قصور الرؤية الامريكية لوسائل الردع الإيرانية

 

شبكة النبأ: لا يزال عدد الكتابات التي تتناول السياسة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة محدودة، رغم كثرة التحليلات التي تتناول الخيارات الأمريكية تجاه التعامل مع إيران. بل إن الكتابات الموجودة في هذا السياق لا تتعدى نطاق تغطية الطموحات النووية لإيران، ما يخلف انطباعًا مفاده أن السياسة الإيرانية تجاه واشنطن ما هي إلا "سلسلة من الاعتداءات العشوائية على المصالح والقيادات الأمريكية دونما رابط حقيقي فيما بينها".

وفي هذا الإطار تبدو أهمية الدراسة التي نشرت في مجلة "الشئون الخارجية"، في عددها الجديد عن شهري يوليو ــ أغسطس 2009، تحت عنوان Tehran's Take. Understanding Iran's U.S. Policy، لـ"محسن ميلاني" Mohsen M. Milani، أستاذ العلوم السياسية ورئيس قسم الحكومة والشئون الدولية، بجامعة جنوب فلوريدا. بحسب موقع تقرير واشنطن.

جذور العداء

ترجع جذور العداء الإيراني للولايات المتحدة، طبقًا لميلاني، إلى عام 1953 عندما تمت الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق من خلال انقلاب عسكري مدعوم من المخابرات الأمريكية والبريطانية، وتكرس الشعور المعادي لواشنطن مع معارضة الخميني، في 1964، لمعاهدة تمنح حصانة قانونية للمستشارين العسكريين الأمريكيين في إيران، واعتبر أن إيران أَصبحت "مستعمرة أمريكية".

ومع قيام الثورة الإيرانية عام 1979، تزايد العداء للولايات المتحدة، وجاءت واقعة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران في العام ذاته لتؤكد على أن معاداة الولايات المتحدة أصبحت ملمحًا رئيسًا ضمن أيديولوجية الثورة الإسلامية. وعلى مدار عقود، استعمل النظام الإيراني معاداة واشنطن كذريعة لسحق المعارضة الداخلية ومبرر لتوسيع نفوذه في الخارج.

وهناك أسباب مختلفة للعداء الإيراني لواشنطن، طبقًا لميلاني، فهو يرجع لأسباب أيديولوجية لدى بعض المؤسسات الإيرانية، في حين تبدو الأسباب الاقتصادية حاضرة بقوة لدى مؤسسات أخرى، فلدى البعض منفعة حقيقية في الحيلولة دون تطبيع العلاقات بين طهران وواشنطن، حيث يجني هذا الفريق أرباحًا كبيرة من الأسواق السوداء المحلية وطرق التجارة الدولية التي أسست للتحايل على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

وكما كان الحال في عهد الخميني، لا يزال العداء لأمريكا سائدًا في إيران الآن وبدعم من القائد الأعلى خامنئي، الذي لا يزال يرى أن الولايات المتحدة تشكل تهديدًا وجوديًّا لبلاده؛ فالولايات المتحدة تحيط إيران بالقواعد العسكرية في البحرين والكويت وقطر، فضلاً عن قواتها الكبيرة في أفغانستان والعراق وحاملات الطائرات النووية المجهزة التي تقوم بدوريات في الخليج العربي.

الردع الإيراني

لمواجهة هذه السياسة الأمريكية، اتبعت إيران استراتيجية "الردع"، وهي استراتيجية قامت بتطويرها أولاً ضد العراق بعد غزوه لها في عام 1980، ثم أعادت توجيهها نحو الولايات المتحدة بعدما تضاءل الخطر العراقي. وتتكون استراتيجية الردع الإيرانية، حسبما يطرح ميلاني، من أربعة مكونات:

