هي ثقافة وشكلا منها تسلل مابين عقلك وجسدك بل وتحدثك نفسك بها
أحديث وافد أم قديم موروث وبين السؤال والإجابة تتراوح فينا أنماط
سلوكية بل وتصبح عادات وتقاليد من السهل تداولها جيلا بعد جيل، وهل
بالإمكان العودة إلى ثقافة الأجداد وبمعنى أصح الأصالة منهجاً وقيماً
وسلوكاً في الحفاظ على ثقافة المجتمع الفلسطيني أيا كان اتجاهها أدباً
أو فكراً أو فناً.
ورغم قساوة الظروف والحرب التي شنتها قوات الاحتلال الاسرائيلى على
قطاع غزة، الإ أن الحصار والضغوطات الهائلة أفرزت شكلا وحديثا آخر هنا
بغزة حيث لايوجد متنفس أمامهم سوى جهاز الدش وهذه القنوات الفضائيات...وعلى
وجه الخصوص المسلسلات التركية التي باتت تبثها الكثير من القنوات.
حدثت نفسي إذا بالإمكان استخدام مصطلح "تقليعات شبابية" التي باتت
تظهر وسط الشابات والشباب الغزي، وتعلن بقوة أن الصيف القادم سيكون
ساخن بسخونة الثقافة الوافدة من المسلسلات التركية التي باتت محط
اهتمام من قبل الغزيين ليس الشباب حدهم فحسب وإنما كافة أفراد الأسرة
على حد سواء.
فمن مسلسل نور إلى مسلسل اسمر الى ميرنا وما بينهما بدأ الغزيين
تسلل إليهم ثقافة جديدة أدت في الوقت خيالهم.إلى إحداث تأثيرا على
الثقافة الفلسطينية وخوفا من ضياع ارثها القديم الذي مازال، ولكن بصورة
ضعيفة جدا وذلك بحسب النقاد.... قمنا بجولة سريعة قابلنا خلال بعض
الشباب حاولنا نتعرف على آرائهم ومشاعرهم وأفكارهم ومسرح خيالهم...
منى صلاح "17" عاما طالبة في المرحلة الثانوية وجدناها بشارع فى حى
الرمال تسير في الطريق في محاولة منها لتقليد "مينار" في مسلسل وتمضى
الأيام وتقول:" اشعر أن خطواتها تحمل الكثير من الغنج والدلال وهذا
يعجبني كثيرا"، وتمضى منى الكثير من وقتها أمام المرآة من اجل انجاح
تلك الخطوات حيث لم تكتف بذلك ولكنها تسعى جاهدة لان تمتلك بعض من
الملابس المشابهة لما يتم عرضه في المسلسل.
وتوضح أن أهل غزة لا يرحبون بالجيد دوما وإنما يفضلون ما جلبوه معهم
من الزمن الذي مضى "، ويحافظ بعض من العائلات على ارثهم الثقافي القديم
إلا أن التلفاز والتكنولوجيا والاختلاط بالغير جعلتها ثقافة هجين.
كما وتصف الثوب الفلسطيني المطرز الذي هو جزء من الزى الفلسطيني
ويعبر عن ثقافة الفلسطينيين بأنه بات " دقة قديمة" ولا يناسب جيل القرن
الواحد والعشرون.
أما الشاب محمد "22" عاما والذى كان يقف بجانب بوستر كبير معلق على
باب الحلاق (كريم) فى شارع الوحدة، حيث كان أحمد يقنع الحلاق بان يصف
له بعضا من الكريمات التي تساعده على تربية شارب كبير يراه من بعيد
المارة، ويشير إلى انه ومنذ مسلسل لميس وهو يحافظ على كل شعره في شاربه
وانه لن يضحي بها أياً كان.
والعديد من الشباب الغزيين حالهم كحال محمد فالشارب الكبير
عنوانهم، أما فتيات غزة فالعدسات اللاصقة أولى خطواتهم نحو التغيير
ولكن أي تغير هذا... تغيير صناعي عله يبدل الحال الطبيعي ويرسمه بلون
آخر.
ويرتدي محمد "تشيرت" قصير وضيق يبرز العديد من تفاصيل جسده وبنطال
جينز يكاد أن يسقط عن جسده عازياً ذلك إلى الموضة وانه لن يخضع للثقافة
القديمة على حد قوله ولكنه سيحدد وضعه وفق ما تراه عليناه في التلفاز
لاسيما المسلسلات التركية.
