المقدمة:
حسب تقرير التنمية البشرية لعام 2007، يبلغ عدد سكان العالم
الإسلامي مليار ومئتي مليون إنسان، موزعين في 24 دولة، تناثرت معظمها
في أدنى درجات الترتيب لمؤشرات التنمية المعتمدة، على الرغم من الثروات
الطبيعية والموارد البشرية التي تمتلكها الدول الإسلامية، والتي تمكنها
فيما لو تم ترشيد استخدامها وتعبئتها لخدمة تنميتها الحقيقية، وتحقيق
آمال شعوبها، من قلب درجات ترتيبها في مؤشرات التنمية البشرية.
وبعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، اشتد ت موجة
العداء للإسلام والمسلمين بحجة مكافحة الإرهاب ومقاومة الإيديولوجية
الإسلامية التي تشكل حالياً حسب منظريهم الخطر الوحيد المناهض
لإيديولوجيتهم بعد سقوط وانهيار الإيديولوجيا الاشتراكية.
وقد ساهم ضعف الإعلام الإسلامي، والتشرذم السياسي والاقتصادي للدول
الإسلامية، وضعف آليات التنسيق الإسلامية في مواجهة التحديات التي تفرض
على الإسلام والمسلمين، في إظهار المسلمين بموقف الدفاع عن النفس وعن
الدين، حيث يجب " التفريق بين الإسلام كدين بثوابته المقدسة التي لا
يجوز المساس بها، وبين الرؤى والأفكار السياسية للإسلام، والتي هي رؤى
بشرية تخطيء وتصيب وقابلة للتغير والتطور, وهي التي دفعت لتعدد الرؤى
السياسية والاقتصادية للدول الإسلامية) (1).
وهذه الرؤى المختلفة تزداد اتساعا كل يوم بفعل تحديات الحداثة وسبل
مواجهتها والتي تتطلب مزيداً من الاجتهادات في التفسير المعاصر للنص
الديني، واستنباط الأحكام التي تتلاءم مع واقع العصر، على أساس تفعيل
مواقع الاتفاق، وتحييد مواقع الاختلاف و " الإسلام من حيث هو ثقافة
حاضرة في حياة الناس العملية والروحية، قلما ترك أمراً ليس له فيه قول
صريح أو مضمر، بدءاً من أمور الزواج والطلاق والإرث، مروراً بمسائل
البيع والشراء والعقود والعقوبات، وانتهاء بمسألة الحكم والسلطة والقيم
الأخلاقية، كما يقدم الإسلام بمصادره الأساسية إجابات جاهزة عن أسئلة
حاضرة " (2).
وهنا تبدأ إشكالية التطوير والتحديث والاجتهاد في التفسير، والتي
يبدو أنها تحتاج لمزيد من تنسيق الجهود على كافة الأصعدة، وأهمها
الاقتصادية، لما لها من أهمية في حياة المسلمين ومستويات معيشتهم
والمرتبطة إلى حد كبير بمدى توافر الموارد ونجاح البرامج وخطط التنمية
الاقتصادية المنفذة في دولهم. والتي تتفاوت بمعدلات كبيرة.
وعلى الرغم من ذلك فإن معظم المفكرين يرون أن فشل التجارب التنموية
في البلدان المتخلفة اقتصاديا وضمنها معظم الدول الإسلامية يعود إلى (قصور
وعجز الفكر التنموي الوضعي المستند في جذوره إلى نظريات " التنمية "
ونماذج النمو واستراتيجيات وخطط " التنمية " المستقاة من الفكر الغربي،
البالغ التعميم والذي لا يتناسب مع الطبيعة الخاصة وهياكل الدول
المتخلفة) (3), وخصوصية المجتمعات الاسلامية.
ومع ذلك فإن بعض الدول المتخلفة ومنها دول إسلامية عديدة استطاعت
كسر حلقة التخلف، مثل تجارب النمورالآسيوية وايران (عبر التركيز الشديد
على العملية التعليمية والبحث العلمي، وتنمية المهارات التكنولوجية
الجماعية، مع الاستفادة من الخبرات والاستثمارات الأجنبية، التي جذبتها
الظروف المؤتية لمناخ الاستثمار، وأهمها كفاءة نظام التمويل والعمالة
الرخيصة) (4).
إن ما يشهده العالم المعاصر من تغيرات سياسية واقتصادية وتكنولوجية
وثقافية، تتطلب من الدول الإسلامية إعادة النظر بسياساتها الداخلية
والإقليمية والدولية، باتجاه تحفيز الكفاءات والمهارات المختلفة وبكافة
المجالات، الدينية والدنيوية. وتمكينها من المساهمة بدورها في المعركة
القادمة، وهي معركة الوجود بالنسبة لها، لأن الهجمة الأمريكية خصوصا
والغربية عموما، قد تصاعدت ضد الأمة الإسلامية فكراً وثقافة وسياسة
واقتصاداً، وعلينا حشد كافة الموارد استعداداً للمواجهة، إذا ما رغبنا
الاستمرار في البقاء ونشر رسالتنا السماوية، ولتكن أولى خطواتنا تكريس
المنهج الإسلامي في " التنمية " بعد أن استفحلت الأزمة المالية
العالمية وتحولت إلى أزمة اقتصادية عالمية عميقة.
ولعل هذه المناسبة فرصة لذوي الاهتمام بالفكر الاقتصادي الإسلامي
لمراجعة أساسيات التنمية في الفكر الاقتصادي الإسلامي لنبين جوانب
القوة والمنعة فيها والتي تحميها من الانهيارات المالية والأزمات
الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاديات الرأسمالية المبنية على الفكر
الوضعي.
أولا:الأزمة المالية العالمية بين الأسباب والنتائج.
تعود الأزمة المالية الاقتصادية العالمية
المعاصرة في جذورها إلى:
- هيمنة الاقتصاد المالي والنقدي على الاقتصاد الحقيقي العالمي،
وذلك بدءا من سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام المالي
والنقدي الدولي منذ1944 وحتى وقتنا الحاضر بدليل أن حجم الدين الخارجي
الأمريكي يبلغ حاليا نحو 12 تريليون $ بينما الناتج القومي الأمريكي
الحالي يبلغ نحو 13 تريليون دولار, وهي بذلك تكون الأعلى مديونية في
العالم، والدولار لايزال يمول نصف الاقتصاد العالمي، في حين أن حجم
المشتقات المالية والنقدية والتجارية والمصرفية الدولية الحالية قد
تضخمت بفعل المضاربات النفطية والعقارية والتأمينية والذهب والتجارة
غير المشروعة لتصل نحو 10 أضعاف الناتج القومي العالمي الحالي البالغ
نحو 60 تريليون $.
- هذه الفقاعة المالية انفجرت بعد أن وصلت ذروتها بفعل تواطؤ
الإدارات الرسمية والسياسية الغربية مع المؤسسات المالية والمصرفية
والائتمانية الدولية، في ظل حالة مستمرة من التراخي في الرقابة وتبادل
المصالح على حساب صغار المدخرين والدول النامية، لتعصف بمدخراتهم
ولتعيد قيم أصولهم لحدودها الطبيعية فكان الانهيار الذي كلف العرب
والمسلمين نحو 5 تريليون $ باستثناء الأموال الخاصة غير المصرح بها
لأسباب السرية المصرفية أو التهرب الضريبي أو السؤال عن المصدر أو
لأسباب شخصية أو سياسية.
وما كان لهذه الحالة أن تظهر وتتطور لتنفجر لولا التضخم النقدي
والمضاربات النقدية والمالية والتجارية في الأسواق المالية الدولية،
إضافة لدورالمشتقات المالية الناجمة عن المضاربات والرهون العقارية
وارتباطاتها مع المؤسسات التأمينية، والمصارف الكبرى ذات الإدارات
المخاطرة بأموال المودعين لتحقيق المكاسب الشخصية.
وبالطبع وكما هو معروف فإن التعاملات المالية والنقدية والمصرفية
والتجارية الإسلامية تستند في أحكامها إلى النص والحديث الموثق وتعتمد
على عناصر الاقتصاد الحقيقي بحيث تستطيع تلافي تلك الأزمات والانهيارات
وتحافظ على القيم والمكاسب والمدخرات وتعمل على تنميتها.