أولها: تطوير الوسائل التي تمكن إيران من خوض حروب محدودة وغير متماثلة داخل وخارج حدودها: ففي السنوات الأخيرة، لعب الحرس الثوري دورًا شديد الأهمية في الحفاظ على النظام الداخلي، لاسيما بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق. كما قام أيضًا بتحسين قدرات إيران الانتقامية في حالة تعرضها لغزو أَو ضربات جوية تستهدف منشآتها النووية أَو مقراتها الأمنية. ويخدم هذا الغرض أيضًا قرار خامنئي بتحويل منظومة القيادة والسيطرة الخاصة بالحرس الثوري نحو درجة أكبر من اللامركزية. ويمكن، في هذا الإطار أيضًا، إدراج بعض الأمور مثل المقدرة المزعومة للقوات الإيرانية على تحويل نفسها إلى قوات غير تقليدية خلال أيام، وامتلاك طهران لآلاف القوارب الهجومية الصغيرة التي بوسعها إحداث دمار بالأسطول الأمريكي، بالإضافة إلى آلاف الدراجات النارية المسلحة بالمدفعية الخفيفة والتي بوسعها إعاقة نجاح أي غزو بري.

ثانيًا: تحديث منظومة التسليح. فقد أسهمت عقود من الحظر الغربي على إيران في الحد من قدرة الأخيرة على الحصول على أسلحة متقدمة، ومن ثم اضطرت لشراء كميات محدودة من الأسلحة. فقد أنفقت إيران، بين عامي 2002 و2006، نحو 31 مليار دولار على التسليح، مقارنة بـ 109 مليار دولار للسعودية و48 مليار للبحرين والكويت وعمان والإمارات (وهي دول أربعة يقل مجموع سكانها عن سكان العاصمة طهران). وأدى الحظر أيضًا إلى تطوير صناعة عسكرية تحت سيطرة وتمويل الدولة الإيرانية ذاتها، وهو ما يوفر فرص عمل للآلاف، بالإضافة إلى ارتباط هذه الصناعة بالجامعات ومراكز الأبحاث الكبرى.

ثالثًا: تطوير نظام الصواريخ والصواريخ المضادة محليًّا، فقد بدأت طهران في بناء نظام صاروخي خاص بها أثناء الحرب مع العراق وسرعت من خطواتها عقب "حرب المدن" في 1988، وذلك عندما أمطرت كلا الدولتين مدن الأخرى بالقذائف. وبدعم تقني من كل من الصين وروسيا، تمكنت إيران من تطوير تقنية صواريخها،. وتقوم طهران في الوقت الحالي بتصنيع الصواريخ الخاصة بها، وتدعي أن نوعين من هذه الصواريخ (شهاب- قدر) يصل مداهما إلى إسرائيل. وعلى الرغم من أن هذه الصواريخ معروفة بعدم دقتها وقدرتها الهجومية المحدودة، إلا أنها تعطي إيران القوة للرد على الهجمات، خاصةً في منطقة الخليج العرب، حيث سيعطل الرد من حركة الملاحة البحرية.

رابعًا: البرنامج النووي الإيراني. وبرغم إصرار الحكومة الإيرانية على الطابع السلمي لبرنامجها النووي، فإن واشنطن ومعظم الدول الغربية تتهمها بامتلاك برنامج سري لتصنيع قنبلة نووية. ولم تعثر الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أي دليل يثبت أن إيران قد حولت برنامجها النووي للأغراض العسكرية، ولكنها لم تؤكد أيضًا نوايا طهران السلمية حيث رفضت الحكومة الإيرانية الإجابة عن بعض تساؤلات الوكالة الرئيسة.

ورغم كل العقوبات الدولية التي فرضت عليها، فإن إيران لم توقف نشاطها النووي، وهو ما أرجعه "ميلاني" لعدد من الأسباب؛ منها إصرار طهران على أن برنامجها النووي مهم جدًّا لاحتياجاتها من الطاقة وتقدمها العلمي، مكنها من تحويل البرنامج النووي إلى قضية وطنية. ومن ناحية أخرى تعطي الورقة النووية قوة هائلة لموقف إيران التفاوضي خلال أي مفاوضات مستقبلية.

ولعل هذا هو الدافع الرئيس وراء إخفاء القادة الإيرانيين لقدرات بلادهم الفعلية. فمن الواضح أنهم قد قرروا تطوير بنية تحتية لبناء قنبلة نووية لكن ليس حيازة القنبلة في حد ذاتها.

