من يقرع طبول الحرب على جانبي الخط الأزرق

في كوردستان

علي الأسدي

لقد بدا واضحا أن مناقشة ومن ثم التصويت بنعم على مشروع دستور صيغ على عجل لا يبشر بأحسن العلاقات الأخوية العربية/الكوردية، متمنيا مع نفسي أن لا يكون مشروع الدستور أكثر من بيان دعائي لانتخابات يزداد سعيرها قبيل موعدها الوشيك. ففي 25 تموز القادم ستنعقد انتخابات إقليم كوردستان التي يسعى خلالها السيد البرزاني لتعزيز حظوظه بالفوز برئاسة الاقليم مجددا وربما لمدى الحياة.

 لكن التلويح بالمشاعر القومية ليس هو الأسلوب الأنسب للفوز بمنصب رفيع، فالبرنامج والنزاهة والتواضع والتجاوب مع هموم الفقراء والمظلومين وحماية حقوق الإنسان هي وحدها من تمنح الثقة وتؤكد الفوز. ومن الأجدى والأجدر أن تسمو الدعاية الانتخابية بالمرشحين لمنصب الرئيس عن ضيق الأفق، وتركز بدلا عن ذلك على تمتين أواصر الأخوة العربية الكوردية وحشد التأييد لاتحاد الإقليم الطوعي ضمن دولة العراق الاتحادية.!

إن السيد البرزاني والعديد من زملائه في الحركة الكردية التحررية ملمون جيدا بحجم وعمق الكراهية التي تركتها مشاعر الاعتزاز الجوفاء بالقومية والطائفية الدينية والمذهبية في بلدان يوغسلافيا وفي لبنان والعراق خصوصا وما تركته من ذكريات محزنة.  تلك المشاعر التي تعيد إلى الأذهان الفترة المظلمة من تاريخ العراق التي رقص فيها القوميون والاسلاميون المتعصبون على جثث ضحاياهم قبل وبعد انتصارهم الرذيل في انقلاب 1963، وهم يهتفون للقومية والوحدة العربية من المحيط إلى الخليج.

لقد أثار الإعلان عن تصديق برلمان الإقليم على مشروع دستوره الخاص ردود فعل مختلفة من داخل البرلمان نفسه، وكذلك وبدرجة اعنف من مسئولين في الحكومة الاتحادية وأعضاء برلمانها ومن كتاب مستقلين من عموم العراق. كان بعض ردود الأفعال عقلانيا وبعضها الآخر غاضبا وانفعاليا مدفوعا بمشاعرالاعتزاز القومي العربي أوالتركماني. فقد نقل عن عضو البرلمان العراقي من القائمة العراقية ذو التوجه القومي العربي السيد أسامة النجيفي قوله " ان ما جرى " يضع الأسس لدولة منفصلة وليس دستورا لاقليم ".. مضيفا أن الدستور "إعلان نية عدوانية ومواجهة... بالطبع سيؤدي ذلك إلى تصعيد ".

 بينما قالت عضو البرلمان الاقليمي كويستان محمد التي انضمت إلى تحالف جديد ينافس الحزبين الحاكمين في انتخابات تموز أن "كردستان تحتاج إلى دستورها الخاص، لكن الوثيقة بشكلها الحالي تهيئ لصراع لا ينتهي مع الحكومة العراقية وتجعل من الرئيس حاكما مطلقا".. موضحة "أنه يحول كل السلطات بما فيها البرلمان إلى شخصيات كرتونية".  من جانب آخر كان منطلق الآراء العقلانية الحرص على وحدة المصالح الوطنية والمصيرالمشترك للوطن والشعب العراقي بكرده وعربه ومكوناته الأخرى. حيث وجهت نقدا صريحا وحريصا لبعض نصوصه التي جاءت متناقضة مع الدستورالاتحادي وخاصة مع المادة 140 المثيرة للجدل. حيث نصت المادة الثانية من دستور الإقليم على أن "كردستان العراق كيان جغرافي تاريخي يتكون من محافظة دهوك بحدودها الادارية الحالية ومحافظات كركوك والسليمانية واربيل واقضية عقرة والشيخان وسنجار وتلكيف وقرقوش ونواحي زمار وبعشيقة واسكي كلك من محافظة نينوى وقضاءي خانقين ومندلي من محافظة ديالى".

