الصحافة العراقية في عيدها الـ140

تطلّعات للمهنية ومَطالِب بإقرار قانون حماية الصحفيين ودعم المؤسسات المستقلّة

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: رأى متابعون لمسيرة الصحافة العراقية في الذكرى الـ140 لتأسيسها أن الاعلام العراقي حقق قفزات كبيرة الى الأمام خلال السنوات الأخيرة، فيما اعتبر آخرون أن التطور الحاصل كمّياً وليس نوعياً ويحتاج الى تطوير في الجانب المهني.

ويأتى ذلك في وقت تحتفل فيه الاوساط الاعلامية في العراق بالذكرى الـ140 للصحافة العراقية والتي تتزامن مع تأسيس اول صحفية عراقية (صحيفة الزوراء) في عهد الوالي العثماني مدحت باشا في 15 حزيران يونيو 1869.

وبالتزامن مع الذكرى يتطلّع الصحفيون العراقيون الى الإسراع بإقرار قانون حمايتهم، وتعويض أسر الضحايا منهم، في وقت يأملون ان يشهد العراق استقراراً امنياً يكون عاملاً مساعداً على اداء رسالتهم الاعلامية.

وفي غضون ذلك، دعتْ جمعيات عراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين، الحكومة العراقية الى دعم حرية الصحافة وحرية التعبير والى توفير الدعم الكامل للمؤسسات الاعلامية المستقلة تزامنا مع الذكرى الاربعين بعد المئة لتأسيس الصحافة العراقية.

احمد الزيادي، 67 عاما، موظف في مدينة كربلاء، عبّرَ عن تفاؤله بواقع الاعلام العراقي مشيرا الى حصول “تطور هائل في وسائل الاعلام المحلية خلال السنوات الاخيرة مقارنة بما كان عليه الحال قبل 2003″.

وقال احمد لوكالة أصوات العراق“عاصرت العديد من مراحل العمل الإعلامي والصحفي في العراق، منذ ان كانت الصحيفة النافذة الوحيدة التي نطل من خلالها على العالم”.

وأوضح “كانت خيارتنا محدودة جدا حتى قبل سنوات قليلة، الآن تغيرت الصورة كليا فقد تعددت وسائل الاعلام ومعها الرؤى والأفكار وأصبح الجيل الجديد يرى العالم من عدة نوافذ، ولم يعد محصورا بنافذة واحدة، ففي زمن النظام السابق لم تكن الصورة مكتملة وكان الحديث عن السياسة الإعلامية ودور الاعلام في تثبيت الحريات وتحقيق الديمقراطية من الممنوعات”.

بدورها اعتبرت المعلمة أمل الزيدي من كربلاء، أن الاعلام العراقي “حقق تطورا ملموسا” تزامنا مع اجواء  الحرية والانفتاح في السنوات الثلاث الاخيرة. وتحدثت عن المرحلة التي سبقت احتلال العراق في 2003 قائلة “كانت الواجهة الاعلامية في العراق واحدة تتمثل في عدد من الصحف وشاشتان تبثان أخبارا من نوع واحد، في عملية تخدير واضحة للانسان العراقي”.

وأضافت الزيدي “في السنوات الخمس الاخيرة تغيرت الصورة وصار هناك انتشارا إعلاميا كبيرا وصحف تتناسل وتتصارع في حالة من الانفلات وهو ما سبب حالة تشويش في ذهن المتلقي”.

وبينت أن الساحة العراقية شكلت “ارضا بكرا” للعديد من اوجه الإعلام بأهدافها المختلفة وأساليب عملها المتباينة “وهو ما استغله البعض لنوازع طائفية”.

من جهته اعتبر حامد حسن، معلم من كربلاء، تعدد وسائل الاعلام وانتشارها بعد 2003 “ظاهرة صحية”، وقال إن “الإعلام الحالي أفضل بكثير مما كان عليه قبل سنوات قليلة فهو ينتمي الى واجهات اعلامية مختلفة، وهناك حرية كاملة في النشر والتوزيع وطرح الافكار”.

واعتبر حسن أن “الإعلام العراقي يسير بالاتجاه الصحيح وان واجهته مطبات نتيجة قلة الخبرة”، لافتا الى أن المواطن العراقي “صار يتابع أخباره من خلال وسائل الإعلام العراقية بعد ان كان يتابعها عبر الاذاعات الدولية”.

