الانسان وحاجته الدائمة للسلام العالمي

قبسات من فكر الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يتفق المعنيون من مصلحين وعلماء وغيرهم على أن السلام يشكل مطلبا إنسانيا عالميا، كما أنه يُعدّ إحدى السجايا التي تنشأ مع نشوء الانسان فتدفعه للبحث الدائم عن السلام سواء في إسلوب العيش او السلوك او العمل وما شابه، وقد أعطى الاسلام أهمية خاصة لهذا الركن الحياتي الهام وطرح في تعاليمه الكثير من الرؤى والتأكيدات على أهمية الجنوح الى السلم واعتباره منهجا أساسيا للحياة.

بخلاف الحرب التي لن تكون سوى عنصر طارئ قد يفرض نفسه على الامم والشعوب في حالات الدفاع عن النفس وتحاشي الخطر حيث يتوجب على الانسان أن يقارع الخطر الذي قد تتعرض له الانفس والاموال والارض والمقدسات والثوابت الاخرى، لكن السلام هو ركن الحياة الثابت وهو الاقرب لطبائع الانسان وسجاياه وهو ما حثّ عليه الاسلام في القرآن الكريم وتوجيهات الأنبياء والأولياء والمصلحين بشكل عام.

ولعل الجانب الأهم الذي تطرحه الرؤية الاسلامية لطبيعة السلام ومسؤولية إشاعته بين بني البشر تتوضح في المبدأ الاسلامي الذي ينص على أن (السلام مسؤولية الجميع) إذ يقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله في كتابه النفيس الذي يحمل عنوان (السلم والسلام):

(إن الإنسان ليس مأموراً بحفظ نفسه وسلمها وسلامها فقط، بل مأمور بحفظ غيره وسلمه وسلامه أيضاً، فلو سمع مسلم من ينادي: يا للمسلمين، فلم يجبه فليس بمسلم، كما قال رسول اللـه –ص: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلاً ينادي: يا للمسلمين، فلم يجبه فليس بمسلم) -1-.

وبهذا المعنى فإن الانسان كفرد ينتمي الى المجتمع عامة لا يكون مسؤولا عن أمنه وسلامته الفردية بل تقع سلامة وأمن الآخرين في صلب مسؤولياته، وبهذه النظرة التكافلية للسلام من لدن جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن قلة أعداده او كثرتها سيصبح السلام مقوما أساسيا من مقومات الحياة المستقرة الآمنة والمساعِدة على التطور البشري في عموم مجالات الحياة العلمية والعملية والنظرية والتطبيقية أيضا.

من هنا تبرز أهمية الحاجة للسلام، فهو السبيل الذي ينشّط حيوية العمل بشطريه الفردي والجماعي، وهو الدافع الذي يقدّم للانسان حوافز الانتاج والتطور المضطرد، ولذلك أصبح السلام مطلبا عالميا لا يتحدد بأمة دون غيرها ولا ينحصر بشعب او بلد دون غيره طالما انه يقود الى الرقي والرفعة المتواصلة، وفي هذا الصدد يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور أعلاه:

(السلم والسلام كلمة ترددها الألسن في المحافل الصغيرة والكبيرة، الدولية والمحلية، خصوصا في هذا العصر الذي تقدم في علومه وحضارته، كما تقدم  في أسباب التناحر، فإن الحياة حيث صارت ضيقة إلى أبعد الحدود، والكل يريد كل الخير لنفسه ويريد إبعاد كل الشر عنها، تصادمت المصالح في إرادة الاستحواذ على مقتضيات الزمان، وفي هذا الإطار تنشأ الحروب والثورات والإضرابات والمظاهرات وأسباب العنف وما أشبه ذلك كما هو مذكور في علم الاجتماع).

إن السلام كسجية تنتسب لنشأة وتكوين الانسان لا تكفي وحدها كما يبدو لبث وإشاعة السلام بين بني البشر كمنهج حياة راسخ نظرا لتضارب المصالح والاهواء والتوجهات والاراتباطات وما شابه، ونظرا لتوسع النشاط الانساني وكثرة التعداد البشري وتنوع الاهداف والتهافت المتعجل لتحقيقها حتى لو تمّ ذلك على حساب حقوق الآخرين، وهذا ما يقود الى نشوء الصراعات وبالتالي الحروب التي لا تمثل الركن الطبيعي المكوّن لنشأة الانسان وتوجهاته الفطرية، فهو كائن اجتماعي مسالم بالفطرة لكن التوسع الهائل بالحراك والمصالح والاجندات غالبا ما يقود الى التضارب والتقاطع الذي يصل احيانا الى حافة الحرب.

من هنا كما يقول الامام الشيرازي (تتضح الحاجة إلى تطبيق قانون السلم والسلام ومعرفة مقوماته في مختلف مجالات الحياة).

وهنا يمكن ملاحظة ان الاعلام يُعدُّ مؤشرا على مدى حاجة البشرية للسلام، حيث تتردد هذه المفردة بين شعوب العالم بكثرة عبر المحافل الدولية وغيرها بسبب مخاطر الإرادات الشريرة التي تنزع الى الحرب كحل لمشكلاتها وكإشباع لطموحاتها اللامشروعة، ويرى الامام الشيرازي ان هنالك علاقة مترابطة بين حاجة المجتمع الدولي للسلام وبين كثرة طرحه في وسائل الاعلام إذ يقول رحمه الله:

(كلما اشتد البحث عن السلم والسلام في الوسائل الإعلامية وغيرها، وعلت الأصوات في ترويج كلمة السلام وتكرارها، ربما دل ذلك على مدى مشكلة البشرية ومعاناتها وصعوبة الوصول إلى السلام وتعقد مسالك سبلـه وضياع معالمه، وإلا لم يكن البحث عنه شديداً، فإن الإنسان إذا فقد شيئاً طلبه حثيثاً لكي يصل إليه).

لذلك فإن ما يطرحه الاسلام حول ضرورة وضع الضوابط والقوانين (العالمية) وفقا للرؤية الاسلامية يتطلب سعيا حثيثا للوصول الى صيغ عملية تكفل إشاعة السلام العالمي، ولعل التأكيد على الجنوح الى السلم يشكل حجر الزاوية في الرؤية الاسلامية لهذا المطلب، فالاسلام ألزم الانسان بإعتماد السلم حلا لجميع الخلافات وقدّم السلام على الحرب كمنهج حياة قادر على ان يكفل حرية الانسان وتقدمه واستقراره وتطوره المتواصل.

............................................................................

هامش:

(1) الكافي: ج2 ص164ح5.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 22/تموز/2009 - 29/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م