المغرب بين فكي الطبقة الوسطى والإرهاب

الإنتخابات وتغيير إستراتيجية مكافحة الإرهاب أبرز تداعيات المرحلة الراهنة

 

شبكة النبأ: في المغرب تتداخل الأحداث وتتغير المعادلات تبعاً لما يحصل من تطورات سياسية وأمنية، فبينما يحاول الإسلاميون أن يمدوا نفوذهم في بلدات رئيسية، غير المغرب إسلوب مكافحته للإرهاب في وقت شارك أكثر من سبعة ملايين ناخب في الاقتراع البلدي بيد أن الحكومة فقدت أغلبيتها البرلمانية والأسباب كثيرة لهذا الفقدان من أبرزها أن نصف سكان المغرب ينتمون الى الطبقة الوسطى.

أسلوبه جديد في مكافحة الارهاب

المغرب حولت أسلوبها في مكافحة الإرهاب من أسلوب الاعتقالات الجماعية الى المراقبة المُشددة في إطار مكافحته للمتشددين الاسلاميين ويأمل في أن تؤدي حملة جديدة لتعزيز سلطة أئمة المساجد الذين تعينهم الدولة الى الحد من التأييد الشعبي للجهاديين.

ومع وصول المتشددين لأعداد أكبر من المشاهدين عبر أقراص الفيديو المدمجة (دي.في. دي) والانترنت سعت الحكومة لهذه المبادرة بمراجعة القوانين التي تحكم المساجد وإضافة المزيد من المجالس الدينية لتشديد الرقابة على الحياة الدينية في الاقاليم.حسب رويترز

وتستعد الدولة حاليا لإرسال 1500 مراقب للقرى والمدن لضمان التزام الأئمة بنهج إسلامي معتدل واحترامهم للملك محمد السادس كزعيم لمسلمي المغرب.

وكانت هجمات انتحارية في مايو آيار عام 2003 قد قتلت 45 شخصا وهزت سمعة المغرب كبلد ينعم بالاستقرار والتي كانت قد ساعدت البلاد على اجتذاب أعداد متزايدة من السياح ومستوى قياسي من الاستثمارات الاجنبية. وشهدت الحملة الأمنية النشطة اغلاق مساجد غير مصرح لها بالعمل واعتقال أكثر من ثلاثة آلاف شخص في اتهامات تتعلق بالارهاب.

وقال المحلل السياسي المغربي محمد دريف أجهزة الامن ربما لم تكن مستعدة وهو ما يفسر اعتقال الالوف  والآن بدأوا يتقنوا التعامل مع الوضع ولا يلجأون لاعتقال أي شخص.

ومازال نحو ثلث الذين اعتقلوا منذ 2003 في السجون وتقول الجماعات المدافعة عن الاسلاميين ان العديد منهم يحتجزون بناء على أدلة واهية بعد أن أجبروا على التوقيع على اعترافات كاذبة وهو ما تنفيه الحكومة.

ويقول خبراء أمنيون ان السلطات أصبحت تحكم قبضتها بشكل أفضل على الوضع بعد أن جمعت قاعدة معلومات عن الاسلاميين الذين يشكلون مخاطر محتملة وتمكنت من التسلل الى داخل بعض الشبكات لمنع الهجمات قبل وقوعها.

ويقول خبراء أمنيون أوروبيون ان الحكومات الاوروبية تحرص على مبادلة المعلومات مع المغرب خوفا من ان يستخدم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي ومقره الجزائر المملكة كقاعدة انطلاق لشن هجمات في أوروبا. ويبدو أن أعمال الاستخبارات قد تطورت فلم يعد يعلن عن اعتقالات بالكثافة السابقة وأعداد المشتبه فيهم بدأت تقل.

وأدين اثنان في اسبانيا في تفجيرات قطارات في ضواحي مدريد قتل فيها 191 شخصا وجرح 1857 في مارس اذار عام 2004. وأدانت محكمة في المغرب مُهرب مخدرات في ديسمبر كانون الثاني فيما يتعلق بهذه الهجمات.

