شبكة النبأ: يعرف العاملون في تحرير
الصفحات الثقافية بصورة أدق من غيرهم تلك المعوقات التي تقف في طريق
عملهم وهي كثيرة ومتعددة، وغالبا ما تطفو هذه المعوقات بوضوح على السطح
حيث يصبح اخفاؤها ليس في متناول ايدي المحررين او غيرهم.
ولعل كثيرا من السمات التي تسم العمل في تحرير الصفحات الثقافية
العربية او حتى العراقية، لا تنحصر في زمن محدد او جيل بعينه، فغالبا
ما يشكو الكتاب والمثقفون من انحياز المحرر الثقافي لمجموعة من الكتاب
دون غيرهم ومحاولته لتكريس اسم دون غيره من خلال النشر المتكرر له على
حساب غيره من الكتاب والمثقفين، وغالبا ما يقول المعترضون إن المحررين
الثقافيين يفضلون كتابا على غيرهم تحت ظاهرة (الشللية) التي تنتشر في
كثير من مفاصل الثقافة الصحفية.
ويرى بعض الكتاب ان الصحيفة الفلانية على سبيل المثال تفضل هذه
المجموعة من الكتاب على تلك، والسبب ليس معايير النشر كجودة المادة
وصلاحيتها للنشر من عدمه، بل هناك مصالح مشتركة تجمع بين الطرفين، في
حين يقول بعض الكتاب ان الخط الايدلوجي الفكري لهذه الصحيفة او تلك
تتحكم ايضا في طريقة النشر لهذا الكاتب او ذاك، وفي هذا الصدد يقول
اكثر من مثقف ان الصحيفة الفلانية تفرض عليه خط غير ناقد للحكومة على
سبيل المثال.
وذكر احد الأدباء قائلا: (إنني أعاني الآن بين أن أبيع قلمي للصحيفة
التي انشر فيها مقابل مبلغ من المال يساعد عائلتي على العيش والاستمرار
بالحياة، او أن أتمسك بالآراء والمبادئ التي أراها صحيحة وهذا ما سيقود
الى فقداني للمال الذي احصل عليه من هذه الصحيفة).
في حسين يقول كاتب آخر: (إن احدى الصحف المرموقة في العراق تعتمد
على عدد من المحررين الثقافيين الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية ولا
الحصانة ضد المطامح غير المشروعة بحيث كونوا شبكة من المصالح مع
الآخرين من الكتاب على حساب المادة الثقافية الجيدة، والمشكلة ان رؤساء
التحرير لا يتنبّهون الى هذه الظاهرة وبعضهم يراها بعينه ويغض الطرف
عنها لاسباب لا نعرفها).
وقد ذكر أحد الكتاب بأن المحرر الثقافي للصحيفة الفلانية طلب منه ان
يكتب موضوعا لصالح احد الكتاب ويشيد بمنجزه الثقافي، وأضاف قائلا: (في
حين انا شخصيا لا ارى اهمية في انجاز هذا الكاتب وكنت في حيرة من امري،
فأما ان اشيد بكاتب ومنجز ثقافي لا ارى فيه اهمية محددة واما ان ارفض
الطلب وهذا ما سيقود الى فقداني للأجور التي اتقاضها من هذه الصحيفة
وهكذا، فبقيت مترددا الى ان اضطررت وكتبت مقالا يشيد بمنجز كاتب لا
أؤمن به ولا بكتاباته).
واذا صحّت هذه الآراء التي قيلت في هذا الصدد، وهي من الامور
الشائعة في آلية نشر الثقافة الصحفية ليس في العراق وحده، بل في
الصحافة العربية ايضا، حيث ذكر الكاتب احمد المؤذن من البحرين في احد
اللقاءات التي أجريت معه بأن ظاهرة (الشللية) تستفحل في الصحافة
الثقافية البحرينية، وان اسماء معينة هي التي تسيطر على مساحة النشر
الثقافية وغالبا ما تغمط حقوق كثير من الكتاب لا سيما الشباب منهم من
خلال التغاضي عما يكتبوه من افكار وآداب جديدة.
وهكذا يمكن ملاحظة هذه الظاهرة بوضوح غير ان ذلك لا يشمل جميع الصحف
او وسائل النشر الأخرى، حيث توجد صحف مهنية منفتحة يمكنها استيعاب
الجميع لكن وفق رؤية معينة تسير عليها او ضوابط معينة للنشر وهي لا
تتجاوز على حقوق المثقين والمؤلفين بقدر ما تريد ان تضع خطا متوازنا
للنشر في صفحاتها الثقافية، ومنها عدم التجريح او التشهير بالآخر وعد
مصادرة الرأي الآخر او فرض الرأي او أحادية الفكر اوز التجاوز على
الثوابت المعروفة في الدين والجنس وما شابه.
وعلى العموم يمكن مكافحة هذه الحالة من خلال رصدها من لدن رؤساء
التحرير ومتابعة المحررين لا سيما الجدد او الشباب منهم، فالصحافة
الثقافية تحتاج الى خبرة وقدرة وتجربة كبيرة قادرة على فحص المواد
وتأشير الجيد من الرث وعدم خلط العمل في نشر الاعمال الثقافية مع
المصالح الشخصية، وطالما ان هذا السلوك يتعلق بطبيعة الشخص وتربيته،
فإن المتابعة والمراقبة من لدن رؤساء التحرير هي الكفيلة من الحد او
القضاء على هذا الخلل الثقافي الواضح. |