هل سينجح العراقيون في إيقاف حمام الدم وإتمام مشروع السيادة؟

مع تزايد المراهنات على عدم استقرار الأمن بعد الانسحاب الامريكي من العراق

علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق يتزايد الحديث و تعج التصريحات والتحليلات السياسية والعسكرية حول ما يعقب الانسحاب، من تأزم الوضع الأمني وتزايد حالة الاحتقان الطائفي، وتزايد الهجمات على المدنيين، وعن مشكلة الأكراد مع الحكومة المركزية والملفات المتعلقة بالفيدرالية وتوزيع الثروات، في وقت يرى قادة أمنيون وسياسيون إن إنسحاب القوات الامنية من المدن العراقية جاء في وقت غير مناسب. وانها اجبرت على الانسحاب بطريقة محرجة. بينما يرى آخرون أن هذه القوات لن تستطيع أن تحقق أكثر مما حققته.

فإن الحال سيئ بالنسبة للجنود الأمريكيين، وخاصة بعد أن تم الاطلاع على رسائل وجهها جنود إلى عائلاتهم يتحدثون فيها  عن الأماكن التي يتواجدون بها وهم يتعرضون للقصف ما يجعل وضعهم غير آمن مما اضطروا الى اللجوء الى المخيمات التي لاتحميهم.

فمع موت كل أمريكي تنخفض الروح المعنوية بين الجنود، فكلهم يدخنون والكثير منهم نسي اسم اليوم الذي يعيشه فيه من كل اسبوع  ويشعرون أن حكومتهم واهليهم قد نسوهم. ومع ارتفاع درجات الحرارة صيفا والتي تزيد على 50 درجة مئوية، ومع لبسهم الدروع وملابس الحرب يصبح وضعهم أكثر حرجا.

وفي العراق اليوم، يراهن القادة السياسيون والمسؤولون الأمنيون على نجاح العملية الديمقراطية، وعلى دحر قوى الإرهاب، والكلام هنا يدور بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق في 30 حزيران.

فالانسحاب من المدن سيكون بمثابة اختبار للمرحلة التي تلي الانسحاب النهائي من العراق – وان لم تنسحب هذه القوات بشكل كامل- هذا ما أكدته تصريحات القادة الامريكيين في العراق من أن هذه القوات ستبقى في بغداد والمناطق المحيطة بها لأن هذه المناطق تشكو من انعدام الامن.

انسحاب القوات الامريكية من العراق سيكون ضربة قاسية للإدارة الأمريكية. ويعتقد قادة أمنيون بأن الإنسحاب من العراق سيؤدي إلى تزايد نشاط الميليشيات بمختلف توجهاتها وبالتالي ستهدد الحكومة العراقية، وخصوصا مع تدفق الأسلحة والانتحاريين من دول الجوار، ويبدي البعض مخاوفهم من حدوث حمام دم في شوارع العراق بمجرد انسحاب القوات، وهو التوقع الذي كرره وزير خارجية العراق هوشيار زيباري في أكثر من موقف محذرا الولايات المتحدة من أن سحب القوات من العراق في وقت مبكر سيقود إلى وقوع كارثة حقيقية عالمية، ويؤدي إلى تفكك البلاد إلى أقسام، واندلاع حمامات دم بين السنة والشيعة والأكراد، وتحويل العراق إلى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة وغيرها من الشبكات الإرهابية، كما أن التدخل المحتمل لإيران سيدفع الدول العربية السنية المجاورة وتركيا إلى التدخل ايضا.

إلا ان الوزير قال بأن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية أخلاقية للبقاء لإنهاء الفوضى التي أسهمت في إحداثها في العراق، ولعبت دور محوري في الحرب وتغيير النظام السابق، غير أنها بعد ذلك لم تستمع إلى أصدقائها العراقيين في جميع القضايا.

فالولايات المتحدة الامريكية تضع مسألة الديمقراطية على رأس مباحثاتها متخلية عن موضوع إعادة الإعمار، وستبدأ القوات بالانسحاب وتعلم الولايات المتحدة ان الاوضاع لن تستقر بليلة وضحاها. والسؤال هو: ما هو الظمان لهزيمة قوى الإرهاب؟

ثمة حلول يمكن طرحها، ان تكثف الحكومة العراقية من تواجد القوات الامنية العراقية وبقيادة مشتركة من الجيش والشرطة في بغداد والموصل وكركوك والبصرة لأن هذه المناطق تمثل أهمية سياسية واقتصادية.

أما حدود العراق مع جيرانه وحمايتها،  فانها غير آمنة، وقد تقوض ما تحقق من انجازات داخلية وخارجية، ولكن الحكومة العراقية ستزيد من  جهودها من السيطرة على حدودها الدولية، وتنشر حاليا أكثر 700 نقطة تفتيش على امتداد الحدود  الدولية للعراق البالغ طولها 3600 كم.

