
شبكة النبأ: منذ الإعلان الرسمي عن
نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية العاشرة منذ الثورة الإسلامية
الإيرانية (عام 1979) التي أنهت جدل إعلان مناصري أكبر متنافسين،
الرئيس الإيراني المنتهية ولايته "أحمدي نجاد" ومنافسه الإصلاحي "مير
حسين موسوي"، بنصر منافسهم، وإيران تشهد اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن
والمتظاهرين من المعارضة، بالإضافة إلى عقد تجمعات جماهيرية حاشدة على
الرغم من قيام الحكومة بحظر المظاهرات والاحتجاجات. وهذه الاحتجاجات
والمظاهرات جديدة على النظام الإيراني منذ الثورة الإسلامية.
أثارت النتائج الرسمية الانتخابات والتي أعلن بموجبها فوز الرئيس
المنتهية ولايته "محمود أحمدي نجاد" بنسبة 63 في المائة من الأصوات، في
حين حصل منافسه الأقوى "مير حسين موسوي" على نحو 34 في المائة موجة من
الغضب الجماهيري التي يصفها كثيرون بـ"التسونامي الأخضر" قناعة شعبية
أن النتائج لا تُعبر عن السلوك التصويتي للناخبين في انتخابات الثاني
عشر من يونيو الجاري. وحيال هذا الغضب الشعبي الذي اجتاح المدن
الإيرانية اتبع النظام الإيراني سياسة قسرية إكراهية مع المتظاهرين
والقبض على كثير من العناصر الإصلاحية، والعمل على قطع اتصال الشباب
الإيراني مع العالم الخارجي وفيما بينهم بحجب الحكومة الإيرانية
المواقع الإلكترونية ومنع الرسائل النصية القصيرة التي يتبادلها الشباب
عبر الهواتف المحمولة. بحسب موقع تقرير واشنطن.
أتاحت نتائج الانتخابات الإيرانية وأعمال القمع فرصة للمعارضين
للنهج الدبلوماسي ـ الحواري للرئيس "أوباما" مع النظام الإيراني لشنهم
حملة قوية في الصحف التي يكتبون بها وفي جل وسائل الإعلام الأمريكية
وكذلك مدوناتهم الخاصة ضد سياساته وعدم إدانته بصورة علنية وقوية
السياسات الإيرانية المنتهكة لحقوق الإنسان وحرية التعبير وتقديم الدعم
إلى الإصلاحيين وتأييد موقفهم.
إدعم الإصلاحيين ولا تعترف بـ"نجاد"
دعا المعارضون لسياسات التقارب الأمريكي مع إيران إلى عدم اعتراف
الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة انتخاب "نجاد" لفترة رئاسية ثانية،
فعلى مجلة أتلانتك Atlantic رأى أندرو سوليفن Andrew Sullivan ـ صاحب
تغطية متميزة للانتخابات الإيرانية ـ أن أولى وأهم الأدوات الغربية
والأمريكية لمواجهة عمليات التزوير وانتهاك حقوق الإنسان داخل إيران
عقب الانتخابات الرئاسية هي ضرورة عدم الاعتراف بـ"أحمدي نجاد" كرئيس
لإيران لفترة رئاسية ثانية.
وفي ضوء تلك الأحداث المتصاعدة داخل إيران دعا عدد من المحافظين
داخل الكونجرس الأمريكي ووسائل الإعلام الأمريكية الرئيس الأمريكي "باراك
أوباما" وأعضاء إدارته إلى دعم المتظاهرين الإيرانيين بصورة قوية
وعلنية وليس بكلمات على الهامش وإدانة تصرفات القيادات الإيرانية
وتعاملها الفج مع المتظاهرين وإدانة التزوير في نتائج الانتخابات
لإنجاح الرئيس الحالي "أحمدي نجاد" ضد منافسه الإصلاحي "مير حسين موسوي".
ومن هؤلاء المنافس الجمهوري السابق لأوباما على منصب الرئيس "جون
ماكين" الذي طلب من أوباما الحديث بصورة علنية وجلية عن وجود فساد
وتزوير وعدم نزاهة في الانتخابات الإيرانية. ويدعو أوباما إلى ضرورة
تدعيم المتظاهرين الإيرانيين ضد سياسات النظام الإيراني السلطوي
والقمعي ـ حسب كلمات ماكين ـ. ويضيف ماكين ينبغي ألاَّ نخضع أربع سنوات
أخرى للرئيس المحافظ والمتشدد "أحمدي نجاد" ورجال الدين المتشددين داخل
النظام الإيراني الذين يصوغون السياسة الإيرانية.