ولما كانت عملية التنمية الاقتصادية هي الطريق والهدف المنشود
لتحقيق آمال وتطلعات الأمة الإسلامية في وقت يزداد فيه الانفتاح
والاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي العالمي. وخاصة بعد هذه
الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي أثرت سلبا على دول العالم
كافة. ومن هنا تنبع أهمية مراجعة الأدوات والسياسات والبرامج والأحكام
والتشريعات الاقتصادية الإسلامية, والتي تمكننا وبلا شك من تحقيق
تنميتنا وأهدافنا وتبعدنا عن الأزمات والانهيارات الدورية التي تعاني
منها الاقتصاديات المبنية على الفكر الوضعي.
وفي هذا البحث سيتم التركيز على بيان المنهج الإسلامي في عملية
التنمية الاقتصادية مستقى من النص والحديث وبحوث السابقين المتنورين.
ثانيا - نظريات وبرامج " التنمية الاقتصادية
" الوضعية؟
إن ما جرى في كافة البلدان المتخلفة ومنها الإسلامية خلال نصف
القرن الماضي، يؤكد على أنه ليس " تنمية " ولا " نمواً " اقتصادياً بل
(مجرد تغييرات اقتصادية متأرجحة، لم يتحدد اتجاهها بعد، ولم تتوفر لها
بعد القاعدة الإنتاجية القادرة على استمرارها، وذلك بدليل أنه لو طبقنا
مؤشرات تحسن الحياة ومؤشرات التبعية ومؤشرات التغييرات الهيكلية،
ومؤشرات الدخل الحقيقي) (5)، لاستنتجنا فشل معظم التجارب في البلدان
المتخلفة اقتصادياً، والتي أخذت تعلو منها أصوات التيارات (الثقافية
والسياسية والفكرية الداعية إلى الأصالة والخصوصية والحفاظ على البنى
الاجتماعية، في مواجهة ثقافة وإيديولوجيات البلدان المصنعة وتقنيتها،
وهنا تكمن مسؤولية النخب المفكرة في تحمل مسؤولية هذا العجز الفكري في
المجال الاقتصادي والاجتماعي وبخاصة في مجال " التنمية ") (6)، وبعد أن
تأكدت هذه النخب مع قياداتها السياسية بأن الفكر التنموي التقليدي فيها
والذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية في محاولة " لتقليد مسار التنمية
في الدول المتقدمة دون مراعاة للعلاقة المتبادلة بين السياسة والاقتصاد
والثقافة والإدارة والمجتمع، والذي استند إلى نظريات مراحل النمو لـ (روسو)
والحلقة المفرغة لـ (نيركسه وليبنشتاين) والتي تضع مراحل حتمية لانتقال
المجتمع من التخلف إلى التقدم عبر توفير مستلزمات النمو لزيادة الإنتاج
والتي سرعان ما ابتلعتها الزيادة السكانية، فكانت المطالبة بكسر حلقة
التخلف باستيراد رأس المال والتكنولوجيا والحد من الزيادات السكانية "
(7).
وبعد نصف قرن يؤكد (باتريك بوخانن) في كتابه الهام " موت الغرب "
الصادر حديثاً في الولايات المتحدة " بأن الحروب والإجرام
والإيديولوجيات والمفاهيم المجتمعية الشاذة، هي السبب وراء الجوع
والبؤس الذي ينتشر في أنحاء كثيرة من العالم، وليست زيادة عدد السكان
بطبيعة الحال " (8).
كما وجه (كونار ميردال) تهمة الانحياز لنسف القيم الغربية
للاقتصاديين الغربيين في معالجتهم لمشاكل التنمية والفقر في العالم
الثالث، وأن فشل جهود التنمية يعود إلى عوامل مؤسسية وثقافية بالدرجة
الأولى وأن نماذج التنمية يجب أن تنبع من تراث هذه البلدان وثقافتها
وقيمها " (9).
لكن هذه الأفكار لم تلق ظروفاً موضوعيةً لتجربتها في ظل تنامي
القوى الخارجية المسيطرة على الأسواق والتي دفعت الاقتصاديين المناهضين
للفكر الغربي أمثال ماكس فيبر ورودان وايمانويل وهوغن وبيربش وسمير
أمين وغيرهم " لإيجاد علاقة جدلية بين المتغيرات الخارجية والداخلية
المسببة للتخلف الاقتصادي، والتي أساسها علاقات التبعية وتصارع القوى
الاجتماعية، التي تكرس واقع التخلف والتي بحثت عن مخرج مناسب دون جدوى
عبر تطبيق نماذج تنموية منفردة مثل نموذج تصدير السلع الأولية أو نماذج
إحلال الواردات أو نماذج الإنتاج الموجه للتصدير أو نماذج الاندماج
الكامل بالاقتصاد الرأسمالي العالمي إضافة إلى مشروعات التحديث
الإصلاحي التنموي المنفرد.
ويمكن تلخيص آراءهم بأنهم أرجعوا التخلف إلى تداخل الأسباب
الاجتماعية والثقافية المحلية مع الظروف الخارجية وأهمها التبعية
والتبادل اللامتكافىء والتقسيم الدولي التقليدى للعمل، وأن التنمية
لابد من أن تنطلق من الذات عبر حشد الموارد اللازمة لكسر طوق التخلف
والانطلاق عبر تفاعل القوى المجتمعية في إطار من التناسق الداخلي
والخارجي على كافة الأصعدة " (10).
وليس أخيراً فقد أدى " الاهتمام البالغ فيه بالتصنيع باعتباره محور
عملية التنمية وأساس التغير الهيكلي، وبشكل لا يتناسب مع موارد وواقع
المجتمعات المتخلفة، وبخاصة الاعتماد على أساليب تكنولوجية مستوردة،
ساهمت بتعميق حالة التبعية الاقتصادية، والتي كان من أهم نتائجها ظهور
مشكلة الديون الخارجية، وإهمال القطاع الزراعي وتخلفه وظهور أزمة
الغذاء، والتي فاقمت من جديد مشكلة الديون، وبالتالي ازدياد عجز
الموازنة واللجوء إلى التمويل بالعجز، مع آثاره التضخمية " (11).
وبعد هذا الاستعراض السريع لنظريات وبرامج واستراتيجيات التنمية
غير الملائمة للبلدان المتخلفة ومنها معظم البلدان الإسلامية، وبإضافة
آثار المتغيرات الدولية السياسية والاقتصادية المعاصرة والتي نلخصها
بالتحديات التي تفرضها " الحداثة " على البلدان الإسلامية وخاصة في
المجال الاقتصادي بعد أن أصبحت الولايات المتحدة جغرافياً متشبثة في
أفغانستان ومتمركزة في الشرق الأوسط وفي قلب العالم الإسلامي بعد
احتلالها للعراق، نطرح السؤال التالي ما هو المخرج، ما هو الطريق، ما
هو الحل؟
ثالثاً - التحديات التي تفرضها " الحداثة "
على نظريات وبرامج ومفاهيم التنمية الاقتصادية:
" الحداثة" هي مجموعة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية والفكرية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، وذلك عبر
مجموعة من المظاهر تبدأ بالأحادية القطبية السياسية المتمثلة بالسيطرة
المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد السياسي والعسكري
الدولي، مروراً بظاهرة انفتاح الأسواق وزوال الحدود الجغرافية أمام
تدفق السلع والخدمات والثقافات وصولاً إلى تمازج وتداخل العادات
والتقاليد والقيم والمعتقدات، بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة.
" والحداثة قد تكون محمودة، تفتح العالم وتوسع الآفاق، وتحقق مصلحة
حيوية وتعبر عن الجدارة الإنسانية، وقد تكون خبيثة تحمل مشروع سياسي،
عسكري، اقتصادي، ثقافي، استعماري يهدف لتجديد أشكال ونهب واستغلال
ثروات الشعوب بقوة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وقوة السلطات
المالية الدولية " (12)،وفي إطار " التوزيع الراهن للقوى في النظام
الدولي، يتبين مدى تأثر العالم الإسلامي، بالتحولات الدولية، كونه يمثل
مراكز جغرافية هامة دولياً، يحتوي على مخزون هائل من النفط والقوى
البشرية، إضافة إلى العقيدة والأفكار التي لا تلقى ترحيباً من البعض
وتشكل خطراً إيديولوجياً على الآخر " (13).
وانطلاقاً من ذلك يعتقد عدد كبير من المفكرين والبحثين المسلمين
اليوم " بضرورة الربط المنهجي بين – الاجتهاد – النصي وحركة – الفكر
الإسلامي – المعاصر، القادر على إبداع البدائل للأنظمة السائدة الوافدة،
والتي اجتثت من فوق أرضها، لتزرع في أرض الأمة الإسلامية عنوة وقسوة "
(14).
