في الثالث من شعبان وُلد سِبط النبي الاعظم (ص) فاستبشرت الارض والسماء

اعداد: عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: شمس أشرقت بنور ربها في اول شعبان المعظّم، فأضاءت الكون وبددت الظلام وهزّت عروش الطغاة والمستكبرين، ففي هذا الشهر الكريم كانت ولادة السبط العظيم وفرع شجرة النبوه الامام ابي عبد الله الحسين(ع). 

حيث ولد إمامنا وشيفعنا الحسين ابن امير المؤمنين عليهما السلام، في الثالث من شهر شعبان في العام الثالث من الهجرة بالمدينة، وبذلك أثمرت دوحة النبوة وشجرة الرسالة بالوليد الثاني، فاستبشرت الملائكة بولادته وأشرقت الارض بنوره، وانطلقت أسارير النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) ففرح به فرحا عظيما، فاستلمه بيديه الكريمتين وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، بعدها انطلقت النبرات الحزينة من رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى انفجر بالبكاء وهو يحتضن الحسين ويشمه ويقبله، وعندما سئل عن سبب البكاء قال: (تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم الله لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة) وهكذا عرف الحسين في يوم ميلاده أنه من الشهداء العظماء.

وسماه حسينا في سابع يوم من ولادته بعد أن أنزل هذا الاسم المبارك من قبل الله على النبي، وهو اسم لم يكن لأحد قبله، وعق عنه كبشا وحلق رأسه وقال لأمه: (احلقي رأسه وتصدقي بوزنه فضة كما فعلت بالحسن).

ومن الأمور العجيبة والآيات الباهرة في ولادة الإمام الحسين(عليه السلام) أنه لم يكن بين الحمل بالحسين بعد ولادة الحسن إلا ستة أشهر، فقد حملت به الزهراء لمدة ستة أشهر فقط ولم يولد مولود وبقي حيا لستة أشهر إلا عيسى بن مريم والحسين.

نسبه الشريف:

الحسين بن علي بن أبي طالب ثالث أصحاب الكساء(ع)

والده: سيد الأوصياء ويعسوب الدين علي بن أبي طالب.

والدته: البتول الطاهرة والصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء بنت النبي (صلى الله عليه وآله) وسيدة نساء العالمين.

جده: أشرف وأكمل الكائنات النبي محمد (صلى الله عليه وآله).

صفاته:

كان الإمام الحسين(عليه السلام) أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلم يكن طويلا ولا قصيرا، كث اللحية واسع الصدر عظيم المنكبين رحب الكفين والقدمين، فصفاته قريبة جدا من صفات اخيه الإمام الحسن، وبالجملة كان الحسين في غاية الجمال ما راي أحد قط احسن ولا أملأ للعين منه.

الرسول الأعظم وولادة الحسين:

روى الشيخ الطوسي رحمه الله وغيره بأسانيد معتبرة عن الإمام الرضا عليه السلام انه قال:

قالت أسماء: فلما ولدت فاطمة الحسين عليه السلام نفّستها به فجاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هلمِّ ابني يا أسماء، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام. قالت: وبكى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: انه سيكون لك حديث، اللهم العن قاتله، لا تعلمي فاطمة بذلك، فقالت أسماء: فلما كان في يوم سابعه جاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هلمي ابني فأتيته به، فعق عنه كبشاً أملح وأعطى القابلة الورك ورجلاً، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقاً (فضه)، وخلق رأسه بالخلوق، ثم وضعه في حجره، ثم قال: يا أبا عبد الله عزيز عليَّ (مقتلك)، ثم بكى، فقالت: بأبي أنت وأمي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هو؟ قال: أبكي على ابني تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم الله لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، يقتله رجل يثلم الدين، ويكفر بالله العظيم، ثم قال: اللهم إني أسألك فيهما (الحسن والحسين عليهما السلام) ما سألك إبراهيم في ذريته، اللهم أحبهما وأحب من يحبهما والعن من يبغضهما ملء السماء والأرض.

وروى الشيخ الصدوق وابن قولويه وغيرهما عن الصادق عليه السلام انه قال: ان الحسين بن علي عليه السلام لما ولد أمر الله عز وجل جبرائيل ان يهبط في ألف من الملائكة فيهنيء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الله ومن جبرائيل، قال: فهبط جبرائيل فمر على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له فطرس كان من الجملة (حملة العرش) بعثه الله عز وجل في شيء فأبطأ عليه فكسر جناحه وألقاه في تلك الجزيرة فعبد الله تبارك وتعالى فيها سبعمائة عام، حتى ولد الحسين بن علي عليه السلام، فقال الملك لجبرائيل: يا جبرائيل أين تريد؟ قال: ان الله عز وجل أنعم على محمد بنعمة فبعثت أهنيه من الله ومني، فقال: يا جبرائيل احملني معك لعل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لي، قال: فحمله، فلما دخل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله هنّاه من الله ومنه وأخبره بحال فطرس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قل له تمسح بهذا المولود وعد مكانك، فمسح فطرس (جناحه) بالحسين بن علي عليه السلام وارتفع فقال يا رسول الله أما ان أمتك ستقتله وله عليّ مكافأة الا يزوره زائر إلا أبلغته عنه، ولا يسلم عليه مسلم إلا أبلغته سلامه، ولا يصلي عليه مصل إلا أبلغته صلاته، ثم ارتفع.الامالي للصدوق،

"حسين مني وأنا من حسين"

وروى ابن شهر آشوب انه: اعتلت فاطمة عليها السلام لما ولدت الحسين وجف لبنها، فطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرضعاً فلم يجد فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصها ويجعل الله له في إبهام رسول الله صلى الله عليه وآله رزقاً يغذوه ويقال: بل كان رسول الله يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغر الطير فرخه فيجعل الله في ذلك رزقاً، ففعل ذلك أربعين يوماً وليلة فنبت لحمه من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والروايات بهذا المضمون كثيرة.

