التداعيات الإقليمية والدولية لصعود تيار المحافظين في ايران

صراع مدرستين: العسكرية - السياسية والاستراتيجية - الاقتصادية في ظل حكومة نجاد

مركز النبأ الوثائقي

 

شبكة النبأ: بالرغم من أن النظام في إيران يحكم قبضته على مقاليد الأمور، فان أنصار المعارضة الإيرانية الذين خرجوا للشوارع وتحت أنظار حرس الثورة الايراني الذي يتسم بالعنف، يغنون ويضحكون ويصرخون واصفين الرئيس احمدي نجاد بانه مجرد هباء. بينما كان المرشح المهزوم في الانتخابات مير حسين موسوي بين الجماهير، وهو ربما يكون قد خسر الانتخابات رسميا، ولكن الأيام الماضية حملت مواكب النصر الانتخابي - حسب اعتقاد انصار المعارضة- في شوارع العاصمة طهران والذي انتهى باطلاق الرصاص والدماء.

 وبرغم منع المظاهرات في إيران منذ قيام الثورة عام 1979 فقد اتسمت هذه المظاهرات بالنصر رغم مقتل عشرات الأشخاص على أيدي قوات الباسيج. في وقت ردد فيه المتظاهرون هتافات (دبابات، بنادق، باسيج، لم يعد لكل ذلك تأثير الآن). فيما كانت المروحيات تحلق فوقهم مرددين هتاف (أين صوتي)؟.

إن السير وسط هذا الطوفان البشري الهائل خلق حالة من الشجاعة واللامبالاة إزاء الخوف، فمن يجرؤ على مهاجمتهم؟ أية حكومة يمكن أن تنكر حشدا بهذا الحجم والتصميم؟ إنها أسئلة خطرة. بينما تسائل محتشدون عما إذا كان المرشد الأعلى للثورة على خامنئي سيفهم ما يحدث في إيران؟ فبرغم موافقة خامنئي على إجراء تحقيق في نتائج الانتخابات، لكن أحمدي نجاد رجل صارم. وان سلف نجاد حجة الاسلام محمد خاتمي كان بين الحشود مع موسوي وزوجة موسوي زهرة راهنافارد.

إن الحكومة أمر لا يتعلق بالطيبين أو الأشرار وإنما يتعلق بالسلطة والدولة والسلطة السياسية، وإذا لم تتحرك شرطة مكافحة الشغب لتكون إلى جانب المعارضة فان أسلحة الجمهورية الاسلامية ستظل في أيدي إدارة أحمدي نجاد ورعاتها الروحيين.

ان الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الايرانية أخذت منحى دمويا عندما انطلق الرصاص صوب أنصار مير حسين موسوي. بعد ان شاركة مئات الآلاف في المظاهرات احتجاجا على سرقة الانتخابات، مرددين هتافات نؤيدك يا موسوي، نموت ونستعيد أصواتنا. وبعد كل هذا إصدر خامنئي أمر التحقيق في نتائج الانتخابات، ونسبت إلى مصادر دبلوماسية القول إن ذلك لا يعد تحولا في موقف المرشد الأعلى الذي حذر موسوي بان عليه اللجوء إلى الوسائل "القانونية" فقط للاعتراض على النتيجة. في وقت اعتلى الناس أسطح المنازل ورددوا الله أكبر تأييدا لمظاهرات طهران.

من هنا برزت عدة تساؤلات كيف يمكن مساعدة الاصلاحيين في إيران؟ أجاب عليها الواقع الايراني فبنشر المعلومات أولا باول عما يحدث هناك وقد لا يكون ذلك قد اسقط أنظمة مثل حكومة بورما ولكنها أبقت زعيمة المعارضة أونج سان سوتشي حاضرة في الأذهان.

كما ان هناك استخدام التكنولوجيا في الاتصال بالايرانيين وقد تواصل حاليا العديد من المدونين الايرانيين مع المواقع الاخبارية البريطانية. وان استخدام مواقع مثل فيسبوك وتويتر على الانترنت منوهة باحد المشاركين على تويتر والذي كتب يقول إنني ذاهب إلى المظاهرة فالامر يستحق المخاطرة، ولن أستطيع القيام بالتحديث حتى أعود، أشكركم جميعا وتمنوا لنا حظا طيبا.

وفي قراءة لنتائج الانتخابات وفقاً لمعايير نظرية توازن القوى، وتأسيساً على ذلك تشير المعطيات الاستنتاجية الآتية الخاصة لمعادلة توازن القوى الإيراني الداخلي:

- تغير توازن القوى الداخلي بقدر كبير لصالح المحافظين وبالتالي فإن المعركة الانتخابية لم تكن ساخنة كما صورتها أجهزة الإعلام الغربية فقد انتصر المحافظون بأغلبية كبيرة للغاية.

