
شبكة النبأ: ما يزال الشارع الإيراني
يشهد، إلى يومنا هذا، كثيرًا من المظاهرات والاحتجاجات مع استخدام
العناصر الأمنية القوة والقسوة ضد المتظاهرين. وتزداد الأمور سوءًا مع
إعلان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله "على خامنئي" أنه لن
يرضخ إلى الشارع الإيراني، واتهام الرئيس المنتهية ولايته "أحمدي نجاد"
المتظاهرين بالموالاة وتلقي الدعم من الغرب من جهة. وتأكيد زعيم
المعارضة الإيرانية والمرشح الإصلاحي للانتخابات الرئاسية في الثاني
عشر من يونيو الجاري "مير حسين موسوي" أنه وأنصاره سيواصلون الاحتجاج
على "التلاعب بنتائج الانتخابات" رغم الضغوط من جهة أخرى.
عن المظاهرات والاحتجاجات التي أضحت سمة الشارع الإيراني خلال
الأسبوعين الماضيين، والمستمرة حتى كتابة تلك السطور، يرى كريم
سدجادبورKarim Sadjadpour، الباحث المشارك في مؤسسة كارنيجي للسلام
الدولي، أن قوة وحجم المظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها إيران حاليًا
عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية وإعادة انتخاب "أحمدي نجاد" جديدة
على النظام السياسي الإيراني منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية في
عام 1979.
ويؤيد الباحث المتميز في الشأن الإيراني سياسة أوباما التي تُبعد
نفسها عن التدخل في الشأن الإيراني. فيرى أن أي دعم أمريكي، حتى وإن
كان عبر التصريحات فقط، سيضر بمطالب الإصلاحيين والمتظاهرين، حيث يُمكن
أي تدخل أمريكي من إدعاء نظام "الملالي" الإيراني أن هؤلاء المتظاهرين
محرضون من الخارج للانقلاب على نظام الثورة الإسلامية. بحسب موقع تقرير
واشنطن.
وعلى الرغم من غياب التدخل والتأييد الأمريكي الصريح للمتظاهرين
يقول عديد من أقطاب النظام: إن هؤلاء المتظاهرين مدعومون من الغرب
لاسيما من الولايات المتحدة لتغيير النظام في إيران من خلال ثورة
مخملية تعصف بنظام الثورة الإسلامية وولاية الفقيه.
وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه المحرر الاستشاري لمجلس العلاقات
الخارجية "برنارد جورتزمان Bernard Gwertzman" مع كريم سدجادبور،
وينقله موقع تقرير واشنطن.
مازالت المظاهرات والاحتجاجات على
نتائج الانتخابات الإيرانية مستمرة إلى يومنا هذا. فعلى الرغم من
موافقة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية "آية الله على خامنئي" على
إعادة فرز مجلس صيانة الدستور عددًا من الأصوات، إلا أن المرشحين
المعارضين يطلبون تصويتًا جديدًا. ماذا تتوقع أن يحدث خلال الأيام
القادمة؟
تمر إيران بلحظة تاريخية، حيث تشهد مظاهرات ليس لها مثيل. فمن
الملحوظ تزايد الشعور بعدم العدل والغضب. فعلى الرغم من إعلان الباسيج
والحرس الثوري الإيراني استخدام القوة ضد المتظاهرين، استمر تزايد نزول
الإيرانيين إلى الشارع بشجاعة مخاطرين بحياتهم، فلم يثنهم التهديد
باستخدام القوة عن الاحتجاج والنزول إلى الشارع. والصدع بين النخبة
الثورية الملحوظ حاليًا غير مسبوق أيضًا.
إن قرار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية لتفويض مجلس صيانة الدستور
لفرز بعض الأصوات لا يعني تنازل المرشد عن سلطته، حيث المجلس يخضع
لسلطة المرشد، ولكنه يهدف من هذا إلى كسب مزيد من الوقت، وتشويه
المسألة. وهذا ينطلق من قناعة لديه بأن سعيه إلى كسب مزيد من الوقت
سيؤدي في نهاية الأمر إلى التخفيف من حدة التظاهرات إلى أن تتلاشى.
ولكن الأمر ليس على هذا التصور. فالمرشد سيكون في نهاية الأمر أمام
خيارين إما التضحية بالرئيس "أحمدي نجاد" الذي أعلن إعادة انتخابه، أو
السقوط مع سقوط النظام الديني في إيران (الغرق مع السفينة).
تُشير خطب المرشد إلى عدم تأييده
إجراء انتخابات جديدة، ماذا تتوقع أن يحدث؟ هل تتوقع أن المعارضة ستضطر
إلى التراجع والتقهقر؟
بداية، كان من المتوقع أن يكون رد الفعل الأول للمرشد صارمًا. وهذه
طريقته بوصفه، مفادها: لا حل وسط في مواجهة الضغوط، إنها تؤدي إلى
الضعف ولمزيد من الضغوط.