ويقول المحللون ان مسؤولي المخابرات الاسبانية يشعرون بقلق متزايد بشأن إقامة معسكرات تدريب لتنظيم القاعدة في عمق الصحراء في دول مثل مالي وموريتانيا. وفي الشهر الماضي اعتقلت الشرطة المغربية خمسة أعضاء فيما يشتبه انها خلية ارهابية كانت تنشط كذلك في اسبانيا حسب مصادر أمنية.

وقال بيتر نيومان المدير بمركز الدراسات الدفاعية في كلية كينجز في لندن  هناك اشتباه في أن أغلب عمليات التهريب تتم عبر المغرب والعديد من الاشخاص المهمين في تسهيل هذه الأعمال يقيمون في المغرب.

وفي العام الماضي أبلغ الشيخ محمد المغراوي وهو شخصية دينية بارزة مدعومة ماليا من السعودية أتباعه أنه بالامكان تزويج البنات في سن التاسعة.

وفُسرت تعليقاته على انها فتوى وأدانتها وسائل الاعلام وجماعات حقوق الانسان. وأمرت الحكومة باغلاق عشرات مدارس تعليم القرآن المرتبطة بالمغراوي. وفي المغرب لا يصدر الفتاوى سوى المجلس الأعلى للعلماء. ويقول مسؤولون حكوميون ان مكافحة الارهاب ليست هي الهدف الرئيسي لبرنامج تدريب الأئمة.

ويقولون ان الهدف هو ضمان أن يكون لدى الأئمة المهارات المطلوبة للقيام بعملهم مواكبين الاصلاحات التي تهدف الى تحديث البلاد والتي ينتهجها الملك محمد السادس منذ توليه العرش في عام 1999.

الاقتراع البلدي

من جهته أعلن وزير الداخلية المغربي شكيب بنموسى ان نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية في المغرب بلغت 51 بالمئة، مسجلة بذلك تراجعا طفيفا عن الاقتراع السابق الذي جرى في 2003 حيث كانت 54%.

وقال الوزير المغربي ان حوالى 6,8 ملايين مغربي من اصل 13 مليون و360 الفا مسجلين، صوتوا في الانتخابات.

الا ان هذه النسبة اكبر بكثير من تلك التي سجلت في الانتخابات التشريعية التي جرت في 2007 وبلغت 37%.

وكان الناخبون المغاربة صوتوا لاختيار نحو 28 الف مستشار بلدي في اقتراع تخصص فيه للمرة الاولى 12 في المئة من المقاعد للنساء.حسب فرانس برس

وادلى الناخبون باصواتهم في 38250 مركزا للاقتراع في كل انحاء المملكة بما في ذلك "الاقاليم الجنوبية" (الصحراء الغربية).

ودعي حوالى 13 مليون ناخب للادلاء باصواتهم في الانتخابات. والتصويت متاح لكل مغربي يبلغ 18 عاما.

ولم تكشف اي ارقام تدل على توجه الناخبين.

وقال جان شارل بريزار احد المراقبين الفرنسيين في منطقة مكناس (حوالى 150 كلم شرق الرباط) ان تدفق الناخبين على الاقتراع كان اكبر في الارياف مما هو في المدن.

واضاف هذا المراقب الذي يزور المغرب بدعوة من المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، لوكالة فرانس برس ان وجود النساء (في مراكز التصويت) مهم.

وتنافس 130 الفا و223 مرشحا من ثلاثين حزبا سياسيا في هذه الانتخابات التي تجري وفق نظام مزدوج يعتمد الاقتراع الاحادي في البلدات الصغيرة ونظام اللائحة (النسبي) في المدن التي يسكنها اكثر من 35 الف نسمة.وسيتم انتخاب 27795 مستشارا بلديا لمدة ست سنوات في الف و503 بلديات في المملكة.

