النفط في العراق: طموح الانتعاش يتحول الى قلق مزمن

أكبر مزادات الطاقة في التاريخ يواجه العواصف السياسية والأمنية.. والرمليّة

 

شبكة النبأ: شجّعَ أحد أكبر مزادات الطاقة في التاريخ كبار مسؤولي الشركات على تحدّي العواصف الرملية والمخاطر في بغداد هذا الاسبوع كي يقدّموا عروضهم للفوز بعقود مجزية طويلة الاجل لتطوير حقول نفط.

فمنذ شهور والعراق يروّج لمزاد للطاقة، على أنه انتصار للشفافية وفرصة هائلة للشركات العالمية وذلك رغم انتقادات الداخل التي واجهها بوعود بأن اتفاقات الخدمة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات ستكون نقطة تحول بالنسبة لقطاع النفط المتعثر.

ولكن في نهاية اليوم الموعود تحوّلَ المزاد الذي خُطط له بعناية الى فوضى وسط دهشة الشركات من صرامة الشروط وتساؤلها عن الطريقة التي ستختار بها الحكومة العراقية فائزين للصفقات التي لم تُمنح بعد.

وفي قاعة ضخمة بأحد الفنادق في المنطقة الخضراء المحصنة ببغداد تزاحم المسؤولون الغاضبون حول أحد كبار المسؤولين عن المزاد بعدما كشف يوم طويل من تقديم العطاءات عن فجوة ضخمة بين ما أبدى العراق استعداده لتقديمه لهم وبين ما توقعوه هم.

وارتسم القلق على وجوه تريد معرفة ماذا سيحدث بعد المزاد ودارت تساؤلات من قبيل كيف ستختار الحكومة العراقية الفائزين في الصفقات المتبقية ومتى سيحدث ذلك. وتساءل احد المسؤولين وقد اتسعت عيناه من القلق "ماذا عن الشفافية؟."

والخوف ليس بمستغرب فالشركات الكبرى تفكر في دخول ساحة سياسية غير مستقرة بالعراق والتعامل مع نظام قانوني لم يختبر بعد للقيام باعمال مع حكومة تجاهد لتنفض عن نفسها سمعة الاقتتال السياسي والفساد.

وبحلول الاربعاء الماضي اصبحت المخاوف بشأن الشفافية موضع نقاش عندما اعلنت الحكومة انها رفضت جميع العطاءات المتبقية ليعود مسؤولو شركات كبرى مثل توتال الفرنسية واكسون موبيل الامريكية من رحلتهم بخفّي حُنين.

ومن غير الواضح ما هو الاثر الذي سيتركه التخبط الذي صاحب اول مزاد نفطي كبير للعراق منذ عقود والذي كان من المفترض ان يمنح ما يصل الى ثمانية عقود كبيرة وانتهى بمنح واحد فقط على المزادات القادمة ومستقبل قطاع النفط.

منح عقد تطوير حقل الرميلة بالعراق لكونسورتيوم تقوده بي.بي

وقَبِلَ كونسورتيوم بقيادة شركة (بي.بي) ويضم شركة البترول الوطنية الصينية (سي.ان.بي.سي) عقدا لتطوير حقل نفط الرميلة اكبر حقول النفط في العراق. ويقدر حجم الاحتياطيات بحقل الرميلة العملاق في الجنوب بنحو 17 مليار برميل.

ورفض تحالف آخر تقوده اكسون موبيل وتشارك فيه بتروناس الماليزية كان قد تقدم بعرض لتطوير نفس الحقل الحد الاقصى لرسم الخدمة على برميل النفط الذي اقترحته وزارة النفط ليمنح تحالف بي.بي فرصة الفوز به.

وقبل تحالف بي.بي/سي.ان.بي.سي رسما يبلغ دولارين عن كل برميل نفط اضافي يتم انتاجه مقارنة مع رسم يبلغ 3.99 دولار في عرضهما الاول.

وقال وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني ان بي.بي وسي.ان.بي.سي قبلتا الرقم الذي حددته الوزارة ولذلك تم قبول عرضهما.