 فكما هو معلوم إن لجنة المادة 140 ما تزال مستمرة بعملها وفق خطة عمل على مراحل لتطبيع الأوضاع في كركوك والمناطق المتنازع عليها، وبناء على ذلك سيكون من الخطأ استباق الأمور قبل أن تنهي تلك اللجنة أعمالها، وهذا بالضبط ما كان يطالب به رئيس الإقليم السيد مسعود البرزاني باستمرار، فلماذا خرج بدستور يناقض ما اقترحه هو نفسه؟. كما إن إصدار الدستور بحد ذاته وبهذه الطريقة المستعجلة، وفي هذا الظرف الحساس يثير الكثير من علامات الاستفهام. فقد صدر مشروع الدستور في وقت تعمل بجد ومثابرة خمس لجان مشكلة من ممثلي كل من حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية للنظر في القضايا المختلف عليها، وقد أشاد الرئيس البرزاني بعملها الدؤوب. والأغرب من ذلك كله أنه خلال كل مراحل صياغة دستور الإقليم وإعداده والتصديق عليه لم تتم مشاورة حكومة المركز أو مجلسها النيابي!.

لقد عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن مخاوف جدية من الخطوة التي أقدمت عليها السلطات في الإقليم، حيث اضطر الرئيس أوباما إلى إرسال نائبه السيد جو بايدن لبحث الموضوع مع مسئولي الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. فقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها ليوم 11 / 7 / 09، ان تقدم القادة الكرد نحو الدستور الجديد لاقليم كردستان شبه المستقل يثير قلق المسؤولين العراقيين والأميركيين لتأثيره المحتمل على تهديد وحدة العراق. وفي اشارة الى الخلافات حول أراض وموارد نفطية بين الطرفين، أشارت الصحيفة الى انه "كان من المفترض حلها في مفاوضات بدأت بهدوء في الشهر الماضي بين الحكومتين العراقية والكردية، ورعتها كما دعمتها الولايات المتحدة"، لكن عوضا عن ذلك "مضى البرلمان الكردي قدما وأقر الدستور، كرسالة بأنه سيقاوم الضغوطات الأميركية  والعراقية بتقديم تنازلات".

وذكرت الصحيفة بان إدارة الرئيس أوباما " تفاجأت واضطربت للخطوة الكردية التي انتقدها نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن خلال زيارته للعراق مؤخرا، حيث استخدم اسلوبا دبلوماسيا و بكلمات معبرة بقوله:  " إنها خطوة لا تساعد في تحقيق أهداف الادارة الاميريكية بمصالحة العرب والكرد في العراق".

كما أصدرت مجموعة الازمات الدولية بتاريخ 9 / 7 / 09 وهي مؤسسة فكرية تتخذ من بروكسل مقراً لها، نداءا الى الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان وحكومة الولايات المتحدة تحثهم فيها على لعب دورهم لاحتواء الخلاف الناشئ بين حكومة العراق وحكومة الإقليم..وقد تضمن نداءها عددا من التوصيات المهمة والعملية للوصول لحلول للمشاكل العالقة بين حكومة المركز وحكومة الإقليم، ومن تلك التوصيات :

1-  اعادة المفاوضات حول المسائل الرئيسية التالية:

أ- تنشيط عمل قادة اللجان الخمسة في بغداد واعادة المحادثات حول المسائل التي تخصهم بشأن المناطق المتنازع عليها، تقاسم السلطة والاصلاحات في الدستور، الامن والبيشمركة، السياسة الخارجية والاقتصادية والنفط والغاز.