يتحمل المرشح الإصلاحي "مير حسين موسوي" ثقلًا كبيرًا يقع على
أكتافه، فقد ألمح رجال خامنئي إلى أنهم مستعدون لإراقة الدماء (لحمام
من الدم)، مبدين رغبتهم في استخدام القوة المفرطة لقمع المتظاهرين
والمحتجين، والسؤال هل موسوي راغب في قيادة الشعب إلى مذبحة؟
موسوي ليس "آية الله الخميني"، وخامنئي ليس "شاه". بمعنى أن الخميني
لم يتردد في قيادة أتباعه إلى الاستشهاد، والشاه في ذلك الوقت لم يكن
لديه رغبة أو طاقة لمزيد من إراقة الدماء، لكن في الوقت الحالي رجال
الدين (المتعصبين الدينيين) يسيطرون على السلطة وعلى مقدرات قوة الدولة
الإيرانية.
إن الشعور بالغضب والضيق والشعور بعدم العدل بين المواطنين
الإيرانيين لن يُخمدَ في المدى القريب، ولكن اعتراف موسوي بالهزيمة
سيضعف معنويات الملايين من الناس. فحتى وقتنا هذا ليس هناك قائد حقيقي
بديل للمظاهرات. هناك علاقة تبادلية تكافلية، حيث يستمد موسوي قوته من
الدعم الشعبي، والدعم الشعبي يمكن موسوي من أن يكون رمزًا سياسيًّا
لاستمرار التحدي. ولذا فعلى موسوي اتخاذ عدد من القرارات.
ويظل دور رافسنجاني محوريًّا، ولكن السؤال هل يستطيع التحالف مع
النخب الثورية الساخطة لتقويض سلطات خامنئي؟. يقول خامنئي: إن كليهما
يعرف الآخر منذ اثنتين وخمسين عامًا عندما كانا من أتباع الخميني.
وأتوقع أن رجالات خامنئي قد قالوا لـ"رافسنجاني" إنه لو استمر في إثارة
القلائق ضد "خامنئي" من خلف الستار فإنه وعائلته قد تتعرض للقتل أو
للسجن، وأن الشعب الإيراني لن يبكي على عائلة رافسنجاني الفاسدة.
لقد ذكرت أن خامنئي قد يغرق مع
السفينة، فماذا تعني؟
الخطوط الحمراء المقدسة في إيران التي كان من الصعب تحديها أصبح
تحديها حاليًا ممكنًا، حيث أضحى نظام ولاية الفقيه ومؤسساته التي وضعها
"الخميني" عام 1979 محل تساؤل شعبي.
فلأول مرة تُواجه شرعية خامنئي كمرشد أعلى للثورة الإيرانية تحديًا
شعبيًّا علنيًا، والذي استتبعه تشكيك في شرعية المؤسسات التي ترتبط به.
وهناك تقارير أن "رافسنجاني" يسعى إلى تشكيل ائتلاف من المراجع الدينية
في "قم" ضد "خامنئي". فـ "رافسنجاني" رئيس مجلس الخبراء وهي هيئة
دستورية لها صلاحيات تعيين أو عزل المرشد الأعلى. ويعارض "آية الله
منتظري" بصورة علنية تلك الانتخابات وحكم "خامنئي".
لا يدعو المواطنون إلى ثورة على غرار الثورة الإسلامية في عام 1979.
فإنني لم أسمع كلمة انقلاب يرددها المتظاهرون. فهناك نضج سياسي لم يكن
موجودًا من قبل. فالناس لم يعد لديهم السذاجة والأحلام الوهمية ذاتها
كما كان الحال في عام 1979. إنهم يريدون نظامًا سياسيًّا يُمثل الشعب.
فيعتقد كثيرون أن الجمهورية الإسلامية ليس لديها مؤسسات مهمة مثل
المؤسسة الرئاسية والبرلمان. ولكن ما يريدون رؤيته هو ما إذا كانت
المؤسسات غير المنتخبة والتي تستأثر بالجزء الأكبر من السلطة الدستورية
ستلغي أم ستقوض سلطاتها بصورة جدية.
