حقوق ملكية الحرب بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق

مقتطفات مما تناقلته وسائل الإعلام الغربية من تقارير وآراء وتحليلات تخص الشأن العراقي

إعداد: علي الطالقاني

 

العراقيون لن يحتفلوا بالانسحاب إلا عندما تصل المياه والكهرباء إلى المنازل، وعندما يحظى كل شاب بفرصة عمل، وعندما يكسب قوته بشكل لائق.

 

شبكة النبأ: تصدرت أخبار العراق الصفحات الأولى للصحف الغربية وهي تتحدث عن انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية، فبينما تحدثت صحيفة عن أهم ماحققته القوات الأمريكية في العراق، تحدثت أخرى عن أن العراقيون لن يحتفلوا بانسحاب القوات إلا عندما تتوفر الخدمات والرفاهية للشعب العراقي. كما تحدثت صحيفة عن إخلاء المدن العراقية مما جعل منها معلم تاريخي.

ما الذي تحقق في العراق؟  

رحبت الصحف الأميركية بانسحاب قوات بلادها من المدن العراقية وأسهبت في تحليل هذه الخطوة والتحديات الناجمة عنها.

فقد استهلت صحيفة نيويورك تايمز افتتاحيتها بالقول إنه بعد ست سنوات من الدماء والخراب، ثمة نهاية للاحتلال الأميركي للعراق تبدو للناظرين.

وأضافت أنه بالنسبة للجيش الأميركي المنهك تماماً فإن وقت الرحيل قد أزف بدون شك. وقد استنزفت حرب العراق من الموارد ما كانت أفغانستان في أمسّ الحاجة إليها, وهي الجبهة الحقيقية في الحرب على الإرهاب, بحسب الصحيفة.

ومع أن نيويورك تايمز أشادت بصواب فكرة الرئيس باراك أوباما القاضية بانسحاب متدرج ومسؤول, فإنها أبدت قلقها من أن لا يحظى العراق بالاهتمام المطلوب من جانب واشنطن.

وقالت إن لأوباما مستشارين على مستوى رفيع مكلفين بملفات أفغانستان وباكستان وإيران وسلام الشرق الأوسط, لكن لا يوجد اسم كبير يُعنى بالشأن العراقي.

خطوة هامة

واستطلعت صحيفة واشنطن بوست آراء عدد من خبراء السياسة الخارجية بخصوص الانسحاب الأميركي من المدن العراقية.

يقول أحد هؤلاء وهو مايكل أوهانلون من معهد بروكينغز إن العراق ما يزال بلداً مضطرباً, لكنه لم يعد تحت وطأة حرب أهلية، وإن عودته إلى تلك الحالة المزرية أمر بعيد الاحتمال.

ولا يرى أوهانلون في الانسحاب شيئاً مثيراً, إذ إن خفض أعداد القوات الأميركية في المدن كان يمضي قدماً منذ أشهر.

غير أن أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن أندرو باسيفيتش ينظر إلى المسألة من زاوية أخرى، فالتظاهر بأن إستراتيجية زيادة القوات قد أتت أُكُلها أمر يخدم المصالح الأميركية أيما خدمة.

وبالتغاضي عن غياب أي مصالحة سياسية ذات مغزى بين الفصائل العراقية المتخاصمة, وادعاء أن على العراقيين تحمل قدر محتمل من العنف قد لا تطيقه أماكن أخرى من العالم, فإن إدارة أوباما تجد نفسها مع ذلك قادرة على تخليص الولايات المتحدة من حرب باءت بفشل ذريع, برأي باسيفيتش.

أما مجلة تايم الذائعة الصيت فقد رأت في الانسحاب خطوة هامة نحو انسحاب لكامل القوات الأميركية المقاتلة بحلول 31 أغسطس/آب 2010, وكل الجنود الأميركيين البالغ عددهم 131 ألفاً من العراق بنهاية 2011.

وخلصت المجلة إلى القول إن حرب العراق بدأها الرئيس السابق جورج بوش, لكن ملكيتها آلت اليوم إلى أوباما لا إلى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

إخلاء المدن العراقية معلم تاريخي  

من جهة أخرى وصفت الصحف البريطانية الانسحاب الأميركي من المدن العراقية بأنه خطوة على طريق الاستقلال ومعلم في تاريخ البلاد، رغم ما أوردته من المشاعر المختلطة لدى العراقيين ما بين فرح ومتشكك ومن يرى في الوجود الأميركي شرا لا بد منه.

فتحت عنوان استفهامي "العراق.. هل اكتملت المهمة؟" وصف مراسل صحيفة ذي إندبندنت باتريك كوكبيرن الانسحاب الأميركي من المدن العراقية بعد ست سنوات من الاحتلال، بأنه خطوة جوهرية نحو عودة الاستقلال إلى البلاد.