افهم الرسالة بطريقة صحيحة
انتقد تشارلز كروثامر ـ أحد منظري المحافظين الجدد ـ في مقالة له
اليوم "الجمعة" الموافق التاسع عشر من يونيو الجاري بصحيفة الواشنطن
بوست والتي حملت عنوان "الأمل والتغيير ولكن ليس لإيران Hope and
Change -- but Not for Iran صمت الرئيس الأمريكي حيال الانتهاكات
الإيرانية، قائلاً: إن المتظاهرين ينتظرون كثيرًا من إدارة أوباما لكن
أوباما يخذلهم بصمته "غير المبرر" من وجهة نظر كروثامر، منتقدًا إعلان
أوباما الاستمرار في انتهاج النهج الدبلوماسي مع النظام الإيراني، الذي
يرى فيه نظامًا قسريًّا سلطويًّا يعذب المتظاهرين وينتهك حريتهم.
ويرى أن أوباما يفهم الرسالة فهمًا خاطئًا، حيث إن تلك المظاهرات
والاحتجاجات الشعبية ليس على خلفية نتائج الانتخابات، ولكنها نتيجة
تزايد عدم شرعية النظام الإيراني وفقدان شرعيتهم داخل الشارع الإيراني
ولكن نتائج الانتخابات كانت فرصة مناسبة التي ينتظرونها منذ فترة ليست
بالقصيرة ـ حسب كروثامر ـ ليعبر هذا الاتجاه الناقم على النظام
الإسلامي في إيران عن نفسه. إن هذه المظاهرات تهز شرعية النظام
الإيراني القائم، ومثل كثير من الثروات سيكون لها جل الأثر على منطقة
الشرق الأوسط مثل كثير من الثروات العالمية التي أثرت في محيطها
الإقليمي والدولي.
ويرى كروثامر أن سقوط النظام الإسلامي في إيران سيكون له تداعيات
كالتي ترتبت على انهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينيات وبداية
التسعينيات من القرن المنصرم. فسقوط النظام الإيراني سيكون ضربة إلى
التشدد الإسلامي. ولن تقتصر الأمر على ذلك ولكن كروثامر يرى أن هذا من
شأنه أن يشكل ربيعًا جديدًا على المنطقة العربية كربيع عام 2005، حيث
خرجت سوريا من لبنان وأجريت أول انتخابات عراقية. حيث من شأن سقوط
النظام الإسلامي في إيران عزل قوى الممانعة ـ حسب تسمية وزيرة الخارجية
السابقة كونداليزا رايس ـ في المنطقة في إشارة إلى حزب الله اللبناني
الذي خسر الانتخابات اللبنانية مؤخرًا وحركة حماس ونظام الأسد الذي
تربطه علاقات استراتيجية مع النظام الإيراني. ويرى كروثامر أن من شأن
هذا إحداث موجة جديدة من الديمقراطية تعم دول المنطقة. ولذا يدعو
الرئيس إلى فهم الرسالة بصورة صحيحة والشروع في دعم المتظاهرين
والإصلاحيين الذين نزلوا إلى الشارع الإيراني لمعارضة نظام "الملالي"
والتشدد الإسلامي الإيراني.
خمس خطوات لتعزيز الحرية
وفي صحيفة وول استريت جورنال The Wall Street Journa كتب كل من
دانييل سينور Daniel Senor ـ زميل مساعد بمجلس العلاقات الخارجية ـ،
وكريستيان ويتون Christian Whiton ـ مستشار السياسة لمبادرة السياسة
الخارجية Foreign Policy Initiative ـ مقالة تحت عنوان "خمس خطوات لدعم
أوباما الحرية في إيران Five Ways Obama Could Promote Freedom in
Iran" في السابع عشر من يونيو الجاري. طرحا فيها خمس خطوات على الرئيس
الأمريكي وأعضاء إدارته انتهاجها لتعزيز الحريات في طهران، وهي كالآتي:
أولاً: اتصال الرئيس أوباما بالمنافس الإصلاحي "موسوي" للتأكيد على
أمنه وتدعيم مواقفه. مشيرًا إلى التجربة الأمريكية مع المنشقين في
مختلف أنحاء العالم دليل على الاهتمام من قبل الحكومة الأمريكية وهو
أمر مفيد ومرغوب فيه. مشيرين إلى النتائج المرتبة على إرسال نائب
الرئيس الأمريكي "جون بايدن" عشية الانتخابات اللبنانية أوائل هذا
الشهر الجاري والذي ساعد في تدعيم التحالف المناهض لحزب الله اللبناني
المدعوم من قبل النظام الإيراني. ويدعوان إلى استفادة "أوباما" من
تزايد رأس ماله السياسي بالمنطقة بعد خطابه في الرابع من يونيو من
جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامي في تأييد القوى الإصلاحية في
المنطقة. ولكن قد يرفض "موسوي" أن يكون هناك اتصال بينه وبين الرئيس
الأمريكي لما لذلك من تأثير سلبي على مستقبله السياسي.