إنه نظام كبير. هناك أفراد لديهم
الحق في حمل السلاح. هل يتم تجرديهم من قوتهم؟
لا يجب النظر إلى رجال الدين والحرس الثوري الإيراني على أنهما
كيانات جامدة. فصحيح أن كبار قيادات الحرس الثوري الإيراني يختارهم
المرشد الأعلى للثورة، وأنهم يدينون بالولاء له. الحرس الثوري الإيراني
كيان كبير يضم ما يقرب من 120 ألف رجل. إني اعتدت أن التقي بعضهم عندما
كنت في إيران، وكثير منهم على دراية بأن ثقافة "الموت لأمريكا" التي
نمت في أعقاب الثورة الإسلامية انتهى رواجها وصلاحياتها. وكثير من ضباط
الحرس الثوري الإيراني دعموا الرئيس "محمد خاتمي". إذا قمع الحرس
الثوري الإيراني الشعب الإيراني سينال من قوتهم داخل الشارع الإيراني
في نهاية الأمر. وأرى أن هناك تصدعات حقيقة داخله. فـ"محسن رضائي" أحد
منافسي الرئيس المنتهية ولايته "أحمدي نجاد" في انتخابات الثاني عشر من
يونيو الجاري كان مسئولاً كبيرًا سابقًا في الحرس الثوري والقائد
الحالي لبلدية طهران، ويُعد "رضائي" من أحد الخصوم اللدودين لـ"أحمدي
نجاد"، لذا لا يجب النظر إلى الحرس الثوري الإيراني على أنه 120 ألف
متعلقين أو مغرمين برؤية "خامنئي" للتضحية بأنفسهم لاستعادة أحمدي نجاد
منصب الرئيس.
ما تسلسل الأحداث؟ هل يُجبر أحمدي
نجاد على الاستقالة؟ هل يضطر خامنئي إلى الاستقالة؟ كيف يمكن القيام
بذلك من دون سفك مزيدٍ من الدماء؟
من المهم محاولة فهم رؤية "خامنئي" للعالم. إنه يؤمن بقناعة مفادها:
أنه عندما تكون تحت ضغط لا تلجأ إلى الحلول الوسطية. فالحلول الوسطية
تكون بداية للضعف ولمزيد من الضغوط. هذه القناعة هي المحرك لمقاربته
للسياسة الخارجية والإقليمية. وهذه القناعة تعلمها كثير من رجال الدين
خلال سبعينيات القرن المنصرم في صراعهم مع الشاه. إنهم يعتقدون أنه
عندما بدأ الشاه بالاعتراف بالسخط الشعبي عندما قال مقولته الشهيرة "سمعت
ثورتكم"، إنه اعتقد أنه بذلك يهدئ من الثورة الشعبية، ولكنها في
المقابل كانت لحظة الثورة الشعبية والتضحية بالدماء.
يمر خامنئي بموقف شديد الحساسية، لأنه مقتنع أن لجوئه إلى الحلول
الوسطية وتقديم تنازلات ستكون بداية مرحلة من الضغط ومزيد من الضغوط.
وفي الوقت ذاته إذا رفض التوصل إلى حلول وتقديم تنازلات فأنه يضحي
بمستقبله الديني من أجل رئيس غير مرغوب فيه فاز في انتخابات يشوبها
التزوير على نطاق واسع.
هل من المكن أن يجري اتفاقًا مع
أنصار موسوي؟
تتمثل المعضلة التي يواجهها "خامنئي" في أنه إذا أضحى "موسوي"
رئيسًا فإنه لن يكون رئيسًا خاضعًا تحت سيطرته مثل الرئيس الحالي "أحمدي
نجاد" والرئيس الأسبق "محمد خاتمي".
في الثمانينيات كان "موسوي" يشغل منصب رئيس الوزراء في وقت كان "خامنئي"
يشغل منصب الرئيس، ولكن موسوي كان أكثر تأثيرًا وقوة من خامنئي. ومن
الرائج أن العلاقات بينهما مثيرة للغاية. وبالنظر إلى ما حدث خلال
الأسبوعيين الماضيين خسر "خامنئي" نسبة كبيرة من رأس ماله السياسي داخل
الشارع والنخبة السياسية الإيرانية. فعليه التوصل إلى رأي ما إذا كان
يريد الحفاظ على "نجاد" رئيسًا مهما بلغ ثمن ذلك ليضمن رئيسًا يخضع
لسيطرته والذي لن يتحداه، أم أنه على استعداد لقبول حل وسط يقبل بموسوي
رئيسًا مما يحمل بين طياته قبولاً بمحدودية دوره السياسي.
