القرضاوي ينسخ ما قبله

مهندس محمود جلال خليل

لا يترك الشيخ القرضاوي فرصة شاردة ولا واردة الا واقتنصها لوخز الشيعة والتشكيك في عقيدتهم ومذهبهم حتى لو ذهب في ذلك الى طمس تراث شيوخه وأساتذته الذين تتلمذ على ايديهم في الازهر الشريف , فقد نفى فضيلته نفيا قاطعا أن يكون هناك فتوى للشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، تبيح التعبد على المذهب الجعفري.

 وكان هذا قبل ايام خلال لقاء بين الشيخ وشباب حاضرين في دورة " علماء المستقبل " التي نظمها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في القاهرة , فعقب إلقائه محاضرة في هذه الدورة سأله أحد الصحفيين الحاضرين حول إذا ما كان فضيلة الشيخ محمود شلتوت - رحمه الله - قد أصدر فتوى  بجواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة والمعروفة والمتبعة، ومنها مذهب الشيعة الإمامية (المذهب الجعفري) !!  فبادره الشيخ : أنا أقول لك : هات لي الفتوى دي في أي كتاب من كتبه.. أنا لم أر هذه الفتوى.. أي واحد منكم يقول إني شفتها في كتاب كذا أو مجلة كذا...!

ولو أن هذه الإجابة كانت لرجل آخر غير الشيخ لمر الموضوع علينا مرور الكرام وما عقبنا وذلك لأن الشيخ القرضاوي نفسه يقول في كتابه (مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الاسلامية) عن المذهب الجعفري الذي هو مذهب الشيعة الاثنى عشرية (.. ولذا كانت ثمرة هذا كله: الفقه الجعفري بما فيه من استنباط واختلاف، وهو لا يفترق في مجموعه عن الفقه السني، إلا كما تختلف مذاهب السنة بعضها مع بعض).

ثانيا : إن فتوى الشيخ محمود شلتوت بلغت من الذيوع والانتشار درجة تجاوزت معها مجال التشكيك فيها والطعن في صحتها , فقد نشرتها مجلة رسالة الاسلام الصادرة عن دار التقريب بين المذاهب الاسلامية , القاهرة , في العدد الثالث للسنة الحادية عشرة في المحرم سنة 1379 هـ , يوليو سنة 1959م تحت اسم (وثيقة فتوى شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمود شلتوت بجواز التعبد بمذهب الشيعة الاثني عشرية) وتوجد أيضا في مجلة الأزهر, الجزء الثاني , المجلد الحادي والثلاثون , صفر سنة 1379 هـ , أغسطس سنة 1959 م تحت نفس العنوان.

ثالثا : تناول هذه الفتوى بالشرح والتحليل غير واحد من العلماء والمفكرين وفقهاء المسلمين الأعلام مثل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله , فيقول في مقال له في مجلة رسالة الإسلام الصادرة عن دار التقريب في العدد (44) عن الفتوى المشار إليها يقول : جاءنى رجل من العوام مغضبا، يتسائل: كيف أصدر شيخ الأزهر فتواه بأن الشيعة مذهب إسلامى كسائر المذاهب المعروفة؟ فقلت للرجل: ماذا تعرف عن الشيعة؟ فسكت قليلا ثم أجاب: ناس على غير ديننا!، فقلت له: لكنى رأيتهم يصلون ويصومون كما نصلى ونصوم!! فعجب الرجل، وقال: كيف هذا؟: قلت له والأغرب أنهم يقرءون القرآن مثلنا، ويعظمون الرسول، ويحجون إلى البيت الحرام..!!

قال: لقد بلغنى أن لهم قرآنا آخر، وأنهم يذهبون إلى الكعبة كي يحقروها فنظرت للرحل راثيا. وقلت له: أنت معذور؟ إن بعضنا يشيع عن البعض الآخر ما يحاول به هدمه وجرح كرامته, كأننا أمم متعادية لا أمة واحدة. فعلينا نحن ـ حملة الإسلام ـ أن نصحح الأوضاع وأن نزيل الأوهام. وأعتقد أن فتوى الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شوط واسع فى هذه السبيل. وهى استئناف لجهد المخلصين من أهل السلطة وأهل العلم جميعا، وتكذيب لما يتوقعه المستشرقون من أن الأحقاد سوف تأكل هذه الأمة قبل أن تلتقى صفوفها تحت راية واحدة وهذه الفتوى فى نظرى بداية الطريق، وأول العمل.

كذلك الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه (كلنا أخوة شيعة وسنة) يقول: سألت الشيخ شلتوت يوما: هل قرأت يا مولانا ما كتبه صاحب كتاب (الخطوط العريضة) عن الشيعة؟؟

ابتسم الشيخ و لم يتكلم!!

