افتتح الأربعاء 8/7/09 في لاكويلا الإيطالية مؤتمر الدول الثماني
ومجموعة الخمس زائدا واحد، والدول الخمس هي الصين والهند والبرازيل
والمكسيك وجنوبي أفريقيا زائدا مصر بدعوة خاصة. لقد حرص الداعون
للمؤتمرأن يحضره ممثلو دول تحظى بوزن سكاني واقتصادي وسياسي وجغرافي
مميز موزعين على كافة قارات العالم.
وقد حشدت حركة حماية البيئة ومنظمات مدافعة عن حقوق الانسان ومنظمات
شعبية يسارية أخرى لتجمعات جماهيرية تطالب المجتمعين باتخاذ خطوات
عملية لتقديم المعونات لمساعدة الدول النامية والتقليل من انبعاث
الغازات الملوثة للبيئة والتخفيف من استخدام الطاقة المحتوية على
الكاربون والتحول نحو الطاقة النظيفة بدلا عنها.
إن مثل هذه المؤتمرات قد اعتادت أن تستمع ولو من بعيد لمخاوف
الجماهير وتحاول التجاوب إعلاميا مع همومهم، لكن ما يحتل الأولوية في
هذا المؤتمر هي المشكلات التي تواجه! النظام الرأسمالي وبالأخص الأزمة
الاقتصادية الراهنة ودورها في إعاقة النمو الاقتصادي الذي يميل في
البعض منها أن يكون نموا سالبا.
لقد كشف المؤتمر في يومه الأول عن إصرار مجموعة الثمانية على السير
على نفس النهج الذي كان سببا في الأزمة الاقتصادية الراهنة، نهج
الانفتاح على السوق العالمية وما يتطلبه من إلغاء للسياسات التجارية
الحمائية وأي تدخل حكومي في آليات السوق و حركة رؤوس الأموال والسلع
وبضرورة خصخصة المشروعات الحكومية وكبح التنظيم النقابي وخفض أسعار
العمل(الأجور) وتحرير أسعار الفائدة ووضع سعر صرف تنافسي وإطلاق حرية
الملكية و انتهاج أسعار ضرائب منخفضة على الدخل وطبعا إلغاء الضرائب
الجمركية.
إن مثل هذا النهج يضع اقتصاديات الكثير من الدول وبالأخص الفقيرة
منها تحت رحمة الشركات العملاقة ذات السطوة، ويجعل منها قوة مطلقة
اليد في استنزاف موارده الاقتصادية إلى أقصى الحدود. لقد أدى التطبيق
الصارم لمبدأ المنافسة الحرة بالدولة إلى أن تكون تابع فاقد للمبادرة
ولاعب لا هم له سوى التكيف مع المنافسة الدولية وحفز المشاريع الوطنية
على عدم نقل الانتاج إلى العالم الخارجي وتشجيع المشاريع الأجنبية على
الاستثمار في الاقتصاد الوطني بمنحها امكانات واسعة للتهرب من دفع
الضرائب.
إن مؤتمر دول الثمانية أراد بمشاركة الدول الست التي استضافها أن
يرسل لسكان العالم أجمع رسالة مفادها أن العولمة الرأسمالية بخير وأن
الرفاهية التي وعدت بها فقراء العالم آتية لا محالة، وما عليهم إلا
الاستمرار في شد الأحزمة. هكذا كانت رسالة المؤتمر إلى العالم النامي
ليبقي أبوابه مشرعة لشركاته العابرة للحدود لتنهب ما تشاء بدون قيد أو
شرط ففي ذلك تكمن الرفاهية ويعم الخير. ففي خلال العشرين عاما من بدء
سياسة الليبرالية المحدثة (الأيدولوجية التي تؤمن بها مجموعة الدول
الثماني بشكل خاص) اتسعت الفجوة بين دخول أصحاب الثروة ودخول العمل
الأجير، واتسعت البطالة في الدول كافة بما فيها الدول الصناعية نفسها.
