وحدة المصير لا وحدة المصالح

محمد علي جواد تقي

رفعوا الطفلة الرضيعة بين أكناف المعجزة وهي على قيد الحياة من تحت الانقاض بعد مرور حوالي اسبوع من الاعتداء الارهابي الجبان الذي طال ناحية (تازة) التركمانية جنوب كركوك، و ربما شهد العالم الكثير من هكذا حوادث ينجو فيها أطفال صغار من حوادث وكوارث يموت فيها الآلاف، لكن لهذه الطفلة هوية خاصة وقضية استثنائية، إنها تخاطبنا أولاً والمعنيين في العالم متسائلة: من الذي طبع على جبيني وصمة اليُتم قبل أن ألامس معالم هذه الحياة الزائلة، وأجرب تعاستها ومرارتها؟

أستميح القراء الكرام العذر ممن رزقهم الله تعالى حديثاً أطفالاً في مرحلة الرضاعة، لأن كاتب السطور يدرك كيف تكون مشاعر الأبوين أزاء طفل رضيع إذا تأوه أو بكى فيهرعون اليه مسرعين، فكيف إذا سمع العراقيون ومن يتابع أخبارهم في العالم، تأوه وبكاء هذا الطفل الرضيع من دون أن يصله الأبوين لأنهم (تحت جنادلٍ وترابِ)؟

وليت النخبة السياسية تكون ممن يسمع تأوه وبكاء هذا الطفل الرضيع الذي يُعد بحق شهيد حيّ على هذه الفاجعة الأليمة، وحتى تشهد هي أيضاً على نوع المصير الذي ينتظر هذا الطفل، كما كان هو مصير آلاف الأطفال من ضحايا الارهاب والعنف خلال السنوات الماضية، لتقرر مصيرهم ضمن برامج ومشاريع خاصة، والأولى من هذا إشاعة ثقافة وحدة المصير بين أبناء الوطن الواحد، وهي وإن تُعد من المصطلحات السياسية الحديثة، لكن لابأس بها لإحياء مفاهيم التكافل والتعاون والشعور بالمسؤولية الجماعية وفي المحصلة (كلكم  راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، كما أوصانا نبي الرحمة محمد (صلى الله علي وآله)، ففي ظل هذه المفاهيم المرجوة لا أعتقد أن بامكان الأعداء والمتربصين بالعراق وشعبه وخيراته، أن يطئوا شبراً أو يحركوا ساكناً بكامل حريتهم، ونحن اليوم على أعتاب حدث تاريخي رقمه (30) حزيران المنصرم حيث تكون القوات الأمريكية مغادرة المدن العراقية لتستلم القوات نظيرتها العراقية مهام استتباب الأمن في هذه المدن.

لكن ما حدث في قضاء البطحاء ثم في ناحية تازه وبعدها في مدينة الصدر و...! يثير شكوكاً بألا نشهد وحدة المصير في هذا البلد لأن (كل يبكي على ليلاه)، فنحن نستعد للاحتفال بمناسبة انسحاب القوات الامريكية من مدننا، فيما عويل الايتام والارامل لم يهدأ بعد في البطحاء ومدينة الصدر وأماكن أخرى، وبينما الابرياء في تازة ما يزالون يرزحون تحت أنقاض الارهاب البربري بين حيّ راج للحياة وبين مفارق لهذه الحياة، نسمع اللهاث على مزيد من المكاسب السياسية في اقليم كردستان، وآخرها الاعلان عن دستور خاص للاقليم علماً ان ناحية تازة تقع ضمن المناطق التي يصر عليها الأكراد بان تطبق فيها المادة (140) من الدستور التي تنصّ على ما يعرف بـ(التطبيع)، لإدخال كركوك ضمن حدود الاقليم.

وحتى لا نوغل  في التشاؤم والسلبية أكثر، نتسائل وحسب؛ الى متى يسود الشعور بين الناس بوجود مصائر متعددة ولا علاقة بفرد أو فئة بأخرى؟ فهنالك مصلحة الفرد والحزب والجماعة والاقليم وغيرها، وهذا ينسحب على الوضع الخدمي أيضاً حيث المهم مصير المشروع والأموال المخصصة والجهة التي تقف خلف المشروع وليس مصير المواطن ، وكيف ومتى يستفاد من هذا المشروع، أما المصالح فهي واحدة ومتفق عليها، وهي باختصار المزيد من الأرصدة وضمان مواقع النفوذ والمناصب الحيوية، لذا نجد الكل يتستر على الكل، إنها حقاً كارثة لكن غير مرئية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/تموز/2009 - 13/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م