ثانيًا: إرسال أوباما رسالة مسجلة إلى الشعب الإيراني. ويريان أن
تلك الرسالة لابد أن تنطلق من قناعة أن النظام الإيراني هذه المرة
يفتقد إلى التأييد الشعبي، وهذه المرة تكون الرسالة موجهة إلى المنشقين
ومعارضي النظام الإيراني في الخارج، وأن يحث أوباما المنشقين
والمعارضين على أن يطلبوا من واشنطن ما يريدون. وحسب كاتبي المقالة
تتنوع وسائل الدعم الأمريكي للمنشقين والمعارضين بين الموارد المالية
ومؤتمرات للقوى الإصلاحية وحلقات عمل ولقاءات دبلوماسية. ويشير
الكاتبان على سبيل المثال إلى الدعم الغربي والأمريكي للثورات الملونة
في دول أوروبا الشرقية لاسيما الثروة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004.
ويريان أنه لا تعارض بين سياسة أوباما القائمة على الانخراط
الدبلوماسية مع إيران والبحث عن شرعية النظام الإيراني.
ثالثًا: يتعين على الرئيس أوباما توجيه سفراء الولايات المتحدة في
أوروبا والدول الخليجية إلى لقاء المعارضين للنظام الإيراني في الخارج،
حيث هناك نسبة كبيرة من الإيرانيين في جميع أنحاء أوروبا ودول الخليج.
ويرى الكاتبان أن رمزية هذا ستكون قوية. فتلك الجاليات سيكون لها دور
كبير وجلي في توجيه الجهود للمساعدة في عملية الإصلاح.
رابعًا: توفير تمويل إضافي إلى راديو فاردا Radio Farda وهو القسم
الفارسي من راديو أوروبا الحرية والذي ساعد الإيرانيين للحصول على
المعلومات والتحليلات التي تحجبها الحكومة الإيرانية، وتمويل شبكة
الإنترنت والأقمار الصناعية ليحصل المواطنون الإيرانيون على المعلومات
التي يحجبها النظام الإيراني وإلى التواصل مع العالم الخارجي.
خامسًا: ينبغي للإدارة أن تتخذ خطوات لإعطاء الإيرانيين الإصلاحيين
والمنشقين فرص متكافئة مع النظام في معركة الأفكار. بتوفير وسائل اتصال
حديثة من أجهزة الفاكس وآلات النسخ والوصول إلى الإنترنت ووسائل
الاتصال الأخرى. وينبغي إعطاء منح لمجموعات خاصة لتطوير تكنولوجيا خرق
جدر الحماية.
كن واقعيًّا
يرفض ستيفن والت Stephen M. Walt، أحد رواد المدرسة الواقعية في
السياسة الخارجية، ما يذهب إليه المعارضون لسياسات التقارب الأمريكي مع
النظام الإيراني. حيث رفض الاعتراف بإعادة انتخاب "أحمدي نجاد" لفترة
رئاسية ثانية يعني توقف الولايات المتحدة عن التعامل مع النظام
الإيراني الذي سيعتلي رئاسته "أحمدي نجاد" رغم عمليات التلاعب بنتائج
الانتخابات. وإن القضية الأساسية بين الولايات المتحدة وإيران هي أزمة
برنامجها النووي وليس نظام الحكم الإيراني.