سيكون تحولاً لا يصدق. كيف يفعل هذا؟
ينتهج خامنئي أسلوب إدارة وممارسة السلطة بدون مساءلة. وهي الطريقة
التي يحكم بها خلال العشرين سنة المنصرمة. ولأن الرئيس يتمتع بمكانة
بارزة محليًّا ودوليًّا على حد سواء فإن أي خلل أو قصور، وعادة ما يكون
اقتصاديًّا وقيودًا سياسية وأخرى اجتماعية، عادة ما يتحمل الرئيس العبء
الأكبر. فنسبة البحث عن الرئيس الإيراني "أحمدي نجا" على محرك البحث
الشهير جوجل تصل إلى عشرة ملايين زيارة متفوقة على البحث عن المرشد
الأعلى للثورة الإسلامية "آية الله على خامنئي"، ولكن في واقع الأمر
يمتلك المرشد نسبة كبيرة من السلطات الدستورية. فقرار إلغاء الانتخابات
أو النتائج من سلطة مجلس صيانة الدستور الذي يخضع لسلطته. وهي وسيلة
أخرى لتفادي المساءلة وناهيك عن الهالة حوله بأنه قائد فوق الشبهات
والجدل.
هل تعتقد أن الأمور تستمر على حالها
لأسبوع آخر إلى حين اتخاذ قرار؟ هل هذا يتطلب مواجهة المواطنين تهديدات
مستمرة والنزول إلى الشارع؟
يدفع المواطنون تكلفة باهظة من أجل هذا. فلدي إعجاب كبير بشجاعتهم
ليس في طهران فقط ولكن في جميع أنحاء البلاد. إنهم يخاطرون بحياتهم كل
يوم من أجل طلب بسيط، صوت سياسي لتصحيح الشعور العميق بالظلم. ما
رأيناه في ثورة عام 1979 كانت إجراءات أمنية مشددة لحكومة الشاه وقتل
المواطنين والذي أدى إلى انتشار الاحتجاجات وتزايد المظاهرات على هذا
الوضع.
والشيء الأساسي المختلف بين نظام الشاه والنظام الحالي أن كثيرًا من
النخب السياسية والاقتصادية والاستخباراتية في عهد الشاه كان لديها
خيارات عندما تزيد الأمور سوءًا. فكثير فمنهم تلقى تعليمه في الولايات
المتحدة وأوروبا ويمكن أن يعيشوا خارج إيران. ولكن بالنسبة للنخب
السياسية والعسكرية للثورة الإسلامية فليس لديهم من بديل فإيران هي
خيارهم الوحيد. فإنهم لم يتلقوا تعليمهم في الخارج. ولكن سنوات نشأتهم
كانت في المدارس الدينية في "قم" وساحة القتال ضد عراق صدام حسين.
وأنهم على دراية بأنهم إذا أرادوا الاستمرار في السلطة فإن عليهم تحديد
الوقت الذي يستخدمون فيه القوة. ولكن مرة أخرى فبعد أن وجدوا أنفسهم
على الجانب الآخر من التاريخ بعد الثورة الإسلامية في عام 1979 اعترفوا
بحقيقة أنه إذا لم تكن القوة محسوبة على نحو صحيح فإنهم من المكن أن
تزيد جوانب ضعفهم أكثر من تأمينهم.
من وجهة نظرك ماذا تفعل إدارة
أوباما؟ هل بعدم الانخراط في الشأن الإيراني أم تدين الجهود الإيرانية
السلطوية لتقويضها أم تدعو إلى انتخابات جديدة؟
إنه موقف حساس ومتطور بصورة دينامكية للغاية. والتدخل الأمريكي في
الشئون الداخلية الإيرانية سيقوض من غير قصد الإصلاحيين الذين نسعى إلى
دعمهم بالأساس. وغني عن القول أن تعلن إدارة أوباما بصورة جلية عن عدم
اعترافها بنتائج الانتخابات الإيرانية التي شهدت حالات تزوير. وأن تدفع
الولايات المتحدة حلفاءها إلى عدم الاعتراف أيضًا بنتائج الانتخابات
الإيرانية. وقد انتابتني حالة من الإحباط بعد تهنئة عبد الله جول وحامد
كرازي الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" بإعادة فوزه في انتخابات الثاني
عشر من يونيو الجاري.
ولكن إذا أخذت الولايات المتحدة موقفًا علنيًّا ظاهرًا في صف
المتظاهرين فإن هذا قد يدفع الحكومة الإيرانية إلى شن حملة قمعية دموية
واسعة ضدهم بحجة أنهم مدعمون ويعملون لصالح الولايات المتحدة لقلب نظام
الحكم. فوسائل الإعلام العالمية ستركز على ما سيقوله الرئيس الأمريكي
أكثر ممَّا ستفعله الحكومة الإيرانية. ومع ذلك على الرئيس إدانة العنف
الإيراني الصارخ ضد المدنيين الإيرانيين العزل فما فيهم النساء وكبار
السن.
النظام الإيراني يحب التحدث بصورة قوية عن العدالة، ومن هذا المنطلق
فإن علينا التأكيد أننا نريد أن نرى العدالة التي يتحدث عنها النظام
ورؤيتها تعم كل المواطنين الإيرانيين. |