
شبكة النبأ: رغم مرور 21 عاما على
انتهاء الحرب العراقية الايرانية التي خلفت مئات الآف من القتلى فضلا
عن آثارها الاجتماعية على أُسر آلاف المفقودين الذين قدّر لهم الانتظار
لعقود قبل أن ينكشف مصير أبنائهم، مازال العثور على ضحايا جدد من هذه
الحرب مستمرا.
وبين الآثار الاجتماعية الكثيرة للحرب يشكِّل مصير المفقودين احدى
أقسى نتائجها، فبين فترة واخرى يسمع العراقيون عن اكتشاف مقابر لرفات
جنود سقطوا في المناطق الحدودية خلال تلك الحرب وسُجلوا كمفقودين.
ففي قضاء حلبجة الحدودي شمالي البلاد اُعلن مؤخرا العثور على رفات
أحد الجنود العراقيين غربي المدينة التي تبعد 83 كم عن جنوب شرق محافظة
السليمانية.
وقد عثر عدد من العمال بالصدفة في (14/7/2009) في قرية كردي حسين
التابعة لناحية سيروان الواقعة على بعد 5 كم غرب حلبجة، على رفات ملازم
بقوات الجيش العراقي السابق.
وبحسب العقيد حجي عمر مدير شرطة قضاء حلبجة تم العثور خلال العام
الماضي على رفات ثلاثة اشخاص اثنان منهم لجنديين عراقيين قتلا خلال
الحرب والثالثة لامرأة ترتدي ثيابا كردية أظهرت التحقيقات انها من
اهالي حلبجة وتوفيت اثر قصف المدينة بالاسلحة الكيمياوية.
وكانت الحرب العراقية الايرانية قد اندلعت في 22/9/1980 واستمرت الى
8/8/1988 وخلفت ما يقارب المليون قتيل وأضرار مادية قدرت بأكثر من
ترليون دولار أمريكي، بحسب احصاءات غير رسمية. بحسب تقرير اصوات العراق.
وشكلت المناطق الحدودية في اقليم كردستان بينجوين، حلبجة، ماوت،
خورمال، هورامان، حاجي عمران ميدانا لأعنف المعارك التي تجسدت في
الذاكرة العراقية بصور آلاف الضحايا الذين كانت تصبغ لافتات مقتلهم
جدران وواجهات مباني المدن العراقية باللون الأسود مع نهاية كل جولة
معارك.
ومازالت تلك المناطق الحدودية تحمل الكثير من اسرار الحرب ومن رفات
ضحاياها بحسب سكان المنطقة الذي يشيرون الى ان انتشار حقول الالغام
التي زرعها النظام السابق بقصد عرقلة اي تقدم ايراني والتي تضم أكثر من
مليون لغم مضاد للدبابات والأفراد تمنع الكشف عن الكثير من الحقائق
والقصص عن مصير جنود ربما عاشت عوائلهم لسنوات طويلة معاناة انتظار
اخبارهم، وهي تنتظر الى اليوم تحديد مصيرهم بشكل رسمي.
لا وجود لإحصاءات رسمية للضحايا
وتقول مصادر حكومية في اقليم كردستان إنها لا تملك احصائيات رسمية
حول عدد الجثث التي تم العثور عليها سابقا والتي تعود لجنود عراقيين،
في حين تقول وزارتا حقوق الانسان والشهداء والمؤنفلين وهي المعنية
بمتابعة ملفات عشرات الآلاف من الأكراد الذين تعرضوا لعمليات الابادة
الجماعية في ثمانينيات القرن الماضي، إنه “لا علم لديها بمسألة العثور
على رفات جنود عراقيين سقطوا في الثمانينات”.
وقال وزير حقوق الانسان شوان محمد لوكالة أصوات العراق، تعليقا على
خبر العثور على رفات جندي عراقي في حلبجة إن الموضوع خارج صلاحيات
وزارته ولا يدخل ضمن نطاق عملها.
في حين قالت وزيرة الشهداء والمؤنفلين جنار سعد عبد الله إن “هذه هي
المرة الأولى التي اسمع فيها بالعثور على رفات جنود عراقيين في الاقليم”.
لكن رئيس جمعية ضحايا حلبجة لقمان عبد القادر تحدّثَ عن عثور جمعيته
“على مقبرة جماعية عام 1998 في منطقة قريبة من قرية عنب التابعة لحلبجة
ضمت مجموعة من جثث ضحايا القصف الكيمياوي من سكان القرية الى جانب جثة
تعود لجندي عراقي من أهالي مدينة أربيل، تم التعرف عليه عن طريق
بندقيته، وقد سلمت الى عائلته”.
وتعرضت مدينة حلبجة في (16/3/1988) إلى هجمات بالقنابل الكيمياوية
من قبل النظام العراقي السابق، وأدى القصف الى مقتل خمسة آلاف شخص وجرح
عشرة آلاف آخرين بحسب إحصاءات كردية.
وأشار عبد القادر إلى أن أهالي حلبجة سبق أن عثورا قبل سنوات “على
رفات جندي عراقي في احدى الحدائق، ونقل بعدها رفاته الى احدى مقابر
المدينة”.
وبين أن “الجثث التي يتم العثور عليها يتم تحديد هويتها عن طريق
الملابس التي يرتديها اصحابها والبنادق التي يحملونها”، لافتا إلى أن
“اهالي المنطقة يتوقعون وجود عدد غير قليل من الرفات في المناطق
الحدودية التي تضم حقول الالغام التي كانت تشكل الميادين الرئيسية
للمعارك التي وقعت في الثمانينات، والتي يصعب الاقتراب منها في الوقت
الحالي مع عدم وجود جهود حقيقية لازالة تلك الحقول”.
ومع عدم وجود احصائية رسمية في المؤسسات التابعة لحكومة الاقليم عن
عدد الرفات التي تم العثور عليها خلال السنوات الماضية والتي تعود
لجنود عراقيين ولا عن طبيعة الضحايا فقد ترك ذلك الباب مفتوحا امام
تضارب الارقام والروايات لدى اهالي تلك المناطق.
إذ لا يوجد الى اليوم احصاء دقيق بعدد ضحايا تلك الحرب التي كانت
توصف بأنها اطول الحروب التقليدية في التاريخ الحديث، والتي تركت اثارا
مدمرة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلدين الجارين وعلى
الحياة البيئية في منطقت شكلت محور عدة حضارات انسانية.
ويتكرر ذات المشهد في جنوبي ووسط البلاد حيث تخفي ساحات المعارك
المسوّرة بحقول الألغام قصص مؤلمة وكثيرة عن مصائر جنود سقطوا في مشاهد
سيكون على العراقيين توثيق اكبر قدر ممكن منها، لما يمكن أن تشكله في
الذاكرة العراقية من دروس وعبر. |