رفض هذا الاتجاه يرجع إلى كثرة الملفات الجدلية بين طهران وواشنطن
التي تحتاج إلى التعاون الأمريكي ـ الإيراني بشأنها. وهي قضايا لا
تقتصر على البرنامج النووي الإيراني ولكنها أبعد من ذلك. فإيران لها
دور في كثير من الملفات التي تمس المصلحة القومية الأمريكية في منطقة
الشرق الأوسط ـ بالمفهوم الأوسع لكلمة الشرق الأوسط ـ بداية من العراق
ودورها الجلي هناك وتقاربها مع شيعة العراق، مرورًا بتحالفها
الاستراتيجي مع نظام الأسد في سوريا وحركات المقاومة في المنطقة ـ حزب
الله اللبناني وحركة حماس ـ والتي صنفتها الإدارة السابقة على أنها أحد
قوى الممانعة في المنطقة وأحد مظاهر التهديد للمصلحة الأمريكية
بالمنطقة، وهي ما يمكنها من التأثير الإيجابي أو السلبي على عملية أي
سلام بالمنطقة. وصولاً إلى محوريتها في أمن منطقة الخليج التي تعد أحد
المواقع الاستراتيجية للولايات المتحدة لوفرتها النفطية والقواعد
العسكرية الأمريكية هناك، ناهيك عن إمكانية تأثيرها ـ بالسلب أو
الإيجاب ـ على الأوضاع في أفغانستان وعلى مشاريع الطاقة الأمريكية في
بحر قزوين وآسيا الوسطى.
وفي مقالته المعنون بـ"الواقعية وإيران" والمنشورة على موقع مجلة "السياسة
الخارجية" يرصد والت علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع دول تنتهك
حقوق الإنسان وحرية التعبير والمظاهرات، والأمثلة كثيرة. ويضيف أستاذ
العلاقات الدولية بجامعة هارفارد أن الولايات المتحدة تدعم وتؤيد
الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ودعمت إسرائيل في عدوانها
على غزة والذي أدى إلى وفاة المئات من الفلسطينيين والذي يفوق عددهم
مئات المرات من ماتوا في المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن
الإيرانية عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات.
ويخلص والت إلى أن الخيار الذي سيتبناه أوباما حيال إيران بأزماتها
سيرجع إلى إدراكه وصناع القرار الأمريكي للمصلحة والأمن القومي
الأمريكي، وما إذا كان أوباما سيركز في سياساته الخارجية على تحقيق
تحركات تصب في المصلحة القومية الأمريكي (الواقعية في السياسة الدولية)
أم أن سياساته ستركز على الجانب المعياري الذي يولي أهمية للقيم
والمبادئ. وإن كان والت يفضل الواقعية في اتخاذ القرار السياسي، ولعل
هذا ما يتبناه أوباما وأعضاء إداراته التي تتعامل بحكمة مع الأوضاع
المشتعلة في طهران كمراقب عن بعد وعدم تفضيلها الانخراط القوي والصارخ
في الشئون الإيرانية وإن كانت هناك إشارات على الهامش معبرة عن عدم
رضاها على ما يحدث في طهران لا تشير إلى التخلي عن سياسات الانفتاح
الأمريكي على إيران.
اتسمت تصريحات أوباما وأعضاء إدارته على نتائج الانتخابات الإيرانية
بالحذر الشديد، حيث كان شديد الحذر في انتقاء عباراته لانتقاد أعمال
العنف التي تخللت التظاهرات في إيران وفسر ذلك بخشية أن يقوم المحافظون
المتشددون باستغلال تصريحاته للتلويح بشبح التدخل الأمريكي من أجل
تأمين الدعم الشعبي للنظام.
ويرى عدد من الخبراء الإيرانيين أن التدخل الأمريكي في الشئون
الإيرانية سوف يكون له تأثير سلبي على الأوضاع داخل إيران، مع تزايد
الإدعاء بالتدخل الأمريكي في الشئون الإيرانية. فرغم خجل التصريحات
الأمريكية يدعي النظام الإيراني بالتدخل الأمريكي في الشئون الإيرانية.
ومن شأن التدخل الأمريكي أن تتحول المظاهرات والاحتجاجات الإيرانية من
تصرف إيراني خالص يحركه شعور إيراني خالص للحفاظ على حريتهم السياسية
وفي التعبير إلى تحرك مدعوم من الولايات المتحدة لقلب نظام الحكم
والثورة على مكتسبات الثورة الإيرانية، وهو ما يقوي من حجة النظام
الإيراني في مواجهاته مع المتظاهرين والمحتجين الإيرانيين، والذي يفقد
التحركات والنضج الإيراني الشعبي من مضمونه. وغياب التصريح الأمريكي
الصريح على السياسات الإيرانية التي تنتهك حقوق الإنسان يفوت فرصة على
النظام الإسلامي الإيراني لتدعيم قواه وشرعية تصرفاته.