ففي ألمانيا على سبيل المثال أرتفع عدد العاطلين عن العمل ليبلغ 4.5
مليون عاطل وفي بريطانيا حوالي 3 ملايين عاطل عن العمل وفي فرنسا زاد
الرقم عن ذلك، أما الدول النامية فقد عم فيها الفقر وازداد الفقراء
فقرا.
يقول الاقتصادي الألماني المعاصر كارل غيورك أن المتغنين بمحاسن
العولمة يرددون نغمة مفادها : " أن الأعباء مؤلمة، من دون ريب، إلا أنه
لا مفر منها البته ". ويفصح عن وجهة نظره بالعولمة فيقول : التوسع
المفرط بما يزعم انه ينطوي على الحسنات فقط يمكن أن يؤدي إلى عكس
المتوخى منه، فانطلاقا من عدم التكافؤ في توزيع القوى السائد حاليا بين
الدول الغنية والدول الفقيرة من حيث مستويات التطورالاقتصادي إلى تشويه
البنية الاجتماعية – الاقتصادية في الاقتصاديات الأضعف.
من هنا يحسن بهذه الدول ألا تأبه بالنداءات المضللة المشيدة بمحاسن
التجارة الحرة، فالأفضل لها أن تقوم ببناء اقتصادها مستعينة بطرق حماية
الصناعة الناشئة. ولعل في دول النمور الشرق أسيوية (تايوان وكوريا
الجنوبية وسنغافورة) على سبيل المثال، القدوة التي يتعين على هذه ا!
لدول الاقتداء بها، فهذه الدول الناجحة في احراز التقدم الاقتصادي
أحجمت عن تحرير علاقاتها الاقتصادية الخارجية على مدى طويل نسبيا.*
لقد أعلن المؤتمرون عن حزمة من الاجراءات لمساعدة الدول النامية على
مكافحة الفقر والدعوة إلى تجميع 15 بليون دولار لتشجيع تلك البلدان على
انتاج ما تأكل. إن مثل هذا التعهد سيسر بالتأكيد الحكومات الفاسدة التي
لم يشغلها أبدا انتهاج سياسات اقتصادية لتحسين أداء اقتصادها لصالح رفع
المستوى المعيشي لمجتمعاتها بقدر اهتمامها بحياة البذخ ودعم قوى الشرطة
والأمن التي تحميها من غضب شعوبها التي تطحنها البطالة والعوز
والمجاعة.
إن الشركات العابرة للحدود قد استبقت ما قرره ممثلو الدول الثماني
لأنها على ما يبدو على علم بالدور الذي يراد أن تلعبه الدول النامية في
سلة الغذاء العالمية. ففي الوقت الذي تعد المجموعة اقتراحا يتعلق
بالمبادىء والممارسة السليمة للاستثمار الزراعي الدولي تشهد الدول
النامية خاصة الافريقية منها عمليات شراء كثيفة للأراضي الزراعية. إنها
فرصة استثمارية ذهبية تتيحها مجموعة الدول الثماني لشركاتها الباحثة عن
الفرص المربحة، لأن شراء الأراضي في أفريقيا في ظل الفساد المستشري
سيكون بخسا جدا، وبالتالي فإن مجالات واسعة للمضاربة ستفتح على
مصارعها.
من جانب آخر لم يتضح بعد الأهداف الحقيقية من وراء شراء الأراضي،
وفيما إذا ستكون فعلا لأغراض زراعية بحتة أم لأغراض أخرى، وما هي
المنافع التي ستعود على أصحاب الأرض الأصليين، وفيما إذا ستكون وسيلة
مبتكرة لعودة الإمبريالية إلى القارة السوداء.
لقد صدر عن مجموعة الثماني ومجموعة الخمس زائد واحد التي تضم الصين
والبرازيل والهند والمكسيك وجنوب افريقيا ومصر بيان جاء فيه ان هذه
الدول تشجع فتح الأسواق أمام المبادلات والاستثمارات، وستجتمع على
مستوى وزراء التجارة "قبل قمة بيتسبرج" لمجموعة العشرين التي تعقد في
الولايات المتحدة في 24 و25 سبتمبر/ايلول، وهذا هو بيت القصيد، الذي
جمع ممثلو أغنى دول العالم وأفقرها. |