وهذا يتطلب التسامي عن الخلاقات المذهبية في التفسير والاجتهاد،
وتدعيم الأفكار الاتفاقية، التي تسهم في تدعيم جهود الأمة وحشد جهودها،
لتمكينها من مواجهة التحديات الشرسة التي تواجهها، وبخاصة بعد تعاظم
قدرة " الشركات والمصارف الأمريكية واليابانية والأوروبية، على التحكم
عملياً داخل بلادها وخارجها، وما السلطات التنفيذية في هذه الدول، سوى
أداة تنفيذ لمصالح هذه الشركات والمصارف الكبرى " (15).
وبذلك تشتد دائرة الضغط على البلدان الإسلامية، وبخاصة في جهودها
التنموية. والتي أصبحت أكثر تعقيداً في إطار حركة الحداثة، والدور
المتزايد للعلاقات الاقتصادية الدولية، في عملية التنمية، والتي أجمع
الفقهاء والمفكرون على اختلاف مدارسهم على أهمية العامل الإنساني
والاجتماعي فيها، والذي تم تجاهله لحد بعيد في البرامج والنظريات
التنموية التقليدية، والتي كان آخرها إقرار مدراء البنك الدولي وصندوق
النقد الدولي في سبتمبر عام 2000 " استراتيجية مساعدة الدول الفقيرة
عبر دعم برامج مكافحة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية في عملية
التنمية، وضرورة إشراك الشعوب في وضع خطط التنمية، وأهمية التعاون
الدولي لتحقيق استقرار النظام المالي والأسعار والنمو الاقتصادي "
(16)، وهذا الإقرار ينسجم إلى حد بعيد مع مرتكزات " التنمية " في الفكر
الاقتصادي الإسلامي الذي جوهره الإنسان وغايته الإنسان وتحقيق العدالة
الاجتماعية والنمو والرفاه للجميع.
رابعاً - مرتكزات " التنمية " في الفكر
الاقتصادي الإسلامي المعاصر:
أكد العديد من المفكرين الغربيين ومنهم سيبروك وجيرمي أن " تطبيق
النموذج الغربي في التنمية لا يمكن تكراره في باقي العالم، لأنه يقتضي
فرض اقتصاد السوق، الذي يجرد الناس من طرائق حياتهم التقليدية، ويفرض
العنف الاقتصادي والتنموي، البطالة والطرد من الوظائف والركود
والمخدرات والجرائم، إضافة إلى النظر إلى الفقراء باعتبارهم، عائق أمام
التنمية " (17).
كما أجمع العديد من الاقتصاديين المحدثين المعاصرين على أن مفهوم
التنمية يتلخص بكونها " عملية مجتمعية واعية موجهة لإيجاد تحولات
هيكلية لبناء قاعدة إنتاجية قادرة على التطور الذاتي وتحقيق زيادة
مستمرة في إنتاجية الفرد والمجتمع " (18)، بحيث تنعكس على كافة أفراد
المجتمع برفع المستوى ألمعاشي وإشباع درجات متزايدة من الحاجات
الإنسانية.
ولتحقيق هذه الطموحات والأهداف التنموية " تتعالى بعض الدعوات
والكتابات المعاصرة إلى أن الإسلام هو الحل " في حين ينصرف الآخرون إلى
البحث في التحديات الراهنة التي يواجهها الإسلام من طبيعة سياسية
واقتصادية وإيديولوجية " (19)، وفي هذا الإطار ودون الدخول في جدلية
العلاقة بين النص الديني الإسلامي، وخصائص العلوم الطبيعية والاجتماعية
والإنسانية في آن واحد، سيحاول هذا البحث استقراء مجموعة من الأفكار
والأحكام الدينية وموائمتها مع الأفكار والنظريات الوضعية، وصولاً لطرح
بعض مرتكزات عملية التنمية الاقتصادية في العالم الإسلامي المعاصر.
وذلك على أساس مفهوم شمولي لعملية التنمية كونها تغير هيكلي في
المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، يتبع تطبيق الشريعة
والعقيدة الإسلامية، حيث أن الفكر الاقتصادي الإسلامي يقوم على قواعد
مشتقة من القرآن الكريم والسنة النبوية واجتهادات العلماء السابقين
والمعاصرين، وهو جزء من الفكر الإسلامي، الذي جوهره أن الإسلام دين
وحياة وسياسة.
وقد حاول العديد من الكتاب المسلمين اشتقاق مفهوم التنمية " فقيل
أنها طلب عمارة الأرض، وأنها تعني (الحياة الطيبة) وأنها نقل للمجتمع
من الوضع الذي لا يرضاه الله إلى الوضع الذي يرضاه، وأنها القيام
بالنشاط الإنتاجي في مناخ إسلامي يتوافر فيه الإيمان والتقوى، وأنها
خلق المناخ المناسب لسيادة القيم الإسلامية في مجتمع يتمتع بالرغد
المادي، وأنها تحقيق الكفاية لأفراد المجتمع، أو أنها تحقيق التوازن
البيئي وحسن المستوى الحضاري للحياة " (20).
ويلاحظ المتتبع لتطور الخطاب الاقتصادي الإسلامي أنه قد نما " في
حقل اجتماعي تاريخي مثقل بالأسباب الموضوعية الموجبة، قاعدة مبتورة
لتنمية وطنية سريعة وحديثة ومستوردة، أزمة اجتماعية متفاقمة، أنظمة
سياسية راكدة، إيديولوجيات غربية، بطالة كبيرة، فراغ ثقافي"(21).
وهذا النمو للخطاب الاقتصادي الإسلامي جاء كمحصلة لنمو الحركة
الفكرية والثقافية والسياسية الإسلامية المعاصرة، والتي أقرت أن " تدخل
الدين في شؤون الدولة، يعتبر تجسيداً لمفاهيم الديمقراطية، والفقهاء
المسلمين لم يدعو لأنفسهم سلطة دينية خاصة، وكانوا يعبروا عن رأيهم في
شؤون الدولة والمجتمع بوصفهم مواطنين، من أئمة المسلمين إلى الفقهاء
والمفكرين المعاصرين " (22)، واللذين بذلوا جهداً كبيراً في قراءة النص
الديني وتفسيره، بما يتوافق مع تطور الحياة بأشكالها المختلفة، على
الرغم من الاختلاف المتعدد في رؤيتهم المذهبية والسياسية والاقتصادية
والثقافية.
ومن مجمل هذه الأفكار والآراء يمكن تلمس بعض مرتكزات التنمية
الاقتصادية في الفكر الاقتصادي الإسلامي، والتي نعتقد أنها تشكل قوا سم
مشتركة، بين مختلف الاجتهادات الفكرية والدينية الإسلامية، سواء في
إطار معارضتها أو موافقتها للفكر الاقتصادي الوضعي.
4 – 1 الاستخلاف (الاستخدام الأمثل للموارد
الاقتصادية):
يعني الاستخلاف أن الله سبحانه وتعالى قد عهد للإنسان بعمارة الأرض
وتنميتها، وبذل الجهد المتنوع للحصول على المنافع المادية والروحية،
وحتى يتحقق ذلك الهدف لابد من وجود إطار تنظيمي، قانوني، تشريعي ملائم
مستمد من النص الديني، الذي هو دستور حياة، ينظم طرق استخدام الموارد
الاقتصادية المتاحة لدى الدولة أو الأمة وهي:
1 - الموارد الطبيعية.
2 - الموارد البشرية.
3 - رأس المال.
4 - المنظمين / المغامرين /(الإدارة).
5 - المعرفة.
وتتعدد أهداف وأوجه استخدام هذه الموارد بتعدد الجهات المالكة لها،
وهي:
(الملكية الحكومية والملكية العامة (الجماعية) و الملكية الخاصة (الفردية).
وحتى يتمكن الإنسان من تحقيق هذا " الاستخلاف " يجب أن ينظم الشارع
الملكية التي تشكل " أهم مشاكل المجتمع المعاصر، فالرأسمالية أطلقتها
على الغارب، دون قيد فانتهت إلى نوع من الملكية الاحتكارية المستغلة
التي تظلم العامل وتبخسه حقه، وتظلم المستهلك وترفع عليه السعر، وتظلم
المجتمع فتقلل الإنتاج، وكانت مصادرتها في المجتمع الاشتراكي من أسباب
انهياره الأخير، لأنها تتنافى مع الدوافع الفطرية " (23).