إن أي تغيير في الرجل الذي يتولى منصب الرئيس لن يُحدث تغييرًا في
السياسة الخارجية الإيرانية ولا في موقفها من البرنامج النووي حيث
الرئيس هو الرجل الثاني في النظام الإيراني بعد منصب المرشد الأعلى
للثورة الإسلامية "آية الله على خامنئي" الذي يمسك بمقاليد السلطة
رسميًّا في النظام الإيراني. فللمرشد الكلمة الأولى والأخيرة في
البرنامج النووي الإيراني وأنه هو من يحدد التقارب أو التباعد مع
النظام الإيراني، ناهيك عن أن المرشحين الأربعة في انتخابات الثاني عشر
من يونيو الجاري تتفق على مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية وعلى
الخطوط الإيرانية العرضية للبرنامج النووي الإيراني وإن كان هناك
اختلاف في المقاربات فقط وليس في الهدف. وهذا ما جعل أوباما وأعضاء
إدارته يبتعدون عن تأييدهم الصريح للمرشح الإصلاحي "موسوي" إبان
الانتخابات الإيرانية ولا بعد هزيمته ونزول مؤيديه إلى الشارع، حتى لا
تظهر إدارة أوباما بمن يعادي النظام الإيراني.
كيف يغطي إعلام أمريكا احتجاجات إيران؟
أدت الملابسات التي أحاطت بإعلان نتائج انتخابات الإيرانية الرئاسية،
وما تمخضت عنه من فوز ساحق حققه الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، إلى
اندلاع موجة من الاحتجاجات والعنف الذي لم يشهد مثلها الشارع الإيراني
منذ اندلاع الثورة الإيرانية، حيث اعتبرت المعارضة وعلى رأسها المنافس
الرئيس مير حسين موسوي أنه قد تم تزوير إرادة الناخبين الإيرانيين،
وطالبوا برفض نتائج هذه الانتخابات وإعادتها من جديد، لما شابها من
مخالفات كثيرة.
ونظرًا للأهمية الكبيرة التي تمثلها هذه الانتخابات وما ستسفر عنه
من نتائج بالنسبة للولايات المتحدة وتعاملها مع إيران خلال المرحلة
القادمة، فيما يتعلق بالملفات الشائكة بين الجانبين وعلى رأسها الملف
النووي، أولت وسائل الإعلام الأمريكية خلال الأسبوع المنصرم مساحة هامة
لتغطية الأحداث التي شهدها الشارع الإيراني، وكيف يمكن للولايات
المتحدة الأمريكية أن تتعامل مع هذه الأحداث؟
حذر أوباما لن يجدي
فمن جانبه أكد جورج ستفانوبولوس George Stephanopoulos في برنامجه
"This Week" - الذي يذاع على شبكة ABC - أن الإدارة الأمريكية في
تعليقها على نتائج الانتخابات الإيرانية، وما تبعها من أعمال شغب
واحتجاجات، قد اختارت ألفاظها بحذر شديد، وفي هذا السياق استضاف
البرنامج حاكم ولاية ماساشوسيتس Massachusetts والمتنافس السابق على
بطاقة الحزب الجمهوري لمنصب الرئاسة مت رومني Mitt Romney، والذي أكد
أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران في ظل الإدارة الجديدة
برئاسة باراك أوباما قد تغير بشكل كبير.
وفي هذا السياق أكد رومني Romney أن التعليقات التي صدرت عن الإدارة
الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية حول وجود نقاشٍ جادٍّ حول إيران
تعبر عن اتجاه سياسي خاطئ من جانبها، فما حدث أن الانتخابات الرئاسية
قد تم تزويرها هناك، والنتائج كانت غير دقيقة، ولم يكتف النظام
الإيراني بهذه الأمور، بل إنه عمل على قمع التظاهرات والاحتجاجات التي
انطلقت في الشارع بصورة لم يشهدها الإيرانيون منذ فترة كبيرة، ومن ثم
كان على الرئيس الأمريكي بدلاً من هذه الدبلوماسية التي ظهرت في
تصريحاته، وإعلانه عدم رغبته في التدخل في الشأن الداخلي الإيراني، أن
يكون حاسمًا في التأكيد على أن النظام الأوتوقراطي في إيران قد ارتكب
أخطاء كثيرة في الانتخابات.