وحقل الرميلة هو الاكبر انتاجا في العراق وتبلغ طاقته حاليا 1.1 مليون برميل يوميا من بين اجمالي الانتاج الوطني البالغ 2.4 مليون برميل يوميا.

وكان الرميلة أحد ستة حقول نفط منتجة بالفعل عرضت يوم الثلاثاء علاوة على حقلي غاز غير مستغلين في أول جولة لمنح عقود نفط وغاز كبرى في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة له في 2003.

وقال محللون ان بي.بي ربما كانت مستعدة لقبول الشروط التي عرضتها الوزارة لان قطاع المنبع في صناعة النفط العراقية يتيح فرصة فريدة للاستفادة من الاحتياطيات النفطية البرية.

وقالت امريتا سين محللة شؤون النفط لدى باركليز كابيتال في لندن "العراق لديه امكانيات هائلة. أغلب شركات النفط تعتبر قطاع المنبع في العراق فرصة لا مثيل لها. العقد يمنح موطيء قدم لعمليات محتملة مربحة للغاية."

الشهرستاني: عقود النفط هي عقود خدمة وليس مشاركة لضمان حقوق الشعب

من جهته قال وزير النفط حسين الشهرستاني، إن العقد المعياري العراقي هو عقد خدمة وليس عقد مشاركة بهدف “ضمان حقوق” الشعب العراقي في ثروته النفطية.

جاء ذلك خلال مراسيم خاصة ببدء جولة التراخيص الاولى في العاصمة بحضور رئيس الوزراء نوري المالكي وعدد من المسؤولين من بينهم وزير الخارجية هوشيار زيباري والامين العام لمجلس الوزراء علي العلاق والنائب الاول لرئيس مجلس النواب خالد العطية والناطق باسم الحكومة علي الدباغ.

وبين الشهرستاني في كلمة له قائلا “لقد اوضحنا للشركات أن نموذج العقد المعياري الذي سيطرحه العراق هو عقد خدمة وليس عقد مشاركة في الانتاج، وكنا نسعى في كل المراحل لنضمن للشعب العراقي حقوقه الكاملة في ثروته النفطية وأن نحافظ على هذه الثروة بحسب الدستور”. بحسب اصوات العراق.

وأوضح الوزير أن “التحضيرات لهذه الجولى بدأت منذ السنة الماضية بدعوة الشركات النفطية من كافة الدول حيث قدمت 120 شركة عروضها وتم تأهيل 35 شركة من 18 بلدا واعلن عن الجولة في 30 حزيران 2008 قبل سنة وحددت الحقول المشمولة”.

وأضاف أن “هذه الجولة تميزت بأعلى درجات الشفافية وسوف تفتح العروض امام وسائل الاعلام ليطلع عليها الشعب العراقي في لحظة استلام وبذلك سنضمن افضل العروض ونضمن حقوق الشركات التي ستقدم للعراق التقنية الاعلى ونضمن اقل سعر للبرميل المنتج”.

النفط العراقي: العراق يبحث عن دور أكبر 

وفي نفس السياق كتبَ الباحث سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. مقالا جاء فيه: في نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي، قام العراق بمنح عقود خدمة لشركات النفط الدولية في محاولة لزيادة الإنتاج في ستة من حقول النفط العملاقة في البلاد. إن هذه العقود التي أمدها عشرون سنة، هي ليست فقط جزءاَ من برنامج تنموي يهدف إلى رفع معدل إنتاج النفط في العراق إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف [الكمية الحالية]، بل تمثل أيضاً تقدماً يمكن أن يكون هاماً في التطور السياسي في عراق ما بعد صدام حسين. وفي الست سنوات [التي مضت] منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، كان إنتاج النفط في حالة ركود، أعاقته سوء الأوضاع الأمنية وقلة الاستثمارات.