ولقد حمى الإسلام الملكية (بشتى أنواعها) وحرم الاعتداء عليها، وقد
استخدم تحريك غريزة الملكية لعمارة الأرض وتحقيق التنمية الاقتصادية،
فيقول: (صلى الله عليه وسلم) " من أحيا أرضاً ميتة فهي له "(رواه أحمد)،
ومع ذلك فإن الإسلام قيدها بلا ظلم ولا استغلال ولا احتكار.
وفي عصر الحداثة والانفتاح وتداخل الأسواق، وازدياد المنافسات
الدولية يجب تطوير آليات ووسائل الإنتاج، وتحسين جودة المنتج من السلع
والخدمات، ولعل أهم عناصر الإنتاج الحالية هي المعرفة التقنية، ودرجة
تأهيل الموارد البشرية، وهذا ما يوجب الاهتمام بالتعليم والتدريب
والتأهيل واستنباط التقنية الملائمة والتي يجب أن تكون " لا شرقية ولا
غربية، بل التي تتلاءم مع واقع المجتمعات الإسلامية وظروفها
واحتياجاتها، إذا ما يصلح لمجتمع معين، لا يصلح لمجتمع آخر يختلف عنه
في ظروفه وبيئته وحضارته، وهي التي تتوجه لتلبية الحاجات الأساسية
للسكان، مستخدمة الموارد المتوفرة باستغلال أمثل وبشكل يتلاءم مع
البيئة " (24)، وهذه دعوة لتفعيل البحث العلمي التقني، حتى تأخذ الأمة
الإسلامية دورها الملائم بين الأمم، عبر تسخيرها للموارد الاقتصادية
المختلفة التي أنعم الله عليها بها وتحديد أوجه استخدامها، لتحقيق
مصلحة المجتمع والفرد في آن واحد، وفي عملية توازنية، يصعب إيجادها في
الأنظمة الاقتصادية الوضعية، ومثال ذلك الدور الهام لرأس المال في
العملية التنموية حيث " منح الإسلام رأس المال حق الربح دون الفائدة
وينظر إليه كونه عمل مخزون، متراكم، متبلور، مجسد، جامد، غير حي، ويجب
أن لا يمكن من النفوذ والسيطرة كي لا يخل أرباب المال بالتوازن
الاجتماعي، ويطغون، ويتحكمون بأجور العمال، التي يجب أن تنسجم مع
الناتج، لتجديد طاقة العمال على الإنتاج والخدمة " (25).
وإذا ما تم تسخير الموارد الاقتصادية الإسلامية المتوفرة في كل دولة
إسلامية، لصالح عملية التنمية الإسلامية الجماعية، فإن النتائج لابد
وأن تكون مذهلة.
4– 2 تحديد سلم الأولويات (الإنتاج والتوزيع):
" لم تعط نظريات التنمية التي وضعت للعالم الثالث الاعتبار الكامل
للأبعاد المختلفة لعملية التنمية، بل ركزت على البعد الاقتصادي، وأهملت
البعد الاجتماعي والذي اتجهت إليه الأنظار بعد فترة من الجهود التنموية
المتعثرة، وبعد دراسة أ سباب إخفاق برامج وخطط ومشاريع التنمية " (26)
الوضعية.
كما أن التفسير الخاطئ للمشكلة السكانية بأنها نتاج التخلف وليست
سببه، قاد إلى إهمال إشباع الحاجات الأساسية للناس، وضعف الاهتمام
بالموارد البشرية، وبخاصة الاستثمار في التعليم والتأهيل والتدريب
والمعرفة، والتي تعتبر اليوم أهم عناصر الإنتاج " مما قاد إلى استمرار
ضغط المشكلة السكانية على الموارد، حيث كانت النتيجة استمرار الفقر
وتدهور مستويات المعيشة والظروف البيئية، وأخيراً تفاقم مشكلة الغذاء "
(27).
وللخروج من هذه العثرات والمطبات التنموية يلزم على المشرع تحديد
سلم الأولويات في تخصيص الموارد الاقتصادية المتوفرة على جانبي عمليتي
الإنتاج والتوزيع، لأنه غاية كل إنتاج هي الاستهلاك.
وهنا تبدأ عملية تخطيط توزيع الموارد على أولويات الإنتاج والتي
يجب أن تراعي:
- تأمين الحاجات الأمنية للمجتمع.
- تأمين الحاجات الغذائية للمجتمع.
- تأمين المأوى الملائم لكافة أفراد المجتمع.
- تأمين الخدمات الأساسية للمجتمع (خدمات المرافق و البنى التحتية،
الخدمات الحكومية التنظيمية، الخدمات الطبية والرعاية الاجتماعية
والثقافية والفكرية والروحية).
وعلى جانب التوزيع يجب على المشرع مراعاة كافة شرائح وفئات وتخصصات
وكفاءات وظروف أفراد المجتمع، بحيث يحصل كل منهم على نصيب عادل من
عوائد عمليات الإنتاج على أن يكون حده الأدنى تأمين حد الكفاف والعيش
الكريم، وحده الأقصى مقدار مساهمته في هذا الإنتاج.
4 – 3 العدالة والتكافل الاجتماعي وأهمية
الإنسان (توزيع الدخل القومي):
يهدف المشرع الإسلامي إلى توزيع الدخل القومي، لما يحقق العدالة
والتكافل الاجتماعي، ويبرز ويؤكد أهمية الإنسان في العملية التنموية،
لأنه هو الغاية وهو المنطلق، وقد أكد هذه الحقيقة العديد من المستشرقين
والباحثين في شؤون الفكر والفقه الإسلامي ومنهم Alston، Steiner والذين
أكدا على أن " الإسلام كان سباقاً إلى الاهتمام بالإنسان وحقوقه وحماية
كرامته ومكانته، حيث أن البشر متساوون في القيمة والكرامة دون تمييز
النوع أو الدين أو العرق، ولا يعد الإسلام مجرد منهج للحياة مبني على
هذه الحقوق، إنما نظرة كلية لأوجه الحياة، ابتداءً من الفقه والأخلاق
وانتهاءً بالمعاملات بين البشر والعلاقات الدولية " (28).
كما يؤكد معظم المفكرين والباحثين الإسلاميين على الدور الفاعل
والهام للعدالة الإنسانية في تحقيق أهداف وغايات التنمية لأن " الإنسان
المتمتع بالعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والمتنعم بحد الكفاية من
المسكن والمطعم والملبس والمتنصل من قيود أغلال التبعية، والمتطلع إلى
التجديد والابتكار، هو العنصر الأساسي والفعال في تخطي عثرات التخلف
وتسريع عملية التنمية بكل أشكالها وأبعادها " (29).
وتتحقق عملياً العدالة والتكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم، بعد
حصول كل مساهم على نصيبه من الدخل القومي، والذي يتحدد كما أسلفنا، إما
بالحد الأدنى المكفول من المشرع بتأمين الحد الأدنى اللازم لتكاليف
المعيشة، وحفظ الكرامة، والذي يتحقق بأوجه عديدة أهمها الخدمات
الاجتماعية المقدمة، أو بمقدار نصيب الفرد من مساهمته في الدخل القومي،
وهنا تأتي أهمية فريضة الزكاة في إعادة توزيع الدخل القومي لصالح أفراد
المجتمع كافة وبذلك تكون " تشريعات فريضة الزكاة في الإسلام، قد حققت
نشر العدالة الاجتماعية وتحقيق التكامل الاجتماعي على شكل تعاوني نساني،
لأفراد الإنسانية كافة، سواء كان منهم المسلم أو غير المسلم " (30).
وبذلك تتضح أهمية الزكاة في " إعادة توزيع الدخل بالنسبة لمن تصرف
له، فهي تغطي كل أهداف التضامن والتكافل الاجتماعي، فضلاً عن أنها تؤمن
دخلاً مناسباً للمحتاج يسمح له بمواصلة النشاط الاقتصادي، وإتاحة مستوى
معاشي متفاوت في درجاته ولكنه ليس متناقض كلياً في المستوى، كما هو
واقع الحال في المجتمع الرأسمالي " (31).
يتضح مما سبق أن المشرع الإسلامي يستطيع تحقيق العدالة والتكافل
الاجتماعي عبر مساهمة كل من الدولة مالكة المال العام والزكاة المفروضة
على الملكيات الخاصة، وبالطبع فإن تحقيق الهدف يستلزم حسن اختيار أوجه
الانفاق، وسلامته ورقابته.
