ولية الغمان.. في العراق

محمد الوادي

تقف امام الكاميرا في قناة الفيحاء العراقية في برنامج المايكرفون المفتوح امراة عراقية جنوبية يبدو انها من البصرة تقف امام شباك دائرة التقاعد وفي يدها ملف يحمل اوراق معاملة للمطالبة براتب زوجها المتقاعد المريض المقعد وهي تردد وبالنص وبطريقة عراقية جنوبية عذبة و أصيلة. ( شني هاي جا هي ولية غمان لو زينين !! والله طلعت ارواحنا الكهرباء ماكو 24 ساعة والماي يجي بالطرنبه وسخ !! الغني شبعان والفقير ميت جوع والله حسره علينا الفواكه.. شسولي يقتلوني !! اراجع هنا في هذا الشباك صاري سنة حتى احصل على راتب زوجي المتقاعد.. وهو الراتب شكيفي شهر شهرين !! ياهو الذي يجي يصير يتركز براسنا ويصير براسنا أوكي !! اجو سجلوا اسمائنا وممنوع الفرح وممنوع الموسيقى في الاعراس جا هي شنية مانفرح !! حسرة تذهب الى الطبيب الفحص والدواء والاشعة بمائة وخمسين الف دينار.. هذا اشلون وطن ياربي !! جا هي ولية غمان !؟ ).

هذه الكلمات ليس وصف لمشهد درامي او كتابة سيناريو تلفزيوني او فصل مسرحي بل هو واقع نطقت به امراة عجوز من الجنوب العراقي هذا الجنوب الذي كد وكدح على العراق منذ وجوده التاريخي كبلد حتى يومنا هذا , فكل العراق دون استثناء يعيش من خيرات الجنوب وليس من غيرها. لكن مع ذلك افقر مناطق العراق هي مدن النفط والموانيء والخير العراقي في الجنوب. والاسباب الجوهرية اختصرتها هذه الام الجنوبية الكريمة بكلمتين " ولية الغمان".

نعم فالعراق يبدو قدره ان يحكمه اما الغلمان او الغمان والفرق في حقيقة الامر بين الاثنين ليس بكبير او شاسع. وتعريف مبسط ل " ولية الغمان " الولية تاتي من التولي اي تولي الامر او الاستيلاء.. والغمان هي جمع لمفردة أغم.. والاغم وفي تعريف مبسط هو فاقد الغيرة والحمية والاحساس مع أهله ولاخير له مع أهله والناس وهو ايضا الانتهازي الكذاب الحرامي عندما تدفعه الاقدار لتولي زمام امور البلاد والعباد.

والتاريخ والحاضر العراقي غني بمثل هكذا نماذج وان تغيرت الاسماء والهيئات وايضا العناوين الوظيفية او الرسمية برلمانية كانت او حكومية او حزبية او حتى اجتماعية. فالغمان ظاهرة عراقية تسجل بحروف كبرى في عمق التاريخ العراقي من الحجاج وحتى الصنم الساقط ويبدو انها عدوى وبائية سبقت وباء انفلاونزا الخنازير لذلك امتدت الى مابعد سقوط نيسان 2003 وحتى يومنا هذا بحيث اصبحت السجلات والسطور لم تعد تستوعب الاعداد الهائلة والكارثية من الاف الغمان ممن يتولون المسؤولية في عراق اليوم وتنطبق عليهم صفة الاغم فكانوا بالفعل فريق كبير من الغمان على اختلاف دينهم وقومياتهم ومذاهبهم لكن كان ومازال جامعهم الاكبر هي صفات وسلوك الغمان.