- خلال الجولات الانتخابية الماضية كان توازن القوى متقارباً بين المحافظين والإصلاحيين وكان الفارق في النتائج الانتخابية قليلاً بين الطرفين الأمر الذي كان بالفعل يعكس سخونة المواجهة والتنافس.

- خلال الفترة الممتدة من آخر انتخابات رئاسية وحتى الانتخابات الأخيرة تغيرت صيغة توازن القوى لصالح المحافظين والسبب يرتبط بأداء حكومة أحمدي نجاد وهو أداء أثبت بالفعل أنه حصل على تأييد الرأي العام الإيراني.

بعد هذه النقاط والتي لم تكشف عن هشاشة موقف الإصلاحيين في مواجهة المحافظين وحسب وإنما كشفت عن مدى دور التضخيم الإعلامي الإقليمي والدولي في تصوير المعركة الانتخابية بأنها تعكس تنافساً قوياً مصيرياً بين تيار محافظ وتيار إصلاحي ثبت أنه واجه خلال الأعوام الخمسة الماضية المزيد من التآكل والانجراف على المستوى السياسي الداخلي الإيراني.

* تداعيات صعود قوة تيار المحافظين

على الصعيد الشكلي كان التنافس الانتخابي بين المحافظين والإصلاحيين وعلى الصعيد التحليلي فقد كان التنافس بين تيار محافظ يسعى إلى تعزيز القدرات الإيرانية دون تقديم أي تنازلات للأطراف الخارجية وتيار إصلاحي يسعى إلى تعزيز القدرات الإيرانية عن طريق البراجماتية وتبادل التنازلات مع الأطراف الخارجية، وبكلمات أخرى:

- اعتمد تيار المحافظين على رهان "المدرسة العسكرية - السياسية" القائم على مفهوم أولوية الأمن القومي وفقاً لمعطيات نظرية "دواعي الأمن" وردع الخطر الخارجي.

- اعتمد تيار الإصلاحيين على رهان المدرسة الاستراتيجية - الاقتصادية القائم على مفهوم ضرورة أولوية التنمية الاقتصادية – الاجتماعية – السياسية وفقاً لمعطيات نظرية "دواعي التنمية" وردع خطر التفكك الداخلي.

جدد غالبية الشعب الإيراني الرهان على جدوى تيار المحافظين بزعامة الرئيس نجاد وبالتأكيد سيترتب على هذا الرهان المزيد من التداعيات التي يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:

- تعزيز القدرات العسكرية – الأمنية الإيرانية.

- تشديد قبضة الحرس الثوري الإيراني على القوام المؤسساتي الإيراني.

- تراجع برامج الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية.

- تزايد المواجهات مع الأقليات والحركات المنشقة.

- تزايد الضغوط الاقتصادية الداخلية.

* التداعيات الإقليمية

- تزايد حركة الاستقطاب الإقليمي بما يؤدي إلى حركة فرز أكبر بين معسكر حلفاء إيران ومعسكر خصومها.

- ستواجه تركيا وتركمانستان وباكستان موقفاً حرجاً إزاء خيارات تعزيز تعاونها مع إيران وخيارات الانضمام إلى معسكر خصوم إيران.

- ستسعى الحركات المنشقة الإيرانية إلى استخدام بعض مناطق الجوار كنقاط ارتكاز لجهة المزيد من القيام بالعمليات ضد النظام الإيراني.

- ستسعى إيران إلى تعزيز الروابط مع حلفائها الإقليميين.

- ستسعى إسرائيل إلى المزيد من استهداف إيران.

- ستسعى إيران إلى إضعاف موقف خصومها الإقليميين وعلى وجه الخصوص محور القاهرة – الرياض إضافة إلى محور كابول – إسلام آباد – نيو دلهي.

- ستسعى إيران إلى تعزيز روابطها مع دول آسيا الوسطى الخمسة (تركمانستان – أوزبكستان – كازاخستان – كيرغيزستان - طاجيكستان) بما يتيح إيران تأمين نفسها من الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي.

* التداعيات الدولية

- تزايد ارتباك واشنطن إزاء المفاضلة بين خيار التعايش مع إيران النووية وخيار استهداف القدرات النووية الإيرانية.

- تزايد الخلافات على خط واشنطن – تل أبيب وخط واشنطن – الاتحاد الأوروبي وخط تل أبيب – الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع الملف الإيراني.