4 – 4 دور الدولة (حماية، رقابة، توجيه،
رعاية، دعم):
على الرغم من تعالي الدعوات بين المفكرين الاقتصاديين والسياسيين
الغربيين إلى الحد من دور الدولة في النشاط الاقتصادي، انسجاماً مع
مظاهر وأشكال وتجليات العولمة، لكن الحقيقة هي أنه " لا تنمية بدون
الدولة " والتاريخ الاقتصادي لكافة الدول المتقدمة الصناعية يؤكد ذلك،
فبعد أن استخدموا أدوات الدولة في النشاط الاقتصادي وحققوا تنميتهم،
يطالبون الآن الدول المتخلفة بالحد من دور الدولة، وهي دعوة مكشوفة منذ
القدم في الفكر الإسلامي، حيث يرى باقر الصدر في كتابه الهام اقتصادنا
" أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين قام بعملية ملىء الفراغ لم يملأه
بوصفه نبياً مبلغاً للشريعة الالهيه الثابتة في كل زمان ومكان فقط،
معبراً عن صيغ تشريعية ثابتة، وإنما ملأه بوصفه ولي الأمر المكلف من
قبل الشريعة بملء منطقة الفراغ وفقاً للظروف " (32).
ولقد حدد الإسلام المبادىء العامة الدستورية " مبادىء الشورى
والعدالة والمساواة والحرية والتعاون ومسؤولية رئيس الدولة، وغيرها من
الأحكام العامة، وهي خالدة خلود الشريعة ذاتها " (33).
وهذه المبادىء تؤكد على دور الدولة في قيادة العملية التنموية
وتحقيق الأمن والرعاية والتكافل الاجتماعي لكافة أفراد المجتمع لأنه "
كثيراً مالا يتمكن بعض الأفراد من اشباع حاجاتهم عن طريق الملكية
الخاصة، فيمنى هؤلاء بالحرمان، ويختل التوازن العام، وهنا يضع الإسلام
ملكية الدولة بتصرف ولي الأمر لحفظ التوازن العام " (34). عبر الانفاق
العام الحكومي الذي يمكن الدولة من القيام بمهمتها الأساسية التنموية
وهي تحفيز العمل الإنتاجي " الذي يؤدي إلى تراكم الثروات في المجتمع،
نتيجة لعمل منتج وإدارة علمية، ونتيجة توزع قوى الإنتاج توزيعاً
متكافئاً بين مختلف أنماطه الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية،
وتقوم الدولة بدور أداة الضبط والتوازن بين هذه القوى، بحيث لا تسمح
بالخلل الاقتصادي بين الأنماط المختلفة " (35).
وهنا تظهر أهمية الإدارات الحكومية المختلفة، في تجسيد دور الدولة
وبخاصة في مكافحة الاستغلال وهدر الإمكانات وتبديد الطاقات والحض على
التقوى والعمل والإنتاج والانفاق والزكاة والصدقات، بهدف تحقيق العدالة
والتكافل والتعاون، وبذلك يستقيم المجتمع والفرد معاً وتتحقق غاية
الدولة.
4 – 5 البرمجة التخطيطية الإسلامية (التكامل
والتوازن القطاعي):
في إطار نظام الأولويات وفي حدود الموارد الاقتصادية المتوفرة، فإن
القيام بالعملية التنموية يجب أن يكون على أ ساس من التكامل والتوازن
والتدرج القطاعي " مؤسسياً بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وإنتاجياً
بين القطاعات السلعية والقطاعات الخدمية وسلعياً بين الزراعة والصناعة
وصناعياً بين الصناعات الثقيلة والاستهلاكية الخفيفة وإقليميا بين
المناطق الريفية والمناطق الحضرية، ودولياً بين منتجات إحلال الواردات
ومنتجات تنمية الصادرات"(36).
وحتى تتحقق هذه التوازنات لابد من وضع برامج تخطيطية تأشيرية
مترابطة ومتناسقة من حيث انسجامها مع الأهداف التنموية المجتمعية ومع
الوسائل والأدوات والموارد الاقتصادية المتاحة من جهة، ومع المتغيرات
الاقتصادية الدولية من جهة ثانية، والتي تؤثر بصورة مباشرة على الإنتاج
والأسواق سواء من حيث الأسعار أو من حيث توريد التقنيات أو احتكارها.
وإذا ما تحقق هذا التوازن فإنه بالإمكان الإقلاع بعملية التنمية
المستدامة التي عرفها " مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في(ريو دي
جانيرو) عام 1992، بأنها ضرورة إنجاز الحق في التنمية وأن تمثل الحماية
البيئية جزءاً لايتجرأ من عملية التنمية " (37).
وهذا دليل جديد على أن الحق بمفهومه المجرد يعني العدالة والتكافل
الاجتماعي والاهتمام بإنسانية الإنسان هو جوهر عملية التنمية، وهو ما
يتمثله الفكر الإسلامي.
وبالطبع فإن دور الدولة وقوة القانون ضرورية لتحقيق هذا التكامل
والتوازن القطاعي لأنه بدون قوة القانون لايمكن توزيع الموارد
والاستخدامات وتحقيق توازناتها القطاعية بما يخدم تحقيق هدف التنمية
المتوازنة المستدامة.
4 – 6 مفهوم وأشكال الاستثمار الإسلامي (الاستثمار
الجماعي):
يقوم الاستثمار الإسلامي على أساس كفاءة الأداء وعدالة التوزيع،
وذلك عبر مجموعة من المشاركات في الأصول المتنوعة المملوكة للأفراد من
جهة أو للمجتمع (الدولة) من جهة ثانية، على أن تقوم كافة هذه المشاركات
بتحمل (احتمالات المخاطرة) والمشاركة في الربح والخسارة، وهذا هو
الأساس في عملية الاستثمار.
ومع التأثر بالتطورات الاقتصادية الدولية وخاصة المعاملات المالية
والبنكية فقد ظهرت اتجاهات جديدة وتفسيرات واجتهادات،]دفعت بعض
المشرعين لجواز الفائدة المصرفية، على أساس الفرضية القائلة بأن
المستثمر للأموال (المصرف) يكون حريصاً جداً في استثمار أمواله لانه
يواجه احيانا بعض المخاطر البسيطة التي لاتؤثر على نتيجة أعماله
وربحيته، وهي وجهة نظر لا أعتقد أنها تستوجب الاستفاضة.
وبما أن الإسلام فكراً وروحاً يقوم على تشجيع العمل وتحريك رأس
المال وتنميته، فإن القنوات الإدخارية المتعددة هي الطريق لجمع مدخرات
أفراد المجتمع البسيطة، والتي لا تكفي كل منها لإقامة نشاط اقتصادي
محدد، وعبر جمع المدخرات يمكن تمويل الأنشطة الاقتصادية المختلفة وهذا
هو " الاستثمار الجماعي ".
ومع ذلك فإن عملية التنمية تتطلب استخدام كافة الموارد الممكنة،
عبر الاستثمار المتجدد بكافة أشكال وصيغ وأشكال ملكيته سواء التقليدية
أو الحديثة وكما هو معروف فإن من أقدم أشكال الاستثمار إسلامي " الوقف
الإسلامي، الذي هو عملية تنموية يتضمن بناء الثروة الإنتاجية من خلال
عملية استثمار حاضرة، تقوم على التضحية الأنية بفرصة استهلاكية، مقابل
زيادة وتعظيم الثروة الإنتاجية الاجتماعية، التي تعود خيراتها على
مستقبل حياة المجتمع " (38)، وفي معظم الدول الإسلامية يلعب الوقف
الإسلامي دوراً هاماً في تقديم الخدمات لأفراد المجتمع وفي تحصيل عوائد
تنعكس عليه بالخير والفائدة. وهو أحد أشكال الاستثمار الإسلامي والتي
تتضمن ما يلي:
1 - الاستثمار الحكومي للمال العام وتنميته.
2 - الاستثمار الجماعي للمرافق والموارد المتنوعة.
3 - الاستثمار الفردي الخاص.
ويركز الاستثمار الإسلامي على الأفراد أو الجماعات, أي حشد الموارد
لدى أفراد المجتمع ثم تسخيرها لإنتاج سلعة ما أو خدمة ما، وذلك عبر
إنشاء مشروعات سواء فردية أو جماعية أو تشاركية أو حكومية، وتلعب
النقود دوراً هاماً عبر آليات العمل المصرفي الإسلامي التي تعتبر
النقود شريك كامل في العمل ويتحمل صاحبها نصيبه من الربح والخسارة.