وبلغ عدد المرشحات عشرين الفا و458 (15,7% من المجموع) مقابل 4,8% في 2003 حين لم تحصلن الا على 0,54 بالمئة من المقاعد.

ضغط على الحكومة

من جهتهم قال زعماء حزب جديد موال للملك محمد السادس عاهل المغرب انهم يعتزمون تصعيد المعارضة للحكومة الائتلافية بعد إجراء الانتخابات المحلية. وخسرت الحكومة أغلبيتها البرلمانية الشهر الماضي حين سحب حزب الأصالة والمعاصرة الذي يضم أنصار الملك دعمه. وبات نواب الحزب وعددهم 46 في المعارضة الآن لكن أحد زعمائه ما زال يشغل منصب وزير التعليم.

وتسعى الحكومة الآن الى الحفاظ على استمرارها بعد أن قال الملك الذي يتمتع بسلطات واسعة ان عليها مواصلة أداء مهامها التي تتضمن تنظيم انتخابات.حسب رويترز

ويقول محللون ان حزب الأصالة والمعاصرة يرى فرصة لبناء الدعم بين الناخبين حيث ينظر الى الحكومة على نطاق واسع على أنها ضعيفة ولا تتمتع بشعبية.

ويرى محللون سياسيون أنه دون دعم الحزب في مجلس النواب الذي يبلغ عدد مقاعده 325 ستسقط الحكومة في ديسمبر كانون الاول حين تواجه أول اختبار للثقة حيث تفتقر الى الأصوات اللازمة لإقرار مشروع الميزانية.

ويقول فؤاد عالي الهمة وهو صديق مقرب للملك ومسؤول أمني كبير سابق لن نتهاون في معارضتنا للحكومة. سنواصل ضربها. وينظر الى حزب الاصالة والمعاصرة على نطاق واسع على أنه من أفكار عالي الهمة.

ويشير محللون الى أن النجاح في الانتخابات ربما يشجع حزب الاصالة والمعاصرة على التواصل مع أحزاب من بينها حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعتدل وهو ثاني اكبر حزب في البرلمان لزيادة الضغط على الحكومة واسقاطها في نهاية المطاف.

وقال الامين العام لحزب الاصالة والمعاصرة محمد الشيخ بيد الله لرويترز "هدفنا هو نفس هدف المعارضة في فرنسا أو ايطاليا أو البرتغال. قررنا أن نكون معارضة ذكية وبناءة."

وسُئل ان كان الحزب سيسعى الى إسقاط الحكومة في البرلمان في الاشهر القادمة فقال هذا الاسبوع لا استطيع الاجابة عن ذلك الان. المجلس الوطني المختص بوضع سياسات الحزب سيجتمع بعد الانتخابات ويقرر هذا. وتوجه انتقادات متكررة للحكومة ورئيس الوزراء عباس الفاسي لفشلهما في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للمغرب بما في ذلك البطالة المنتشرة بين الشبان من خريجي الجامعات ونقص الخدمات اللائقة في المدن.

وكتب المحلل السياسي توفيق بوعشرين في مقال ان السبب الرئيسي لسلبية الناخبين اليوم هو وجود حكومة ورئيس للوزراء ليس لهما ثقل سياسي أو برنامج سياسي مضيفا انهما لا يتمتعان إلا بثقة الملك.

ووصف مُعلق آخر الحكومة بأنها عقاب جماعي للشعب المغربي بعد تدني نسبة إقبال الناخبين الى مستوى قياسي بلغ 37 في المئة في الانتخابات التشريعية عام 2007.

الحكومة المغربية تفقد أغلبيتها البرلمانية

من جهته أعلن حزب مغربي انسحابه من الائتلاف الحاكم لتفقد الحكومة أغلبيتها البرلمانية فيما يثير تساؤلات بشأن قدرتها على البقاء في السلطة. وقال مسؤول كبير ان الحكومة يمكن أن تبقى في السلطة بدون أغلبية برلمانية الى أن يتدخل العاهل المغربي الملك محمد السادس أو يخسر وزراء تصويتا رئيسيا في البرلمان.