واضاف الكاتب، العراق هو لاعباً رئيسياً من حيث [قابلية إنتاج] النفط مع احتمال تعاظم دوره في هذا المجال. واستناداً ِإلى الأرقام المقبولة عموماً، يشير [تقرير] "الدورية الإحصائية للطاقة العالمية" الذي نشرته شركة "بريتيش بتروليوم" بأن العراق يملك 115 مليار برميل، أو 9.1 في المائة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، ولا تتجاوزه سوى إيران (10.9 ٪) والمملكة العربية السعودية (21 ٪). ويعتقد خبراء صناعة [النفط] بأن احتياطيات العراق النفطية قد تكون حتى أكثر من ذلك، وقد تصل إلى ما يقدر بـ 350 مليار برميل، وهو احتياطي يزيد بدرجة كبيرة عما تملكه المملكة العربية السعودية [والذي يقدر] بـ 264 مليار برميل. وقد بلغ متوسط الانتاج في العراق خلال عام 2008، 2.4 مليون برميل يومياً، تم تصدير منها نحو ما يقرب من 1.9 مليون. وإذا كان بإمكان العراق تحقيق هدفه المتمثل في زيادة الانتاج إلى ستة ملايين برميل يومياً في غضون عشر سنوات، سوف يصبح [بالتالي] ثالث أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم بعد المملكة العربية السعودية وروسيا.

ولدى العراق أيضاً احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، يقدر بأنها تحتل المرتبة العاشرة في العالم. وبما أن البلاد تفتقد للبنية التحتية اللازمة لجمع الغاز [المصاحب] باعتباره منتجاً ثانوياً [لعملية استخراج] النفط، لذا يتم تبذيره عن طريق "إشعاله" أو إحراقه. وقد تم إدراج اثنين من حقول الغاز غير المستغلة في مشاريع مفتوحة للعروض الخارجية.

وتابع الكاتب، إن [هدف منح] العقود التي ستعلن في نهاية حزيران/يونيو الحالي، هو لإعادة تأهيل ستة حقول عملاقة لانتاج [النفط تحتوي على] إجمالي احتياطيات تقدر بـ 43 مليار برميل. وقد أعربت أكثر من ثلاثين شركة عن اهتمامها [بهذه العقود] بما فيها شركات "شيفرون" و "بريتيش بتروليوم"، و "شل"، و "سينوبيك" الصينية، و "لوك أويل" الروسية و "توتال" الفرنسية. وتشكل الصفقات المعروضة عقود خدمة، يتم بموجبها منح "مستحقات عن عمل منجز" وليس ملكية الاحتياطيات المكتشفة.

أدت مقترحات [منح العقود] إلى حدوث قلق بين عدة جماعات في العراق، بما فيها الشركات الحالية المنتجة للنفط التي تديرها الدولة ونقابات العمال [التي تمثل الموظفين] العاملين في تلك الشركات، والتي تعتقد بأن باستطاعتها القيام بأعمال التأهيل بنفسها، وكذلك أعضاء في البرلمان العراقي، الغير راضين عن مشاريع العقود. وستكون هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها شركات أجنبية في صناعة النفط العراقية منذ تأميم القطاع عام 1972. ويتركز جزء كبير من المعارضة ضد وزير النفط حسين الشهرستاني، وهو حليف سياسي لرئيس الوزراء نوري المالكي، الذي كان قد جادل بأن ليس لدى العراق أموال الاستثمار المتاحة ولا القدرة الهندسية على الاضطلاع بهذه المهمة. (الشهرستاني هو عالم نووي سابق، كان قد سُجن في عهد صدام لرفضه المساعدة في بناء قنبلة ذرية قبل فراره إلى المنفى في إيران).