والمودعون (الأفراد المدخرون) في المصرف الإسلامي هم أصحاب الأموال
والمصرف هو المضارب أو العامل فيها. والذي يقدمها لعملائه من المنتجين
أو المستثمرين وفق صيغ توظيف الأموال المودعة مثل بيوع المرابحة وعقود
المضاربة أو صور المشاركة، وهو مسؤول عن هذه الأموال على شكل أمانة
وليس علي شكل ضمان، وإذا وقعت الخسارة يتحملها المودعون بالكامل.
وبشكل عام إذا ما صدقت وخلصت النوايا، وتم تنفيذ الاستثمارات
المتنوعة بعد دراسات دقيقة لجدواها الاقتصادية، على أساس الصدق وترشيد
استهلاك الموارد وحسن اختيار استخدام التكنولوجيا الملائمة، بعيداً عن
الفساد والرشوة والاستغلال، فإن عوائد الاستثمار ستكون مجزية وتحقق
العائد المتوقع لها لكافة أطراف العملية الاستثمارية، وذلك بدليل أن
معظم العقود والمشاريع الفاشلة، يكون سببها الفساد والمصالح الخاصة
لأطراف العملية الاستثمارية.
وبالتالي فإن كفاءة الآداء وعدالة التوزيع هي أسس الاستثمار
الإسلامي والذي يقوم على ركيزتين الفرد والجماعة، وبمؤازرة ودعم من
الدولة، والتي لا يمكن أن يستقيم ويتوازن النشاط الاقتصادي بدونها.
4 – 7 تشجيع الانفاق في الفكر الاقتصادي
الإسلامي (الدورة الاقتصادية):
يتميز الدين الإسلامي عن غيره من الأديان السماوية بأنه يحث على
الانفاق والتمتع بالطيبات التي رزقها الله للبشر، وفي ذلك قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنو أنفقوا مما رزقناكم) (40) البقرة 195، وفي القرآن
الكريم نحو خمس وسبعين آية تحث على الإنفاق.
وكذلك توجد العديد من الأحاديث النبوية التي تحث على الإنفاق منها
قوله صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده "
أخرجه الترمذي وأبو داوود، إضافة إلى ذلك فإن فريضة الزكاة تعتبر من
الأدوات الأساسية لتنمية المال وإعمار الأرض، لأن صاحب رأس المال إما
أن يستثمر ماله ويخرج الزكاة من أرباحه، أو يحتفظ بالمال فتأكله الزكاة
بنسب ثابتة كل عام.
كما حث الإسلام على الإنفاق ألصدقي ومنه قوله تعالى " مثل الذين
ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة
مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم " البقرة (261) وهذه
دعوة للإنفاق ومساعدة المحتاجين والذين يشكلون نسبة كبيرة من الطلب
الإجمالي.
وبذلك يكون الإنفاق الإسلامي ا ستهلاكي وا ستثماري وصدقي وأساس
الإنفاق هو الإنتاج فبدون الإنتاج لا يوجد دخل ولا إنفاق وبدون إنفاق
لا يوجد سوق وبالتالي لا يتولد إنتاج ومن ثم لا تقوم أصلاً الدورة
الاقتصادية.
وهنا تكمن أهمية حث الإسلام الأفراد على الإنتاج والكسب ثم على
الإنفاق لدفع عجلة إعمار الأرض وتنميتها حيث تعتبر " سياسة الإنفاق
العام في الإسلام جزء من النظام السياسي والاجتماعي المتكامل الذي يميز
الإسلام بأنظمته عن كافة الأنظمة الوضعية، تقوم على تحديد الأولويات
واختيار النفقات الأكثر إنتاجية في إطار الموارد المتاحة، والتي تساعد
على تحقيق الإستقرار الاقتصادي والنمو " (39).
وتدل كافة التجارب الاقتصادية المعاصرة على أهمية الإنفاق العام
والخاص، الحكومي أو الفردي أو الجماعي في محاربة الكساد، ورفع وتائر
النمو الاقتصادي، وإذا ما تحققت عدالة توزيع الدخل القومي فإن عملية
الإنفاق بكافة مكوناتها كفيلة بإعادة عملية الإنتاج الموسع وتحقيق
النمو المرغوب، الذي ينعكس على المجتمع ككل.
4 – 8 وظيفة ودور النقود والمؤسسات المالية
والمصرفية الإسلامية:
يعتبر دور النقود والمصارف في العملية التنموية، من أكثر القضايا
الشائكة في الفكر الاقتصادي الإسلامي، حيث تتعدد الآراء وتختلف حول
ماهية النقود ودور وآليات عمل المؤسسات والمصارف المالية الإسلامية،
وهل هي فعلاً لها خصوصية تعاملية على أرض الواقع تؤيدها التجارب
العملية، في إطار انتشار المؤسسات المالية والمصرفية الدولية وتشابك
وتعقد العلاقات المالية والنقدية الاستثمارية الدولية.
وبشكل عام " عرفت البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية تطوراً
معاصراً فرضه النسق العام للتنمية الاقتصادية والذي ترافق مع تطور
الفكر الاقتصادي الإسلامي الحديث، الذي ينطلق من تحريم الإسلام للربا
والذي ذهب إلى إعادة النظر بالهياكل النقدية والمالية في الدول
الإسلامية، بشكل يلغي فيه نظام الفوائد، ويحل محله مبدأ المشاركة في
الربح والخسارة، والذي كرس عملياً، واستطاع جذب العديد من المؤسسات
المالية والمصارف العالمية للعمل معها " (41).
ومن خلال الملاحظات العملية في العديد من المصارف، التي تدعي أنها
تتعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، نجد أنها تتعامل بإعادة توظيف
أموالها لدى مصارف أجنبية أو في محافظ وأوراق مالية مختلفة، لا تتناسب
مع أحكام الشريعة، وحجتهم في ذلك أن حجم التوظيفات المالية المتاحة في
السوق المحلية، لا يستوعب كافة الأموال الممكن للبنوك إقراضها، وهنا
يجب أن تتدخل السلطات الرسمية، لإشباع حاجة السوق المحلي أولاً ثم
الإسلامي وأخيراً الدولي للأموال الاستثمارية، وبعدها إذا بقيت أموال
فائضة يمكن النظر بجواز استثمارها في المصارف الاجنبية، وهذا الأمر
يتطلب تشديد وظيفة الدولة في الرقابة المالية لأنه " أمر واجب بنص
الشرع وثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأئمة، بهدف المحافظة على المال
العام وتنميته وإدارة شؤونه وفق أسلم الطرق، وأدقها سواء في مجال جمعه
من موارده المشروعة، أو صرفه لمستحقيه، مع استمرار عمليات المتابعة
والإشراف لتجنب الوقوع في الخطأ، ومعاقبة المسيء وردعه والوصول إلى
أفضل النتائج في توفير المال العام لما له من عظيم الأثر في قوة الأمة
واستقرارها " (42).
وبالطبع المقصود هنا بالمال العام هو كافة أشكال الأموال المتاحة
للأمة أو المجتمع، سواء كانت عائدة للأفراد أو الجماعات أو الحكومة،
وعلى السلطات المختصة الحكومية أن تبدي اهتماماً أكثر للقضايا النقدية
والمالية، ولدورها في عملية التنمية، لأن الاستثمار يحتاج إلى أموال
والأموال تحتاج إلى مؤسسات وأدوات موثوقة لتداولها وتثميرها, في جو من
الثقة والطمأنينة والرقابة والنزاهة.
وفي إطار المتغيرات الدولية والدعوات المتعددة لإقامة سوق إسلامية
مشتركة أو تكتل اقتصادي إ سلامي، فإن العديد من الفقهاء والمفكرين
قد " اقترحوا إحداث عملة إسلامية موحدة تسهم في تكاتف الدول
الإسلامية، لتكون قوة اقتصادية، تقف أمام أطماع الطامعين " (43).
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف العريضة، يمكن التغاضي عن بعض
الإختلافات في تفسير بعض الأحكام المتعلقة بالمعاملات النقدية والمالية
مثل أن النقود لاتلد نقوداً، أو قضايا توظيف الأموال من الربا إلى
المرابحة والمضاربة والمشاركة وغيرها كثير.