فيما عبر سعود عزيز، 35 عاما من محافظة صلاح الدين ويعمل كاسبا، عن سعادته بالتوسع الاعلامي الذي حققته التكنولوجيا، وقال “سابقا كنا نعتمد على الإذاعات الأجنبية مثل مونت كارلو ولندن لنعرف اخبار العراق والعالم، كنا نثق بها اكثر من اخبار القنوات العراقية الرسمية التي كانت تبث ما تريده الحكومة وتخفي الباقي”.

وأوضح “بعد عام 2003 تغيرت الصورة واكتشفنا مئات القنوات الفضائية والإذاعية وجاء الانترنت وصار كل شخص يشاهد ما يحب دون اكراه من احد وهذه من حسنات الاحتلال”.

واستدرك قائلا “لكن القنوات العراقية التي ظهرت لم تستطع منافسة القنوات الاخبارية الدولية  كالجزيرة والعربية التي سحبت الجهور الى شاشاتها”، معتبرا أن “القنوات العراقية مسيسة وكل قناة تعمل لجهة معينة  باجندات سياسية او قومية او طائفية”.

أما موسى حسين، 46 عاما موظف في تكريت، فيرى انه “لا مقارنة بين الاعلام قبل الاحتلال وبعده. الآن امامك مئات القنوات وانت حر في مشاهدة ما تريده، في الماضي كنا محصورين في قناتين رسميتين فقط”.

واضاف حسين “تعجبني القنوات العربية المعروفة لأنها تغطي كل العالم ولديها برامج منوعة ومفيدة”، معربا عن امله في أن “يتطور اداء الاعلام العراقي بوجود اجواء حرية مناسبة”.

ليث غانم، معلم متقاعد من مدينة الموصل شمالي البلاد، اتفق مع سابقيه حول “ايجابية التطور الاعلامي”، وقال “كنا نحاول سماع الاخبار الدقيقة، خصوصا أيام الحربين مع ايران والكويت، من الاذاعات الدولية كمونت كارلو وبي بي سي التي كانت تتعرض للتشويش، لكن في السنوات الاخيرة غزت القنوات الفضائية بيوتنا وصارت هي مصدر الاخبار والمعلومات”.

وأضاف “كان هنالك صوت واحد في كل المؤسسات الاعلامية الرسمية ينطق باسم الحكومة العراقية ولا يوجد من يخالفها الراي، اما الآن فهناك العديد من الفضائيات العراقية الخاصة اضافة الى الحزبية، وبعضها اصبحت سباقة في عرض شؤون البلاد وباتت منافسا قويا للقنوات العربية والعالمية”.

الضابط المتقاعد في الجيش العراقي محمد سعيد من الموصل، تحدث عن ظاهرة انتشار القنوات التلفزيونية والاذاعية المحلية التابعة للمحافظات والتي لم يكن لها وجود في السابق، مشيرا الى وجود “اكثر من خمس اذاعات محلية وثلاثة محطات تلفزيونية في مدينة الموصل”، اضافة الى وجود اكثر من 30 فضائية عراقية، معتبراً ذلك دليلاً على “حجم التقدم الحاصل في الاعلام العراقي”.

ولفت سعيد الى تراجع دور الاذاعات والصحف كقنوات لنقل المعلومة، وقال “لم يعد هناك اهتماما بالاذاعات حتى العالمية منها فالتكنولوجيا الحديثة بما حملته من اجهزة ستلايت وانترنت ادت الى سيادة الصورة وهو ما ادى الى تراجع الاهتمام بالاذاعات والصحف”.

وأضاف “في السابق كنا نلجأ لسماع الاخبار من الاذاعات العالمية اما الآن فالمحطات التلفزيونية صارت هي المصدرالاول للاخبار”.

لكن لقاسم حنون، 50 عاما ويعمل سائق سيارة اجرة في مدينة الصدر شرقي بغداد، وجهة نظر اخرى فهو يعتقد أنه “مازال للاذاعات حضورا جيدا”، قائلاً “اتابع العديد من الاذاعات وانا اعمل كسائق… وابدأ يومي بالاستماع الى تقارير بي بي سي ومن ثم اتحول الى الاذاعات المحلية”.

وعن الفرق بين الاذاعات الدولية والمحلية أوضح لوكالة اصوات العراق “احيانا اقارن بين الاذاعات العالمية والمحلية، من حيث نقل الخبر والمعلومة ودقتها، فأجد ان الاذاعات الاجنبية التي تبث باللغة العربية تملك اخبارا خاصة بها فيما تفتقد الاذاعات المحلية لذلك، ولهذا اتواصل مع الاذاعات لأنها تبث الاغاني القديمة التي لا نجدها على الفضائيات”.

