الإمام علي الهادي(ع) شمس الحق في منظومة العلم والمعرفة

اعداد: عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: شمس من شموس العلم وآية من آيات الخلُق العظيم, علم من أعلام الهدية وركن من أركان الدين، سليل الدوحة المحمدية وأمام مفترض الطاعة، قمر زاهر ومعجزة ربانية حيرت العقول وملكت القلوب، ذلك هو الإمام علي الهادي بن محمد الجواد عليهما السلام، وكنيته أبو الحسن. هذا الموضوع يسلط الضوء على حياة الإمام الهادي عليه السلام في ذكرى ولادته المتزامنة مع ذكرى وفاته.

وقد اختلفت المصادر في تحديد تاريخ ولادته (ع) فقيل أنه ولد في شهر رجب سنة 212هـ أو سنة 214هـ وقيل عن يوم ولادته (ع) أنه في النصف من شهر ذي الحجة أو السابع والعشرون منه. تسلّم الإمام الهادي (ع) شؤون الإمامة فعلياً في عام 220هـ وله من العمر حوالى ست سنوات. وقد مارس دوره التوجيهي كواحد من أئمة الهدى ومصابيح الدجى، فكان (ع): "خير أهل الأرض وأفضل من برأه الله تعالى في عصره".

 ولذلك تسالم علماء عصره وفقهاءه على الرجوع إلى رأيه في المسائل المعقّدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية. مما جعل من مدرسته الفكرية في مسجد الرسول (ص) في المدينة محجّة للعلماء وقبلة يتوجه إليها طلاب العلم والمعرفة انذاك وقد نقلت عن لسانه الشريف الكثير من الاراء الفقهية والعقائدية والكلامية والفلسفية من خلال أسئلة أصحابه والمناظرات التي كان يجيب فيها على تساؤلات المشكّكين والملحدين بالحجة والمنطق.

 وبذلك احتل مكانة محترمة في قلوب الناس مما أزعج السلطة العباسية أن يكون للإمام هذا الدور وهذه الموقعية والتأثير فأحاطوه بالرقابة وعناصر التجسس لمعرفة أخباره ومتابعة تحركاته.

 كان الإمام علي الهادي كثير الإحسان للناس سيما الفقراء والضعفاء، وقد شاهد الناس منه كثيراً من الكرامات حتى أحبه الخاص والعام. وبعد أن أُتِيَ بالإمام من المدينة إلى سامراء بأمر من المتوكل العباسي كان الوشاة بين الحين والآخر يشحنوا المتوكل بالحقد على الإمام الهادي(ع)، يصورا له خطره على عرشه، وكانت الحاشية المحيطة به تدين بالنصب والعداء لأهل البيت (ع).

نسبه الشريف

والده هو الإمام محمد بن علي الجواد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام، وأمهُ السيدة سُمانة المغربية وقيل أنها أم الفضل وقيل أن أسمها عاتكة أو سوسن.

ألقابه(ع): لُقب عليه السلام بعدّة القاب كان منها: الهادي، النقي، النجيب، المرتضى، العالم الناصح، العسكري. أما كنيته: فأبو الحسن.

أولاده وذريتة: كان للإمام (ع) أربعة أولاد ذكور وبنت واحدة وهم: الإمام الحسن العسكري (ع) والسيد محمد وجعفر والحسين وعليَّة.

الإمام الهادي (ع) والمتوكل العباسي:

جاء في مروج الذهب أن جماعة من حاشية المتوكل سعوا بالإمام الهادي إلى المتوكل بأن في منزله سلاحاً وأموالاً وكتباً من شيعته يستحثون فيها على الثورة وهو يعد العدّة لذلك فوجه إليه جماعة من الأتراك وغيرهم فهاجموا داره في جوف الليل فوجدوه في البيت وحده وعليه مدرعة من شعر وليس في البيت شيء من الأثاث والفرش وعلى رأسه ملحفة من الصوف وهو يقرأ آيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأخذوه إلى المتوكل على الحالة التي وجدوه عليها فمثل بين يديه والمتوكل على مائدة الخمر وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جانبه ولم يكن في منزل الإمام الهادي شيء مما قيل فيه ولا حالة يتعلل بها عليه، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال الإمام: يا أمير المؤمنين والله ما خامر لحمي ودمي فاعفني منه، فعفاه، ثم قال له: أنشدني شعراً أستحسنه فاعتذر الإمام (ع) وقال: إني لقليل الرواية