وحين أعدت عليه السؤال أخرج من مكتبه ورقة ثم قال ستجد في هذه الورقة إجابتي على هذا السؤال!!.

كانت هذه الورقة صورة من الفتوى التي أصدرها بجواز التعبد على مذهب الشيعة الإمامية ونص الفتوى كما جاء في أقوال الإمام الأكبر:

فتوى شيخ الأزهر محمود شلتوت:

1- أن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين بل نقول أن لكل مسلم الحق في أن يقلد- بادئ ذي بدء- أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة ولمن قلد مذهبا من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره أي مذهب كان ولا حرج عليه في شيء من ذلك.

2- أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة).

فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذهب معين فما كان دين الله وما كانت شريعته لمذهب أو مقصورة على مذهب فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى ويجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرونهم في فقههم ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.

وما قاله القرضاوي ليس بغريب ولا جديد بل وللحق لا نتوقع منه الا هذا كأنه يريد لبحور الدم التي تجري على أرض العراق ان تسيل وتتفرع على البلدان المجاورة فلا تبقى مدينة ولا قرية الا دخلتها هذه الفتنة , وناهيك عن انكاره للفتوى فان ما كتبه بخط يده في كتابه مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الاسلامية عن الشيعة كان أوضح وأجلى من ذلك فقال (... ولذا كانت ثمرة هذا كله: الفقه الجعفري بما فيه من استنباط واختلاف، وهو لا يفترق في مجموعه عن الفقه السني، إلا كما تختلف مذاهب السنة بعضها مع بعض).

وايضا الدكتور محمد عمارة في كتابه عن الشيخ محمود شلتوت حيث يقول :....وكانت فتواه الشهيرة بجواز التعبد على فقه المذهب الجعفري، كواحد من المذاهب الفقهية الثمانية الموثقة - المالكي، والشافعي، والحنفي، والحنبلي، والجعفري، والزيدي، والإباضي، والظاهري - من إنجازاته المتميزة في ميدان التقريب بين السنة والشيعة… وترتب على ذلك احتضان الأزهر الشريف - وهو أقدم وأعرق وأكبر جامعات العالم الإسلامي - جميع هذه المذاهب، في التدريس والإفتاء.

لكن الشيخ القرضاوي يقول في كتابه (القرضاوي سيرة وتاريخ : أنا عايشت الشيخ شلتوت عدة سنوات، وكنت من أقرب الناس إليه، ما رأيته قال هذا.. أين كتبها؟ وفي أي كتاب من كتبه؟ أنا أخرجت كتب الشيخ شلتوت الأربعة الأساسية.. كتاب الإسلام عقيدة وشريعة، وكتاب فتاوى الشيخ شلتوت، والأجزاء العشرة الأولى في كتاب التفسير، وكتاب من توجيهات الإسلام، وكانت هذه ضائعة في الصحف والمجلات والإذاعة، فجمعت هذه الأشياء أنا زميلي الأخ أحمد العسال".

وبداية فالشيخ شلتوت له اكثر من الكتب الاربع التي ذكر الشيخ وله عدة مؤلفات هامة تحظى بالانتشار الواسع فى شتى أنحاء العالم العربى والاسلامى ولا تزال حتى الآن يرجع اليها الباحثون منها فقه القرآن والسنة و مقارنة المذاهب ويسألونك وهى إجابات عن أسئلة فى موضوعات شتى ومنهج القرآن فى بناء المجتمع والمسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية والقرآن والقتال والقرآن والمرأة وتنظيم العلاقات الدولية فى الإسلام والإسلام والوجود الدولى وتنظيم النسل ورسالة الأزهر وإلى القرآن الكريم والإسلام عقيدة و شريعة  ومن توجيهات الإسلام و الفتاوى وتفسير القرآن الكريم العشرة أجزاء الأولى , وقد نال الشيخ محمود شلتوت ألوانا من التكريم من مختلف الدول التى زارها فقد منحته جامعة شيلى درجة الزمالة تقديرا لجهوده فى خدمة العلم ونال وسام النبيلين من ملك المغرب والدكتوراه الفخرية من الجامعة الإسلامية الحكومية بجاكرتا باندونيسيا.

