صنّاع السياسة في العراق يواجهون تحديات مابعد الانسحاب الامريكي

شبكة النبأ: على الرغم من أن الرئيس الامريكي باراك اوباما أوضح أن أولويته الإستراتيجية هي الحرب في افغانستان، إلا ان نائبه جوزيف بايدن جاء إلى بغداد الاسبوع الماضي لتأكيد أن أمريكا لا تزال تهتم بالعراق وإن كان هذا الاهتمام ينصب في الضغط نحو تكثيف الجهود لمعالجة المشاكل الداخلية وإقرار القوانين الحساسة التي ما زالت قيد المساومات بين الكتل السياسية الرئيسية...

وقالت صحيفة نيويورك تايمز The New York Times في تقرير لها، إن عدداً من صنّاع السياسة العراقية يخشون أن تتخلى الولايات المتحدة عنهم ويريدون أن تشترك في حل قضاياهم، مضيفة أن وراء جدران السفارة الأمريكية العالية ببغداد ينظر ديبلوماسيون في ايجاد صيغة جديدة للتأثير على السياسة في العراق.

وقالت الصحيفة إنه مع “وجود غالبية القوات الآن في قواعد كبيرة خارج المدن، فان تدخّل أميركا اليومي في الحياة العراقية قد زال وأن القرارات، كبيرها وصغيرها، التي كان القادة الأمريكيون يتخذونها يصوغها الآن العراقيون، إذ لم يعد الجنود الأمريكيون على اتصال يومي بشيوخ عشائر، ورؤساء بلديات، ومتمردين، وأصحاب متاجر ـ وهذا تغيير رحبت به غالبية العراقيين”.

وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما أوضح أن “أولويته الإستراتيجية هي الحرب في افغانستان”، كما تذكر الصحيفة، فان نائبه جوزيف ر. بايدن جاء إلى بغداد الاسبوع الماضي لتأكيد أن أمريكا “لا تزال تهتم بالعراق”.

وتابعت الصحيفة أن العديد من العراقيين يقولون أنه منذ أن تولت إدارة أوباما مهامها، يبدو أن السياسة الأمريكية “أخذت تبتعد عن العراق ولم تعد تركز عليه”، ففي لقاءات أجرتها الصحيفة، تبين أن أكثر من عشرة من صناع السياسة العراقية “يشعرون أن العراق قد أزيح بسبب المخاوف من افغانستان وباكستان، وأن الإدارة الأمريكية لم تمنح التفكير الكافي للعراق في ما وراء عزمها على اخراج قواتها”.

وما أسهم في عدم ارتياحهم، كما تقول الصحيفة، هو “احساس بالانحراف عندما ترك العراق من دون سفير بين مغادرة راين كروكر ومجيء خلفه كريستوفر هل”.

وقالت الصحيفة إن زيارة بايدن “شدّت من عزم النخبة السياسية في العراق إلى حد ما، وطمأنتهم بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عنهم، على الرغم من بقاء التساؤل عما إذا كان السيد بايدن يستطيع أن يغير في الأمور نحو الأحسن”.

وبالفعل، كما تقول الصحيفة، فان المتاعب التي يأمل بحلها هي تلك التي “أحبطت السفراء الثلاثة السابقين والرئيس جورج و. بوش، إلا وهي المصالحة السياسية بين الجماعات الاثنية والطائفية وقانون النفط والغاز التي توفر عائدات إلى الجميع في العراق، والشيء الآخر المرتبط بكلا هذين المشكلين، أي حسم الحدود المتنازع عليها بين المنطقة الكردية وبقية العراق”.

وتنقل الصحيفة عن نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح، قوله إن هذه في الحقيقة “مهمة غير منجزة بالمعنى الواسع”.

وقال صالح إن العراق “ربما قد استقر، وربما تعاني القاعدة من مشكل تجميع نفسها، وربما لا نحتاج إلى الجنرال اوديرنو ليقوم بعمليات يومية”، واضاف أن “ربما كل ذلك صحيحا، لكن المعركة الكبرى على العراق والاستقرار والأمن لا تزال تتطلب الفوز جوهريا بسبب سياسة الشيعة والسنة والأكراد وهناك قضايا أساسية تتمثل بالسلطة والموارد والأراضي”.