ب- اجراء محادثات حول المناطق المتنازع عليها كجزء من فريق العمل الذي تأسس باشراف الامم المتحدة واجراء خطوات لبناء الثقة كما جاء في توصيات تقرير (UNAM) وهي اللجنة  التي عينتها الأمم المتحدة في نيسان من عام 2009 لمتابعة ملف العلاقات بين الطرفين بشأن المناطق المتنازع عليها والحدود.

جـ- دعم الساسة في كركوك في المفاوضات التي يتوسطها الـ(UNAMI)  على ضوء المادة (23) في قانون مجلس المحافظات 2008 المتعلق بتقاسم السلطة، مشاركة الناخبين وقضايا الملكية في كركوك، مع الاخذ بنظر الاعتبار على ان تقام انتخابات محافظة كركوك في اقرب فرصة.

2- الموافقة على ان لا تتخذ أي خطوات من طرف واحد في المناطق المتنازع عليها، مثل اصدار عقود جديدة للنفط والغاز، واعطاء تعليمات واضحة للقوات العسكرية على الارض للبقاء في مناطق منفصلة عن بعضها، باستثناء الحالات التي يتفق فيها الطرفان لاجراء عمليات مشتركة ضد المجاميع المتطرفة الخارجة عن العملية السياسية.

3- تجنب الخطابات العنيفة المتعلقة بالعلاقات الثنائية، والوضع القانوني للمناطق المتنازع عليها وعقود النفط والغاز في تلك المناطق، خاصة قبل انتخابات اقليم كوردستان في 25 تموز 2009 والانتخابات العامة في عموم العراق بداية عام 2010.

4- الموافقة على فتح قنوات الاتصال والعمل المشترك منها:

أ- قناة للاتصال المستمر بين رئيس الوزراء العراق نوري المالكي ورئيس اقليم كوردستان مسعود بارزاني او عن طريق من ينوبهم من ممثلين على اعلى المستويات.

ب- مركز للتعاون في مجال العمل المشترك في المناطق النائية في محافظة كركوك للاشعار المسبق والاتصالات لايجاد الحقائق.

جـ- نقاط تفتيش مشتركة بين الجيش والبيشمركة ودوريات مشتركة في جميع المناطق المتنازع عليها، على ضوء نموذج ديالى وباشراف لجنة امنية مشتركة في كل محافظة وبالتنسيق مع لجنة مشتركة تتضمن الممثلين السياسيين في كل من حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية.

 إن الاهتمام الدولي بالخطوة التي أقدم عليها الإقليم والمخاوف التي عبر عنها كان باعثها الشعور بخطر تلك الخطوة، وما يمكن أن تؤديه من ضرر على العلاقات التاريخية بين العرب والكورد  وعلى استقرار العملية السياسية التي ينتظر لها أن تحسن من نوعية حياة العراقيين المعيشية. كما أثبتت تلك المخاوف أن مشروع دستور الإقليم لا يحظى بالقبول محليا أوعراقيا أوعالميا، وأن على سلطات الإقليم أن تعيد النظر بكل مواد دستورها الملتبس بالتشاور والتنسيق مع خبراء الحكومة الاتحادية، آخذة بعين الاعتبار أن الدستور الاتحادي نفسه يجري تعديله حاليا بناء على قرار سابق للكتل السياسية.

 إن الظروف الدقيقة التي يعيشها العراق اليوم لا تحتمل الأزمات، والأخوة في سلطة الإقليم يعرفون ذلك!، وأنه من المناسب جدا أن تؤجل عملية البت في موضوع الدستور إلى وقت آخر يتمتع فيه العراق بالاستقرار والسلام، عندها سيكون الإعلان عن دستور لكوردستان يوما وطنيا لكل مكونات العراق، يوما لا مكان فيه لغالب أو مغلوب.

 للراحل الدكتور علي الوردي قول مأثور جاء فيه:

" لن تنهض أمة من غير حماس، ولكن يستحيل أن تنهض أمة بالحماس وحده ". إن فشلنا كأمم نامية نابع من جهلنا بتلك الحقيقة، فقد خضنا حروبا طاحنة كثيرة بالحماس وحده، وما نزال لم ندرك أننا على خطأ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/تموز/2009 - 27/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م