في ذكرى ولادته: الإمام محمد الجواد (ع) رمزٌ لمعاني الجود والإيمان والكرم

اعداد: عبد الأمير رويح

شبكة النبأ: رمز من رموز الفخر الذي تباهت به البشرية ولازالت رغم أحقاد الحاقدين، عملاق ومعلِّم وبشير، شمس أشرقت واستمرت وتستمر دون افول, أشعتها المعطاء تنير دروب العارفين والمحبين, إطلالة وولادة وضعت بصمتها الخاصة في التاريخ، تلك ولادة الامام محمد الجواد (ع).

ولد الإمام الجواد (ع) يوم الجمعة العاشر من شهر رجب الأصب، من سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة المباركة.

نسبه الشريف:

هو الإمام محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام)

زوجاته وأولاده: نعرف ممّن تزوجهُنّ الإمام الجواد (ع) أُم الهادي والدة الإمام العاشر. وام الفضل بنت المامون وهذه لم تلد له اولاداً.

اما أولاده (ع) فهم أربعة: ذكران وانثيان، والذكران هما بكره أبو الحسن علي الهادي (ع) الإمام بعده، واخوه موسى المعروف بموسى المبرقع.

والأنثيان هما فاطمة ولعلها المعروفة الحكيمة، المدفونة في سر من رأى، في بقعة الإمام الهادي (ع)، والثانية أمامة، وهذا قول الشيخ المفيد (أعلى الله مقامه) وزاد الشيخ الطبرسي (قده) على ذلك من البنات حكيمة وخديجة وام كلثوم.

اما ولده الأكبر فهو الإمام أبو الحسن علي بن محمد الهادي (ع) كان الإمام من بعده بنص من أبيه.

واما ولده الاخر المسمى بموسى والمشهور بموسى المبرقع، فقد ولد في المدينة المنورة واقام مع أبيه إلى أن استشهد أبوه (ع) ببغداد، ثم انتقل إلى الكوفة وسكن بها مدة، وفي سنة ست وخمسين ومئتين هاجرَ من الكوفة وورد قُم وتوطن بها.

مـلـوك عـصره:

عاصر الإمام الجواد (ع) بقية ملك المامون بعد استشهاد الإمام الرضا (ع) وقسماً من ملك المعتصم، والمعروف المشهور انه (ع) استشهد في اول ملك المعتصم (وإن قيل أيضاً بوقوع شهادته في مُلك الواثق) لكن هذا القول بعيد لأن هلاك المعتصم كان في سنة 227هـ وشهادة الإمام (ع) في سنة 220هـ .

كرم الإمام الجواد عليه السلام: لقد اشتهر عند الخاصة والعامة جود الإمام الجواد، بل لكثرة عطائه وسخائه قالوا أنه لقب بالجواد عليه السلام في حياته، ولقّب بـ (باب المراد) بعد وفاته لشدة قضاء الحوائج عند التماس قبره الشريف.

وكان الإمام الجواد عليه السلام لا يخرج من البيت إلا ويحمل معه المال والذهب والفضة فلا يسأله أحد إلا أعطاه بغض النظر عن الموالي وغيره والعدو والصديق، فعطاء الأئمة لا يعرف الحدود، ولا تقف الحواجز القومية والمذهبية أمامه أبداً، فهم سادة الكرم وأصوله ومعدنه وفرعه ومنتهاه.

معجزاته عليه السلام:

ومن معجزاته (ع) البارعة ما وقع له عند استشهاد أبيه (ع). منها ما رواه محمد بن ميمون قال: كنت مع الرضا (ع) بمكة قبل خروجه إلى خراسان فقلت له إني أريد أن أتقدم إلى المدينة، فاكتب معي كتاباً إلى ابي جعفر (ع) فتبسم وكتب كتاباً وسرت إلى المدينة وكان قد ذهب بصري فاخرج الخادم أبا جعفر يحملة من المهد، فناولته الكتاب فقال موفق، فضه وانشرره ين يديه. ففضضته ونشرته بين يديه، فنظر فيه، ثم قال لي: يا محمد ما حال بصرك فقلت يا ياابن رسول الله اعتليت فذهب بصري كما ترى، فمدّ يده ومسح على عيني فعاد إليّ بصري كأصح مما كان، ثم قبلت يديه ورجليه وانصرفت من عنده وانا بصيراً.

علمه ومحاججاته عليه السلام:

تعددت الأخبار والروايات عن سعة علم الإمام الجواد (ع) وقوة حججه وعظمة آياته منذ صغره، وعن ادهاشه وافحامه العلماء والكبار وهو حدث صغير السن، فمن تلك الأخبار، أنه دخل (ع) بعد شهادة أبيه الرضا (ع) خلق كثير من بلاد مختلفه لينظروا إليه، وكان في المجلس عمه عبدالله بن موسى (ع) والمنادي ينادي هذا ابن بنت رسول الله فمن أراد السؤال فليسأل، فسئل عن اشياء أجاب فيها بغير الجواب، فرد على الشيعة ما أحزنهم وغمهم واضطربت الفقهاء، فقاموا وهموا بالأنصراف، وقالوا في انفسهم  لو كان أبو جعفر (ع) يكمل لجواب السائل لما كان عند عبدالله ما كان من جواب بغير الجواب، ففتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفق وقال: هذا ابو جعفر (ع) فقاموا إليه واستقبلوه وسلموا عليه فرد عليهم السلام، فدخل (ع) وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين، وفي رجليه نعلان، وجلس وامسك الناس كلهم، فقام صاحب المسأله فسأله عن مسأله أجاب عنها بالحق، ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه، وقالوا له: إن عمك عبدالله أفتى بكيت وكيت، فقال لا إله إلا الله ياعم إنه عظيم عندالله أن تقف بين يديه - فيقول لك لِمَ تفتي عبادي بما لا تعلم وفي الأمة من هو أعلم منك.