 للشعر، فألح عليه ولم يقبل له عذراً فأنشده:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم    غلب الرجال فما أغنتهم  القُلَلُ
واستنزلوا بعد عِزٍّ عن معاقلهم     فأودعوا حُفراً يا بئس ما  نزلوا
ناداهم صارخ  من بعد ما قبروا    أين  الأسرّة   والتيجان   والحللُ
أين الوجوه  التي  كانت  منعّمةٌ    من دونها تضرب الأستار والكللُ
فأفصح القبر عنهم حين  ساءلهم    تلك  الوجوه  عليها  الدود  ينتقلُ
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا    فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا
وطالما عمّروا  دوراً  لتحصنهم    ففارقوا الدور  والأهلين  وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا    فخلفوها على  الأعداء  وارتحلوا
أضحت  منازلهم  قفراً  معطلة    وساكنوها إلى الأحداث قد رحلوا

واستمر الإمام عليه السلام ينشد شعراً من هذا النوع الذي لم يكن يتوقعه المتوكل، فبكي المتوكل بكاءاً عاليا حتى بلّت لحيته من الدموع، وبكى الحاضرون لبكائه. ثم أمر برفع الشراب من مجلسه وأمر بردّ الإمام إلى منزله مكرماً.

من حكمه (عليه السلام):

1-  من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوقين.

2-   من كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا ولو قُرِضَ ونُشِرْ.

3- الحسد ماحي الحسنات والعُجُبْ صارف عن طلب العلم، والبخل أذم الأخلاق، والطمع سجية سيئة.

4- المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان.

5- إن الظالم الحالم يكاد أن يُعْفى على ظلمه بحلمه، وإن المحق السفيه يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه.

وفاته عليه السلام:

إن وفاة الإمام علي الهادي (عليه السلام) كانت في عهد المعتز بالله في الثالث من رجب من عام 254 للهجرة. وجاء عن المسعودي أنه قال: لما توفي اجتمع في داره جملة من بني هاشم من الطالبيين والعباسيين واجتمع خلق كثير من الشيعة ثم فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم أسود، وخرج بعده أبو محمد الحسن العسكري حاسراً مكشوف الرأس، وكان وجهه وجه أبيه لا يخطئ من شيء وكان في الدار أولاد المتوكل فلم يبقى أحد إلا قام على رجليه وجلس بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه، وكانت الدار كالسوق.. وأخرجت الجنازة وخرج يمشي حتى خرج بها إلى الشارع، وصلى عليه قبل أن يخرج إلى الناس.. ودفن في دار من دوره وصاحت سامراء يوم موته صيحة واحدة.

ذكر اليعقوبي: أن اجتماع الناس في دار الإمام الهادي وخارجها كان عظيماً جداً، ولم تتسع الدار لإقامة الصلاة على جثمان الإمام، ولهذا تقرر أن يخرجوا الجثمان المقدس إلى الشارع المعروف بشارع أبي أحمد وهو من أطول شوارع سامراء وأعرضها، حتى يسع المكان لأداء الصلاة. فلما أخرجوا الجثمان الأطهر ارتفعت أصوات الناس بالبكاء والضجيج.

وكان أبو أحمد بن هارون الرشيد، المبعوث من قبل المعتز العباسي للصلاة على جثمان الإمام لما رأى اجتماع الناس وضجتهم أمرَ بردِّ النعش إلى الدار حتى يدفن هناك.

كل ذلك لمنع الناس من مراسم التشييع والتجليل عن جثمان الإمام وخوفاً من هياج عواطف الناس، وتعبيرهم عن ولائهم للإمام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 28/حزيران/2009 - 5/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م