من فضائله عليه السلام

لقد اشترك الإمام الحسين مع أخيه الإمام الحسن في الفضائل، فهو: أحد الخمسة الذين نزل فيهم قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). الأحزاب33:

وأحد أهل المودة: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. الشورى: 23

وأحد الثقلين: (إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعرتي اهل بيتي..)

وأحد حديث السفينة: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى)، وهو الذي بكته الملائكة والجن والإنس، بل بكته حتى الكونيات والطيور والحيتان وناح عليه الأنبياء والأوصياء في مقاماتهم.

وللحسين فضائل وخصائص انفرد بها منها:

أن الأئمة الأطهار من نسله.

أن الدعاء تحت قبته مستجاب.

جعل الله الشفاء في تراب قبره الطاهر.

أن الله لا يعد أيام زائريه ذهابا وإيابا من عمرهم.

من بكى عليه غفر الله تعالى له.

كرم الحسين (عليه السلام)

وروى بإسناده المتصّل (أن اعرابياً جاء إلى الحسين بن علي فقال له: يا بن رسول الله انّي قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائها، فقلت في نفسي: اسأل أكرم الناس وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول الله (ص)، فقال الحسين: يا أخا العرب أسألك عن ثلاثة مسائل، فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال، وان أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال، وان أجبت عن الكل اعطيتك المال كله فقال الأعرابي: يا بن رسول الله أمثلك يسأل من مثلي، وأنت من أهل العلم والشرف؟ فقال الحسين: بلى سمعت جدي رسول الله يقول: المعروف بقدر المعرفة، فقال الأعرابي: سل عما بدا لك فإن أجبت، وإلا تعلمت الجواب منك، ولا قوة إلاّ بالله، فقال الحسين أي الأعمال أفضل؟ فقال: الإيمان بالله، قال: فما النجاة من الهلكة؟ قال: الثقة بالله. قال: فما يزين الرجل؟ قال: علم معه حلم، قال: فإن أخطأه ذلك؟ قال: فمال معه مروءة قال: فإن اخطأه ذلك؟ قال: ففقر معه صبر قال فإن أخطأه ذلك؟ قال: فصاعقة تنزل من السماء فتحرقه، فضحك الحسين ورمى بصرّة إليه فيها ألف دينار، وأعطاه خاتمه وفيه قيمته مائتا درهم وقال له: يا أعرابي أعط الذهب لغرمائك واصرف الخاتم في نفقتك، فأخذ الإعرابي ذلك منه ومضى وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته).

عون الضعفاء

وهذه صفة تأتي كالفرع الذي سبقها من سجية الكرم، فإن النفس إذا بلغت رفعتها المأمولة حنَّت على الآخرين حنان السحابة على الأرض والشمس على الكواكب.

 وُجد على كاهله الشريف بعد وقعة الطف أثراً بليغاً كأنه من جرح عدة صوارم متقاربة، وحيث عرف الشاهدون أنه ليس من أثر جرح عاديّ، سألوا علي بن الحسين (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال: (هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين).

ويذكر بهذه المناسبة أيضاً أن مالاً وزّعه معاوية بين الزعماء والوجهاء، فلما فصلت الحمالون تذاكر الجالسون بحضرة معاوية أمر هؤلاء المرسل إليهم الأموال حتى انتهى الحديث إلى الحسين (عليه السلام).

فقال معاوية: وأما الحسين فيبدأ بأيتام مَن قُتل مع أبيه بصفيِّن، فإن بقي شيء نحر به الجزر وسقى به اللبن

ومعاوية كان من ألدِّ أعداء الحسين (ع) ولكنه يضطر الآن إلى أن يعترف بكرمه وسخائه، حيث لا يجد دون ذلك مهرباً.

وإلى هذا المدى البعيد يبلغ الحسين (ع) في الكرم، حتى لَيقف عدوّه الكذاب الذي لم يترك أحداً من الزعماء الأبرياء، إلاَّ وكاد له بتهمةٍ ووصمه بها وصمة.. حتى أن عليّاً سيد الصالحين، والحسن الزكي الأمين، فإن معاوية هذا يقف على منبرٍ يشيد بهما وبسجاياهما المباركة.

 وقال (ع) يرغب الناس في الجود:

إذا جادت الدنيا عليك فجُدْ بها        على الناس طرّاً، قبل أن تتفلتِ

فما الجود يفنيه إذا هي أقبلت         وما البخل يبقيها إذا هي ولتِ

وفعلاً كان الحسين (ع) العامل قبل أن يكون القائل، وسأتلو عليكم هذه القصة: دخل عليه السلام على أسامة بن زيد وهو على فراش المرض يقول: واغمَّاه، فقال: (وما غمَّك يا أخي؟) قال: دَيني وهو ستون ألف درهم. فقال: (هو عَلَي) قال: إني أخشى أن أموت قبل أن يُقضى، قال: (لن تموت حتى أقضيها عنك، فقضاها قبل موته).

والحديث عن الامام الحسين (ع) يطول ويتشعب فهو مَن مَلكَ الدنيا وأنقذ العباد ورسخ الدين فهنيئ لنا يوم ولادته المباركة وجعلنا وأياكم من خدمته وممن ينالون شفاعته يوم الورود...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 26/تموز/2009 - 3/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م