وكانت الرسالة التي قدمها الشيخ شلتوت لمؤتمر القانوني الدولي المقارن الذي عقد بلاهاي سنة 1937م , ـ في دورته الثانية ـ وكان هذا المؤتمر ـ في دورته الأولى ـ قد قرر اعتماد الشريعة الإسلامية نظامًا قانونيًا أصيلاً ومستقلاً , ورأس الوفد المصري في هذا المؤتمر فقيه الشريعة والقانون الدكتور عبد الرازق السنهوري باشا ورشح شيخ الأزهر الإمام محمد مصطفى المراغي الشيخ محمود شلتوت ممثلاً للأزهر في هذا المؤتمر القانوني الدولي , وقدم الشيخ شلتوت لأعمال هذا المؤتمر دراسة شاهدة على تميزه وامتياز الشريعة الإسلامية في الفقه والقانون، عنوانها : "المسئولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية" كانت محل اهتمام وتقدير من ممثلي المنظومات القانونية العالمية، الذين حضروا هذا المؤتمر الكبير, ونال بها عضوية "هيئة كبار العلماء" بالأزهر الشريف.. والتي كانت أعلى هيئة علمية إسلامية في العالم الإسلامي بذلك التاريخ , وكان أصغر هؤلاء الأعضاء سنًا

ولقد كان الشيخ شلتوت متميزًا وممتازًا بين أقرانه العلماء.. فهو من نجباء مدرسة الإحياء والتجديد التي كان الإمام محمد عبده أستاذها ورائدها.. كما كان الساعد الأيمن للشيخ المراغي في مشروعه لتجديد الأزهر وتطوير مناهجه..

لكن الشيخ القرضاوي يرى أن له الحق في أن يمحو ما يشاء ويثبت من تراث الشيخ محمود شلتوت معتمدا على مانسبه الى الشيخ شلتوت في كتابه (القرضاوي سيرة وتاريخ) حيث يقول في الفصل الثاني : (كنا نراجع الشيخ شلتوت في بعض الفقرات التي تكون لنا عليها ملاحظة فيقرنا عليها وأحيانا يوكلني بإتمام ما أراه ناقصا وكان الأخ العسال كلما مر على هذه الفقرة ونحوها يقول: هذه قرضاوية, فأقول قد أصبحت بإقرار الشيخ شلتوتية).

لكنك لا تجد اشارة ولو من بعيد الى هذه الجهود التي بذلها الشيخ القرضاوي والشيخ العسال في جمع تراث الشيخ شلتوت الذي حددوه باربع كتب  , يقول القرضاوي :

(لقد نوّه الأستاذ الدكتور محمد البهي بما قمنا به ـ أنا والعسال ـ من جهد في تجميع هذه الكتب وتنسيقها حتى خرجت للناس بصورتها المشرقة مبوبة مفهرسة , وكان هذا التنويه في الطبعة الأولى لهذه الكتب، فلما اختلف الدكتور البهي مع الشيخ شلتوت بعد ذلك، وخصوصا بعد أن صار وزيرا للأوقاف، أمر الشيخ بحذف مقدمات الدكتور البهي من جميع كتبه، وهذه المقدمات هي الشهادة الوحيدة التي سجلت جهدنا العلمي في خدمة تراث الشيخ، فلم يعد لجهدنا هذا أي ذكر في أي طبعة من الطبعات. وأعتقد أن من العدل والإنصاف ومعرفة الفضل لأهله: أن يذكر هذا على غلاف هذه الكتب، أو في مقدماتها على الأقل).

وإذا كان الشيخ شلتوت قد اقر القرضاوي على بعض اشاراته وملاحظاته فعدّل بعض منها حسب رؤيته وعلى حد قوله من شلتوتية الى قرضاوية فهل هذا يعطيه الحق في اجراء عملية إحلال وتبديل لتراث الشيخ شلتوت وتحويله الى قرضاويات؟ وكيف لنا أن نفرق بين الشلتوتية والقرضاوية ومعها الطحاوية والنسفية والنووية وما استجد بعدهم؟

لقد تسبب الشيخ القرضاوي قبل شهور في أزمة عنيفة عمت البلاد الاسلامية بحديث له الى صحيفة المصري اليوم اتهم فيه الشيعة بأنهم مبتدعون وأنهم خطر على البلاد السنية وإن خطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني وأن كثير منهم يقولون أن القرآن الموجود هو كلام الله ولكن ينقصه بعض الاشياء , ومن ثم فهو يدعو كل علماء السنة للتكاتف في مواجهة هذا الغزو , رغم أنه في كتاب سابق له طبعه سنة 2006 هو (مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الاسلامية) قال فيه بالحرف الواحد(وقد بينا أن الشيعة جميعا يؤمنون بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله المحفوظ المعجز الملزم للأمة، ولهذا يحفظون هذا القرآن، ويتعبدون بتلاوته، ويحتجون به في مسائل العقيدة، وفروع الأحكام، وهذا مجمع عليه عندهم. ولم نجد لهم مصحفا يخالف مصحفنا، والمصحف الذي يطبع في إيران هو نفس المصحف الذي يطبع في مصر والسعودية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تموز/2009 - 30/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م