الاحتواء المضاد

لمدة ثلاثين عامًا، حاولت الولايات المتحدة احتواء إيران، ومن أجل تحقيق هذا الغرض فرضت عليها عقوبات عديدة. ولمواجهة هذه التدابير طورت إيران استراتيجية أخرى هي "الاحتواء المضاد"، والتي تتضمن

بدورها أربعة مكونات رئيسة، تتمثل في:

أولاً: إيجاد حالة الشقاق بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، فالزعماء الإيرانيون يعتقدون أن زيادة التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي ستسمح لهم باستغلال الاختلافات بين أعضاء الاتحاد والولايات المتحدة، ومن ثم تثبط من عزائمهم عن السعي لتغيير النظام أو دعم سياسة الاحتواء الشامل التي تنفذها واشنطن، أَو دعم أي هجوم عسكري. ورغم تخلي الاتحاد الأوروبي لسياسة "الانخراط البناء" عقب استئناف إيران لتخصيب اليورانيوم في عام 2003، وفرضه عقوبات محدودة لكبح طموحات إيران النووية، فإن الاتحاد الأوروبي يبقى الشريك التجاري الأكبر لإيران، فقد زادت واردات دول الاتحاد الأوروبي من طهران من 6.3 مليار يورو في عام 2003 إلى 12.6 مليار يورو في عام 2007، بينما بقيت صادرات هذه الدول إلى إيران في المستوى ذاته، حوالي 11.2 مليار يورو خلال الفترة ذاتها.

ورغم ذلك تبقى حقيقة أن موافقة كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا على إحالة ملف إيران النووي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن في العام 2005، قد أثبتت محدودية هذه السياسة الإيرانية، فهذا التحرك من قبل القوى الأوروبية الرئيسة قد مثل هزيمة لطهران ونصرًا واضحًا لواشنطن.

ثانيًا: تعزيز التعاون مع الدول التي بوسعها موازنة قوة الولايات المتحدة مثل روسيا والصين، إذ وقعت إيران اتفاقات اقتصادية وعسكرية رئيسة مع هذين القطبين باعتبارهما حليفين طبيعيين، وذلك نظرًا لمعارضتهما للأحادية الأمريكية. لكن دعم البلدين لعقوبات الأمم المتحدة على طهران (كما حدث في قرارات مجلس الأمن التي تم بموجبها فرض عقوبات على إيران) تثبت أن البلدين قد يميلان باتجاه واشنطن أكثر من طهران، في حالة الضغط عليهما. ويدل على ذلك أن روسيا لم تنه حتى الآن بناء مفاعل بوشهر (والذي كان من المقرر إنهاؤه في العام 2006)، ويبدو أن روسيا راغبة في الضغط على إيران لتغيير سياساتها النووية إذا قررت إدارة أوباما عدم بناء نظم الدفاع الصاروخية في الدول المجاورة لها.

ثالثًا: استخدام مصادر النفط لمكافأة الحلفاء، إذ تعتمد إيران على ما يمكن أن يُطلق عليه تسميته "دبلوماسية النفط" (تبلغ احتياطات إيران من النفط نحو 138.4 مليار برميل، واحتياطياتها من الغاز الطبيعي حوالي 26.5 تريليون متر مكعب). وقد حاول الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني (1989-1997) استغلال هذا الاحتياطي النفطي الهائل لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. ففي أوائل عام 1995، وقعت إيران عقدًا مع شركة الطاقة الأمريكية "كونوكو" بقيمة 1 مليار دولار، وهي أكبر صفقة من نوعها بين البلدين منذ عام 1979. غير أن معارضة الكونجرس وبعض جماعات الضغط الأمريكية حالت دون إتمام الصفقة. بل إن إدارة بيل كلينتون أصدرت قرارًا تنفيذيًّا يحظر على الشركات الأمريكية الاستثمار في قطاع النفط الإيراني. وفي العام الذي يليه تم تمرير قانون العقوبات الليبي الإيراني الذي يفرض عقوبات على الشركات الأجنبية، العاملة في قطاع النفط الإيراني، في حالة تجاوز استثماراتها 20 مليون دولار.