- تزايد احتمالات حدوث توافق روسي – أوروبي حول إمكانية التعايش مع إيران النووية إضافة إلى تزايد احتمالات حدوث صفقة أمريكية – روسية حول الملف النووي الإيراني.

- تزايد التقارب الروسي – الصين حول التعايش مع البرنامج النووي الإيراني مع احتمالات انضمام إيران إلى دول تعاون شنغهاي وعلى الأقل فمن الممكن أن تحصل إيران على وضع الشريك في هذه المنظمة بعد أن ظلت خلال الفترة الماضية تحمل صفة العضو المراقب.

- تزايد الخلافات داخل مجلس الأمن الدولي إزاء كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني خاصة وأن سيناريو التعامل الدولي مع الملف النووي الكوري الشمالي مازال يتسم بقدر كبير من الشكوك واللايقين وبكلمات أخرى فإن ما سيحدث في سيناريو الملف النووي الكوري الشمالي سيكون الأكثر احتمالاً أن يتم إسقاطه على الملف النووي الإيراني.

محفزات الصراع الداخلي الإيراني

أما على المستوى الداخلي الايراني فعلى مدى الثلاثين عاماً التي أعقبت اندلاع الثورة الإسلامية في إيران والإطاحة بنظام الشاه، ظلت الساحة السياسية الإيرانية تشهد تداولاً سلساً للسلطة بين القوى السياسية المندرجة ضمن ثوابت نظام الثورة الإسلامية الإيرانية، ولكن بدا الأمر مختلفاً عقب تصاعد الخلافات وأعمال العنف السياسي التي برزت بفعل عدم التوافق حول نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية: ما هي محفزات الصراع السياسي الإيراني- الإيراني؟ وهل يتعلق الأمر بمجرد نتائج الانتخابات أم يتعدى ذلك إلى عمق الوعي الاجتماعي السياسي الإيراني؟ وهل من أطراف خارجية تزكي نار الصراع أم أن جذور والأزمة هي إيرانية بحتة؟

برغم تعدد مراكز صنع واتخاذ القرار الإيراني فإن الصراع الحالي وإن كان يدور ضمن الإطار المؤسسي السياسي الإيراني فإن هناك الكثير من الشكوك المتعلقة باحتمالات أن تكون جذور العنف السياسي الإيراني الحالي أكثر ارتباطاً بما يجري وراء الحدود الإيرانية من استهداف لإيران وتحالفات إقليمية ودولية تسعى لإعاقة إيران عن بناء قدراتها النووية التي ستتيح لإيران بلا شك التحول إلى مصاف الدول الإقليمية الكبرى.

على خلفية نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية وإعلان فوز مرشح المحافظين أحمدي نجاد وهزيمة مرشح الإصلاحيين مير موسوي، بدا واضحاً أن تيار الإصلاحيين قد عقد العزم على تصعيد المواجهة مع المحافظين.

- أحمدي نجاد: يعتبر الزعيم المعلن لتيار المحافظين، وقد لمع نجمه خلال فترة توليه منصب عمدة طهران وظل طوال فترة نشاطه أكثر ارتباطاً بقوات الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) وبالدوائر الإسلامية الأصولية الشيعية ذات الارتباطات المرجعية المباشرة. كان من أبرز منتقدي ومعارضي نظام الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وفي عام 2003 نجح في تشكيل كتلة سياسية حملت اسم «تحالف بناة إيران الإسلامية» الذي ضم رموز القوى السياسية المذهبية الدينية المحافظة الإيرانية واستطاع هذا التحالف الانطلاق بسرعة مكتسحاً انتخابات المجلس الإيراني (2004) وانتخابات مجالس المدن والقرى الإيرانية والتي انعقدت في العام 2003 وحالياً يتمتع نجاد بالدعم القوي والمساندة المطلقة من الحرس الثوري الإيراني.

- المرشح مير موسوي: يعتبر من كبار الزعماء الإصلاحيين الملتفين حول الرئيس السابق خاتمي وسبق أن تولى منصب رئيس الوزراء طوال الفترة من 1981 حتى 1989 حين ألغي منصب رئيس الوزراء بعد تعديل الدستور، وحالياً يعمل رئيساً لأكاديمية الآداب الإيرانية، كما تجدر الإشارة إلى أنه سبق أن تولى منصب وزير الخارجية قبل أن يصعد إلى منصب رئيس الوزراء. يتمتع موسوي بعضوية مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يقوم بمهام حل الخلافات بين البرلمان ومجلس حراس الثورة وإضافة لذلك يتمتع مير موسوي حالياً بعضوية المجلس الأعلى للثورة الثقافية وما هو جدير بالملاحظة أن جميع هذه المناصب يتم تعيينها بواسطة المرجعية العليا للثورة الإسلامية.

