ظاهرة البذخ في المناسبات الاجتماعية

 

شبكة النبأ: الامم والشعوب لها نواميسها وعاداتها وتقاليدها، وهي تختلف من شعب الى آخر لكن ثمة تشابهات قد تحدث في هذا الجانب او ذاك، وعلى العموم تبقى ثمة منظومة واضحة من العادات والتقاليد تحكم هذا الشعب او ذاك تراكمت عبر مئات او آلاف السنين وانتقلت من جيل الى جيل، فشكلت نوعا من القيم التي قد لاتبقى ثابتة على مدار الزمن.

فعلى سبيل المثال كانت هناك بعض التقاليد في اجزاء من الريف العراقي تبيح للرجل ان يسرق قوته، واذا لم يأت رزقه من السرقة فإن ذلك يشكل نوعا من الانتقاص في شخصيته!!! لكن مع مرور الزمن تشذّبت هذه القيمة حتى تحولت الى عار على من يرتكبها، إذن فالعادات وبعض القيم قد لا تبقى ثابتة بسبب تغير القناعات على المدى الطويل.

ومن العادات التي كانت وربما لازالت تشكل ظاهرة مؤسفة هي حالة البذخ المبالغ بها في كثير من المناسبات الاجتماعية، كالزواج والوفاة والختان وما شابه.

فمثلا لازالت بعض العوائل في كثير من ارياف الجنوب العراقي تقوم بعمليات بذخ مبالغ بها جدا في مناسبة الوفاة، حتى يذكر لنا بعض الناس الذين وقفوا على هذه الظاهرة بأن أكواما كبيرة من الرز والمرق واللحوم تُلقى في القمامة بصورة متعمّدة من أجل أن يُقال بأن العائلة الفلانية ذبحت كذا عددا من الخراف او الابقار او الجمال وما شابه، بمعنى أن عملية طهو الطعام وتقديمه الى المعزين لم تكن من اجل الثواب للمتوفي، بل تحولت الى مؤشر على الفخففة وكبر الجاه والتمكن المالي وما شابه، وهكذا تتحول حالة الموت الى مناسبة للتبجح والبذخ وليس من اجل الترحم على روح المتوفى والدعاء لله تعالى ليغفر له ذنوبه.

والحالة نفسها تتكرر في مناسبات الزواج، حيث البذخ يشكل ظاهرة لا تليق بالسلوك البشري المتوازن، وتقوم عائلة الزوج بكثير من الحركات لتظهر للاخرين بأنها عائلة متمكنة من خلال البذخ وهو امر لاينطوي على القبول في اي حال ناهيك عن المضايقات التي يتسبب بها (رتل الزفة) للاخرين سواء في سد شوارع المارة او السيارات وخلق الضجيج والهرج والمرج (والرقص الفائض عن الحاجة) وما شابه، ولذلك فإن مثل هذه المظاهر الباذخة لاتنتمي الى السلوك المتوازن كونها جميعا تحدث في أماكن عامة هي ملك الناس وليس ملك العائلة التي تبذخ هنا وهناك من اجل إشهار قدرتها للآخرين.

وفي هذا السياق ايضا، فيما يخص مثل هذه المناسبات لاسيما في المناطق الريفية او العشائرية، نلاحظ حالة البذخ سواء في تقديم الطعام وبناء السرادق وما شابه ونلاحظ مقابل ذلك استيفاء بعض الاموال ممن يشارك في هذه المناسبة او تلك ويحضرها تلبية لدعوة العائلة التي تقيم المناسبة، وهذه الاموال المستوفاة يُقال لها رد (الفضل)، فهو من جانب يقدم الملايين لكي يبذخ في الطهو زتقديم الطعام وما شابه من اجل أن يُقال بأن لهذه العائلة (جاه كبير) في حين يستوفي من الحضور مبالغ (الفضل) كمشاركة منهم في تقليل (الحمل) المالي الباض الذي خسره في هذه المناسبة او تلك، وهنا نلاحظ حالة تناقض كبيرة وواضحة، إذ ما الذي يجبر العائلة الفلانية على ان تصرف كذا مليون دينار من اجل الفخفخة الفارغة ثم في الوقت ذاته تمد يد الاستجداء من الحضور، وقد يقول قائل بأن هذا الامر عرف من الاعراف المتفق عليها، وهنا نتساءل هل كل الاعراف صحيحة؟ وهل تبقى مناسبة لكل العصور، ثم ألم تتغير كثير من الاعراف والقيم بما يتناسب مع مستجدات العصر؟!.

ان الكثير من الظواهر بات علينا مراقبتها بدقة واعادة النظر في الكثير منها لاسيما ظاهرة البذخ في المناسبات الاجتماعة، ولعل المسؤولية تقع بالدرجة الاولى على وجهاء القوم من عشائر وعوائل وغيرها لاسيما الشيوخ منهم، إذ عليهم التدخل المباشر لتغيير كثير من الظواهر التي ماعادت تناسب الوقت الراهن، وذلك من خلال تشذيبها وجعلها اكثر توازنا وفائدة للمجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 24/حزيران/2009 - 26/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م