الزيادة العددية الهائلة في وسائل الاعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة خلال سنوات قليلة افرزت تحديات كبيرة بحسب بعض المتابعين الذي يرون ان التوسع الكمي الهائل والسريع كان يتطلب مئات الكفاءات التي لم تكن متوفرة، مشيرين الى اهمية تحقيق المهنية وضمان الحيادية في ظل التوجهات السياسية المختلفة.

ابراهيم موسى، 41 عاما ويعمل موظفا حكوميا في بغداد، وصف الوضع الاعلامي في العراق بالمرتبك نتيجة الانفجار الكمي الهائل الذي افرزه التغيير بعد 2003، وقال “طوال 30 سنة كان هناك اعلام حزبي يعمل وفق ايديولوجية محددة”.

واستدرك قائلا “بعد التغيير حصل توسع اعلامي هائل كان يتطلب مشاركة مئات الكفاءات الصحفية والاعلامية التي لم تكن متوفرة في البلاد”، مشيرا الى “اهمية تجاوز مرحلة التأسيس التي يعيشها الاعلام العراقي منذ خمس سنوات والدخول في مرحلة البناء المهني عبر تأسيس اعلام حيادي خاص يتجاوز الاعلام الحزبي”.

سعد كريم، 44 عاما من مدينة البصرة الجنوبية، قال إن هناك “عدة نقاط خلل” في الاعلام العراقي الحالي، مبينا أن “وسائل الاعلام العراقية قبل 2003 كانت تدار من قبل الحزب الحاكم في البلاد وهو ماكان يدفع للبحث عن مصادر اخرى للخبر”.

وأوضح كريم لوكالة اصوات العراق “كنت اتابع الاخبار العراقية عبر الاذاعات الدولية التي تبث بالعربية لأنها كانت تتسم بالمصادقية وتنتهج عملية تحليل الاحداث بموضوعية، اضافة الى ما يبثه تلفزيون بغداد وتلفزيون الشباب”.

مطالبات بإقرار قانون حماية الصحفيين

وبالتزامن مع الذكرى السنوية لعيد الصحافة العراقية يتطلّع الصحفيون العراقيون الى الإسراع بإقرار قانون حمايتهم وتعويض أسر الضحايا منهم، في وقت يأملون ان يشهد العراق استقرارا امنيا يكون عاملا مساعدا على اداء رسالتهم الاعلامية.

واعتبر نقيب الصحفيين العراقيين ان “العمل الصحفي العراق في العراق يسير بخطوات واثقة”، مشيرا الى ان “شجاعة الصحفي العراقي في الميدان اثبتت للقاصي والداني تحملة لمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه”.

وقال مؤيد اللامي إنه “رغم الظروف العصيبة التي يواجهها الصحفيين في العراق الا انهم استطاعوا ان يشاركوا في صناعة العراق الجديد القائم على الراي والراي الاخر”، لافتا الى ان “القادم من الايام والسنوات سيكون افضل بكثير”.

وحول مستوى الدعم الحكومي للصحفيين اوضح اللامي ان “الحكومة لم تدخر جهدا في دعم الصحافة والصحفيين ولم تمانع من تقديم اي شيء يصب في تطوير العمل الصحفي”، مستدركاً ان “نقابة الصحفين تتطلع الى تقديم المزيد من الدعم والتطوير”.

وعن الاسباب الحقيقة لتأخّر اقرار قانون حماية الصحفين قال نقيب الصحفيين العراقيين “فعلا تاخر اقرار القانون لكننا على اتصال بمختلف المسؤولين في الحكومة وعبروا عن تعاطفهم مع معاناة الصحفيين وضرورة وجود قانون يحميهم ويدعم عوائل من قتل منهم”، مبينا ان “رئيس مجلس النواب اعرب عن تعاطف كافة اعضاء المجلس مع الصحفيين واستعدادهم لمناقشة قانون حمايتهم حال وروده الى مجلس النواب”.

وعن تاخر كشف اغلب حالات الاغتيال التي تعرض لها الصحفيون من قبل الاجهزة الامنية قال اللامي إن “وزارة الداخلية استطاعت ان تكشف خيوط وملابسات اكثر من اربعين حالة اغتيال لحد الان وهي بصدد دراسة جميع الحالات المتبقية ونتمنى ان يتم انجاز ذلك بسرعة لكي يحال كل من تجاوز على الصحفيين الى القضاء لاخذ جزاءه العادل”.

