المستشفيات الحكومية وظاهرة تردي الخدمات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: حينما نحاول أن نلقي نظرة متفحصة على ما يجري في المستشفيات الحكومية، لاسيما في جانب ضعف الخدمات الصحية، فإننا سنحصل على نتائج مؤسفة تحدث على الارض ويمكن لمسها لمس اليد سواء من لدن المواطن او المسؤول او المتابع الحيادي، ذلك ان العنصرين الاولين ونعني بهما المواطن والمسؤول الصحي هما على طرفي نقيض، حيث يرغب الاول بعلاج نموذجي وبمعاملة انسانية تليق بالبشر، في حين يميل العنصر الثاني لتحقيق رغبة المواطن (وهي حق من حقوقه الملزمة للحكومة) الى الجانب الشكلي الذي يتنافى مع جوهر الخدمة الصحية.

بمعنى آخر أن عمل المسؤول الصحي يكون قاصرا لأسباب عديدة لذلك يكون شكليا في معظم الأحيان ولهذا تكون الخدمات الصحية المقدمة للمواطن متردية ولا تتناسب مع الجهد المفترَض بهذا الخصوص، وما بين المواطن والمسؤول يوجد المراقب والمتابع المحايد الذي يحاول ان يرصد الخلل في هذا المجال بروح المسؤولية والأمانة الاخلاقية والوطنية التي تفرض عليه أن لا يميل الى هذا الطرف او ذاك.

وهنا نتساءل، من هي الشريحة التي تُكثِر من مراجعاتها الى المستشفيات الحكومي؟ وهل يمكن ان نتصور بأن طبقة الاثرياء تترك المعالجة في المستشفيات والعيادات الخاصة وتلجأ الى القطاع الصحي الحكومي؟.

إن الجواب عن هذا لا يحتاج الى تدقيق كبير، فطبقة الفقراء حتما هي التي تلقي بنفسها على ابواب المستشفيات الحكومية بسبب حالة العوز التي تعاني منها.

في مقابل ذلك فإن القائمين على تقديم الخدمات من اطباء وغيرهم لن يحصلوا على المردودات الربحية التي يتطلعون إليها لقاء خدماتهم في المستشفيات الحكومية.

في حين يختلف الحال عندما يقوم الاثرياء وقلة من الفقراء بمراجعتهم الى عياداتهم او مستشفياتهم الخاصة او ما يُطلق عليها بالمستشفيات الأهلية، ولعل حجر الزاوية في ضعف الخدمات يكمن في هذه النقطة، التي تشكل لب الاختلاف بين المواطن من جهة وبين المسؤول الصحي القائم على تقديم الخدمات.

وهنا ستبرز بقوة مسؤولية الحكومة لفض هذا الاختلاف الذي غالبا ما يعود بالأذى والخسارة على المواطن قد تصل أحيانا الى الموت او الاصابة بعاهة مستديمة، فالطبيب (وهذا رأي لا غلو ولا تجاوز فيه) لا يستقبل المريض في المستشفى العام كما يستقبله في عيادته او مستشفاه الخاصة، حتى في جانب التعامل الانساني، فالابتسامة العريضة والاخلاق الراقية التي يتحلى بها المسؤول الصحي في أماكنه الصحية الخاصة لن تعثر عليها في دوامه الرسمي في المستشفى العام، ومع انه لا يجوز تعميم هذه الحالة على الجميع إلاّ انها هي الظاهرة الغالبة، وهذا ليس قول المراقب او المتابع فحسب بل هو رأي وقول المواطن الفقير الذي يضطر مرغما لمراجعة المستشفيات والمستوصفات الحكومية بسبب حالة العوز التي يعاني منها وهو امر ليس مخفيا على المسؤولين او غيرهم، ومع ان الجميع من الذين ينتمون الى طرفيّ المواطن والمسؤول الصحي على معرفة بالظواهر المؤسفة التي تنتشر في المستشفيات العامة، فإننا ومن أجل التذكير (وذكّر عسى أن تنفع الذكرى) نضع بعض هذه الظواهر في النقاط التالية:

1- للمحسوبية والتوسط دور في تقديم او تأخير معالجة هذا المريض او ذاك، ناهيك عن تباين نوع الخدمة الصحية بين المعارف وغيرهم، وهي ظاهرة مؤسفة يحرمها الدين والاخلاق والعرف الانساني.

2- تسريب الأدوية من المذاخر والصيدليات العامة ظاهرة تنخر في هيكلية ادارة المستشفيات وتضعف من قدراتها على تقديم الخدنات الصحية اللازمة.

3- التباين (المعيب) في طبيعة التعامل الانساني من قبل الطبيب والمعالج مع المراجعين، فالمعاملة في عيادته او مستشفاه الخاصة لا تشبه من بعيد او قريب تلك التي يتعامل وفقها في المستشفى العام.

4- إعتماد الخدمة الشكلية التي تفتقد الى جوهر العلاج الصحي الحقيقي الذي يهدف الى معالجة الناس بصورة حقيقية صادقة تقدم الجوهر الانساني على الشكل المصلحي.

5- الضعف الاداري الواضح في تسيير الخدمات الصحية وتقديمها للمراجعين، إبتداء من المسؤول الأعلى نزولا الى (المعين او المنظف) واعتماد المصلحة او الفائدة المادية بدلا من الجانب الانساني او الجانب العملي الذي يتقاضى عليه أجورا شهرية منتظمة.

6- ضعف تطبيق القوانين الصارمة بحق العاملين المسيئين في القطاع الصحي.

إن هذه الظواهر وغيرها لا تحتاج الى منظار دقيق لرصدها من قبل المسؤول او غيره، فهي ظاهرة للعيان ويمكن رصدها بسهولة ويسر، لكن المطلوب هو عمليات ادارة ناجحة وحازمة ترافقها نظرة إنسانية الى الفقير او المواطن الغير قادر على مراجعة العيادات والمستشفيات التي غالبا ما تعرض خدماتها مقابل أجور باهظة لا يتمكن على  توفيرها سوى الأثرياء، أما الفقراء فتبقى عيونهم ترنو الى الله تعالى والى ذوي الضمير الحي والمسؤولين المخلصين لدينهم ولأنفسهم قبل أي شيء.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/تموز/2009 - 18/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م