الشابة الجامعية هبة حمدي 20 عاما كانت تقف تنتظر سيارة بالقرب من
الجامعة الاسلامية بغزة تقول:" المسلسلات التركية وإن كان لها أثرها
الواسع في حياة المجتمع بغزة من حيث التأثير الكبير في الأزياء والموضة
والأفكار والتوجهات لها أثرها أيضا في التأثير الكبير على الأخلاق
والقيم في مجتمعنا الاسلامى من أنها رخصت وتساهلت في العلاقات مابين
الجنسين، ووضعت كثير من القضايا المحرمة إسلاميا في الموضع العادي
وحرصت من خلال هذه القضايا على استجذاب عطف المشاهد وجعل ارتكاب مثل
تلك الجرائم أمر سهل "
وتابعت الطالبة التي تدرس الطب بغزة " من ناحية أخرى ركزت هذه
المسلسلات من الناحية الفنية والإخراجية على التدقيق على التراث
والموروثات المعمارية والزخرفية والملابس بل وأوضحت جمال وطبيعة تركيا
في خطوة لتنشيط الوضع السياحي هذا بجانب نوع الدراما التي تناولتها كل
ذلك بدوره شكل عامل جذب كبير للمشاهد بغزة نحوها "
أما غادة 16 عاما التي بدأت تتحدث باللهجة اللبنانية حينا والسورية
حينا آخر قالت:" انظري كم أنا جميلة والفضل للثقافة الجديدة التي من
شانها أن تساعدني في إيجاد زوج المستقبل كما أريده أنا فاليوم أصبح
شبابنا على اطلاع على كل ما هو جديد ويرغبون فيه وأنا سأكون كما هم
يفضلون".
وتعيش غادة حالة من القلق الدائم خاصة وأنها في عراك مستمر مع
أسرتها التي تؤكد أن العادات القديمة التي تمثل الثقافة كلما مر عليها
الزمن تأكدت أصالتها ونجاعتها.
وفي لهجة حملت عنوان التحدي لنصائح أسرتها التي لا تنتهي وفق قولها
قالت " وداعا لثقافة جدي وجدتي وأهلا بالمسلسلات التركية التي علمتنا
ما نحتاجه كشباب".
الشابة منى 22 عاما تقول:"المسلسلات التركية تروى قصص جميلة غير
متكررة كما نشاهدها في المسلسلات المصرية أو السورية وبالتالي لها
القدرة على جذب المشاهد وبالنسبة لتأثيرها فهي على الجانب الأخر تشكل
خطراً كبيراً على حياتنا الشرقية بثقافتها وعاداتها وأسلوب حياتها فهي
تعرض حياة مليئة بالأفكار العلمانية البعيدة عن منهجنا الاسلامى وتعرض
العلاقات بين شخصيات المسلسل بشكل مفصل لم نعهده في الدراما العربية "
محمود وهبة كانا يسيران في وسط غزة يؤمنان بأهمية الصداقة بين
الجنسين ويقول احمد:" انظري إلى الثقافة التركية التي تحمل الكثير من
التعاليم الإسلامية لا تعارض الصداقة بين الجنسين فلماذا نحن نحرمها،
لن استمع لاهلى وسأعيش حياتي " وتشاركه صديقته الرأي رغم أنها تسير
بجانبه وعلامات الخوف والقلق تبدو على ملامحها فعيناها تبحث في وجوه
المارة.
هذه نماذج لآراء مجموعة من الشباب والشابات هنا بغزة... ونقول هى
أيام ليست بكثر تفصلنا عن فصل الصيف إلا أن شبابا وشابات هنا بغزة
أعلنوه بقوة من لبسهم الصارخ من ناحية والسهر ليلا، تسريحات شعر لميس
وحلا وليلى، وشرب الشيشة في المقاهي، والصداقة بين الجنسين وعلنا، صور
الممثلين ورنة المسلسلات على أجهزة الجولات، اللهجة واللغة التي يرددها
أبطال المسلسلات.
وهل باتت تتسلل ثقافة تخترق كل حواجز الحصار والاحتلال تنطلق من خلف
مسلسلات تركية، ومن المعلوم أن ثقافة أي مجتمع تنطلق من قيمه التي يؤمن
بها أبنائه ويطبقونها، وهل انبهار الشباب الغزى وضيق الحال نجح في
التفاعل مع هذه الثقافة من زوايا تحكمها الشكل واللون... التقليد أم
التجديد؟ التراث أم الحداثة كلاهما متروك له المجال في الصراع والحفاظ
عليه من أجل البقاء في عالمنا المفتوح هذا.... |