ويقول المراسل إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يسعى من خلال تلك الخطوة إلى تلميع أوراق اعتماده القومية، عبر زعمه بأنه الشخص الذي أرغم الولايات المتحدة على القبول بجدول زمني لإنهاء الاحتلال "بعد محادثات شرسة للتوصل إلى الاتفاقية الأمنية.

وقد أظهر التليفيزن العراقي ساعة ترصد العد التنازلي قبل الانسحاب الأمريكي ومع الساعة علم وعبارة "30 يونيو يوم السيادة العراقية"، كما أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وهو حليف وثيق للولايات المتحدة، اليوم عطلة وطنية.

ومن جانبها، تتجنب وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" إظهار أي صور لانسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية بشكل يحي ذكريات الانسحاب من سايجون في فيتنام عام 1975.

وتابعت الصحيفة قائلة "وسيتم الابقاء على 130 ألف جندي في قاعدة خارج المناطق المدنية حتى سبتمبر المقبل ليبدأ حينئذ الانسحاب التدريجي الشامل من العراق بحلول أغسطس عام 2010 على ان يتم سحب ما تبقى في عام 2011".

وأوضحت الصحيفة قائلة "ان استطلاعات الراي أظهرت ان الانقسامات الطائفية والعرقية تعمقت في العراق بسبب الاحتلال ووجود القوات الأمريكية لاختلاف نظرة كل من السنة والشيعة والأكراد لها، فالسنة قاتلوها والأكراد أيدوها والشيعة الذين يمثلون الأغلبية تعاونوا من أجل إرساء دعائم الدولة وبعد ان تم لهم ذلك يريدون الآن خروجها فيما يخشى السنة الآن رحيل القوات الأمريكية وبقاءهم بلا حماية".

فشل الاحتلال

ومضت ذي إندبندنت تقول إن الأيام الأخيرة التي سبقت الانسحاب شهدت تصعيدا في العنف راح ضحيته أكثر من 250 عراقيا، غير أن ما وصفته بهذه الأعمال الشنيعة أثارت الشكوك حول مدى قدرة القوات الأمنية العراقية على التعاطي مع عناصر القاعدة المتهمين بتنفيذ الهجمات الأخيرة.

وقد أثبتت التجارب -كما يقول كوكبيرن- أنه لا قوات الأمن العراقية ولا القوات الأميركية قادرة على وقف العبوات الناسفة التي تستهدف المدنيين.

ويرى المراسل أن الأمن في بغداد ووسط العراق يشهد -على ما يبدو- تحسنا ملحوظا مقارنة بما كان عليه الأمر قبل عامين. أما اللاجئون العراقيون فما زالوا يترددون في العودة بسبب شكوكهم بشأن الظروف الأمنية والمعيشية.

ويخلص إلى أن المجتمع العراقي وبنيته التحتية واقتصاده قد تعرضوا للتدمير خلال ثلاثين عاما من الحروب والعقوبات الدولية، مشيرا إلى أن الاحتلال الأميركي فشل في إعادة بناء ما تم تدميره، بل في بعض الأحيان فاقم المشاكل العراقية.

جاهزية القوات العراقية

أما صحيفة ديلي تلغراف فقد نقلت تصريحات المسؤول عن قوات التحالف ري أديرنو الذي يؤكد فيها أن القوات العراقية جاهزة لتسلم زمام العمليات الأمنية في المدن بعد الانسحاب الأميركي اليوم.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الانسحاب سيشكل اختبارا للولايات المتحدة التي ترغب في الانتقال من حالة الحرب إلى الحالة الدبلوماسية مع بغداد.

ويرى محللون أن الانسحاب الأميركي سيكون أقل إثارة مما يبدو عليه، لأن الجيش –وإن بقي في الظل- يستطيع أن يتدخل إذا طلبت القوات الأمنية العراقية المساعدة.

معلم هام

وفي هذا الإطار وصفت صحيفة فايننشال تايمز في افتتاحيتها الانسحاب بأنه معلم هام في تاريخ العراق، ولكنها تحدثت عن بعض المخاوف منها أن التفجيرات الأخيرة تظهر أن الجهاديين قد يُهزمون ولكنهم لا يذهبون بعيدا.

كما أن الإصلاح والتسوية اللذين من أجلها جاءت زيادة القوات الأميركية لم يتحققا أيضا، فضلا عن أن النزاع بين العرب والأكراد حول منطقة كركوك النفطية لم ينته بعد.

وتختم بأن الانسحاب لن يكون اختبارا للجيش العراقي الذي تم تشكيله من المليشيات وحسب، بل لقدرة المالكي على التسامي فوق جذوره الطائفية حتى يكون قائدا لجميع العراقيين.

بهجة وخوف

فرح وخوف

وفي تقريرها تحت عنوان "فرح وخوف مع خروج الأميركيين من المدن العراقية"، تقول فايننشال تايمز إن انسحاب الجيش الأميركي يُنظر إليه بمزيج من مشاعر الفخر والتشكيك.