عند القيام بالتحليل المقارن لخلفيات وكاريزميات فريقي الصراع نلاحظ أن كل منهما ملتزمان بالعمل ضمن إطار نظام الثورة الإسلامية وتحت سقف سلطة ولاية الفقيه والمرجعية العليا، ولكن حالة الانقسام السياسي الحالية تنطوي على أبعاد أخرى يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:

- انقسام داخل معسكر الثورة الإسلامية بين قوى محافظة وأخرى إصلاحية.

- انقسام بين أنصار للثورة الإسلامية ومعارضين لها.

تقول المعلومات أن المعارضين لنظام الثورة وجدوا في دعم المرشح الإصلاحي موسوي وسيلة للتقدم خطوة باتجاه التغيير من الداخل طالما أن وجود نظام سياسي بزعامة موسوي سيتيح المزيد من حرية الحركة والتعبير والحرية السياسية إضافة لتخفيف القيود المذهبية كما وتخفيف قبضة الحرس الثوري الإيراني الحديدية.

أصبح معسكر موسوي يضم أنصار موسوي الحقيقيين داخل نظام الثورة الإسلامية إضافة إلى القوى السياسية المعارضة للنظام والتي تعمل سراً.

عندما ظهر نظام الثورة الإسلامية في إيران لم يكن هناك محافظون ولا إصلاحيون وإنما كان الجميع موحداً تحت راية روح الله الخميني، أزاء الخطر الخارجي.

وبعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية واستتباب الأوضاع بدأت الساحة السياسية الإيرانية تشهد حراكاً سياسياً ومذهبياً لعدة أسباب يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:

- أسباب داخلية: تتمثل في توجهات القوى السياسية الإيرانية المطالبة بإجراء التعديلات التي تتيح توسيع المشاركة واحترام حقوق الأقليات والإصلاح الاقتصادي.

- أسباب خارجية: تمثلت في التحولات الدولية والإقليمية التي شهدتها مناطق آسيا الوسطى والقوقاز وظهور "العولمة" على النحو الذي أغرى الشباب الإيراني باعتماد التوجهات العلمانية بما يتيح إدماج إيران أكثر فأكثر في العولمة.

ألقت ضغوط الأسباب الخارجية والداخلية بتداعياتها على النخبة الإيرانية المسيطرة وبالفعل أصبحت المؤسسة الدينية والسياسية الإيرانية أكثر تفككاً ودارت العديد من الخلافات والمساجلات بين زعمائها.

وصلت الخلافات إلى قيام محمد خاتمي بتشكيل تكتل تحالفي جمع بين بعض القوى السياسية ضمن برنامج سياسي انتخابي تضمن الآتي:

- إجراء المزيد من الإصلاحات السياسية في نظام الثورة الإسلامية.

- توسيع هامش الحريات الديمقراطية المتاح.

خلال فترة ولاية أحمدي نجاد وسيطرة المحافظين وعلى وجه الخصوص الحرس الثوري الإيراني على مقاليد الأمور تزايدت معارضة الإصلاحيين وسعوا إلى توجيه الانتقادات التي ركزت على كشف جوانب ضعف الأداء السياسي والاقتصادي لسلطة المحافظين ووجدت انتقادات المحافظين المحفزات على خلفية ضغوط العقوبات والتهديدات الأمريكية.

برغم احتمالات المصالحة والتهدئة بين طرفي الصراع فمن الواضح أن تيار الإصلاحيين سيتعرض لأزمة داخلية عميقة إذا سعت زعامة التيار إلى خيار المصالحة والتسوية مع المحافظين الذين لن يقبلوا بأقل من موافقة الإصلاحيين على الثوابت الأصولية الشيعية وهي التي يسعى الإصلاحيون إلى المناورة والالتفاف عليها عن طريق استخدامها وتوظيفها على أساس المعطيات السياسية البراجماتية.

بالنظر الى وتيرة ولهجة ماحدث سيبقى العالم يراقب إيران، فينبغي على الحكومة الايرانية ان تدرك أن العالم يراقبها. ويسود أعتقاد أن الطريقة التي سيتعامل بها القادة الايرانيون مع اناس يحاولون إسماع صوتهم بوسائل سلمية، سيعطي للمجتمع الدولي فكرة جيدة عن ماهية ايران.

...................................................................

المصادر

CNN + BBC + موقع الجمل

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/حزيران/2009 - 24/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م