ذَهَبَتْ لزيارة مدينة الإمام الحسين (ع) كربلاء المقدسة مع
العائلة.
هي لم تزرها من قبل، كانت المرة الاولى عندما اختارتها الجدة كي
تكون ضمن قافلة الزائرين الذين أعدوا العدة منذ وقت لهذه الرحلة
الإيمانية الروحية الاستجمامية.
مشاعرها كانت تشبه فرحة العيد حين أخبروها بالنبأ السعيد، فلطالما
حلمت بأن يأتي اليوم الذي تذهب فيه مع العائلة لزيارة العتبات المقدسة،
لقد سمعت من أقرانها بنات الجيران وقريباتها عن سحر مدينة الحسين
الجميلة المحاطة ببساتين الحمضيات وأسوار النخيل الفارعة وبأجوائها
وألوانها وعطرها ونورها الحسيني العباسي الذي يسلب الألباب بالأخص أيام
المناسبات الدينية وولادات أهل البيت عليهم السلام.
وصلت العائلة الى المدينة المقدسة عند المساء .. كان هذا في غرة
شهر شعبان المبارك، وقد تهيأ أهل المدينة الطيبون لاستقبال قوافل
الزائرين الذين قدموا من كل مكان، من داخل الوطن الحبيب وخارجه، جاءوا
يحملون التهاني والأماني لصاحب العصر والزمان (عج) بالمناسبة العطرة.
نظرت البنت الجنوبية (زينب) ذات الربيع الثالث عشر، من نافذة
السيارة والسرور يملأ قلبها البض المتشوق لمقامات آل رسول الله (ص) وقد
لاحت المنائر الشامخات للحضرتين الحسينية والعباسية، والأنوار تنبعث
منها الى عنان السماء.
الأجواء أجواء فرح رسول الله محمد (ص) بولادة السبط الحسين (ع)،
انه يوم بشرى النبي والبضعة الطاهرة فاطمة وصهره علي (ع).
لبست المدينة المقدسة جلباب سعادتها وتزينت بأجمل حليها لتحتضن
صاحب هذه الذكرى سفينة النجاة المحمدية وسيد شباب أهل الجنة الذي بكاه
جده وهو بلفافته يضمه إليه ويقبل موضع النحر الشريف منه.
توقفت السيارة وترجل الجميع و اتجهت العائلة نحو المرقد الحسيني
الشريف.
كانت زينب تمشي وهي منتشية عيناها ترنو نحو القباب الذهبية والفرح
يغمر فؤادها المتسارع الدقات، يا الله ها أنا ذا أدنوا من باب الصحن
الشريف .. لقد تحقق حلمي وجئتك زائرة يا ابن البتول الطاهرة .. جئتكِ
يا كربلاء والشوق قد سبقني إليك .. أنت كما أنت روضة من رياض الجنة.
انهمر الدمع من عيناها بلا استئذان وهي تسرق النظرات هنا وهناك
لمدينة شهد طفّها أعظم ملحمة عرفها التاريخ .. ملحمة انتصار الدم على
السيف.. المظلوم على الظالم..القيم على الهدم.. الصبر على الجزع
والخنوع... و الكرامة على العبودية والهوان.
خيّل لها أنها في مسرح الحدث، حيث قصص الأطياب والأصحاب الذين
ذابوا حباّ بريحانة النبي (ص).. تناهى الى سمعها صوت الشهيد (عابس بن
شبيب الشاكري) مرددا "حب الحسين اجنّني"، فأسرعت الخطى لتلحق بركب
العاشقين وترتمي على أعتاب باب الجنة، تنهل من نعيمها.
رأت زينب الناس والبشر يعلو محياهم في يوم ولادة حفيد المصطفى وهم
ينشدون: "هذا اسمك حسين ساكن قلوبنا" .. "واحنا المحبين وانت محبوبنا"
.. "عنوانك ورقم السكن ساكن قلوبنا" .. عنوانك ورقم السكن ساكن
قلوبنا.. فبادلتهم بدورها ذلك العشق الحسيني المؤبد.
تنويه: الأبيات الشعرية لشاعر أهل البيت المبدع جابر الكاظمي. |