واضاف الكاتب، كان الجدل حول تطوير احتياطيات النفط والغاز الموجودة في المنطقة الكردية من شمال العراق يسير بالتوازي مع النقاش حول المشاركة الأجنبية في صناعة النفط في البلاد. فقد كانت السلطات الكردية شبه المستقلة تتفاوض حول عقود إنتاج مع الشركات الأجنبية، التي رفض الشهرستاني الاعتراف بها. [ومثلت تلك] العقود اتفاقيات لتقاسم الإنتاج تأخذ بموجبها شركات القطاع الخاص حصة من الأرباح، وهي "الفقرة" التي لم ترغب بها الحكومة العراقية بصورة خاصة. ولكن في أيار/مايو المنصرم، وبسبب مشاكل في الميزانية نجمت عن تراجع أسعار النفط من ذروتها في العام الماضي، سمحت [الحكومة المركزية] في بغداد، بتدفق النفط من المنطقة الكردية إلى نظام الأنابيب الوطني الرئيسي، لتصديره [إلى الخارج] عبر تركيا المجاورة. (إن مسألة العوائد الناتجة عن هذه المبيعات لا تزال مدار بحث، حول ما إذا كانت ستذهب إلى الحكومة المركزية أو إلى السلطات الكردية. ويقول الأكراد أن الدستور الاتحادي يسمح لهم بإنشاء صناعتهم النفطية الخاصة بهم. ولا تتفق [الحكومة المركزية في] بغداد مع هذه الرؤية).

وقال الكاتب، لقد أدى تدفق النفط من كردستان العراق إلى تسابق [الشركات] للحصول [على امتيازات]؛ ومن بينها "أداكس بتروليوم"، وهي شركة صغيرة للتنقيب عن النفط مدرجة في لندن تقوم ببعض العمليات في المنطقة، التي وجدت نفسها في البداية أمام عرض من قبل شركة "النفط الوطنية الكورية"، ومن ثم من قبل شركة "سينوبيك" الصينية في عرض قُدرت قيمته بنحو 8 مليارات دولار. وهناك شركة بريطانية أخرى تعمل في المنطقة وهي "هيريتيج أويل"، التي أعلنت عن عملية دمج مع مجموعة "جينيل أينيرجي" التركية، بصفقة قيمتها 6 مليارات دولار. هذه الأرقام تفوق كثيراً القيمة الحالية لصادرات النفط من المنطقة، التي تقدر بحوالي 100,000 برميل يومياً، لكنها تعكس الإدعاءات الكردية بأن الإنتاج قد يصل إلى مليون برميل يومياً بحلول عام 2012.

وخلص الكاتب الى نتيجة، على الرغم من [قيام] مناخ للفرص والتغيير، نادراً ما تحدث عمليات للتنقيب عن النفط مع وجود الكثير من الشكوك؛ ومن أهمها الحوادث الأمنية وسلامة العاملين في مجال النفط، وعقبات تقنية غير متوقعة قد تعرقل قيام التوسع – الذي خطط له سابقاً - في الخزانات العملاقة تحت الأرض، وكذلك المخاطر التجارية وهي، [التخوف من] احتمال عدم دفع المستحقات بسبب تأخيرات بيروقراطية أو عرقلة سياسية. ويمكن أن يتأخر الإعلان عن العروض الفائزة، المقررة في 29 و 30 حزيران/يونيو الحالي، بسبب "انغمار" هذه العروض في الصراع السياسي الداخلي.

وهناك حجة قديمة من المحتمل أن تعاود الظهور مرة أخرى وهي الإشاعة الكاذبة القائلة بأن غزو العراق في عام 2003 كان من أجل السيطرة على النفط العراقي. إن النفط سيبقى مُلك العراق؛ ولكن [الذي يحدث] هو الطلب فقط من الشركات الأجنبية المساعدة في إنتاجه. ومن المحتمل أن يُصرف النظر عن هذا الخوف من خلال القرار المتوقع من قبل شركات النفط الكبرى بتشكيل اتحادات [لمناقصات] عطآتهم، مما سيحد من المخاطر المالية التي تتعرض لها، ويمنح الشركات هوية دولية واسعة النطاق وليس، على سبيل المثال، طابعاً أمريكياً أو بريطانياً. وربما تكون [مسألة] القومية العراقية الموضوع الأكبر، لأنها تجمع بين الكراهية لماضي البلاد شبه الإستعماري والاعتزاز باستقلال الوطن.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/تموز/2009 - 18/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م