وردًّا على ذلك، وقعت طهران، في العام 1997، عقدًا بقيمة 2 مليار دولار مع شركة النفط والغاز الفرنسية "توتال". ولتحصين نفسها ضد تأثير العقوبات التي فرضها الغرب، اتجهت طهران بتجارتها النفطية إلى أسواق جديدة. فقبل ثورة 1979، كانت الدول الخمس الكبرى المستوردة من النفط الإيراني هي: فرنسا، ألمانيا الغربية، المملكة المتحدة، إيطاليا، اليابان. لكن بحلول عام 2008، كانت الدول هي: اليابان، الصين، الهند، كوريا الجنوبية، إيطاليا.

رابعًا: خلق دوائر للنفوذ في كل من سوريا ولبنان وفلسطين وأفغانستان والعراق، وذلك عبر دعم المنظمات والشبكات الموالية لها، فضلا عن مساندة ما يعرف بـ"جبهة الممانعة" في الصراع العربي الإسرائيلي. ورغم أن دعم إيران لحزب الله والفلسطينيين كان يقوم في البداية على أساس أيديولوجي، فإنه الآن يستند على أسباب استراتيجية، إذ يعطي طهران عمقًا استراتيجيا في قلب العالم العربي "السني"، وفي الفناء الخلفي لإسرائيل.

وكانت طهران، طيلة قرون طويلة، تستغل نفوذها لصالح الشيعة، غير أنها تتجه الآن، وعلى نحو متزايد، نحو تجاوز هذا التقسيم الطائفي، عبر دعم الجماعات السنية مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهو ما أدى إلى تقويض المكانة الإقليمية للدول السنية القوية كمصر والسعودية، خاصة وأن النفوذ الإيراني لا يستند فقط على الدعم المادي، ولكن أيضًا على دعم نموذج المقاومة.

مناطق الخلاف بين الجانبين

تظهر الطبيعة المعقدة للعلاقة الإيرانية ـ الأمريكية، طبقًا لميلاني، في أفغانستان والعراق، حيث تتقاطع وتتباين مصالح الجانبين بشكل واضح، ففي أفغانستان، وطيلة التسعينيات، قدمت كل من باكستان والسعودية دعمًا لحكومة طالبان التي تحتضن تنظيم القاعدة، في حين اتجهت طهران لدعم تحالف الشمال المناهض لطالبان. وتجدر الإشارة إلى أن تحالف الشمال قد تعاون مع قوات الغزو الأمريكية في عام 2001. ودعمت طهران الحكومة الأمريكية بشكل فعال وصل إلى حد تزويدها بمعلومات استخباراتية للتخلص من طالبان، كما استمرت طهران في سياستها تجاه أفغانستان على الرغم من إدراجها من قبل إدارة بوش في "محور الشر"، بل وحافظت كذلك على علاقات جيدة بالرئيس الأفغاني حامد كرزاي الموالي لواشنطن.

ولا يزال التقاطع في المصالح الأمريكية والإيرانية في أفغانستان قائمًا؛ فالجانبان لديهما رغبة في: تحقيق الاستقرار في البلاد، ومنع عودة طالبان، والسيطرة على تهريب المخدرات التي تعد الدعامة الاقتصادية الرئيسية لـ"الإرهابيين" و"أمراء الحرب" بالمنطقة، وهزيمة القاعدة، علاوة على إعادة إعمار أفغانستان.

وفيما يتعلق بالعراق، وعلى الرغم من وجود أهداف مشتركة بين الجانبين إلا أن نقاط التباين زادت من اختلافهما، فالأولوية الاستراتيجية لإيران في العراق تتمثل في تأسيس حكومة صديقة، وقوية بما فيه الكفاية لفرض النظام، لكن دون أن تشكل تهديدًا أمنيا لإيران.

