إنجاز المهمة الأمريكية في العراق بين التزامات بوش وضغوط أوباما

 

شبكة النبأ: في يوم الثلاثاء 30 حزيران الماضي انسحبت القوات الأمريكية من المدن العراقية وفقاً لاتفاق تم التفاوض حوله في عهد الرئيس بوش. وبالرغم من أن الرئيس أوباما قد أيد إلى حد كبير جدول بوش الزمني لخفض الوجود العسكري الأمريكي في العراق، إلا أن الموضوع الأقل وضوحاً هو إلى أي مدى تبنّى أوباما أيضاً إدراك سلفه لأهمية تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في العراق.

وعن هذه الناحية كتبَ جون هانا، باحث في معهد واشنطن، شغلَ منصب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس ديك تشيني مقالاً هاما جاء فيه: حتى عند أخذ جميع أخطاء إدارته في العراق بنظر الإعتبار، فهمَ بوش بوضوح حتمية الانتصار حينما [قرر] إرسال القوات الأمريكية إلى العراق. وكان يعلم أن سحبها في الوقت الذي تستمر فيه العمليات العسكرية ضدها قد يكون كارثياً، حيث كان ذلك سيعزز [مركز] تنظيم «القاعدة» وإيران في العراق، و [يؤدي إلى] انهيار المصداقية الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

كما كان سيسبب انزلاق العراق إلى فوضى، ويؤدي إلى حدوث المزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة حيوية لمصالح الولايات المتحدة.

واضاف هانا، [النقطة] الأكثر إيجابية هي أن الرئيس بوش فهم أيضاً بأن الوفاء بالتزامات الولايات المتحدة لمساعدة العراق على بناء ديمقراطية مستقرة يمكن أن يقدم بشكل كبير المصالح الأمريكية على المدى الطويل. وسوف [ينعكس ذلك] على حصول دول الشرق الأوسط العربية -- المنطقة التي وفرت الأيديولوجية، والتمويل، والقيادة، و "جنود المشاة" لهجمات 9/11 -- على مثال قوي لديمقراطية حديثة وناجحة. كما سيكفل [حصول] الولايات المتحدة على موطئ قدم استراتيجي في إحدى مراكز العالم الإسلامي التاريخية في مجال السلطة السياسية والدينية والثقافية.

هناك الكثير من الناس في الشرق الأوسط الذين يقدرون صحة الرؤية الاستراتيجية المركزية للرئيس بوش، في الوقت الذي قد تهزأ منها النخبة الغربية. إن إشاعة الديمقراطية في العراق – واصطفاف تلك البلاد مع الولايات المتحدة [مع الأخذ بنظر الاعتبار] تمتعها باحتياطيات واسعة من النفط والموارد المائية وعدد كبير من السكان الكادحين -- يمكن أن يؤدي إلى تحويل المنطقة إلى ما هو أحسن، ويدعم قوى الإصلاح التقدمي على حساب "السنة والشيعة المتطرفين".

وأكّدَ هانا، إن التزام بوش بتحقيق النصر في العراق قد اختفى كلية في ظل [إدارة الرئيس] أوباما. فبقناعته منذ البداية بأن الحرب كانت خطأ (قناعة تحصنت بالخروق التي ارتكبها طاقم بوش بعد الغزو)، كان أوباما على مر السنين البائع الرئيسي للسرد [الذي نسجه عن حالة] الفشل: العراق يعتبر بمثابة كارثة هائلة – اضطراب لا معنى له استنزف موارد الولايات المتحدة في حين جعل بقية دول العالم غير مسرورة. ومع قبوله التزام مبهم لمساعدة العراقيين على صياغة مستقبل أفضل، تأتي النتيجة المستخلصة [من سياسة] أوباما بصورة مدوية وواضحة: كانت الحرب خطأ استراتيجياً فادحاً، وعلى الولايات المتحدة أن تغسل يديها منها، وتعيد التركيز على أولوياتها "الحقيقية" في الشرق الأوسط، وخير البر عاجله.