فقد نقلت عن صلاح الجبوري أحد زعماء القبائل غرب بغداد قوله "سأحتفل عندما أرى بلادنا تنعم في سلام"، مضيفا "سأحتفل عندما أرى الكهرباء ومياه الشرب، وعندما أشاهد الناس وهم يذهبون إلى الحدائق ويشعرون بالأمن".

وبينما يعتقد العديد من العراقيين أن تاريخ الانسحاب عيد استقلال لبلادهم، يشكك آخرون بأن العنف قد يعود ثانية "بعودة المليشيات التي تختبئ لأنهم يعلمون أن الأميركيين في المدن على أهبة الاستعداد حالما يتلقون النداء"، كما يقول أبو نور.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من العراقيين يعتبرون الجنود الأميركيين في مناطقهم شرا لا بد منه.

الموعد الأول

صحيفة التايمز اللندنية اعتبرت أن انسحاب القوات الامريكية من العراق سيحمل القوات العراقية مسؤوليات أكبر للحفاظ على أمن بغداد وبقية المدن. في حين اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز أن أوباما وعد ونفذ ويبقى أن ننتظر الانسحاب النهائي، وعنونت: الموعد الأول. تقول الصحيفة استحوذ العراق على اهتمام جهود عسكرية وفكرية كبيرة وموازنات مالية ضخمة في الولايات المتحدة، وقد آن الأوان لكي تركز واشنطن على ملف آخر أكثر أهمية في حربها على الإرهاب، وهذا الملف يتمثل في أفغانستان، حيث يتمركز الخطر الحقيقي، ويبدو أن أوباما كان محقاً عندما أوضح أن الانسحاب الأميركي من العراق يجب أن يكون آمناً وحذراً حتى لا يأتي بنتائج عكسية.

لن يحتفل الشعب العراقي

عشية موعد انسحاب القوات المتعددة الجنسيات من المدن العراقية نشرت صحيفة الواشنطن بوست تحقيقاً يظهر أن احتفال العراقيين بالانسحاب الأميركي مؤجل حتى تصلهم أبسط حقوقهم المدنية، وعنونت: الانسحاب الأميركي يعكس مزاجاً متقلباً في العراق، لن يحتفل الشعب العراقي بانسحاب القوات الأميركية من مدنه لأنه سيحتفل عندما يرتدي أطفاله ملابس جديدة، وسيحتفل الشعب العراقي عندما تصل المياه والكهرباء إلى المنازل كلها، وعندما يحظى كل شاب بفرصة عمل، وعندما يكسب قوته بشكل لائق.

وزير عراقي متشائم

من جهة أخرى حذر وزير الداخلية العراقي من أن يوم 30 يونيو/حزيران 2009 المحدد لانسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية, لا يمثل نهاية مرحلة تاريخية حتى يحتفي بها فلاسفة السياسة، بل ينبئ ببداية فصل من فصول الديمقراطية والحكم المستقل في العراق يكتنفه غموض شديد.

وقال الوزير جواد البولاني في مقال نشرته له صحيفة واشنطن بوست الأميركية في عددها اليوم "بينما تحوّل الولايات المتحدة اهتمامها عن العراق إلى أفغانستان وقضايا أخرى بالغة الأهمية, لا ينبغي لأحد منا أن يركن إلى الاعتقاد بأن المهمة في العراق قد أنجزت، فذلك إحساس زائف فعلاً.

ووصف أحداث العنف التي شهدتها البلاد مؤخراً بأنها مؤلمة, مشيراً إلى أنها تشي بتحديات مقبلة. ورغم أن البولاني يشير إلى انخفاض كبير في أعمال العنف على نطاق واسع من قبيل "التفجيرات الانتحارية", فإنه مع ذلك يقر بأن العنف ما انفك يشيع الفوضى والقنوط.

وأضاف أن دول المنطقة لم تفتأ تسعى للتأثير على سياستنا الداخلية خدمة لمصالحها هي، وأن المزاعم بتفشي الفساد باتت تعم أرجاء العراق حتى أنه (أي الفساد) أصبح بمثابة تمرد ثان.

ويرى البولاني أن الفساد والعنف ينطويان على تهديد يتحتم على العراق التصدي له كل يوم, ولا يعتبرهما تركة موروثة من النظام "البائد".

على أن الأخبار السارة بنظر وزير الداخلية هي أن العراق بدأ انطلاقة "واعدة"، فمستوى العنف الكبير -كما يقول- انخفض اعتباراً من منتصف يونيو/حزيران بنسبة 60% تقريبا.

ومضى إلى القول إن الشرطة العراقية ستشرف عقب انسحاب القوات الأميركية على شؤون الأمن في معظم المراكز السكانية الكبرى, بما في ذلك 70% من بغداد.

كما أن وزارة الداخلية ستمسك بزمام الأمن في سبع محافظات, وستتولى الواجبات الأمنية في ثماني محافظات أخرى بالاشتراك مع وزارة الدفاع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر: نيويورك تايمز +  واشنطن بوست + ذي إندبندنت + فايننشال تايمز + التايمز + الجزيرة

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/تموز/2009 - 11/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م