4 – 9آليات السوق الإسلامية (منافسة تعاونية،
انتفاء الاستغلال، رقابة، توازن):
ا ستطاع الفكر الاقتصادي الإسلامي، أن يتكيف مع تعقد التعاملات
السوقية المعاصرة إثر التنافس العالمي بين كبار المنتجين وصغارهم وبين
المنتجين الخارجيين سواء البعيدين جغرافياً أو بين المنتجين المحليين،
وذلك في إطار انفتاح الأسواق وتدويل وسائل وأدوات الإنتاج والتوزيع،
ويستند هذا الفكر إلى منهج الأئمة في تعاطي قضايا المعاملات حيث " يحث
ابن تيمية على منهج التيسير والتسهيل على الناس في معاملاتهم، لرفع
الحرج والمشقة عنهم، دون التساهل في المحرمات، سواء عن طريق الحيل، أو
إبرام عقود ظاهرها شيء وباطنها شيء آخر " (44)، وهو الأمر الشائع
الحدوث في ظل اتساع الأسواق وتعدد المتعاملين وتنوع ثقافاتهم
ومعتقداتهم والتي تنعكس على معاملاتهم التجارية.
إضافة إلى ذلك فإن آليات السوق الإسلامية و " ضوابط المنافسة
الاقتصادية الإسلامية " تقوم على " تجديد السلعة أو الخدمة وتخفيض
سعرها وتعميم الأرباح على المتنافسين ومنع التحاسد والتنازع والتباغض "
(45).
والهدف هو تحقيق سوق تنافسية تسود فيها روح التعاون والتكامل
وانتفاء الاستغلال، وذلك بفعل الرقابة الحكومية التي تهدف إلى تحقيق
التوازن في الأسواق والذي يعني التوازن بين العرض والطلب والتوازن بين
الأسعار والأجور.
وحتى تتحقق هذه الآلية يجب تشديد الرقابة على حركة وآليات عمل
السوق منعاً للاحتكار من جهة ومنعاً لتكدس البضائع والركود الاقتصادي
من جهة ثانية، إضافة إلى مراقبة المنافسة الخارجية وحركات دخول وخروج
البضائع ورؤوس الأموال، والتي لها انعكاسات مباشرة على الأسعار في
السوق المحلية والتي تؤثر بالتالي على تكاليف الإنتاج للسلع والخدمات
المحلية, التي تستخدم مستلزمات مستوردة، وأخيراً على الأسعار النهائية
الاستهلاكية، والتي لها آثار مباشرة على مستوى معيشة الجماهير وعلى
القدرة التنافسية لهذه السلع والخدمات في الأسواق الخارجية، وهي حالة
ما يسمى التضخم المستورد. وبالتالي فإن تجسيد آليات عمل السوق
الإسلامية، مرهون بقدرة السلطات الحكومية على الرقابة والمتابعة
والتدخل في التأثير على عناصر السوق لتحقيق التوازنات المرغوبة والتي
تدعم بالتالي عملية التنمية.
4 – 10 التعاون الاقتصادي الدولي الإسلامي:
يتشكل العالم الإسلامي من مجموعة 24 دولة تضم ما يزيد على مليار
نسمة، يمتلكون ثروات وموارد عديدة كفيلة إذا ما أحسن استخدامها، بتغيير
جذري لوضعه و " العالم الإسلامي بما يجمع بين شعوبه من روابط عديدة،
حري بأن يكون له مؤسساته الفاعلة والمتينة في مواجهات تحديات العولمة،
وذلك عبر إزالة العوائق أمام التبادل التجاري وحركة انسياب رؤوس
الأموال وتشجيع توجيه الاستثمارات الإنتاجية وتحويل مشروع السوق
الإسلامية إلى واقع " (46).
وفي إطار المتغيرات الاقتصادية الدولية وأهمها التكتلات الاقتصادية
العملاقة التي نراها تزداد اتساعاً كل يوم ومن أبرزها " الاتحاد
الأوروبي " والذي يفتقد إلى كثير من المقومات بين دوله، والمتوفرة بين
الدول الإسلامية، فإنه حري بالدول الإسلامية أن تسرع في إقامة التكتل
الاقتصادي الإسلامي، والذي سيكون له نتائج إيجابية أكيدة على كافة
الدول الأعضاء، وفي ذلك تدعيم لنشر الثقافة الإسلامية والتي هي " ليست
ثقافة ركوع لله وسجود فقط، وإنما ثقافة معاملات وعلاقات، فالإسلام دين
وأخلاق ولين وتسامح وعقود وعهد وتقوى وإيمان ورفق وتواضع " (47).
وهذا يعني أن الفكر الاقتصادي الإسلامي يؤمن بأهمية التعاون
والتكامل، أو أي شكل من أشكال التنسيق الاقتصادي بين الدول الإسلامية،
لأن توزيع الموارد الاقتصادية مختلف فيما بينها وإذا ما تخصصت كل منها
في إنتاج السلع,التي تمتلك فيها مزايا نسبية أو مطلقة، ستنخفض بالتالي
الأسعار، وفي ذلك تشجيع على تبادل المنتجات المواتية من حيث الأسعار
والمواصفات، مما يؤدي إلى اتساع السوق وتحقيق مزايا الإنتاج الوا سع
والذي يعتبر من ضرورات ومتطلبات التنمية في عصر العولمة، حيث البقاء
للشركات الأكبر والأوسع والقادرة على تخصيص مبالغ كبيرة للتحديث
والتطوير والابتكار.
وللأسف تشير الاحصاءات الرسمية إلى ضآلة التبادل الاقتصادي فيما
بين الدول الإسلامية، وهذا عائق يجب معالجته.
خامسا - خاتمة:حتمية التغيير والاجتهاد في الفكر الاقتصادي الإسلامي
(تحولات بتأثير فكر العولمة):
انسجاماً مع التحولات العديدة التي أحدثتها العولمة، تنبع أهمية
التطوير والاجتهاد في تفسير النص الديني، وصولاً لحالة من انعتا ق
الفكر الإسلامي في كافة المجالات وأهمها الاقتصادي، وقد وعى هذه
الحقيقة معظم المفكرين الإسلاميين المجددين وحتى بعض المهتمين بالفكر
الإسلامي ومنهم Hintigton والذي يرى أن " الصحوة الإسلامية هي مرحلة
تكيف الحضارة الإسلامية القائمة على قبول الحداثة والالتزام بالإسلام،
كأسلوب حياة، عبر إحياء وتفعيل الأفكار والمعتقدات الثقافية
والاجتماعية والسياسية لكافة المسلمين " (48).
وهذا يعني ضرورة الاهتمام بنقاط الالتقاء وتفعيلها وتحفيزها،
لمواجهة التحديات العديدة التي يواجهها الفكر الإسلامي وليس آخرها تهمة
الإرهاب، والتي لا يمكن جلائها إلا بتطوير " الرؤى المتبادلة والإدراك
المتبادل بين المسلمين والغرب بقدر تطور علاقاتهم وتفاعلاتهم، فعبر
قرون الزمن انتقلت الثنائية التي تحكم الرؤية للعالم من الثنائية
الدينية (مسيحيون / كفار) إلى ثنائيات علمانية متعاقبة (متحضرون /
برابرة)، (متقدمون / متخلفون)، (شمال / جنوب)، وأخيراً (أخيار / أشرار)
(49).
وعلى الرغم من موجة العداء المتصاعدة للإسلام في الغرب عموماً وفي
الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً. " يعتبر الإسلام اليوم من أكثر
الديانات السماوية انتشاراً في المجتمع الأمريكي، بسبب الموجات الواسعة
من المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، (إضافة إلى زيادة أعداد
معتنقي الإسلام بين الأمريكيين وخاصة ذوي الأصول الأفريقية، وإذا ما
استمر معدل نموهم كما هو الحال فإنه بحلول عام 2015 سيكون الإسلام
الديانة الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية " (50).
وبالطبع فإن الجهود التي تبذلها الحكومات الإسلامية والمفكرين
والباحثين ورجال الدين، ستلقى مقاومة عنيفة من قبل الجهات المتضررة من
نجاح وتفوق وازدهار الثقافة والفكر والاقتصاد الإسلامي وأهمها " الدول
الصناعية المتقدمة وشركاتها متعددة الجنسية، حيث لابد أن يقاوموا
التنمية الشاملة في أقطار العالم الثالث (والإسلامي)، لأن الأوضاع
الراهنة تمكنهم من الحصول على نصيب كبير من الفائض الاقتصادي المتحقق
في تلك الأقطار، وبالتالي فإن التنمية الشاملة هي معركة تحرر اقتصادي
وحضاري، ولابد من خوضها عبر المواجهة التي لاتستبعد المعاوضة ولا تعني
المقاطعة الشاملة " (51).
