الرقيب السلبي هل يقتل الكتابة الابداعية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يتفق الأدباء والمفكرون والمثقفون عامة على أن الرقابة بكل انواعها تشكل عقبة أمام الابداع وتطوره، والرقابة هنا بمعنى الإعاقة وليس التقويم والتصحيح من اجل التجدد والتطوير، فهنالك رقابة (إيجابية) لا تتدخل في نوع وسمات المنجز الابداعي او غيره، لكنها تراقبه بروح المسؤولية التي تهدف الى النجاح قبل أي شيء آخر، وثمة رقابة تشبه عمل السلطان او الجلاد أحيانا حيث تتدخل في كل صغيرة وكبيرة وترسم خطوط الكتابة من مبتداها حتى منتهاها، وإذا ما تجاوز الكاتب هذه الحدود فإن إيقاف الكتابة سيكون أبسط الاحكام التي يفرضها الرقيب على الكاتب المتمرد ضد خطوطه المرسّمة مسبقا.

لقد أعلن الشاعر السوري أدونيس على سبيل المثال وليس الحصر، قبل أسابيع بأن الرقابة حتى لو كانت ذاتية فإنها ستقتل الابداع في داخل المبدع، بمعنى لو اننا نفترض قدرتنا على تحييد جميع النزعات المتسلطة في تحديد مسارات الكتابة سواء من قبل السياسيين او غيرهم، وبقيت رقابتنا الذاتية تشتغل وفقا لهواجسنا أثناء الكتابة فإن ذلك وحده مدعاة لقتل روح الابداع أصلا وتبيان شحوب النص وهزاله إيذانا بموته القريب إذا لم يكن قد مات فعلا مع اللحظات الاولى التي تبدأ فيها رقابتنا الذاتية بالعمل الصارم كالسيف المرفوع فوق رقابنا.

لذا نتساءل ماهو المطلوب في هذه الحالة؟.

فإذا كانت الرقابة الذاتية او غيرها تشكل كل هذا الخطر الكبير على الكتابة والابداع عموما، فما هي سبل الخروج من مثل هذا المأزق،  لقد قال احد الكتاب مؤخرا: (إنني وضعت الرقيب على الرف منذ أن دخلت خانة الخمسين، لقد قال ماركيز ذات مرة بأنه -كتب أنضج أعماله بعد الخمسين- ولذلك اعتقد بأنني اذا ما أردت ان اكتب أدبا ناضجا بعد ان عبرت الى الخمسين فعليّ ان اضع الرقيب على الرف مثلما كان قد وضعني طويلا على الرف ايضا، انها حالة اقتصاص كما يبدو، ولكن في كل الاحوال، لم يبق متسع من العمر للرقيب ولغيره، وما تبقى كله لي، ولما أريده، ولما أؤمن به، ولما يجب ان أقوله من دون أن أخشى الموت او غيره).

لكن هناك من يقول بأن الكتابة او الابداع لا يتعلق بعمر محدد كما انه ليس محصورا بالأديب الخمسيني او الكاتب الذي يتجاوز سن الخمسين، ومثال على ذلك، ان رامبو الذي أحدث ثورة في الشعر العالمي قام بذلك في عمر لا يتجاوز 18 عاما، كما أن الشاعر الاسباني الشهير روفائيل البرتي كتب أنضج مجاميعه الشعرية (عالم الملائكة) في عمر 23 عاما في حين ان عمره الكلي تجاوز ثمانية عقود، لذلك نعتقد بأن الابداع لا ينحصر بعمر محدد وهذا ما يقود الى أهمية أن يتجاوز الكاتب رقابته الذاتية في جميع الاعمار، كما ان الخطوط الحمر لا يجب أن تظل هاجسا فاعلا كالسيف المتأهب لحزّ الأعناق.

فالكاتب المسؤول قطعا يتحلى بشجاعة مميزة تسعفه على طرح أفكاره وإبداعه بما يتناسب وحجم مسؤوليته الفكرية والانسانية في آن واحد، فليس من المعقول أن نطلق على أفنسنا كتابا مبدعين ومتميزين في وقت نهتز فيه أمام أول خطر نتلقاه من الرقابة الخارجية او حتى الذاتية.

فلقد كان احد الكتاب مهووسا بالخوف من الآخر، حتى لو لم يكن موجودا أصلا، كما ان هنالك من الكتاب من يصنع خوفه وتردده بنفسه، في حين هنالك من يضخّم المخاوف حتى يجعل منها (مخدٍّرا) لكل طاقاته الابداعة بل قاتلا لها، وهنا ستعمل الأصالة الابداعية عملها حيث تتحدى المخاوف وتنظر الى الوقائع والحقائق بعين التوازن ثم تتحرك وفقا لذلك بعد غربلة المخاطر القائمة وتمحيصها ثم التبات على  مواجهتها  بشجاعة، لذلك لامناص للكاتب من التعامل بحزم مع الرقيب السلبي الذاتي او الخارجي، لا سيما اذا كان يعرف ذاته جيدا ويقدّر ابداعه ومدى تأثيره في الوسط المتلقي الذي سيشعر ازاءه بالعرفان والامتنان نتيجة لمواقفه الشجاعة في مواجهة السلطة المتعسفة المتمثلة بالرقيب او الرقابة مهما كان شكلها او نوعها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/تموز/2009 - 9/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م