
شبكة النبأ: يبدو أن التحسن الأمني في
العراق، وإن كان مشوباً بالحذر، خصوصا بعد انسحاب القوات الامريكية من
المدن قد دفع بالحكومة العراقية إلى الاهتمام بملف الخدمات الذي عانى
منه العراقيون كثيراً. في وقت يشهد العراق حراكاً واسعاً تجاه دول
المنطقة من أجل تنمية المشاريع الخدمية، في حين يصطدم ملف الخدمات
بموضوع الفساد المالي والإداري وهو الأمر الذي يقلق العراقيين ويثير
حفيظة مجلس النواب الذي بدأ بسلسلة من الإستجوابات لعدد من الوزراء
الذين يشرفون على ملف الخدمات. مما ينبغي على الحكومة المركزية أن تضع
حل جذري لهذا الملف المعقد.
وفي خطوة لتحسين واقع الخدمات تسعى الحكومة المركزية لاسثمار أموال
بقيمة 500 مليار دولار حتى عام 2015؟ ولكن هذا المبلغ الكبير بحاجة الى
رسم خارطة إستثمارية توضح توزيع هذا الإستثمار بين المحافظات العراقية،
وخصوصا إن هذا الإستثمار شمل جميع المشاريع الخدمية، لأن العام 2004 تم
تخصيص أكثر من (80) بليون دولار لإعادة الإعمار لما خربته الحرب وان
الجزء الأكبر منه قد خصص إلى إعادة تأهيل المؤسسات ذات الطابع الخدمي
بالدرجة الأساس في مجال الخدمات الأمنية والبلدية والصحية والتعليمية
وخدمات الماء والكهرباء، وان عدم توفر البيانات عن تلك الخدمات يعيق
التعرف عن مستوى تلك الخدمات كماً ونوعاً لتبيان إن كانت قد تحسنت أم
تدهورت.
ولو عدنا الى تردي حالة القطاعات الخدمية نجد أن القطاع الصحي كواحد
من القطاعات الخدمية يشهد تلكؤ بسبب فقدان أكثر من 8000 آلاف خبير طبي،
وأكثر من 50% من الأطباء والصيادلية والعاملين بالتمريض الذين تركوا
وظائفهم بعد غزو العراق عام 2003، الواقع الطبي الحالي يكشف عن وجود
9000 آلاف طبيب عامل حالياً في عموم العراق بمعدل ستة أطباء لكل عشرة
آلاف شخص، وهذه النسبة تعادل الثلث قياساً بالدول المحيطة. العربية نت
4 تموز 2009
وتشير تقارير ودراسات إلى حاجة ثمانية ملايين عراقي إلى مساعدات
طبية عاجلة ومتزايدة في ظل واقع صحي متردي، والمعطيات الحالية تشير إلى
أن الوضع الصحي يحتاج إلى مزيد من الرقابة والتوجه من قبل الحكومة نحو
الإنفاق على بناء المستشفيات واستيراد الأجهزة والمستلزمات الطبية
والقضاء على الفساد المالي والإداري لاستعادة مليارات الدولارات
الضائعة جراء الرشاوى والعقود الوهمية حسب تقارير هيئات النزاهة.
أما أزمة السكن فهي مشكلة أخرى إذ يحتاج العراق الى ثلاث ملايين
وحدة سكنية، حيث تشكل أزمة السكن مشاكل كثيرة منها عدم الزواج لعدم
امتلاك السكن وتردي حالة الأفراد المستأجرين للدور لأن إيجارات السكن
مرتفعة.
في وقت نجد إن المحافظات العراقية، تشهد إضطرابات بصورة خاصة حيال
مشهد العذاب اليومي الناتج من انقطاع التيار الكهربائي، لأكثر من 18
ساعة يومياً، في وقت كشف وزير الكهرباء العراقي أن عدد ساعات القطع
ستتساوى مع عدد ساعات الإنتاج، والمُلاحظ أن الوزير كرر تصريحاته وعلى
مدى ثلاث سنوات بنفس الطريقة ونفس التوقيت وخصوصا مع اقتراب فصل الصيف.