ويلفت رومني Romney الانتباه إلى السياسات التي انتهجها أوباما منذ
مجيئه إلى السلطة تجاه عديدٍ من الملفات الدولية الشائكة، أثبتت أنها
سياسة غير مجدية بالمرة، فكوريا الشمالية ما زالت ماضية في تحديها
للمجتمع الدولي، وإيران تتحرك بقوة صوب إنتاج السلاح النووي، كما أن
اعتذارات أوباما المتعددة للأوروبيين لم تدفع أيًّا من الدول الأوروبية
إلى تقديم مزيد من الدعم العسكري للعمليات الجارية في أفغانستان. ومن
ثم يخلص إلى أن الكلام المعسول وانتقاد سياسة الولايات المتحدة
الأمريكية الخارجية في عهد سلفه بوش، لن يؤدي إلى نشر الحرية في العالم.
وردًّا على هذه الانتقادات التي وجهها رومني Romney لسياسية أوباما
الخارجية ذكر ستفانوبولوس Stephanopoulos أن هناك بعض الآراء التي أكدت
أن هذه السياسة التي اتبعها أوباما كانت أحد الأسباب الأساسية في هزيمة
حزب الله في الانتخابات التشريعية اللبنانية الأخيرة، وأنها أيضًا كانت
أحد الأسباب المهمة في اندلاع الأحداث التي شهدها الشارع الإيراني
مؤخرًا، كأحد أشكال الاحتجاج ليس فقط على نتائج الانتخابات الرئاسية،
ولكن أيضًا رفض للسياسات التي انتهجها الرئيس الإيراني محمود أحمدي
نجاد على مدار الفترة الماضية.
أوباما يضحي بالأمن القومي الأمريكي
وعلى هذا الصعيد لفت الحاكم الجمهوري الانتباه إلى أنه لا يستطيع أن
يعرف الأسباب الحقيقة وراء ثورة الشارع الإيراني، وما إذا كانت هذه
التحركات بمثابة تعبير عن رغبة الشعب الإيراني في رؤية قيادة جديدة
للبلاد، ولكن المهم بالنسبة في هذا الإطار كما يشير - رومني Romney -
هي النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات ــ حتى الآن ــ وهي فوز الرئيس
أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية، فهذه النتيجة تشير إلى أن إيران ما
تزال مصرة على المضي قدمًا في تنفيذ برنامجها النووية وسياستها
الخارجية المناوئة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن ثم فإن ما طرحه الرئيس أوباما من سياسات – كما يؤكد رومني
Romney - قد تكون قوبلت بارتياح في الدخل الإيراني، إلا أنها أثارت
كثيرًا من القلق في إسرائيل والعالم أجمع، لأن هذه السياسات تعبر عن
تحول كبير في الوعود الانتخابية التي قطعها أوباما على نفسها أثناء
حملته الانتخابية، وهنا أشار رومني Romney إلى خطاب أوباما أمام لجنة
الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية الإيباك AIPAC، حينما أكد أنه
سيبذل قصارى جهده لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، ولكنه بعد ذلك
ذهب إلى القاهرة وقال في خطابه لا ينبغي على أي دولة بمفردها أن تمنع
دولة أخرى من حقها في امتلاك السلاح النووي، وهذا تغيير كبير وخطير
الدلالة من وجهة نظر رومني Romney، وإذا كانت هذه الكلمات قد قوبلت
بالترحاب في كثيرٍ من العواصم العربية والعالمية والدولة الفارسية، إلا
أنها تعبر عن خطأ كبير ارتكبته الولايات المتحدة الأمريكية، يحمل في
طياته كثيرًا من التهديدات للأمن القومي الأمريكي والأمن العالمي.
ولكن ستفانوبولوس Stephanopoulos أيضًا عارض رومني Romney في هذا
الطرح، وأكد أن الإدارة الأمريكية أكدت أن من حق إيران أن تمتلك الطاقة
النووية في ظل الضمانات والإجراءات التي تفرضها الوكالة الدولية للطاقة
الذرية ومعاهدة منع الانتشار النووي NPT وليس السلاح النووي، إلا أن
رومني Romney أكد أن الرئيس أحمدي نجاد ليس هو الوحيد الذي يطالب ويؤكد
على حق إيران في امتلاك القوة النووية، ولكن الجميع داخل إيران يرددون
هذه المطالبات، بداية من المرشد الأعلى للثورة وجميع المتنافسين على
منصب الرئاسة، وفي هذا السياق أشار إلى أنه بالنظر إلى حق الدول في
امتلاك التكنولوجيا النووية فإن هذا أمر لا يمكن إنكاره، ونصت عليه
معاهدة منع الانتشار النووي، ولكن إيران تسعى إلى الحصول على
التكنولوجيا النووية العسكرية مخالفة لتعهداتها والتزاماتها الدولية.