وقال رئيس البرلمان العراقي اياد السامرائي، للصحيفة إن العراقيين “رحبوا بالمشاركة الأمريكية لكنهم يتطلعون إلى المزيد من التفاصيل”، وأضاف أن على الأمريكيين أن “يركزوا على دعم المؤسسات، وليس الأفراد”. وأوضح “حسنا، هذا أمر جيد، لكن كيف ستفعلون ذلك؟ أية مؤسسات ستدعمون وكيف؟”.

وذكرت الصحيفة أن بايدن قال لمراسلها لدى مغادرته العراق، إنه “تلقى رسالة من مسؤولين عراقيين، يخشون من أن العراق لم يعد أولوية كبيرة للسيد أوباما”، وتابع بايدن أنه “تفاجأ من سماع ذلك، وأنه حاول طمأنة مخاوفهم”.

ونقل بايدن عن مسؤول، لم يسمّه، قوله “نحن قلقون من وضعنا في أسفل الرف”، وأردف “فقلت له، كلا لستم كذلك”.

وأضافت الصحيفة أن تعاملهم مع السياسة العراقية، يوجب على الأمريكيين أن “يجدوا لهجة جديدة. فسمعتهم في العراق هي أن يدهم ثقيلة لأنهم يبلغون العراقيين ماذا عليهم أن يفعلوا بدلا من سؤالهم عما يريد العراقيون أـن يفعلوا ـ وهذا من أرث المدة التي كان فيها الأمريكيون مسؤولون عن الأوضاع بوصفهم قوة محتلة ولأن العراق الآن بلد ذو سيادة في معظم النواحي فان مثل هذا النهج يولد العداء”، كما تقول الصحيفة.

وتابعت النيويورك تايمز تقريرها التحليلي قائلة إنه على الرغم من أن الأمريكيين ساعدوا معظم كبار الساسة العراقيين، ومن بينهم رئيس الوزراء نوري المالكي بالوصول إلى السلطة ـ والبقاء فيها ـ “إلا أنهم الآن لا يمكن أن يتوقعوا من العراقيين أن يعترفوا بالمساعدة، لأن القرب من الأمريكيين قد يتسبب في استعداء العراقيين العاديين”.

وقالت الصحيفة “بغض النظر عمن جاء بالطائفية، سواء كان الأمريكيون أم غيرهم، فإن الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في كانون الثاني يناير المقبل من المحتمل أن تجري على أسس طائفية”، موضحة أن هناك أحزاب شيعية “تتجه إلى تشكيل ائتلاف بدعم سني إسميا وهذا من شأنه أن يدفع سنة إلى العمل معا لزيادة مقاعدهم التي حصلوا عليها ـ وهذا يعني إدامة نمط لبناني سياسي، من خلال تقاسم الوزارات ومناصب أخرى على أسس طائفية واثنية”.

وفي شمال العراق، كما ذكرت الصحيفة فإن “التدافع للسيطرة على محافظة كركوك بهذا النحو للسيطرة على عدد من أثرى حقول النفط في العراق، يتسبب بتوتر شديد”، وشرحت “فلا الأكراد أو العرب السنة أو التركمان على استعداد للتخلي عن شبر واحد منها”.

وبهذا الشأن قال يوست هلترمان، وهو محلل في الشأن العراقي في مجموعة الأزمات الدولية إن العراق “لن يبقى موحدا إذا لم يوضع قانون للنفط يربط البلد مع بعضه من خلال تدفق الإيرادات إذ أن 95% من الميزانية العراقية لا يمكن تجاهلها”، مضيفا أن “إدارة أوباما تفهم ذلك جيدا”.

زيارة بايدن وآمال تحقيق التوافق السياسي

واتفق نواب من كتل سياسية عراقية مختلفة على أن زيارة نائب الرئيس الامريكي بايدن الى العراق تأتي في اطار تحقيق اكبر قدر ممكن من التوافق السياسي بين كافة الفرقاء، مشددين على اهمية وجود طرف خارجي كضمان لما سيتم الاتفاق عليه.