ولو راجعنا مدى جهوز القوات العراقية نجد ان العنصر الايجابي في القوات العراقية يتمثل بأنها أصبحت تضم الشيعة والكرد والسنة، أما عوامل الضعف فتتمثل في عدم التوافق والانسجام بين هذه العناصر الثلاثة وعلى وجه الخصوص العناصر السنية التي يتكون أغلبها من ضباط سابقين وبعثيين وحرس خاص وحرس جمهوري.

فيما يراهن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بان القوات العراقية قادرة على تولي المهام الأمنية في العراق بنفسها بعد انسحاب القوات الامريكية.

فعلى الرغم من الخروقات الأمنية التي حدثت مؤخرا في بغداد وكركوك واهدرت دماء المئات من العراقيين فضلا عن خسائر مادية كبيرة، يرى قادة أمنيون وعسكريون بان تنظيم القاعدة والمتطرفين والإرهابيين فقدوا قدرتهم على مواجهة وتحدي قوات الأمن العراقية.

الامن في المناطق الشيعية

ان الوضع الأمني في مناطق جنوب العراق ومحافظات الفرات الاوسط مستقر نسبياً، نظراً للتوافق الحاصل بين مختلف الانتماءات السياسية والمذهبية والعشائرية المتماسكة، بحيث حافظت هذه اللحمة التي رسمتها المرجعيات الدينية بالإضافة إلى الحكومة العراقية على التماسك، مما تراجعت سطوة الارهاب في تلك المناطق، وبرغم تزايد شعبية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي يدرك ان تثبيت الوضع الأمني في العراق أمر ضروري ومهم وعلى صعيد استمرار هذه الشعبية من جهة يدرك خصوصا انه يواجه انتخابات عامة، ومن جهة أخرى يراهن بعد فترة الانسحاب الامريكي من العراق قد يجعل الوضع اكثر استقرار. وعليه اتخذ عدد من الإجراءات لتقوية روابط إئتلافاته حتى مع خصومه وهذا ماشهدناه في الانتخابات المحلية التي جرت مطلع العام 2009، بالإضافة إلى اتخاذه خطوات فعلية باتجاه المصالحة الوطنية. وإنشاء مجالس الإسناد.

الأمن في المناطق الكردية

يشهد اقليم كردستان جملة من الخلافات حاليا من ابرزها.

1- تزايد الخلافات الكردية مع الحكومة المركزية، وتنامي الخلافات حول عقود النفط التي وقعتها حكومة اقليم كردستان مع دول أخرى دون الاهتمام لرأي الحكومة المركزية، بالإضافة لخلافات دستورية، وخلافات حول مصير محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها.

2-  التدخل التركي في الشأن العراقي الداخلي وفي إقليم كردستان خصوصاً. في وقت لاترغب امريكا بقيام دولة كردية، كل ذلك قد يربك ماتحقق من توازن سياسي. إذ يسعى القادة الاكراد وقبل انسحاب القوات الأمريكية تحقيق مزيد من المكاسب. فالمشاكل العالقة لم تجد طريق للحل، مما يفاقم الوضع الامني.

الامن في المناطق السنية

تتهم الحكومة العراقية قوات الصحوة بتورط قسم من هذه القوات في عمليات ارهابية، في وقت لم تتقاضى هذه القوات مرتباتها. ونظراً لعدم وجود معالجات حقيقة للوضع، قد يدفع ذلك بتدهور امني يمكن تلمسه من العمليات الارهابية التي حدثت خلال شهري نيسان وآب.

كذلك الأوضاع المتوترة بين العرب السنة والاكراد حول المناطق المتنازع عليها، وخصوصا في كركوك والموصل اللتان تشهدان توترات أمنية كبيرة. من بين المشاكل الأخرى.

العراق مقبل على امتحان أمني وسياسي، ويجب على الجميع الاستعداد لهذا الامتحان الذي قد يحقق فيه الاطراف السياسية والامنية نجاحات قد تسهم باستقلاق وحدة وشعب العراق، وعلى عكس ذلك ستكون النتائج وخيمة؛ مما قد تتخلخل السيادة العراقية في تزايد الخروقات الامريكية مما تستدعي الحالة حظور القوات الامريكية مرة أخرى في المدن العراقية، وخصوصا ان بعض الاطراف السياسية لاتريد خروج القوات الامريكية وهذا ما سمعناه تكرار من بعض السياسيين.

فان انسحاب القوات الامريكية سيضع الجميع أمام مسؤولية كبيرة تحتم الالتزام ازاء العراق والبدء في عملية الأعمار بعد الدمار الذي لحق به.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/حزيران/2009 - 6/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م