وأما محاجاته فكثيراً جداً، ولعل من أكثرها شهرة مع يحيى بن أكثم في مسألة مُحرم الذي قتل صيداً؟ وأجاب (ع) عند ذلك بجواب متفرع، فحير ابن اكثم واخجله.

ومنها ما حدث في مجلس المعتصم، وذلك أنهم جاؤوا يوماً بسارق ليجرى عليه الحد، وكان عنده من علماء المذاهب الإسلامية المختلفة جماعة، فسألهم عن حكمه، فحكموا عليه بقطع اليد ولكنهم اختلفوا في حد اليد فقال قوم بان تقطع يده من الكرسوع وهو الزند، تمسكاً بآية التيمم وحده من الزند، وقال اخرون بكون القطع من المرفق، فاحضر الإمام وسأله عن ذلك فتثاقل الإمام (ع) عن الجواب واستعفى منه، فأصر عليه المعتصم وحلفه وألزمه، فحكم الإمام (ع) بخطأ الفريقين، وإن يد السارق لا تقطع إلا اصابعها، ولا بد من ابقاء الكف للسجود عليه، تمسكاً بقوله تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) وإن ما كان لله فلا يقطع، فأعجب ذلك المعتصم وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.

الحث على اكتساب العلم:

حثّ الإمام الجواد (عليه السلام) على طلب العلم وبيّن فضل العلماء من خلال أحاديثه ورواياته عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) وفيما يأتي نماذج من هذه الأحاديث :

قال (عليه السلام): عليكم بطلب العلم، فان طلبه فريضة، والبحث عنه نافلة، وهو صلة بين الاخوان، ودليل على المروّة، وتحفة في المجالس، وصاحب في السفر،  واُنس في الغربة. 

وقال(عليه السلام): العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع مسموع اذا لم يكن مطبوع، ومن عرف الحكمة لم يصبر على الازدياد منها، الجمال في اللسان، والكمال في العقل. 

وعنه(عليه السلام) عن علي، قال في كتاب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): ان ابن آدم اشبه شيء بالمعيار، إما راجح بعلم وقال مرة بعقل أو ناقص بجهل.

وقال (عليه السلام): اقصد العلماء للمحجّة الممسك عند الشبهة، والجدل يورث الرياء، ومن أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل، والطامع في وثاق الذلّ، ومن احبّ البقاء فليعدّ للبلاء قلباً صبوراً.

كما انه كان يتألّم لكثرة الجهلاء وابتلاء العلماء بهم وكان يعتبر سبب الاختلاف هو ما يطرحه الجهلاء نتيجة جهلهم، فقد روى عن جده أمير المؤمنين(عليه السلام): العلماء غرباء لكثرة الجهّال بينهم.

وقال (عليه السلام): لو سكت الجاهل ما اختلف الناس.

وصايا للعاملين:

كان الإمام الجواد (عليه السلام) يزرع روح الأمل والصبر في قلوب المؤمنين ليسلّحهم بالسلاح الفاعل عند مقارعتهم للظلم والطغيان وتحركهم ضده.

لقد اشار الى يوم يعاقب فيه الظالم عندما ينتصر العدل فينتقم للمظلومين من جوره اشد الانتقام. ان حمل المستضعفين لهذا المفهوم ومعايشتهم اياه يصنع منهم قوة لا تلين وثورة لا تقاوم. روى الإمام الجواد(عليه السلام):« يوم العدل على الظالم اشد من يوم الجور على المظلوم.

ولقد روى (عليه السلام) ان صبر المؤمن على البلاء من اشد الأسلحة ضد الظالمينز

وقال(عليه السلام): الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت بها. 

كما انه (عليه السلام) روى عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) المنهاج الذي ينبغي ان يلتزم به المؤمنون ليبلغوا غاياتهم السامية.

وعنه (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من وثق بالله أراه السرور، ومن توكل عليه كفاه الاُمور، والثقة بالله حصن لا يتحصن فيه الاّ مؤمن أمين، والتوكل على الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو، والدين عزّ، والعلم كنز، والصمت نور، وغاية الزهد الورع، ولاهدم للدين مثل البدع، ولا أفسد للرجال من الطمع، وبالراعي تصلح الرعية، وبالدعاء تصرف البليّة، ومن ركب مركب الصبر اهتدى الى مضمار النصر، ومن عاب عيب، ومن شتم اجيب، ومن غرس اشجار التقى اجتنى ثمار المنى.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 5/تموز/2009 - 12/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م