وقال هاشم الطائي عضو جبهة التوافق لوكالة أصوات العراق إن “الهدف من الزيارة هو تمثيل الرئيس الامريكي لتحقيق مصالحة حقيقية بين الاطراف السياسية، إذ أن من اهم الاولويات التي سيتم بحثها خلال الزيارة هي مسألة الصلاحيات بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الاتحادية”.

وهناك خلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان حول عدد من القضايا أبرزها قضية كركوك والدستور والعقود النفطية.

وأوضح الطائي أنه “سيتم بحث قانون النفط والغاز والاسباب التي تحول دون اقراره لغاية الآن ووثيقة الاصلاح السياسي وهذه قضايا كلها تفضي الى المصالحة الوطنية، كما أن نائب الرئيس الامريكي سيلتقي بممثلي القوى السياسية لمعرفة تحفظاتهم على الآخرين”.

وبين الطائي أنه “سيتم ايضا مناقشة المواد الدستورية التي ينتابها الغموض”، مستدركا أن “المشكلة الاكبر التي تواجه هذه المساعي تكمن في تدخل دول الجوار وهي التي تعرقل المصالحة اكثر مما تعرقلها اطراف داخلية”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الامريكية تمتلك “وسائل ضغط” على بعض الاطراف.

وأضاف الطائي أن “بامكان القوى السياسية تقديم تنازلات، لكنها تسعى الى أن تكون هذه التنازلات مضمونة بتدخل الجامعة العربية والامم المتحدة”، مبينا أن “عملية بناء الثقة بين الاطراف السياسية لم تأخذ طريقها الى النجاح ومايزال عامل الخوف من الآخر هو المسيطر، ولذلك لابد من وجود اطراف ضامنة”.

وحول مخاوف الشارع العراقي من اثارة موضوع الفيدرالية مجددا، قال الطائي إن “هذا الموضوع فات اوانه وسابقا كان العراق ارض خصبة لاثارة مثل هذا الطرح لكن الاوضاع الحالية لا تهيئ اجواء خصبة لنمو هكذا بذرة لأن جميع العراقيين يرون مصلحتهم مع بعضهم”.

من جانبه، اعتبر النائب عن كتلة التحالف الكردستاني محمود عثمان أن “اسباب الزيارة لم تبد واضحة لغاية الآن لكن المعلن منها هو المساعدة في تحقيق اكبر قدر من التوافق الوطني”.

وقال عثمان“يفترض بالاطراف العراقية أن تقدم التنازلات بشأن انجاح المصالحة بدون الاطراف الخارجية”، لافتا الى أنه “بامكان جميع القوى السياسية الدخول الى العمل السياسي شريطة تخليها عن السلاح”.

وأوضح “لا ضير من دخول كل العراقيين العملية السياسية بما في ذلك البعثيون، لكن ذلك يستلزم تعديل الدستور”، مبينا أنه “بامكان القوى السياسية التي لم ترتكب جرائم ضد العراقيين الدخول الى العمل السياسي لكن تحت عناوين سياسية لم يحظرها الدستور على أن يكون مرحب بها من قبل الآخرين”.

وعُرف بايدن بأنه صاحب دور قوي ومؤثر في مجالات السياسة الخارجية ومكافحة الإرهاب  ومكافحة المخدرات ومنع الجريمة، ويعتبر من أبرز دعاة تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم للسنة في الوسط والشيعة في الجنوب والكرد في الشمال.

وفي السياق ذاته، رأى النائب عن كتلة الفضيلة محمد الخزعلي أن زيارة نائب الرئيس الامريكي للعراق “تكتسب اهمية خاصة لحث الفرقاء السياسيين على تحقيق اكبر قدر ممكن من المصالحة”.

وأوضح الخزعلي لوكالة أصوات العراق “ما يؤسَف له حقا هو أن الفرقاء السياسيين لايمكن لهم أن يقدموا تنازلات تتعلق بالمصلحة العامة وخارج مصالحهم الخاصة إلا بطرف خارجي، مبينا أن “الولايات المتحدة الامريكية تتمتع بهذا النفوذ في الداخل العراقي”.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/تموز/2009 - 25/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م