وبما أن أوباما تبنى إلى حد كبير الجدول الزمني الذي حدده الرئيس بوش لسحب القوات الأمريكية، يمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كان هناك حقاً أي فرق في استمرار أوباما رؤية العراق كعائق يجب الهرب منه أكثر من كونه ذخر يتعين تأمينه. الجواب القصير هو نعم. يمكن أن يكون لعلم النفس تأثير استراتيجي في الشؤون الدولية.

ولفت هانا الى انه، عندما أقرَّ الرئيس بوش "زيادة" عدد القوات الأمريكية في العراق، كان الجدل مبني على أن الوقع النفسي لا يقل أهمية عن التأثير العسكري. فوسط إدعاءات المسلحين بالنصر وتدهور الدعم المحلي في الولايات المتحدة، أدى قرار بوش مضاعفة عدد القوات بدلاً من سحبها، إلى بعث رسالة قوية إلى الأصدقاء والأعداء على حد سواء، بأن ليس لدى الولايات المتحدة نية للتخلي عن العراق. وباطمئنانهم [في أعقاب اتخاذ ذلك القرار]، عمل العراقيون بكل تحفز في جهودهم لمواجهة تنظيم «القاعدة» والميليشيات وأشار هانا الى، ان أوباما يخاطر بإذكاء الدينامية العكسية. فالعراقيون يصغون إلى خطبه ويسمعون بأن الانسحاب، وليس الانتصار، هو في سلم أولوياته. وهم يرون بأن الولايات المتحدة تبدو مهتمة بالتواصل مع إيران التي تفرض هيمنتها [على المنطقة]، بصورة أكثر من اهتمامها بتوطيد الديمقراطية في العراق. كما يعلمون من خلال زياراتهم إلى واشنطن، بأنه لم يتم تكليف أي مسؤول كبير مقرب من الرئيس بالإشراف على السياسة في العراق، إلى أن تم أخيراً شغل هذا المنصب في الأسبوع الماضي.

وتابع هانا، خلال زيارة قمت بها إلى العراق مؤخراً، سألني مسؤول عراقي رفيع، نصف مازحاً، "هل أنتم الأمريكيون لا تزالون هنا؟". إن الفراغ الناتج من التصور [السائد] عن تزايد عدم اهتمام الولايات المتحدة [بما يجري في العراق] هو شئ واضح. فقد تم ملء الفراغ بشكل متزايد من قبل الجمهورية الإسلامية، على الأقل قبل [اندلاع] الاضطرابات في إيران هذا الشهر. وقد تصاعدت العمليات [الناتجة عن زيادة] النفوذ الإيراني بصورة كبيرة منذ تولي إدارة أوباما الحكم، وقد تجلى ذلك بوضوح أكثر من خلال زيادة عدد الزوار الإيرانيين على مستوى عال إلى العراق.

ومرة أخرى، وبسبب عدم تأكدهم البالغ من الالتزام الأمريكي طويل الأمد لمستقبلهم، بدأ العراقيون ينظرون حولهم ويذهبون مع من يناصرهم [لتأمين مصالحهم] بطرق غير مفيدة. ويشكل قيام العراقيين بتأهيل أنفسهم حسب جدول أعمال الهيمنة الإيرانية المقبلة بدلاً من الأمريكيين المغادرين الذين حرروهم، النهج المفضل الذي يزداد شعبية.

واستنتج هانا، على الرغم من أن إدارة بوش ارتكبت العديد من الأخطاء المكلفة في العراق، حقق قرار "زيادة" القوات الأمريكية نجاحاً باهراً، بحيث وضع من جديد هدف قيام عراق مستقل وديمقراطي في متناول اليد -- كما اتضح من نجاح انتخابات المحافظات في كانون الثاني المنصرم. إن أوباما في موقف يؤهله تحقيق ذلك الهدف، ولكن فقط إذا تم التعويض عن انسحاب الجيش الأمريكي بقيام - بصورة مقابلة وعميقة - مشاركة دبلوماسية واقتصادية رفيعة المستوى. غير أن ذلك سيتطلب قيام الرئيس بتكريس وقت أقل بكثير للإشارة إلى حرصه على الخروج من العراق، وإلى مزيد من الوقت في العمل مع العراقيين لمعرفة أفضل طريقة تمكن الولايات المتحدة من البقاء [لحماية ما انجز].

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/تموز/2009 - 20/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م