وقال حزب الاصالة والمعاصرة الذي يضم مؤيدين للملك محمد السادس انه سينضم الى المعارضة. ويملك الحزب 46 مقعدا بالبرلمان المكون من 325 مقعدا. ويتولى أحد زعماء الحزب حتى الان منصب وزير التعليم.

ويأتي الانسحاب في أعقاب تصاعد الانتقادات بشأن كيفية استجابة الوزراء للتباطؤ الاقتصادي العالمي الذي أضر بمصادر حيوية للايرادات بينها السياحة وتحويلات العاملين بالخارج.حسب رويترز

وقال الامين العام للحزب محمد الشيخ بيد الله في بيان ان المكتب التنفيذي الوطني أعلن يوم قراره بسحب مساندة الحزب للاغلبية الحكومية الحالية.

وزعم الحزب في السابق أن الحكومة تتدخل في الانتخابات المحلية المقررة الشهر القادم. وقال بيد الله في البيان ان الحزب سجل المواقف السلبية لعدد من أعضاء الجهاز التنفيذي اتجاه برلماني الحزب وتسخير العمل الحكومي لخدمة مصالح حزبية معينة دون غيرها.

واضاف أن الحزب استخلص أن هذه التصرفات تنم عن رغبة واضحة لدى بعض الفرق داخل الاغلبية لمناهضة الحزب وتهميش دوره ودور منتخبيه. وتابع أن قرار الانسحاب من الائتلاف الحاكم جاء "بعد غياب أي جواب عن المراسلات الموجهة الى الوزير الاول ووزير العدل والداخلية في الموضوع والتي نبه فيها الحزب الى ما قد يترتب عن التمادي في استهداف الحزب من نتائج سلبية على تماسك الاغلبية الحكومية".

نصف سكان المغرب من الطبقة الوسطى

من جانب آخر أفادت احصائيات رسمية أن الطبقة الوسطى في المغرب تشكل 53 في المائة من مجموع السكان مقابل 34 في المائة للطبقة الفقيرة و13 في المائة من الطبقة الميسورة.

وجاء في دراسة نشرتها المديرية السامية للتخطيط المغربية ان الطبقة الوسطى المغربية تضم 16.3 مليون نسمة 63 في المائة منهم بالوسط الحضري. وخلصت الدراسة الى أن الفئات الاجتماعية المهنية "ذات مستوى تكوين وتأهيل متوسط هي التي تساهم بشكل أكبر في توسيع الطبقات الوسطى.حسب رويترز

لكن الفوراق على مستوى دخلها وظروف معيشتها على حد سواء تساهم في عدم تجانس هذه الطبقة من حيث مكوناتها الاجتماعية والمهنية.

ومن ناحية الدخل أفادت الدراسة أن 28 في المائة من الطبقة الوسطى يفوق دخلها المتوسط 5308 دراهم (نحو 638 دولارا) بينما 42 في المائة يفوق دخلها 3500 درهم و30 في المائة يقل دخلها عن هذا المبلغ.

وقال أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط في تقديمه للدراسة انها أنجزت حول الدخل ومستوى المعيشة للعام 2007 وأنجزت على 7062 أسرة كعينة.

وتتوزع الطبقة الوسطى من حيث النشاط الاقتصادي والاجتماعي الى 48 في المائة من النشطين و8.2 من العاطلين و43.7 في المائة من غير النشطين يتكونون من ربات البيوت والطلبة والمتقاعدين والمسنين.

وكان العاهل المغربي محمد السادس قد دعا في خطبة ألقاها في يوليو تموز الماضي الى ضرورة أن يكون الهدف الاستراتيجي لكافة السياسات العمومية هو توسيع الطبقة الوسطى لتشكل القاعدة العريضة وعماد الاستقرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/تموز/2009 - 2/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م