فوز نجاد في ميزان الشارع الإيراني
أما سوزان مالوني Suzanne Maloney الباحثة في مركز سابان Saban
Center التابع لمؤسسة بروكينجز Brookings Institution البحثية ، فقد
حاولت في مقال كتبته في صحيفة The Daily Beast الإجابة عن التساؤلات
التي دارت حول إمكانية حدوث تزوير في نتائج الانتخابات الإيرانية
الرئاسية من عدمه؟ والى أي مدى تم تزوير إرادة الناخب الإيراني؟
في البداية أكدت مالوني Maloney أن فوز احمدي نجاد بفترة رئاسية
ثانية مثّل مفاجئة وصدمة كبير، خاصة في ظل الإقبال الكبير الذي شهدته
الانتخابات من جانب الناخبين الإيرانيين، هذا الإقبال الذي يضع الكثير
من علامات الاستفهام حول رغبة ما يقرب من ثلثي الناخبين الإيرانيين في
إعادة انتخاب نجاد لفترة رئاسية ثانية، إذا وضعنا في الاعتبار فترة
رئاسته الأولي، والتي لم تجلب على إيران وغالبية أفراد الشعب الإيراني
– بكل المقاييس - إلا الكوارث، ومن ثم فإن حسم مسألة فوز احمدي نجاد ما
تزال مفتوحة، في ظل الاحتجاجات التي شهدها الشارع الإيراني على مدار
الأيام الماضية، لأن هناك الكثير من الشكوك التي تثار في هذا الشأن،
نتيجة عدد من العوامل التي أشارت إليها مالوني Maloney في مقالتها.
فعلى المستوي الاقتصادي الذي يعتبر المحك الأول بين نجاد وغيره من
المرشحين، فقد جاء انتخاب نجاد في ظل تضاعف معدل التضخم الاقتصادي،
فضلا عن أن هناك الكثير من الشكوك التي تحوم حول طريقة إنفاق مليارات
الدولارات من عوائد النفط هذا من ناحية، كما أن أحمدي نجاد لم يفعل
كثيرًا من أجل تحسين جودة الحياة للإيرانيين، فعديدٌ من المكاسب التي
حققها الإيرانيون في مجالات الحريات السياسية والاجتماعية في عهد
الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، قد تم التراجع عن كثيرٍ منها هذا من ناحية
ثانية، ومن ناحية ثالثة قام نجاد بدور إقليمي مناوئ، لم يجلب لإيران
سوى زيادة الضغوط والعزلة الدولية عليها.
نتائج مزورة لانتخابات
ومن العوامل الأخرى التي ساقتها الباحثة هو أن 82% من الناخبين
الآخرين وجدوا بأن هناك اختلافًا كبيرًا بين النتائج الرسمية التي
أعلنت للانتخابات وسلوكهم التصويتي الفعلي، فالخريطة الانتخابية
الإيرانية شهدت عديدًا من التغييرات في هذه الانتخابات، حيث شهدت
إقبالاً كبيرًا من الشباب، الذين يحسبون على التيار الإصلاحي وينتمون
للمناطق الحضرية في إيران، وقد كانت هذه الفئة معروفة تاريخيًّا بعدم
انخراطها في السياسة مقارنة بهؤلاء المنتمين إلى التيارات المحافظة في
الساحة السياسية الإيرانية.
وتضيف مالوني Maloney إلى أنه لو أخذنا العامل العرقي والجغرافي في
الاعتبار فسوف تزيد علامات الاستفهام حول نتائج هذه الانتخابات،
فالمرشح الإصلاحي والمنافس الرئيس لأحمدي نجاد مير حسين موسوي يتحدث
اللغة الفارسية واللغة الأذرية بطلاقة شديدة، كما أن المرشح الإصلاحي
الآخر مهدي كروبي ينتمي إلى منطقة لوري ستان Lorestan، ومن ثم فان
الإيرانيين الذين ينتمون إلى هذه الأقليات وهذه المناطق الجغرافية سوف
يصوتون لأيٍّ من المرشحين الإصلاحيين، ولكن النتائج الرسمية التي تم
الإعلان عنها في هذه المناطق أوضحت فارقًا كبيرًا في نسبة التصويت
لصالح الرئيس الإيراني الحالي نجاد. هذه العوامل دفعت مالوني Maloney
إلى التأكيد على أن نتائج الانتخابات الإيرانية تم سرقتها وتزويرها
بدون أي مبررات عقلانية منطقية.