من جانبه ابدى هادي جلو مرعي نائب مدير مرصد الحريات الصحفية استغرابه من “عدم الاكتراث الحكومي لما يتعرض له الصحفيون من قتل واختطاف وحالات تهجير لهم ولعوائلهم”، داعيا “الحكومة العراقية الى اظهار حالة الحرص العالي ازاء الصحفيين”.

وقال مرعي “منذ اول ايام التغير والانفتاح الواسع كانت هناك مطالبات لاستحداث اعلام  منفتح يتيح الفرصة لكثير من الاعلاميين لممارسة عملهم بشكل مهني وبعيد عن الضغوط، وفعلا حدث ذلك لكن للاسف واجه عنفاً منظماً استهدف حياة اكثر من 246 صحفياً جميعهم قتلوا في ظروف مختلفة”.

واضاف ان “المثير للدهشة انه لا الحكومة ولا وزارة الداخلية تمكنت من الكشف عن الجناة الحقيقيين الذين يستهدفون حياة الصحفي وكل ما قيل غير ذلك هو مجرد دعاية ويعد مفارقة مضحكة”.

وعن تقييمه لاداء نقابة الصحفيين العراقيين قال إن “نقابة الصحفيين لم تؤد دورها الحقيقي والمطلوب لان الجو العام في العراق لا يسمح لاي منظمة نقابية ان تؤدي دور ايجابي”.

الى ذلك اعتبرالنائب محمد الخزعلي عضو لجنة الثقاقة والاعلام النيابية ان “الصحافة في العراق شهدت طفرات نوعية ايجابية واتيح للصحفيين حرية العمل وتاسيس مختلف وسائل الاعلام وهذا يعد انجازا كبيرا يضاف لانجازات العراق الجديد”.

وقال لوكالة أصوات العراق إنه “بعد ان عانت الصحافة العراقية في ظل الانظمة السابقة من تسلط الاجهزة الامنية عادت اليوم تجد مساحة كبيرة من الحرية متاحة امامها لتقول ماتقول وتعبر ماتود التعبير عنه بصدق وشفافية وبدون وجل وخوف”.

واشار الى ان “مجلس الوزراء حوّلَ مشروع القانون الى لجنة مختصة لدراسته واللجنة قامت بتحويلة الى مجلس شورى الدولة وبقي لديها فترة طويلة وبعد ان تمت الموافقة عليه ارسل الى لجنة اخرى داخل مجلس الوزراء”.

جمعية تدعو الحكومة الى توفير الدعم للمؤسسات الاعلامية المستقلة

من جهة ثانية دعت الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين، الحكومة العراقية الى دعم حرية الصحافة وحرية التعبير والى توفير الدعم الكامل للمؤسسات الاعلامية المستقلة تزامنا مع الذكرى الاربعين بعد المئة لتأسيس الصحافة العراقية .

وقال ابراهيم السراجي رئيس الجمعية لوكالة اصوات العراق ان “الجمعية تدعو الحكومة العراقية الى دعم حرية الصحافة وحرية التعبير ودعم المؤسسات الاعلامية المستقلة  وخاصة تلك التى تمول عن طريق الاعلانات”.

كما دعا السراجي الحكومة العراقية الى ان”يصار الى وضع برنامج لوقف العنف ضد الصحفيين وازالة كل العراقيل التى تقف دون تقديم مقترح قانون حماية الصحافيين الى  مجلس النواب العراقي لمناقشته والمصادقة عليه،  ليكون بذلك غطاء قانونيا ينظم عمل الصحفيين في العراق ويسهم بوقف العنف ضدهم”.

ويصادف غدا الاثنين المصادف الخامس عشر من حزيران يونيو، الذكرى الاربعين بعد المائة لتأسيس الصحافة العراقية، وتقيم فيه نقابة الصحفيين العراقيين حفلا خاصا تكرم خلاله الصحفيين الرواد والمتميزين.

ويعتبر اصدار جريدة ( الزوراء) وهو اول مطبوع عراقي صدر في الخامس عشر من حزيران يونيو 1869، هو يوم الصحافة العراقية، وصدرت الزوراء على يد مؤسسها الوالي مدحت باشا، الذي جلب لها مطبعة من باريس في العام نفسه، اسماها بمطبعة (الولاية)، فكانت المطبعة والجريدة صنوين لعمل واحد. وصدرت الزوراء ومنذ عددها الاول باللغتين العربية والتركية وبالحجم المتوسط، بثماني صفحات، ثم باربع صفحات، حتى عام 1908 م.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/حزيران/2009 - 25/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م