لذلك ترى دائما في عصور الغمان.. يعاني الخيرين والشرفاء والاصلاء الويل ويحرمون من حقهم الطبيعي في ثرواتهم وخيرات مدنهم وبلدهم. فترى هذه الام الجنوبية الكريمة تقف تتوسل حقها من شباك التقاعد الابكم ضميرا والاصم وطنيا. لكن بنفس الوقت " هوانم " اخر وقت في عراق اليوم من توابع وزوجات الغمان تقدم خدمات استثنائية لهن فوصلت الامور باحدهم قبل فترة وجيزة مثلا ان فرغ مطعم كامل في الكرادة وسط بغداد من زبانئه والعوائل التي تجلس به لاجل ان تاتي زوجة هذا الاغم تتناول عشائها !! وهذه ظاهرة صنمية بامتياز كان يمارسها ازلام ورموز النظام السابق الفرق الان اصبح فقط بالهيئة والشعارات لااكثر. ودفع هذا الاغم مبلغ عشرة ملايين دينار عراقي الى صاحب المطعم ثمن لوجبة عشاء لايتجاوز سعرها خمسة الاف دينار عراقي !! والسبب واضح جدا لان هذا الاغم لايدفع من جيبه الخاص ولا من ثروات والده الذي لم يخلف له شيئا يذكر.

مع العلم ان هذا المبلغ يعادل مرتين حجم راتبه الشهري الرسمي المعلن !! وفي مفارقة موجعة يعادل ثمن عشاء هوانم اخر وقت 200 راتب تقاعدي لامنا العراقية الجنوبية هذه !!. لهوانم اخر وقت في عراق اليوم عمارات كاملة تعمل في خدمتهن في دول الجوار العراق وايضا بعثت من العراق مواكب سيارت خاصة لهن في دمشق وعمان وطهران والرياض واسطنبول لخدمتهن من باب القصور الفخمة وحتى محراب الطائرة على مدرج الاقلاع في المطار المعني !! اما امهات الشهداء فيشحذن ثمن الفحص والاشعة والدواء !! وزارات وسفارات وداوئر رسمية وطواقم كاملة تعمل لخدمة الغمان وهوانمهم , اما العراقيات الاصيلات فلا سامع لهن او مجيب.

 صور فديو موجودة على الانترنيت تظهر مسؤولين واقرباء وزراء وهم يتبعون خطى المقبورين عدي وقصي والمجرم الكمياوي وكل جلاوزة الصنم الساقط من خلال ظاهرة " رش النقود " على الكاولية / الغجر ومع ذلك الوزير واقربائه يخرجون بكفالة مالية لاتعادل سعر طن طحين من الحصة التمونية التي تم سرقتها من قوت العراقيين النجباء. وفي وقت تم فيه اختلاس وتبديد مليارات الدولارات من ثروات العراقيين تحت شعار الحصة التمونية. ان كارثة اخلاقية وخلل اجتماعي وديني عظيم في بلد فيه راتب عضو البرلمان الشهري يعادل راتب 300 شهر لمتقاعد عراقي.

النماذج والتفاصيل والامثلة كثيرة لكن ليس المطلوب سردها للتشهير بل المطلوب من امنا الجنوبية وكل امهاتنا العراقية وكل العراقيين ان يبطلوا نغمة البكاء والشكوى فالانتخابات البرلمانية قادمة وعلى عاتقنا نحن العراقيون وليس غيرنا مهمة التغير. وكفى استماع الى شعارات فارغة شعارات ليس لها اثر على ارض الواقع سوى رواتب وسرقات كارثية تحت خانة راتب وامتيازات المسؤولين. فلنضرب ضربتنا الدستورية الانتخابية القوية ونقلب الامور راسا على عقب وليكن هدفنا الاول ان لامكان للغمان بعد اليوم وان المحاكم تنتظرهم في نفس قاعة محاكمة الاغم الاكبر صدام حسين. فاالفرق بين الاثنين ليس شاسع ولاكبير. لكن الفرق الحقيقي ان تكون فرصة التغير بين ايدينا نحن العراقيون. واخيرا انا مثل تلك الام الجنوبية العراقية الاصيلة لااخاف من كلامي هذا وغيره الكثير وهم يعرفوني جيدا وليهدودني وليقتلوني فوالله اعظم المفارقات ان ياتيك شرف الموقف من خلال تهديد وفعل الغمان.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 22/تموز/2009 - 29/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م