لأن العصر الحالي المتعولم، لايترك الخيار لأحد بالإنعزال، بدليل
المنعكسات الحالية للازمة المالية العالمية على العالم أجمع، وإذا ما
أردنا نشر ثقافتنا وفكرنا ورسالتنا الإسلامية السماوية والقيام بدورنا
في إنقاذ البشرية مما يهددها من جوع وفقر وتدهور بيئي وصولاً لمجتمع
إنساني عالمي ينتفي فيه الاستغلال والحقد والكراهية، وتسوده قيم المحبة
والعدالة والإخاء حتى يكون القصد والغاية الرفاه للجميع، وحسب ما أعتقد
فإن نقطة الإنطلاق هي إنعتاق الفكروالقدرة على تحديث التفسير والاجتهاد
في النص الديني, والحديث الشريف، بعيداً عن التعصب المذهبي والطائفي،
إضافة لمزيد من الاهتمام بالإعلام المنفتح على فكر وثقافة وتقنية
واقتصاد الأخر, وليكن هذا البحث وهذه المناسية مساهمة في هذا التوجه.
* جامعة دمشق / كلية الاقتصاد
** الورقة التي القيت في المهرجان العالمي التاسع
للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي عقد في فندق السفير في السيدة
زينب بدمش سوريا، تحت شعار: النهج الاقتصادي للإمام علي عليه السلام..
دروس للحاضر والمستقبل
.....................................
سادسا – المراجع المستخدمة في البحث:
1 - د. محمد أسعد أبو عامود، الإسلام في المواجهة،
السياسة الدولية، العدد 151، يناير 2003، ص 84.
2 - د. أحمد برقاوي، حقوق الإنسان في الفكر العربي،
دراسات في النصوص،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت، نيسان 2002، ص
602.
3 - د. رمزي زكي، الأزمة الراهنة في الفكر التنموي،
المؤتمر العلمي السنوي للاقتصاديين المصريين، القاهرة 1997، ص 22 – 23.
4 - سليمان مظهر، النمور الصغيرة الزاحفة، الدار
المصرية اللبنانية 1998 ص 20.
5 - measuring the conditional the world poor>the
physical Morris d
quality of lif index new york. pergamon press
1997.p34
6 - د. جورج قرم، التنمية المفقودة، دار الطليعة،
بيروت، الطبعة لثالثة 1985 ص 9
7 - د. نادية رمسيس، النظرية الغربية والتنمية
العربية، المستقبل العربي، العدد 164، 1994 ص 35.
8 - Patric.g.Buchanan- the deate of the west.
newgersy 2001- p.h.b-p.172
9- Gunar myrdal asian drama. Inguiry into the
poverty of nations. New york pantheon 1969.p.67
10 - د. عدنان سليمان، د. عصام خوري، التنمية
الاقتصادية، دراسة في التخلف والتنمية، منشورات جامعة دمشق 1995 ص 74
ومابعدها.
11 - د. منى مصطفى البرادعي، تقييم تجارب التنمية في
العالم الثالث، الفكر الاستراتيجي العربي، العدد 36، نيسان 1991 ص 198.
12 - يوسف الأشقر، عولمة الرعب، بيروت 2001 ص 22.
13 - غسان سلامة، التحولات من النظام الدولي
وأبعادها، المستقبل العربي، العدد 282، فبراير 2003 ص 17.
14 - إبراهيم نويري، الاقلاع الحضاري وتأكيد الذات،
مجلة الحرس الوطني، مارس 2003، العدد 249 ص 82.
15 - ترجمة أحمد عبد الكريم، (رجال المال والمصارف
يحكمون العالم) دار الأهالي، دمشق 1992 ص 162.
16 - د. وداد كيكسو، العولمة والتنمية الاقتصادية،
نشأتها، تأثيرها، تطورها، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2002
ص 142.
17 - Geremsy eabrook. Victims of development
resistance and alternative.london. ph 1999-p.117
18 - د. علي خليفة الكواري، التنمية كعملية حضارية،
المستقبل العربي، العدد 449، 1993 ص 7.
19 - د. محمد سعيد رمضان البوطي، د. طيب تيزيني،
الإسلام والعصر، تحديات وآفاق، دار الفكر، دمشق 1998 ص 148.
20 - د. عبد الرحمن يسرى، دراسات في علم الاقتصاد
الإسلامي، الدار الجامعية الاسكندرية 2001 ص 125.
21 - د. غسان محمود إبراهيم، الاقتصاد الإسلامي علم
أم وهم، دار الفكر، سورية 2000 ص 67.
22 - د. عبد الرزاق عيد، د. يحي عبد الجبار،
الديمقراطية بين العلمانية والإسلام دار الفكر، دمشق 1999 ص 329.
23 - يوسف محمد، فقه الاقتصاد الإسلامي، دار القلم،
الكويت 1998 ص 318
24 - عبد الحق الشكيري، التنمية الاقتصادية في
المجتمع الإسلامي 1994 ص 138.
25 - د. رفيق يونس المصري، بحوث في الاقتصاد
الإسلامي، دار المكتبي، دمشق 2001 ص 45.
26 - أحمد بركات، مآزق التنمية، دار الفكر، دمشق
1998 ص 38.
27 -.World bank.sustainable growth with
eguity.2001.o.p.cit.p.22
28 - Steiner,h.g and alston,p.international human
rights in contex: low,politics, morals, oxford university press
2000.p.396l
29 - د. إبراهيم العسل، التنمية في الإسلام /
مفاهيم، مناهج وتطبيقات، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت 1996
ص 243.
30 - محمد عادل بركش، تلاقي الإسلام والتأمين في
الأهداف، دمشق 1996 ص 9.
31 - د. عوف الكفراوي، سياسة الانفاق العام في
الإسلام، مؤسسة شباب الجامعة 1989 ص 385.
32 - محمد باقر الصدر، اقتصادنا، بيروت، دار التعاون
1401 هـ ص 419.
33 - د. عبد المنعم بركة، الإسلام والمساواة بين
المسلمين وغير المسلمين في العصر الحديث، مؤسسة شباب الجامعة 1999 ص
339.
34 - محمد باقر الصدر، اقتصادنا، مرجع سابق ص 393.
35 - د. محمد شحرور، الدولة والمجتمع، دار الأهالي،
دمشق 2000 ص 182
36 - د. عبد الحميد الغزالي، الإنسان أساس المنهج
الإسلامي في التنمية الاقتصادية، البنك الإسلامي للتنمية، جدة 1994 ص
52.
37 - Douglasmuschett-principels of sustainable
development international hause for cultural investment. S.a. ecypt.
Srn.2000-p.17
38 - د. منذر قحف، الوقف الإسلامي، تطوره، إدارته،
تنميته، دار الفكر، بيروت 2000 ص 67.
39 - د. عوف الكفري، مرجع سابق ص 50.
40 - البقرة 195 – 261.
41 - عائشة الشرقاوي، البنوك الإسلامية، التجربة بين
الفقه والقانون التطبيق، المركز الثقافي العربي 2000 ص 22.
42 - د. حسين راتب ريان، الرقابة المالية في الفقه
الإسلامي، دار النفائس، عمان، الأردن 1999 ص 223.
43 - أحمد حسن، الأوراق النقدية في الاقتصاد
الإسلامي، قيمتها وأحكامها، دار الفكر، دمشق 1999 ص 372.
44 - إبراهيم الشال، القواعد والضوابط في المعاملات
المالية عند ابن تيمية، دار النفائس، عمان، الأردن 2002 ص 223.
45 - د. رفيق يونس المصري، بحوث في الاقتصاد
الإسلامي، دار المكتبي، دمشق 2001 ص 85.
46 - محمد محفوظ، الإسلام والغرب، وحوار المستقبل،
المركز الثقافي العربي 2000 ص 122.
47 - د. غازي عناية، أصالة الحقائق العلمية
والثقافية في الإسلام، دار زهران، عمان 1999 ص 33.
48 - صاموئيل هنتجتون، الإسلام بين الأصالة
والحداثة، ترجمة طلعت الشايف 1999 ص 181.
49 - د. نادية مصطفى، حروب القرن الواحد والعشرين،
ووضع الأمة الإسلامية رؤية أولية، السياسة الدولية، العدد 151، 2003
المجلد 3، ص 77.
50 - د. فيصل أحمد الصالح، المهاجرون المسلمون
ومقاومة الذوبان في المجتمع الأمريكي، مجلة المجتمع، الكويت، العدد
116، 1995 ص 23.
51 - د. إسماعيل صبري عبد الله، نظرات في تجربة
تخطيط التنمية، المستقبل العربي، العدد 55، 1993 ص 11. |