ومع ذلك تتفق طهران وواشنطن على عدة نقاط منها: معارضة "بلقنة" العراق (تقسيمه إلى دويلات طائفية)، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى تحريض الحركات الانفصالية داخل الأقليات المختلفة في إيران (وتحديدًا الأكراد)، واعتبار تنظيم القاعدة في العراق عدوًّا تجب إزالته.

وبالإضافة لذلك، تبدو إيران متحمسة للمشاركة في عملية إعادة تعمير العراق، حيث سيمكنها ذلك من خلق دوائر نفوذ اقتصادية، خاصة في الجنوب الشيعي. كما أن لدى طهران قناعة مفادها أن تواجدها هناك سوف يمكنها من خلق دولة داخل الدولة كما هو الحال في جنوب لبنان.

ومن الواضح كذلك أن طهران مصممة على منع واشنطن من إحراز نصر واضح في العراق، فقد أمدت طهران "المتمردين" الشيعة بالأسلحة التي استخدموها ضد القوات الأمريكية أثناء العنف الطائفي في الفترة من 2004 -2007، كما تعارض إنشاء قواعد أمريكية دائمة في العراق خوفًا من استخدامها لمهاجمتها.

الانخراط الكامل

رغم العداء الكبير الذي تكنه طهران تجاه واشنطن، فإن هذا العداء لا يحول دون تطبيع العلاقات بين الجانبين. فالنخبة الإيرانية المنقسمة تفضل مثل هذا التطبيع، كما أن أكثر الزعماء الإيرانيين تشددًا يفضلون نهجًا رشيدًا يعتمد على حسابات المكسب والخسارة في اتخاذ القرارات، والدليل على ذلك أن الخميني نفسه لم يتردد في التعامل سرًّا مع تل أبيب وواشنطن عندما احتاجت بلاده لأسلحة متقدمة أثناء الحرب العراقية الإيرانية. كما أن الحرس الثوري أكثر الجماعات تشددًا في القوات المسلحة الإيرانية، قد ساعد القوات الأمريكية في إسقاط طالبان في عام 2001.

وما لم تدركه واشنطن، حسبما يطرح ميلاني، أن سياسة طهران تجاهها يحكمها منطق خاص (فهي ليست مبنية على تصورات "ملالي مجانين"، بل وفق حسابات خاصة مبنية على طموحات إيران ورؤيتها لما قد يشكل تهديدًا لها)، فلن تتمكن من تطوير استراتيجية معقولة إزاءها، ولعل الاستراتيجية الأمثل في هذا السياق هي الانخراط الكامل Full Engagement، المبني على زيادة التبادل الاقتصادي والثقافي والتعليمي تدريجيًّا بين البلدين؛ واستغلال القواسم المشتركة بينهما، وإقامة آليات مؤسسية لإدارة الاختلافات بين الجانبين. ويجب أن تدرك واشنطن أنه لا توجد عصا سحرية دبلوماسية لحل "المشكلة الإيرانية"، وأن تطبيع العلاقات بين الطرفين لن يتم إلا بقرار استراتيجي من الجانبين.

وكخطوة أولى، يجب أَن تُهدئ واشنطن المخاوف الإيرانية بشأن الرغبة الأمريكية في تغيير النظام في طهران، وفي الوقت ذاته، يجب أن تقوم واشنطن بطمأنة إسرائيل وحلفائها العرب بأن التقارب مع طهران لا يعني أن تلك الدول لن تكون في قلب الأجندة الأمريكية في المنطقة. وعلى إدارة أوباما عند مراجعة خياراتها بشأن إيران، أن تضع في اعتبارها جهود الرئيس ريتشارد نيكسون لإعادة الصين للمجتمع الدولي، إذ استغرق الأمر تقريبًا ثماني سنوات فقط بعد الزيارة السرية لهنري كيسنجر إلى بكين في عام 1971 قبل أن تتم إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. وفي ذلك الوقت لم تتجه واشنطن لمعاقبة الصين على سياساتها في الماضي، بل أعطتها سببًا لاتخاذ توجهات أفضل في المستقبل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 8/تموز/2009 - 15/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م