخراجه من هذا البند وفقا لاجندات
سياسية مرسومة سلفا، بمعنى أن عنصر المساومة سيبقى قائما في هذا المجال
مع ان الجميع يعرف ويتفق على ان أسباب بقاء العراق مقيّدا بقررات أممية
صدرت تباعا قبل ما يقرب من العشرين عاما قد انتفت الآن تماما، إذ لم
يعد هذا البلد يشكل تهديدا لأحد بل انعكست الحالة ليكون هو البلد الذي
يتعرض للتهديد من جميع الدول المحيطة به ناهيك عن التدخل المخابراتي
الذي انتهك حقوقه بصورة لم يسبق لها مثيل، وكأنها عملية إقتصاص من شعب
ليس له يد فيما حدث سابقا أو فيما يحدث الآن!!.
لذلك تشكل زيارة المالكي الاخيرة لواشنطن محاولة لاعادة الامور الى
نصابها، قد تنجح وقد تكون مثل سابقاتها من المحاولات، فبين ضرورة إخراج
العراق من البند السابع ومحاولات المساومة المستمرة في هذه المسألة،
تطفو على السطح نوايا سياسية سابقة وجديدة أجبرتها وقائع الاحداث على
الظهور حاليا لكي يكتشف العراقيون بأنهم مستهدَفون من لدن امريكا نفسها
ومن الدول الاقليمية والمجاورة بل ومن بعض الساسة العراقيين أنفسهم.
أما الحلول الناجعة لمعالجة هذا الوضع المربك والشائك في آن واحد،
فإنها تكمن في استخلاص وتفعيل الرؤية الوطنية المشتركة التي تضع العراق
(أمنا واقتصادا ومصالحا، حاضرا ومستقبلا) في المصاف الاول، ثم تبسط
يدها بعد ذلك للحليف الذي يبحث عن المنافع المشتركة وليست الفردية
فقط؟!. |