أما الماء الذي يصل البيوت غير صالح للشرب، وإن التصحر وصل المدن
مما حول الساحات العامة الى أماكن مخصصة للنفايات، فضلا عن الشوارع
المستهلك والأبنة القديمة..
اليوم وبعد إنسحاب القوات الأمريكية وتحديد صلاحيتها ثمة إنتظار
يأمل فيه العراقيون من تحسين واقع الخدمات وخصوصاً كانت هذه القوات
تشكل عرقلة لمشاريع التنمية حسب ما يدعي البعض.
ولو عدنا الى تجارب الشعوب الأخرى فنرى إن الوزراء والمسؤوليين
يراقبون الدول المتقدمة التي تقدم أفضل الخدمات لشعوبها، من أجل تعلم
الدروس من تجاربها. ولكن في العراق نجد اتهامات الى المسؤولين مفادها
إنهم يستفادون من تلك التجارب في مكاتبهم وبيوتهم، في وقت يرى الناس
ذلك ولايحركون ساكن.
والعجب في أن هؤلاء المسؤولين لا ينظرون الى الفقراء والمستضعفين
الذين يكتنفون البيوت المبنية من حاويات الزيت المعبئة بالتراب وهناك
والأرامل واليتامى بلا مأوى، وما استمرار مشاهد التخلف هذه إلا تكرارا
للمشاهد المخزية التي تتغذى على دماء هؤلاء الفقراء والمحرومين التي
خلفها النظام الديكتاتوري من قبل.
الدوائر الخدمية في العراق تقف اليوم على ساق عرجاء؛ بسبب فقدان
التخطيط الإستراتيجي والواضح للمشاريع، وتواجه الدوائر الخدمية تحديات
جديدة، وخصوصا بعد أن قطع العراق مرحلة من الاستقلال، حيث كثر الحديث
سابقاً عن تردي الخدمات، وكثرت المبررات للتردي الحاصل، فهناك من يقول
إن عدم تمكن الحكومات المحلية والحكومة المركزية من معالجة الواقع
الخدمي المتردي بسبب تدخل القوات الأمريكية التي تعرقل تنمية مشاريع
الخدمات، وهناك من يقول إن الميزانية التي رُصدت للمشاريع لم تكن كافية،
وثمة قول آخر إن الأموال التي تصرف ترجع إلى خزينة الحكومة المركزية؛
لعدم إنفاق الأموال على المشاريع، بينما صرح مسؤولون حكوميون مراراً
وتكراراً إن العراق سيشهد مسيرة في مجال الإعمار وإنه مقبل على نزهة
إقتصادية.
إن الآفاق المستقبلية لانتعاش قطاع الخدمات تحكمه عدة قيود داخلية
وخارجية.
1. نزاهة القائمين على تنفيذ المشاريع.
2. الإحساس العميق للواقع المتردي للخدمات.
3. الحرص الشديد على تنفيذ المشاريع.
4. إيرادات النفط التي تتوقف على الطاقة التصديرية، وأسعارالسوق
الدولية.
5. الديون الخارجية للعراق.
6. العقوبات الدولية.
7. أما للاستثمار دور في تحريك أسرع لتنفيذ مشاريع الخدمات والبرامج
المتعلقة بها. وينبغي الاستفادة من التجارب الإقليمية والعالمية
وتطبيقاتها في العراق على وفق افضل المقاربات والمعايير والمنهجيات
الاقتصادية.
إن معظم الإخفاقات والاختناقات التي واجهتها الدوائر الخدمية خلال
السنوات الخمس الماضية تعود في جزء منها إلى الحرب والى فشل التخطيط
الإستراتيجي والنزاهة، وعدم اعتماد خطط وبرامج جديدة في كل مفاصل العمل
الحكومي بهدف تبسيط الاجراءات امام تنفيذ المشاريع. |