وعلى صعيد مختلف لفتت مالوني Maloney الانتباه إلى أن الكرة الآن في
ملعب الإصلاحيين، خاصة المنافس الرئيس لنجاد موسوي وغيره من أقطاب
التيار الإصلاحي في إيران، فقد اعتبر هؤلاء أن الانتخابات شابها كثيرٌ
من المخالفات، ومن ثم هل ستكون لديهم القدرة والجرأة على كشفها وعدم
الخضوع للأمر الواقع، من خلال تشجيع أنصارهم على التظاهر والنزول إلى
الشارع والاستمرار في الضغط حتى يصلوا إلى ما يصبون إليه، لان التاريخ
السياسي الإيراني منذ اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979 يشير إلى أن
كثيرًا من السياسيين الإيرانيين يترددون في مسألة النزول إلى الشارع
والانخراط في الحركات الاحتجاجية الشعبية، من أجل تصعيد الضغوط
السياسية على النظام، هذا فضلاً عن أن الأوضاع الداخلية في إيران الآن
تسير في اتجاه عدم تطور هذه التحركات لتكون على مستوى أكبر، لأن كثيرًا
من قوات الأمن الإيرانية هناك قد تم حشدها من أجل الاستعداد لمواجهة أي
تصعيد من جانب الجماهير، كما أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أصدر
تحذيرًا إلى الجماهير بعدم معارضة نتائج الانتخابات، علاوة على أن
النظام الإيراني في الوقت الحالي مستعد لقمع أي تظاهرات أو حركات
احتجاجية على المستوى الجزئي.
أمريكا هي الخاسر الأكبر
وفي نهاية التحليل أكدت مالوني Maloney أن هذا الوضع الذي أسفرت عنه
الانتخابات الإيرانية يمثل السيناريو الأسوأ بالنسبة لإدارة الرئيس
باراك أوباما، فاستراتيجية أوباما في الحوار – في الأصل - لم تكن قادرة
بأي حال من الأحوال على التنبؤ بشخصية الرئيس الإيراني القادم، والذي
هو بدوره ليس القائد الفعلي للبلاد، وإنما المرشد الأعلى، ولكن كان فوز
رئيس محسوب على التيار الإصلاحي كان من الممكن أن يوفر مزيدًا من الفرص
لنجاح الحوار بين الدولتين.
ولكن مالوني Maloney أكدت أن ما شهده الشارع الإيراني مؤخرًا يؤكد
أن الرئيس أحمدي نجاد لم يحظ بفوز انتخابي مقنع لكثيرٍ من أفراد الشعب
الإيراني، مما يضع كثيرًا من الصعوبات والتحديات أمام مقاربة أوباما
للتعامل مع إيران، حيث كان من الممكن – إذا كان نجاد قد حقق نصرًا
انتخابيًّا مستحقًا غير معترض عليه من الإيرانيين - أن يتعامل مع حكومة
إيرانية متماسكة، مما يزيد من فرصها في إمكانية الإقدام على إحداث
تحولات جذرية في سياساتها وتقديم بعض التنازلات التاريخية.
ولكنها رأت أن الوضع اختلف كثيرًا في الوقت الراهن، فهذه الانقسامات
التي شهدها الشارع الإيراني والساحة السياسية الإيرانية حول نجاح أحمدي
نجاد، سوف تؤدي إلى وجود حكومة منقسمة غير موحدة، الأمر الذي سيدفع
القائمين عليها إلى محاولة إثبات الشرعية للمؤسسات السياسية القائمة
والسعي إلى استعادة السيطرة على زمام الأمور في البلاد، وهذا سوف يحد
من حركة الدولة وقادة النظام الإيراني في مسألة تقديم تنازلات فيما
يتعلق بالملفات الخلافية بين الجانبين خاصة البرنامج النووي ودعم
الحركات الإرهابية، هذه الأوضاع تفرض على أوباما المضي قدمًا في
سياساته، التي طرحها للتعامل مع إيران واضعًا في الاعتبار الانتصار
الكبير الذي حققه نجاد حتى الآن في الانتخابات. |